الجزء الواحد والثلاثون

2.4K 322 70
                                    

هنا تدخل جاسم وكاد أن يفرغ غضبه في درة دون أن يصغى لها ولكن طيف وقفت أمامه سريعًا حتى تتفادى أي فعل هما في غنى عنه ..
صرخ جاسم في وجه طيف قائلاً :-
- جاسم :- لقد كانت عند سليم
ثم وجّه كلامه لدرة بغلظة أكثر :-
- ماذا كنتي تفعلين عنده !! وبِمَا أخبرتيه !!!
لم تبدو على درة أية ردة فعل فقالت في عدم مبالاة :-
= درة :- سليم يشبهني كان يحتاج لصفعة مثل التي تلقيتها ، فساعدته
صرخت طيف في وجهها متسائلة عما فعلت فأجابت درة بثبات :-
= لقد نصحته ألا يثق بكِ مرةً أخرى ، وألا يكرر خطئي ، لقد وثقت في جاسم ، ظننته يبادلني المشاعر لكنه كان يمارس مهنته فقط ، فعلى سليم أيضًا أن يعي جيدًا أنكِ تمارسين مهنتك لا أكثر ..
ثم أخرجت هاتفها وقامت بتشغيل ذاك التسجيل فذُهلت طيف وضغط جاسم على أسنانه من شدة الغيظ ثم صرخ في وجهها :-
- مريضة ، أقسم لكِ أنك مريضة يا درة
لم تبالي درة وأكملت في سيرها ..
هنا عادت طيف إلى الخلف في حالة من الصدمة ثم بدأت دموعها تتساقط واحدة تلو الأخرى ، وكأن درة هي القشة التي قسمت ظهر البعير ، فطيف تعيش تحت ضغط الفترة الماضية إثر اقترابها من جاسم ومشكلات المشفى والمرضى وحتى سليم ، كادت أن تسقط فساندها جاسم وأجلسها على المقعد ثم طلب لها ليمونًا بالنعناع حتى تهدأ ..
تكلمت طيف في إرهاق مخاطبة جاسم :-
= طيف :- لماذا يحدث معي هذا كله  في آنٍ واحد !!
وضع جاسم يده فوق يد طيف ليسألها ماذا بها فسحبت يدها بسرعة ثم نظرت له وهي تمسح دموعها :-
= أنتَ ، يحدث أنتَ
- لا أفهم قصدك يا طيف ؟
= لم أكن يومًا على هذا الحال ، هذه ليست طيف التي عاشت معي ما يزيد عن عقدين ، نتحدث كثيرًا ، أجد الأمان بجوارك ، كلماتك البسيطة تضطرب قلبي ، ألجأ إليكَ في كل مرة ، في كل خيبة ، في كل نكسة ، دائمًا ما تفوز بإصلاح ما تُلف بداخلي ، كأنكَ عقارًا لكل أدوائي الماضية ، كأنكَ حصاد ليالٍ حزينة كثيرة مرت ، أنتظر رؤيتك على أحر من الجمر ، أخبرك بهذا الكلام ولا أعلم كيف ومتى اكتسبت هذه الجرأة !!
لم يكن يصدق جاسم ما يسمعه ، أخيرًا شعرت به طيف ، هل من تتحدث أمامه هكذا هي دكتورة طيف علوان !!! كاد من فرط السعادة أن يضمها لكنه تراجع حتى لا تفقد ضلعًا من ضلوعها ..
نظر لها ثم قال :-
- لم تتحدثي عن فرط غيرتي عليكي ؟
لم تتفوه هي بكلمة لكنها نظرت لعينيه ثم ضحكت ناظرةً إلى الأرض في خجل ، فأمسك يدها ثم أوقفها ووقف أمامها ثم رفع كفها ببطء وطبع قبلة صغيرة أعلاه متأملاً في عينيها قائلاً :-
" بحبك يا طيف "
اتسعت عين طيف إثر ما سمعته فكررها ثانيةً :-
" بحبك يا طيف "
" أحبك منذ أول مرة رأيتكِ فيها ولم أكن أعلم ، لقد نجحتي في سلب فؤادي ، كنت أظن أنه لم ولن تُولد من تظفر به لكنكِ فعلتي ، كنت أظن أنني لا أمتلك قلبًا من الأساس حتى يحب لكنكِ أحييته ، بشهادة الجميع فلن يقع جاسم في ما يسمونه المراهقون حبًا لكنكِ أوقعتيني عشقًا ، لا أعلم من أين أتيت بهذه الكلمات لكن أقسم لكِ أنها نابعة من صميم فؤادي ..
ثم ترك يدها ورفع يديه الاثنين مستسلمًا وهو يقول :-
" لقد حظيتي بدكتور جاسم حمدان يا طيف وجعلتيه يعلن ضعفه أمامك ، بحبك "
وضعت طيف يدها على وجهها بتلقائية لتخفي حُمرة وجنتيها ثم امتلأت عيناها بالدموع ، لكن هذه المرة كانت دموع فرحة مختلطة بقليل من الصدمة ، فهل ما تسمعه حقًا !! هل انهزم دكتور جاسم حمدان أمامها ؟ هل جعلته يقع أسيرًا لحبها ؟ أم هي من وقعت في أسر سيدوم بقية الحياة !!
على كل حال هي سعيدة الآن ..
رَنَّ هاتف جاسم فلم يرد لكنه عاد الكرة فنظر إلى شاشة الهاتف ليجد نجيب فرد ليجد نجيب قائلاً :-
= اذهب لسليم الآن ، فهو طلبك تحديدًا
نظر جاسم لطيف في أسف لكنها أيدته أن يذهب لسليم مطمئنة إياه أنها ستنتظره ، فبادلها الابتسامة ثم خرج ..
لأول مرة يتجول دكتور جاسم المشفى وهو في هذه الحالة ، فقد اتسعت شفتاه ابتسامًا وأشرقت البهجة في وجهه ولمعت عيناه بطريقة ما ..
ذهب إلى سليم فوجده جامدًا لا يتحدث ، فعرف أن درة أفسدت ما فعله منذ شهور لكن سليم فاجأه بردة فعله ..
= سليم :- أعلم أنك تعرف ماذا فعلت درة هنا
اندهش جاسم لمعرفة سليم وكاد أن يسأله لكن سليم سبقه وشاور بإصبعه على مكان الكاميرا ، فراقب جاسم تصرفاته لكن سليم جلس على المقعد وطلب من جاسم الجلوس ..
= لن أصدق درة وإن كانت صادقة
- هي ليست صادقة فـأسـ..
قاطعه سليم قائلاً :-
= أسرار المرضى لا يطّلع عليها أحد ، لكن بطريقة ما وصل إليك ما كنت أقصّه على طيف
حاول جاسم تبرير موقف طيف وفي نفس الوقت الحفاظ على حالة سليم فقال :-
- لم يكن الأمر كذلك بل ..
قاطعه سليم للمرة الثانية :-
= لا أريد معرفة أصل الأمر ، سأسألك بصفتي مريض وأنت طبيبي ، ما رأيك في أوراقي ؟
- أوراقك !!
شعر سليم أن جاسم يجهل أمر الكلمات التي كان يخطُها ويقصّها على طيف فهدأ روعه واطمأن قلبه ولكنه أراد أن يتأكد فسأل جاسم ثانيةً ولكن بطريقة أخرى  :-
= الأوراق التي وجدتها طيف في صندوق القمامة ؟
- لا أعلم عنها شيئًا !!
= لقد كنت أخطُ بعض الكلمات عن رقية فقرأتها طيف وقالت لي أن حالتي تتحسن ، فكنت أريد أن تؤيد رأيها
- ما مضمون هذه الكلمات ؟
= تارةً كنت أشعر أنني أحبها ، تارةً أخرى أبغضها ، أحيانًا أشتاق إليها .. هكذا
- هذا أمر طبيعي يا سليم ، فأنت مازلت تفكر بها ، عليـك...
قاطعه سليم سريعًا :-
= لم أعد أفكر بها
تعجب جاسم من ردة فعل سليم السريعة فمن المستحيل أن يكون قد تخطاها وهو على هذا الحال ، ربما يريد أن ينساها بغيرها ، هنا سنقع في مشكلة أخرى فعلينا أن نتجنبها من الآن ..
نظر جاسم إلى سليم ثم قال له :-
- عليكَ ألا تفكر بها ، ولكن لذاتك ليس لغرض أخر ، لقد فعلت لكَ مكروهًا ولكن عليكَ أن تقتنع أنه النصيب ، فإن كانت لكَ تاللَّه كنتما ستجتمعان ثانيةً ، هناك خطأ يرتكبه أكثر من 90% منا ، عندما نريد أن نتخطى تجربةً ، شخصًا ، أمرًا ما نتظاهر بالتجاهل ، نمضي وكأننا لم نمر بهذا الموقف من الأساس ، ولكن عندما يُطرق أي باب قريب من هذا الأمر نعلن انهيارنا دون سابق إنذار ، التجاهل شيء مهم ولكن في وقت معين ، بعدما نتأكد أننا قمنا بإزالة رواسب الأمر ذاته ، سيمضي وقتًا حتى نصل لهذه المرحلة ، لكن أن نمضي وقتًا حتى نتعافى أفضل من أن نتظاهر بأننا تعافينا وأثر الندبات لازال موجودًا ..
فهم سليم مقصد جاسم جيدًا ووافقه الرأي فعليه أن يتخطى مشكلته مع رقية أولاً ثم يتطرق ليفتح ثنايا قلبه لملكته الجديدة ..
قرر سليم حينها أن يتجاهل ما أخبرته به درة وأن يسير على نهجه الذي خطط له منذ فترة ليست بالطويلة ..
عاد جاسم لطيف في لهفة كأنه تركها منذ خمس سنوات فوجدها تراقب ما تركته لها درة فاقترب منه ثم فتحه ليجد المجوهرات التي جلبها لها ..
فهمت طيف على الفور عند رؤيتها لهم فنظرت لجاسم حتى ترى ردة فعله ، فأزاحهم بيده جانبًا ثم قال لها أمامك نصف ساعة فقط حتى تحددي المكان الذي ستختارين منه مجوهراتك ..
ردت طيف :-
= مجوهراتي ؟
نظر لها جاسم ثم رد مازحًا :-
- شبكتك يا عروسة
ثم جذبها من يدها وخرج بها وسط الجموع رغمًا عنها ، فزادت حُمرة وجنتيها وحاولت سحب يدها لكنه كان يضغط عليها بشدة ويتجول أمام العاملين والمرضى كأنه يريد إيصال رسالةً معينة ، ألا وهي قلب دكتور جاسم حمدان أصبح مِلك تلك الملكة ..
كان الجميع ينظر لهما ! هل هذا دكتور جاسم حمدان !!! هل هذه دكتورة طيف علوان ! هل ما نراه صحيحًا !! هل أوقعت هذه الفتاة شباك دكتور جاسم ! كانت الأعين تلاحقهما وكانت طيف تتفادى هذه النظرات بينما يسير جاسم رافعًا رأسه ، راسمًا ابتسامة مبهجة ، متجهًا إلى غرفة نجيب ..
- جاسم :- ستكون الخِطبة هذه المرة حقيقية
وقف نجيب إثر ما سمع ونظر إلى يد جاسم وهي متشابكة في يد طيف فجرى على صديقه ليحتضنه في شوق ، أخيرًا استجاب جاسم لنداء قلبه ، أخيرًا قرر أن يُدخل شريكًا معه في هذه الحياة العسيرة ، ثم بارك لطيف التي لا تجيب من شدة الخجل ..
جذبها جاسم للخارج بعدما أخبر نجيب بقراره وهو مازال مُمسكًا بيديها ، نزلا للأسفل ثم خرجا سويًا من المشفى ، فتح لها باب السيارة في رومانسية واضحة ثم أدخلها ليجلس بجوارها في الكرسي المجاور ثم نظر لها قائلاً :-
- كيف فعلتي بي كل هذا ، كيف جعلتيني أفعل ما فعلته !!
لم ترد طيف فهي ذاتها مندهشة من تصرفاته الطائشة كأنه شاب في الثامنة عشر من عمره يقابل حبيبته لأول مرة ، لكنها لن تنكر أنها سعيدة جدًا بهذا الطيش ..
ترك لها العنان في اختيار ما تريده من مجوهرات وللحق هي لم تختار شيئًا فخشيت أن تثقل عليه ورغم أنها لم تتحدث في ذلك لكنه ابتسم حِيال ذلك فهو يعي جيدًا ما تفكر به لذلك أرغمها أن ترتدي هذا وذاك وتلك وجلبها لهم جميعًا ..
ثم مسك يدها ليجرب خاتم الخِطبة في إصبعها فنظرت له طيف قبل أن ترتديه ثم قالت :-
= ألن ترحل يا جاسم ؟
فرد جاسم على الفور :-
" لقد سلبتي وَتِيني ، فلن أستطع العيش إلا بكِ "

_ جيهان سيد ♥️🌝

من إحدى غرف المصحات النفسية 🖤.Where stories live. Discover now