الغرفة الثالثة

13.3K 1K 99
                                    

اليوم كان هادئًا فلم يسمع الطبيب صراخ المرضى المعتاد أو حتى حديثهم الذي لا ينقطع فقد عمَّ الهدوء عليهم ، فاختار غرفة عشوائية وطرق على بابها وهَمَّ لفتح الباب ولكنه كان مغلقًا من الداخل !! فغضب الطبيب وصاح ، عجبًا ما هذا الإهمال كيف يسمحون لمريض أن يتحكم في إغلاق غرفته عليه فهذا خطرًا للغاية ولكنني لا استطيع استخدام العنف حاليًا فلا أعلم ما مدى خطورة ما وراء هذا الباب ، فطرقت الباب برفق تارةً وناديت تارةً أخرى حتى استسلم قاطن الغرفة وهَمَّ لتلبية النداء ..
انفتح الباب تدريجيًا ليظهر رجل ضعيف نحيل الهيئة مُطأطِىء الرأس تتحرك عيناه يمينًا ويسارًا في خوف وهلع ..
ما إن تقدمت خطوات بسيطة هرع المريض واختبأ خلف الستار ومازالت يداه ترتعشان ..
- الطبيب :- أهدأ أهدأ لم آتِ لأخيفك ، أهدأ فضلاً فلن أقترب منكَ.
صمت رهيب يحتل حنجرة المريض
- أهدأ أهدأ أنا جالس هنا لن أتحرك ..
= مريض الغرفة الثالثة :- لِما لِم..ـا أتيـ..ـت إلـى هـ..نـا !!
- لِما كل هذا التوتر فلم أفعل لكَ شيئًا حقًا !
= هل تظن أنني أخشاك !!
- حسنًا ما هو الأمر !!
= أغلق هذا الباب المفتوح أولاً ألا تعلم بڤيرس كورونا المنتشر حاليًا !! ألا تخشى أن الهواء القادم لربما يحمل هذا الكوفيد ! وكيف ينعتوك بطبيب ولا ترتدي ماسكًا أو جوربًا!!
- هل تمزح ! هل كل هذا الهلع من أجل ڤيرس توصل العالم للقاح من أجله !
= بالفعل أخذت اللقاح ولكن ما الضرر من مزيد من الوقاية؟
- عفوًا هل تقصد أنك حصلت على اللقاح !
= نعم بالطبع
- .....
= خذ هذا المطهر وعقَّم يداك وفضلاً أرتدي هذه الكمامة.
- هذا سيجعلك أفضل ؟
= نعم وسيجعلك أيضًا.
- فعلت ، هلأ تخبرني ما هي مشكلتك ؟
= لا أعاني من أية مشاكل بل أسرتي تبالغ في الأمر !
- أسرتك التي تبالغ !! نعم نعم بالطبع ، حسنًا وبماذا تتهمك بدافع المبالغة ؟
= زوجتي تقول أنني أعاني من الوسواس القهري ، تعتقد أن الخوف من مشاكل الحياة والسعي للإبتعاد عنها مرض ! فما إن نصحتها بحماية نفسها وبيتنا تنهال عليّ بالصراخ ، حتى ابنتي الصغيرة سئمت من خوفي عليها واتهمتني بالجنون حتى أنها ثارت عليّ هي وأمها وتركتا المنزل ، اعْتَـدْت على غيابهما ولكن بدأت امتحانات ابنتي فذهبت لمنزل جدتها التي تقطنه وجئت لها بجميع الكتب والملازم الخاصة بمجال دراستها في جميع أنحاء العالم وقمت بطباعتها فصرخت في وجهي وقالت لي أني أحتاج الخضوغ لعلاج لأنها أنهت مرحلتها التعليمية منذ أكثر من عامين ، لا أعلم هل ما قالته صحيحًا أم لا لكنني ، كنت أخشى عليها من الرسوب !
- ولذلك جئت إلى هنا ، أليس كذلك ؟
= بالطبع لا ، لكن بتراكم المواقف طلبت زوجتي الطلاق وخضعت لرغبتها لأنها لم تكن تشبهني قط ، فكانت مهملة ، لا تهتم بالنظافة ، لا تخشى الغد ، لا تفكر كثيرًا ، تتواكل …إلخ
ولأنها أم ابنتي الصغيرة فتركت لهم شقتي وجزءًا كبيرًا من مالي الخاص ، وذهبت لأقطن إحدى غرف الفنادق الشهيرة ولكنهم لم يخضغوا لتعاليمي حتى أن مديري الخاص -وهو والد زوجتي- طردني من العمل كرد اعتبار لإبنته الغالية ، فلم أجد مكانًا يآويني فذهب بي عقلي أن أقطن إحدي المستشفيات لربما هما على حق ويتم علاجي من المرض الذي لا أعترف بوجوده ، ولربما تكن مهتمة بالنظافة والنظام التعقيمي خصوصًا في ظروف تفشي الڤيرس الجديد لكنني كنت مُخطئًا ، فالطبيب الخاص بي لا يرتدي كمامته ولا جوربه ولا حتى يهتم لغلق الأبواب !
- ألا ترى أنه يجب عليك الإعتراف بمشكلتك حتى تجد الحل ؟
= هل أعترفت بالخطأ الذي أقترفته عندما تركت خطيبتك !
- ليس لكَ شأنًا ..
= حسنًا وأنت أيضًا لا تملك شأنًا في مشكلتي !
- ألا ترى أنك تعاني من شيء ما ؟
= أنتم من تعانون ، فأنتم لا تعطون الشيء حقه ، لا تهتمون بالغد والأسباب ، أنا من على حق وأنتم المهملون.
- تتحدث هكذا لأنكَ مريض.
حسـنـًا هذه الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن إنكارها فجميعنـا مرضى نفسيين بدرجات مـتفاوتة ..

_ جيهان سيد ❤️🌝

من إحدى غرف المصحات النفسية 🖤.Where stories live. Discover now