وقف نجيب وهو واثقًا في نفسه ثم نظر لجاسم قائلاً :-
= نجيب :- أتظن أنك الوحيد الذي يملك خُططًا !!
- جاسم :- عفوًا ؟
= عندما تحدثت مع درة في أمر الخِطبة ، جاءتني هي على الفور وطلبت مني أن أعطيها رقم والدها في سرية تامة حتى تعطيه لكَ ، حينها فكرت ماذا لو سلبت فكرتك عندما أردت استغلال طيف ولكن هذه المرة لصالحكَ ! فطلبت منها أن تعطيني مهلةً ليوم واحد فقط ، قمت بشراء الرقم الوهمي وأعطيته لها وقررت أن يحادثك جاري العزيز كأنه والد درة ..
لم يغضب جاسم من فعلة نجيب بل ودَّ أن يشكره ، فهذا أفضل تصرف فعله نجيب منذ أن عرفه ..
جلس نجيب أمامه ثم بدأ في إعطاء النصائح له كالأب الذي يلقن ابنه التعليمات قبل دخوله المدرسة ..
= نجيب :- لقد أخطأت يا جاسم ، منذ أول مرة رأيتك تخطيء ، أنت طبيب ماهر لا جدال في ذلك ولا يجرؤ أحد أن يشك حتى ، تستطيع أن تفرق بين عملك وحياتك الشخصية ، لم يسبق لكَ أن أخطأت ولو مرة واحدة في المشفى ، رغم أسلوبك الذي يغلب عليه طابع العنف والقسوة يرتاح معكَ المرضى ، تعلم مرضاك ألا يصلحوا خطأ بخطأ أخر ولكنك فعلت ، علينا أن نواجه أخطائنا وأن نعالجها بالطريقة المثلى ، ليس عيبًا أن تخطيء ولكن العيب أن تشرك أحدهم في إصلاح خطأ لا ذنب له فيه حتى وأن ودَّ هو المساعدة حينها لابد من قول لا ..
إن أردت أن تدخل أحدًا حياتك تحت أي مسمى سواء صديق ، شريك حياة ، زميل عمل .. إلخ ، تأكد أولاً أنكَ لن تضره بمشاكلك النفسية وأن علاقتكما ستكون سوية ثم رحب به في عالمك الخاص ..
رحل جاسم من غرفة نجيب وقد أزال همًا كبيرًا كان يقبض فؤاده ، فأصبح قرار الانفصال متوقف على أن يخبر به درة ليس إلا ..
ذهب جاسم إلى سليم ليجده منهمكًا في البكاء كما هو حاله في الآونة الأخيرة ، لا يأكل ولا يشرب ، تلعب المحاليل دورًا هامًا في بقاءه على قيد الحياة ، فقد وزنه بشكل ملحوظ ، لا يتحدث كثيرًا ..
لكن هذه الأعراض طبيعية جدًا لمن يعاني من مرض الاكتئاب ، لكن حمدًا لله يستجيب له في بعض الأوقات ..
- جاسم :- أرى لديك الكثير لتخبرني به
= سليم :- أريد أن أتعافى دون أن أؤذي غيري
- ماذا تقصد ؟
= لا أريد أن أنسى رقية بفتاة أخرى
جاء لذهن جاسم أنه يقصد طيف فتمنى من اللَّه ألا تكون هذه الحقيقة حتى لا يهشم رأس سليم ، آثر أن يسمعه أولاً ثم يسأله في النهاية ..
- هل وضحت لي أكثر ؟
= لقد أخبرتني ذات مرة أنني سأتعافى وسأنساها وأخبرتني أيضًا أنني سأقابل فتاة أخرى أحبها وستحبني بصدق ، ستجعلني أندم على كل مرة بكيت فيها على رقية
- نعم لقد قلت ذلك فعلاً
= لا أريد أن أقابل هذه الفتاة قبل أن أتعافى تمامًا ، لذلك أريد منك طلبًا
- بالطبع
= أريد أن تساعدني أنت فقط أن أتعافى
قرر جاسم أن يغتنم الفرصة فالآن سليم هو من طلب ، فأراد أن يسبقه هو قائلاً :-
- تقصد أنك لا تريد دكتورة طيف ، صحيح ؟
= نعم
لم يصدق جاسم ما سمعه ولكنه خشي أن يكرره ثانيةً لربما يغير سليم رأيه ، فقال :-
- كما تريد يا سليم وأنا معكَ بالطبع وسأساعدك
= طيف أيضًا كانت تساعدني ، لكن جميعنا يعلم أنك تتخطاها علمًا ، فأنت ستساعدني بطريقة أسرع ، وأنا سأتبع تعليماتك ، أريد أن أتعافى يا دكتور جاسم
- حتمًا ستتعافى ، فما مررت به كان أمرًا يسيرًا ، كلانا عانى من فراق أناس لم يكن يتوقع فراقهم لكنه القدر يا عزيزي ، إنها قواعد الحياة لابد أن تسير علينا ، لكن في النهاية جميع الأمور تمرّ ويعود الإنسان أفضل مما كان عليه
= لا أتفق معكَ يا دكتور جاسم ، قد يُهزم المرء مرةً واحدةً فيركض طيلة حياته في محاولة بائسة للتعافي ولكنه لا يتعافى
- تتحدث هكذا لأنكَ مريض
= وأنت هنا لتساعدني
ترك جاسم سليم ثم ذهب لغرفة طيف وطرق الباب فسمحت له بالدخول وما إن دخل حتى قال لها أنه يريد التحدث معها فوافقت على الفور لكنه طلب منها أن تسمح له بتناول الغداء سويًا في الخارج ، رفضت في البداية لكنها في النهاية وافقت ..
ذهبا سويًا إلى أقرب مطعم من المشفى ثم أعطاها قائمة الطعام لتطلب ما تشتهي ، فطلبت ما تريد ثم أعطى للنادل طلبهما وانتظراه ..
- جاسم :- كيف حالك يا طيف ؟
= طيف :- طيف تريد أن تسمعك ولكن بعد أن تعطيها تفسيرًا لهذه ..
ثم مدت يدها لتقدم له الورقة التي أعطاها لها يوم خِطبته هو ودرة ..
فرح جاسم أنها لازالت محتفظة بها ولم يفتحها ثم رددّ قائلاً :-
" تشبهين اسمك يا طيف ، لا تحاولين من أجل أحد بينما يطوف الجَمْع من أجلكِ "
اندهشت طيف أن جاسم مازال يتذكر تلك الكلمات فسألته :-
= هل لي بتفسير ؟
- ماذا تريدين أن تفسري ؟
= ما معنى هذه الكلمات ؟
- معناها أنكِ أخذتي نصيبك من اسمك ، تُدعي طيف قريبة من الطواف ، لا تحاولين أن تلفتي الأنظار فجمالك يفعل دون مجهود ، ولا تتعمدين إثارة غضب أحد فعنادك يفعل وبجدارة ، لا تخشين أحدًا بينما يخشاك الضعيف ، لا تحاولين من أجل أحد بينما يطوف الجَمْع من أجلك
= وماذا عنكَ ؟
- أطوف يا طيف ، أطوف ولا أعلم متى وكيف ولِمَا !
أرادت طيف أن تغير مجرى الحديث بعدما زادت ضربات قلبها واحمرت وجنتاها خجلاً فقالت :-
= ألن تُسمع طيف مقطوعة صغيرة ؟
- ليس عندي ما يمنع ولكن إذا أقنعتِ شخصًا بات قرب الثلاثين عامًا يترنم في الخفاء ..
= لن يكون هناك خفاء ثانيةً
- أعدكِ أنني إن استطعت ستكونين أنتي أول مستمعة
هنا جاء الطعام وتناولا طعامهما وهما ينظران لبعضهما من حين إلى أخر ، يتحدثون تارةً عن أنواع الطعام ، هذا شهي ، هذا يحتاج للشوي قليلاً ، حتى انتهوا من الطعام فجلبت طيف حقيبتها فنظر لها جاسم بحدة يترقب ماذا تنوي فعله ، فأكملت ما تفعله ثم أخرجت نقودها ..
هنا تدخل جاسم ليقبض على يدها بشدة حتى تألمت هي فتركها ثم همس لها :-
- يمكنكِ فعل ذلك عندما تكونين مع صديقتك المقربة
= جاسم ، لا يمكن أن ..
قاطعها ثم قال في حزم قائلاً :
- قلت صديقتك المقربة فقط
نظرت له طيف نظرة لن ينساها طوال حياته ، فهذه هي المرة الأولى التي تفصح عينها عما بداخلها ، لقد شعر بسعادتها ..
قاما سويًا ليستقلا السيارة التي على الجانب الآخر من الطريق فسبقته هي بخطوتين فقط فوجدت من يتعرض لها ويضايقها قائلاً :-
" هو القمر رايح فين ؟ "
كان هذا هو التساؤل الوحيد الذي فعله ذلك المجني عليه قبل أن يتلقى لكمة دامية من يد جاسم ، التفت طيف إثر صراخه فوجدت جاسم ينهال عليه ضربًا كالأسد الذي يحصل على فريسته بعد جوع دام لأسبوعين كاملين ..
اجتمع الناس حولهم فتركه جاسم بسرعة ثم ذهب إلى طيف وأدخلها السيارة ، هنا ظنت أن الأمر قد انتهى لكنه أغلق عليها السيارة وعاد ثانيةً ليكمل معركته في صالة المصارعة ..
عاد لها بعد دقائق بعدما هرب من ألقى عليها السؤال فدخل جاسم السيارة ولا يظهر عليه أية أثار لعراك ، فقط بذلته المهندمة لم تصبح كذلك ..
ظنت طيف أنه سينهال عليها كما كان يفعل فاستعدت لصراخه لكنه فاجأها عندما سألها هل هي بخير ؟ فردت هي هل أنت بخير !! فرد نعم ولِمَا لا أكون هكذا !!
سقطت دموع طيف رغمًا عنها ، هي التي لا تحب أن يرى أحد دموعها وقد كسر جاسم هذه القاعدة لديها فنظر لها ثم سألها لماذا تبكي ؟ ، لم ترد عليه لكنها ردت بداخلها قائلةً :- هذا هو الأمان الذي كنت افتقده ..
سألها ثانيةً لماذا تبكي فتحججت بأنها تسببت له في مشكلة ، هنا صرخ فيها فهي لم تفعل قط ، فآثرت الابتسامة ..
عندما وجدها مستمرة في البكاء وجد نفسه يدندن لها للمرة الأولى بعدما رفضه والده قديمًا ..
لكن صوته لم يكن واضحًا بالشكل الكافي حتى أنها لم تميز لمن يغني أو ماذا يغني ، لكن يكفي أنه حاول من أجلها فنظرت إليها لتجده يسحب يدها في هدوء ثم يعتذر منها عما حدث ويطمئنها بأنه جلب لها حقها ..
عادا إلى المشفى ليصعد هو إلى مكتبه وتدخل هي إلى سليم فلم يخبرها جاسم بقرار سليم الأخير بعد ..
دخلت إليه فوجدته كما هو فسألته عن حالته فقال لها :-
= لقد أخبرني جاسم بأنني مريضًا
لم تندهش طيف فهي تعرف طريقة جاسم جيدًا فحاولت أن تصلح ما فعله قائلةً :-
- ومن منا ليس مريضًا يا سليم ! ، كلانا يحتاج الخضوع لعلاج نفسي
= لم أغضب من قوله ، فأعلم بكوني مريضًا لكن أريد أن أتعافى
- ستتعافى يا سليم
= سئمت المرض ، سئمت البكاء ، سئمت أنني لا أنساها
- بل نسيت جزءًا كبيرًا منها ، لا تفكر فيها ، لا تترك لنفسك وقتًا حتى تفكر فيها ، أطلب من جاسم ما تريد فعله ، سيساعدك كثيرًا
= حسنًا
خرجت طيف من غرفة سليم فوجدت جاسم يبحث عنها فسألته ماذا حدث ، أخبرها أنه لم يحدث شيئًا فقط كان يعلم أنها ستدخل لسليم ونسى أن يخبرها بقراره الجديد فأخبرها وتقبلت هي الموضوع ، فلم تعد تريد أن تنتصر على جاسم في أي شيء ، يكفي ما فعله من أجلها ..
صعدت مكتبها ثم تذكرت ذاك الموقف وكيف تصرف جاسم ، لم ينظر لمهنته ولم يخشى أن يحدث له مكروهًا ، لم يتعرض لها الولد بمد الأيدي كان من الممكن أن يتعامل وكأنه لم ينتبه ، لكنه جعلها تشعر بأفضل ما يمكن أن تشعر به المرأة حِيال الرجل الذي استطاع سلب جزءًا من فؤادها رغمًا عنها ..
هاتفت درة جاسم وأخبرته أن يحضر لها في الحال ، فذهب إليها ليجدها تنوي افتعال مشكلة جديدةً
= درة :- هنفضل كده كتير ؟
- جاسم :- أنا تعبت يا درة
= أنا عارفة ، عارفة كل حاجة يا جاسم
ظنَّ جاسم أنها تلمح عن علاقته بطيف ، فلم يهتم فهو يريد أن يخبر العالم بأجمعه أن تلك المخلوقة استطاعت أن تغير من طباع دكتور جاسم حمدان وأعلنت سيطرتها الكاملة على قلبه ، لكن درة فاجأته ..
= عارفة العلاقة اللي بين طيف وسليم
- أنتي بتقولي إيه !؟
= هي طيف مقالتلكش !! طيف وسليم بيحبوا بعض يا جاسم
لم ينتبه جاسم لكلام درة فهو يعلم جيدًا أنها تحبه وستفعل أي شيء من أجل أن يكره طيف وهذا لن يحدث ، فلم يرد على كلامها وأعطاها ظهره ليرحل ، لكنها لم تصمت ثم قالت في غضب :-
= طيف بتدخله كل يوم من غير ما تخلي حد يشوفها وأنت مغفل يا جاسم
لم يجعلها جاسم تكمل جملتها ، فوجدت صفعةً قاسيةً على وجهها محذرًا إياها ألا تنطق اسم طيف ثانيةً_ جيهان سيد ♥️🌝
أنت تقرأ
من إحدى غرف المصحات النفسية 🖤.
Adventureرواية تدور أحداثها في إحدى المصحات النفسية ، تبدأ بمجموعة غرف ليس لها علاقة ببعض لكنها تحمل في طياتها لغز الرواية ، تناقش عدة أمراض نفسية متداولة هذه الأيام كالوسواس القهري والتردد والتكبر والاحتياج وجلد الذات وأهمهم مرض الـ MDD بطريقة روائية وكيفية...