الغرفة السادسة

8.8K 668 72
                                    


Flash Back

= طب وبعدين ؟ خلاص كده ! مفروض أن أصدق أن ديه النهاية صح !
- هي نهاية فعلا ، بس نهايتي أنا ، لكن عمرها ماتكون نهايتك أنتي مينفعش تنتهي.
= ليه ؟
- عشان العالم يفضل بخير ..
= مش فاهمة !
- ألن تتغيري أبدًا ؟
= احم ، تقصد إيه ، وبعدين أنت بتضحك ليه أنا بسألك سؤال!
- بضحك لأنك فاهماني أكتر من نفسي ، بضحك عشان أنتي فاهمة بس عاوزة تسمعيني وأنا بمدح فيكي ..
عمومًا اللي زيك مينفعش ينتهي لأن اللي عملتيه معايا معرفتش أعمله طول عمري ، عشان أنتي متعجرفة حتى في دخولك قلبي اقتحمتيه كعادتك الحادة ، عشان أنتي شبه اسمك أوي ..
عشان أنتي عاملة زي الساحرات خلتيني أمشي وراكي وأنا مش فاهم ولا عارف أزاي القسوة ديه يكون جواها حنية بالقدر ده ، بس تعرفي والله أنا كنت عارف وفاهم وكنت مستغرب إزاي ربنا يبعتلي حد زيك وليه في التوقيت ده بالذات يمكن عشان عالمي مينتهيش وقتها ، مينفعش تنتهي لأن عوالم كتير هتنتهي بنهايتك
= أسئمت الطواف ؟
- أقسم لكَ لم ولن يحدث ولو سقط عجازي مُعلنًا نهاية المطاف..
                 __________________

صوت أجَشَ يناديني ويخبرني أن مريضة الغرفة السادسة تطلب مقابلتي شخصيًا ، فاستجمعت قوايّ وذهبت لها ومن ثم طرقت الباب فأذنت لي بالدخول قائلةً تفضل يا د. جاسم وكأنها تعلم أنني الطارق كأنها تميز طرقاتي بشيء ما ..

= مريضة الغرفة السادسة :- كيف حالك يا جاسم ؟
لم تكن نبرة هذا الصوت غريبة عليّ ولا حتى طريقة السؤال ولكنها قطعت حبل أفكاري مرددة ثانيةً :- أخبرتك كيف حالك؟
- الطبيب :- أشعر وكأنني بخير ..
= هل قرأت التقرير الخاص بحالتي !
- نعم ، تفتقرين الأمان.
= أمازلت تقتنع بأن إخبار المريض بمرضه وسيلة للعلاج ؟
- نعم وبشدة
= حسنًا ، هل لك أن تجعلني أنا من أطرح عليكَ الأسئلة ، الأمر أشبه بتبديل الأدوار ولو قليلاً ..
- لا مانع من التجربة.
= ألم تشتاق ؟
- لمن ؟
= عفوًا ، فأنا لست ماهرة بالقدر لأتذكر أنه عليك إخباري أولاً ثم أنهال عليك بالاستجوابات
- استجوابات !!
= عذرًا ، أقصد ... ، دعنا نكمل ، هل تألمت في حياتك ؟
- ....
هل تريدين الوصول لشيء معين ؟
= بالطبـ ... لا لا ، أي شيء تقصد ، فأنا مريضة أقطن هذه الغرفة المملة التي تزيد المريض أمراضًا ، لُونت جدرانها باللون البيج الروتيني وسقفها تتخلله الشقوق حتى لونه الأبيض فقد نصاعه ، أركان الغرفة مليئة بالأسرار ، أسرار لن تُكشف ولو بعد حين ، هناك أسرار أنتهت بمغادرة صاحبها او بشفائه أو حتى بأنتحاره .. هل سمعت عن حوادث الأنتحار التي حدثت في تلك الغرف وتم إخفاؤها باحترافية ؟
- عما تتحدثين ؟
= أراكَ تسعى لسماعهم بصوتي ، أعجبك أليس كذلك ؟
- لا أحتاج لقراءة تقرير طبي فكل شيء واضح ..
= حسنًا ، سأقصِّ عليكَ بعضها الذي تعلمه جيدًا ..
في يوم من الأيام استقبلت المشفى مريضًا يُدعي "س.ع" كان قد بلغ من العمر الثلاثين ، كان يصرخ كثيرًا والغريب أنه يصمت أيضا كثيرًا ، لم تُملأ بياناته ولم تُستكمل تقاريره العلاجية ، لشدة صعوبة الحالة فما كان إلا أن يتم عرضه على أمهر طبيب في المشفى بأكملها وبالفعل أستجاب له المريض بعد عدة محاولات ليست بالقليلة ولكنه أستجاب ! فمَرَّ اليوم الأول عسيرًا على كلاهما فكان الطبيب يحاول أن يستجمع شتاته ليثبت نجاح خطته المتبعة -التي بالفعل تنجح في كل مرة- ولكن الغريب لمن كان يريد إثبات ذلك ؟ فالمشفى تعترف بتلك الخطة بل وتنعته بأنبغ الأطباء ، حتى أن بعض أهالي المرضى يأتون خصيصًا لكي يشرف هذا الطبيب على ذويهم ، فلمن كان يريد ترسيخ خطته في عقله ؟ هل لذاته ! أم لشخص يعني له ذاته ؟
لا علينا ، دعني أكمل لكَ ..
في كل مرة كان يريد إثبات ذلك والغريب أنه كان ينجح نجاح غير مسبوق ، فلِمَا كل التوتر هذا ؟ ماهو السبب وراءه !!
لم يستطع الطبيب الدخول إلى المريض في اليوم الأول فكان عنده من الصراخ ما يكفي للإبتعاد عنه أسابيعًا بل شهورًا ..
جاء اليوم الموعود لدى الطبيب ودخل لمريضه أخيًرا في اليوم السادس من مجيئه ، وكان أول حوار دار بينهما عبارة عن حوار صامت أبطاله عيونهما فكل منهم ينظر للآخر ويتمعن فيه حتى تفوه المريض لِما أنا هنا ؟ فأجاب الأخير بدوره حتى تتعافى ، فصرخ المريض من لديه الحق أن يقرر أن بداخلي ما يحتاج للتعافي ؟ ، هدأ الطبيب من روعه أولاً ثم أخبره أنه إذا لم يعترف بوجود المشكلة فلن يجد طريق الخلاص أبدًا ..
مرت الأيام تارةً كان يشعر الطبيب بالإنتصار وتارةً بالخذلان ، يوم يشعر أن نجاح خطته على بعد خطوات قليلة ويوم يعلم أن بينهما آلاف الأميال ..
حتى جاء يوم إنتصار الطبيب الحقيقي بعد صبر دام ٣٦٥ يومًا ، عامًا كاملاً بين طبيب ومريضه ، عامًا كاملاً يحارب كل منهما الآخر ، يريد كلاهما إثبات قناعاته ، حتى أستسلم المريض في النهاية وفاز الطبيب بهذه المعركة وضاف لإنتصاراته إنتصارًا جديدًا ..
لقد نجحت خطة الطبيب مرةً آخرى ، ولقد آمن عددًا جديدًا بتلك الخطة ولكن ما ينتقده البعض أنه بالرغم من أن اسم المريض في البطاقة هو "س.ع" إلا أن الطبيب لا يناديه إلا بالمريض !!
ما كاد الطبيب أن يحتفل بما حدث ، حتى أبلغه فريق التمريض الساعة الثالثة فجرًا بأن عليه الحضور في الحال وقد سمع بعض الصرخات المكتومة ..
فُزع الطبيب وذهب مسرعًا للمشفى حتى وجد إحدى الممرضات مغشيًا عليها فما كاد يسعفها حتى أشار زميلها بإصبعه نحو إحدى الغرف ، فهمَّ مُسرعًا ولكن ساقه لم تسفعه وكأنها تعلم ما وراء تلك الخطوات ، فأهتزت بعنف وتخبطت في بعضها البعض وأعلنت أطرافه وضع الإرتعاش ودبَّت القشعريرة لتسري في جسده بالكامل ولكن بطبيعته العندية وبإصراره أكمل تلك الخطوات القليلة حتى بقى ميل واحد يفصله عن باب الغرفة ..
أرتعش قليلاً ثم أستجمع قواه وفتح الباب فإذا بمشهد لن ينساه طوال عمره، فُتح باب الغرفة وكأنه بابًا من أبواب الجحيم، فقد وجد مريضه مُلقى على الأرض، ناهيك عن الدماء المتناثرة في كل جدار لتضفي للون الجدار البني بعض التغيير، قد انفصلت أطراف أصابع المريض عن يده وكذلك أظافر قدمه حتى أن جزءًا من لسانه قد بُتر، تقيأ الطبيب على الفور وسقط مغشيًا عليه ..
لم يفْق من نوبته هذه إلا بعد أسبوعًا كاملاً، وعندما أستيقظ لم يلاحظ شيئًا غريبًا بل كان كل شيء على ما يرام ! أستقبله مدير المشفى وأطمأن بنفسه على حالته وأخبره أنه أرهق نفسه كثيرًا الفترة الأخيرة وأن عليه الاستمتاع بإجازته ..
همَّ الطبيب مسرعًا للغرفة المذعومة التي قد دعاها بغرفة الجحيم لكنه لم يجد شيئًا حتى أنه أندهش من سرعة قرار الإدارة في تغيير لون الغرفة للون البيج الروتيني ! كيف ومتى حدث ذلك ! وأين مريضي المنتحر ، عفوًا أقصد "س.ع" ، كل تلك التفوهات خرجت من فم الطبيب ولكنه حمد اللَّه عندما لم يجد من يسمعه ..
ظن الطبيب أن الأمر أنتهى عند هذا الحد ، ولكن لسوء حظه كانت هذه الحادثة بداية لأمور شنيعة كثيرة أقبلت عليه .. فكاد أن يخسر حياته عدة مرات ، في إعتقادي أنه خسرها بالفعل ذات مرة ..
- هل قرأتي تلكَ القصة في إحدى الروايات ؟ أم كانت هي مدار الرواية ؟
= نعم فهي رواية بالفعل ، جميعنا يقبل على قراءة الروايات لعله يجد نفسه بطلاً في إحداها ..
- حتى الآن لم تقصَّي شيئًا عن مشكلتك ؟
= ولِما ؟
- حتى تتعافي ..
= ألم تشعر بشيء ؟ أرى تقلبات وجهك ، بل أرى أيضًا محاولات بائسة للظهور في صورة ثابتة ، كأن أطرافك لا ترتعش مثلاً !!
- ولِما ترتعش أطرافي ؟
= لا أعلم ، ولكنني أشعر بكَ تمامًا ، حتى أنك لا تقوى على النظر في عيناي ..
- هل تظنين أن ما تتفوهين به صدقًا ؟؟
= لا أظن ، بل أنا متأكدة
- تتحدثين هكذا لأنك مريضة.
حسـنـًا هذه الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن إنكارها فجميعنـا مرضى نفسيين بدرجات مـتفاوتة ..

_ جيهان سيد ❤️🌝

من إحدى غرف المصحات النفسية 🖤.Hikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin