الجُزء الرابع عَشر

3K 244 122
                                    




أنا الصمت، فعلِمني كيف أكون لحنًا.

أنا أولى الأحرف المُختلقة ببطءٍ و تردُد، فأمسِك بإندفاعك القلم، و علِمني كيف أنقُش الكلمات، و أسيق العِبارات، و أحملُ جرأةً كافية، تُمكنّي شيئًا فشيئًا، من طرح التساؤلات. أنا الباب الموصد بإحكام مُنذ تركيبه، الذي لم يعلَم -لمرةٍ- قَط، أنهُ قادرٌ على أن يكون شيئًا حُرًا، غير محكومٍ بأبدية الثبات، و لا تُعلق عليه صورٌ للذكريات.

أنا بداية الخريف المُرتبكة، فعلِمني، كيف أجعلُ إختناقي و ضربات حُزني تتساقط كما الورق، علمِني كيف أفتح بيديّ العارية أضلاع صدري، و أطلقُني حرًا من تصاعُد أفكاري، دون آثار، دون خدوش. أنا أول تكوّن السُحب، التي رأت كل شيءٍ من بعيد، الآثام و الآلام و جميع خسارات القهر المُجبرة، دون قُدرةٍ على الفِعل، دون فمٍ للصُراخ، و دون ذراعٍ للإمتداد.


قد أُصبح اليوم شيئًا أفهمهُ و لكنّي في غدٍ يأتي قريبًا سأُعاود نسيان هذا الإقتناع، سأنكر المُسببات، و أنفرُ من كل التغيرات، سأتمسكُ بي، بما كُنت أفعله، بما كان يبعثُ فيّ الوَلع، و يُشعرني بهذا الوَهم المُخدر الذي يسري في عُقول الجميع، أننا شيءٌ نعرفُه، شيءٌ نألفه، أننا لسنا ضياعًا، و لسنا فِكرةٍ في عدم الحسبان، أننا ثابتون مديدون، و كل ما هو في خارج إطار الوعي، ليس حقًا من الوعي.

نثرتُ على ذاتي جُنوني، و حاولتُ -بصمتي و عُزلتي و إنفرادي الأخرس- أن أعلم من أكُونه، أن أجعل من بَحري جليدًا كالصخر لا ماءً تُعكره الأيام التائهة المرمية، أردتُ أن أجعلني أنجو، دون إدراك إني كُنت أنا من يلف السلاسل على رسغي، أردتُني أن أطير و أُحلق حتى بَعيد الهرب، دون أدنى مَعرفة، أن أفكاري نفسها كانت يَدًا خشنة، تُحكم الإمساك بأجنحتي.

أردتُني أن أتغير، لكنّي نسيتُ أني لم أكُن أعلم.. ماهية هذا الذي يجبُ أن أُغيره؟

و على الرُغم من مواجهتي، كُنت دومًا أعلم في بُقعةٍ صغيرة تتوهج كالشمعة في قلبي، و لا أعترفُ بوجودها أبدًا، أن شيئًا من الهرب و التملُص، كان يُرافق خطواتي من الخلف، أن شيئًا من الخوف و إحتياج المُجاورة، إحتياج الحديث، رَغبة الصراخ، كان يتشبثُ بي، و يقفُ في زاويةٍ ما من عقلي، مختبئًا من العقلانية، خائفًا من تعكير الأفعال النمطية، و خائفًا أكثر.. من النَدم.

عشتُ في صورةٍ ثابتة، تستوطن كل شيء، إطارٌ محبوس، تعيش في جوفه أحرُف، ألحان، و مشاعرٌ مُغطاةٌ بجلدٍ و عظم، عشتُ تائهًا متوهمًا بسُخرية الإستدلال، مريضًا أتعاطى دواء عِلتي.

مأخوذٌ أنا بسهواتٍ عَديدة، تُحشر في جلدي، و تعوم خارج مِحجر عيني، بإنسيابية، بإعتياد.

VK| مَشهدٌ مِن نافِذةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن