الجزء الثامن والعشرون

2.4K 294 45
                                    

عاد جاسم لطيف التي ارتسمت علامات الانتصار على وجهها ثم اعتذر منها وجلس ثانيةً قائلاً :-
- جاسم :- دعينا نكمل حديثنا ، ما رأيك فيما وصل إليه سليم حتى الآن ؟
= أشفق عليه ، لقد أعطى قلبه لمن ليس لها قلب ، رقية لم تحبه بل أحبت ما يقدمه لها
- هل هذا سبب للخيانة في رأيك ؟
= ليس هناك سببًا للخيانة ، فمن ذا الذي سيضطرب قلبه لامرأة أخرى وهناك ملكة متوجة على عرش فؤاده ، كيف ينظر لغيرها وهي لا تغيب عن عينه ، كيف رآها جميلة حتى يتغزل في ملامحها
- لربما لم يشعر معها بشيء ، فقط هي من أغوته
= ومن الذي أعطاها الحق لتفكر في ذلك ؟
- ألا تخطئين !
= بلى ، كثيرًا ، لكنني لا أخون
- أراكِ قاسية بعض الشيء
= لا أراه عيبًا ، فكما أغوتك تلك ، أترك ذاتك لغيرها ، لربما ترى مقصدك في إحدى المرات ، أراه عدلاً وليس قسوةً
- لم أكن أعرف أنكِ بتلك القسوة
= لازلت تردد لفظ قسوة !
- نعم
= هل لي بسؤال ؟
- تفضلي
= ماذا ستفعل إن وجدت من أهدتها قلبكَ قد أهدت قلبها لغيرك !
- سأقتلها
= لم أكن أعرف أنكَ بتلك القسوة
- لا تقلقي ، سأكون رحيمًا في قتلك
= عفوًا !
- ألا تمزحين يا طيف !!
= لا
- حسنًا ، خذيها على محمل الجد إذن
تجاهلت طيف ما قاله قائلةً :-
= لنكمل ، أشفق على سليم مما تعرض إليه ، فلقد تخطى أراء جميع من حوله وحارب من أجلها ، تمكَّن حبها في قلبه وتأصَّل ، فخانت حبه لها ، قامت بأسوء طريقة رد يمكن أن يتبعها المحبوب في أذى حبيبه ..
- هل وقعتي في الحب مُسبقًا يا طيف ؟
اندهشت طيف من سؤال جاسم ولكنها أرادت أن تجيب فقالت :-
=  كنت أظن ذلك
- وماذا حدث ؟
= لم أشعر بالأمان
- كيف وقعتي في حبه ولم تشعري بالأمان ؟
= لقد ظننت أنني وقعت في حبه ، كان شخصًا مناسبًا إلى حد ما ، لكنه كان عمليًا بعض الشيء فتقدم لخِطبتي ولكنني لم أوافق على الفور وطلبت منه أن نعرف خَصال بعض أولاً بشكل أوضح من ذلك ، لم نكن نهتم بالقدر الكافي ، تتراوح مكالماتنا بين النصف ساعة والساعة كل يوم ، نتقابل مرة أو مرتان في الأسبوع ، لقد حظى على موافقة عقلي ، حينها ظننت أنني أحببته ، صرنا أقرب لبعضنا البعض ، زادت مكالماتنا ومقابلاتنا ، كنت أشعر بالسعادة بجواره حتى جاء اليوم الموعود
- وما هو ؟
= لقد تعرضت لخذلان من إحدى صديقاتي المقربات ، فلجأت إليه ولم أجد منه سوى ردة فعل معتادة ! لأول مرة أشعر أنني أفتقر الأمان بجواره ، ثم اكتشفت أنني لم أشعر به قط ، فلم يكن هناك داعي للتأكد من الأمر فعندما احتاجت الأمان لم أجده ، قررت أن أعطيه فرصة ثانيةً ، مرت عليّ ليالي كنت أرتعش من الخوف ، كان يهاتفني كثيرًا ويحاول أن يطمئنني ، لكنني لم أشعر بالأمان ، علمت حينها أنه هناك شيء خاطئ ، لم أريد أن أظلمه معي ولا أن أظلم نفسي فتحدثت معه ثم انسحبت بهدوء ..
- لم تقعي في الحب إذن ؟
= ربما ! ألن تذهب لدرة ؟
- هل تريدين ذلك !
= بالطبع لا
ضحك جاسم إثر رد طيف التلقائي فأكملت سريعًا :-
= لأنها قامت بإهانتي ، أمامك
رد وهو مازال يضحك :-
- نعم نعم ، أفهم ذلك
مرت عدة أيام أخرى ليست بالقليلة و لم يهاتف فيها جاسم درة ، بل كانت هي من تأخذ الخطوة الأولى دائمًا ، كان كلامهما قليلاً يكاد يكون منعدمًا، ولأول مرة قلت محاولات درة في طلب رضاه ، ربما بدأت تتعالج حقًا وتسيطر على احتياجها ، على الجانب الأخر كانت علاقة جاسم وطيف في تطور ملحوظ ، اقتربا الاثنان من بعضهما البعض في فترة وجيزة ، يتسامران كثيرًا ، لأول مرة تشعر طيف بالأمان معه وخير دليل على ذلك أنها قصَّت له مالا يعرفه أحد وهو كذلك ، أصبحا بئر أسرار لبعضهما البعض ، كانت طيف تتفاجأ مما تفعله معه ، فكأنها شخص أخر ، بدأت تشتاق إليه ، قلَّ عنادها كثيرًا ، دائمًا ما كان يحاول إبعادها عن سليم بسبب غيرته المفرطة عليها التي لاحظها الجميع عدا هي ، وللحق هي كانت تلاحظها لكنها لم تشعره بذلك ، كانت تتعمد أن تثير فيه جانب الغيرة حتى تبدأ النيران في الاشتعال فترتسم الابتسامة على وجهها ثم تبدأ في تهدئته بكلمة لا أكثر ..
أما عن سليم فأتجَّه إلى جاسم في الفترة الأخيرة ، كان يقابله أكثر من طيف ويقصَّ عليه ما يشعر به ، قد تخطى جزءًا كبيرًا مما كان فيه ، عندما كان يقابل طيف كان لا يخبرها عن رقية بل يتحدث عن ذاته ومدى تطور حالته ، ومن حين إلى أخر كان يحدثها عن الثقة وأنه يرتاح في الحديث معها ..
استيقظ جاسم مُبكرًا ثم هاتف طيف ، وقد أصبح شيئًا اعتياديًا ، استقل سيارته ثم ذهب إلى المشفى ليتفاجأ بصراخ سليم فجرى إليه ليرى أسوء نتيجة لمجهوداته في الفترة السابقة ، سليم يصرخ بشدة وقد تبدلّ حاله منذ أمس وما إن رأى جاسم حتى بدأ يبكي ويضع يده على قلبه قائلاً :-
= سليم :- لِمَا لا يرحل هذا الألم ؟ لقد مرّ العديد من الوقت ، لقد رحلت ذكراها ولم يرحل الألم ، كل ليلة أشعر بالخذلان ولا أستطيع أن أفعل شيئًا ، اقتربت منك الفترة الأخيرة لأنك أمهر وأذكى ، كنت أظنك ستساعدني ، لقد ساعدتني بالفعل وهي أيضًا ، لكن هذا الألم لا يُحتمل ، أنه ليس جسديًا ..
اقترب منه جاسم وظل يهدئه بكلامه المعسول المهني حتى استجاب له سليم في استسلام ومازال يبكي ، في هذه اللحظة دخلت طيف فتبدلّ حال سليم مرة أخرى وظل ينظر لطيف حتى هدأ تمامًا ، فثار جنون جاسم لكن مهنته حتمت عليه ألا يتفوه ، لكن سليم لم يقف عند هذا الحد فقد تحدث إلى طيف قائلاً :-
= سليم :- سينتهي هذا الألم ، أليس كذلك ؟
- طيف :- سينتهي وسيتبدلّ إلى سعادة ، سعادة أبدية فقط
كأن سليم كان ينتظر تلك الجملة البسيطة حتى يهدأ ، لكن تلك الجملة كانت سلاح ذو حدين فكما ساعدت سليم ، أثارت جنون جاسم الذي يعلم جيدًا أن طيف لم تفعل سوى ما تتطلبه مهنتها منها ، لكن عليها أن تكون أكثر حزمًا خصوصًا في وجوده ..
صعدا سويًا إلى مكتبه وقد أخبرتها نظراته بمدى غيرته عليها بينما قابلتها هي بسعادة غامرة ففاجأها بسؤاله :-
- جاسم :- ألم تجدي الأمان ثانية ؟
= طيف  :- عفوًا ؟
- لقد قُلتي أنك تفتقرين الأمان منذ أخر مرة ، ألم تجدينه مع رجل أخر !
= لا
- حتى الآن ؟
ضحكت طيف ثم قالت :-
= لقد قُلت لا
بادلها الضحك هو الآخر عندما فهم مقصدها ، فسألها ثانيةً :-
- ماذا تريدينه أن يكون ؟
= متعجرفًا
- أتقصدين مثلي ؟
لم ترد طيف ولم يضغط عليها جاسم فتركا العنان لنظراتهما ..
ذهب جاسم إلى نجيب ليخبره بقراره الجديد بعدما تأكد من مشاعره ..
- جاسم :- جئت لكي أشاركك قراري المحتم ولكي تكون أول شاهد عليه
= نجيب :- وما هو ؟
- سأنهي تلك المسرحية السخيفة
= أي مسرحية ؟
- خِطبتي أنا ودرة
= حقًا !!
- نعم ، لقد حان الوقت
= هل لطيف دور في ذلك ؟
لم يرد جاسم بل اكتفى بالابتسامة الواسعة التي ارتسمت على شفتاه ، حمد نجيب اللَّه عما وصل إليه جاسم ، فهو يعلم أنه لم ولن يحب درة وأنها فُرضت عليها ولابد من إصلاح الأمر فرد قائلاً :-
= وكيف ستخبرها بذلك ؟
- سأذهب لوالد درة وأخبره بذلك
= وكيف ستذهب إليه ونحن لا نعلم مكانه !
- لدي هاتفه
= وكيف حصلت عليه ؟
- من درة !
ضحك نجيب كثيرًا حتى شَهِقَ ، لم يفهم جاسم سبب هذا الضحك المبالغ فيه فسأل نجيب ليجيب الأخير :-
= ومن أين حصلت عليه درة ! لقد نسيت تمامًا أننا لا نعلم هوية والدها يا جاسم ، فكيف لنا أن نحصل على هاتفه !!
رد جاسم والشك سيطر عليه :-
- مَن هاتفت حينها إذن !!!

_ جيهان سيد ♥️🌝

من إحدى غرف المصحات النفسية 🖤.Where stories live. Discover now