الجزء الرابع والعشرون

2.3K 301 46
                                    

ارتعشت يد طيف وألقت الورقة أرضًا حتى تلاقت أعينها بأعين سليم ..
- سليم :- ماذا تفعلين يا طيف !
تلعثمت كلمات طيف ولم تعرف بما تجب لكنه كرر سؤاله
- سليم :- أسألك ماذا تفعلين يا طيف !!
= طيف :- هل كنت تحبها لهذه الدرجة ؟
وكأن هذه الكلمة هي المفتاح لحل الموقف فجذبها من يدها برفق وأجلسها في إحدى أركان الغرفة هامسًا :-
- حتى لا تلتقطك الكاميرا
= عفوًا !!
شاور سليم بيده على إحدى الكاميرات المثبتة بعناية أقصى اليمين ثم هدأها لا تقلقي ، هي لا تقتحم خصوصية الغرفة هي فقط تصور هذا المكان لعل المريض يريد أن ينهي حياته فحينها يتدخل البطل المنقذ جاسم ..
= هو من أخبرك بذلك ؟
- لا أحد يعلم بوجودها ! أنا من اكتشف ذلك
تذكرت طيف عندما دخلت لدرة وكانت تجلس في هذه الزاوية عندما وضعت لها الورقة ومن هنا علمت كيف كشف جاسم أمرها ..
نظر سليم لأعلى وكأنه يتأمل اللا شيء ثم قال بصوت مهزوم :-
- لم أكن أحبها فقط ، لقد وجدت حياتي عندما وجدتها ، كنت إنسانًا روتينيًا لا يحمل هم الغد وما إن رأيتها حتى انتظرت ذلك الغد الذي يجمعني بها ، لم تكن مثل البقية ، لم تتعمد لفت انتباهي ، قد فعلت عيناها دون مجهود ، أنا من جاهدت حتى أظفر بها ، لم تكن ذات الجمال الفائق ، لكنها في عيني أجمل ما خلق المولى ، ضحيت من أجلها بكل شيء أملكه ولا أملكه ، حتى انتهزت الفرصة وضحت بي ..
= من هي ؟
- لا أريد نطق اسمها مرة أخرى
= لماذا ودّدت الانتحار ؟
- لأنني لا أستطيع العيش معها ولا بدونها
= لماذا استجبت لندائي فقط !
- لأنك تشبهينها
= في ماذا ؟
- كانت تفعل بي كل ما يجعلني أسقط في الهلاك ، وما إن همّمت حتى تناديني بصوت رقيق مصطنع "سـلييـم" لا تفعل ذلك ..
= لم أفعل بكَ شيئًا يا سليم !
- لكنك ستفعلين معه
= مع مَن ؟
- الذي جاء ببالك الآن ..
تركته طيف وهي تتعجب لحاله ! هل لمريض نفسي أن يتفوه بكل هذه القصائد !! كأنه يحاسبني عما يدور في بالي !! كيف يعلم أنني أنوي الانتقام من جاسم ! ألا يعلم ماذا فعل ذلك المتعجرف بي ! تاللَّه لن أسامح ..
بعدما مرَّ وقتًا لا بأس به على خطبة جاسم ودرة ، لم يعد جاسم متقبلاً ما وُضع فيه قسرًا ، فحدد موعد مع درة لينهي ما بدأه بغير إرادته ..
- جاسم :- أنا تعبت من المشاكل يا درة
= درة :- أنهي مشاكل ؟
- احنا كل يوم بنعمل الف مشكلة
= وأنا بحلها
- حاسس أننا مش متفاهمين
= طب أنا هحاول أفهمك
- أسلوبك ده السبب
= أسلوبي ده اللي كنت بتحبه زمان
- عمري ما حبيته يا درة
= لا كنت بتحبه يا جاسم وبتحب أي حد يمدحك ويرضي غرورك
- أنا مغرور !
= لا أنا أسفة مقصدش
- أقصدي يا درة ، بلاش أسلوبك ده ، بطلي تحاولي تراضيني
= حاضر ، حاضر والله أنت لحد دلوقتي مأعلنتش خطوبتنا وأنا موافقة عادي مش متضايقة
- بردوه !!
تجمعت دموع درة و انهمرت بغزارة لتسأله بصوت خافض :-
= طب أنت عاوز إيه و أعملهولك ؟
- مش عاوز يا درة ، حصل خير
يكره جاسم هذا الأسلوب ، إنه نوعًا من أنواع الابتزاز العاطفي ، تعلم أنني لا أقوى على الصمود أمام دموعها ، ليس لأنها درة بل لأنها أنثى ، تخبرني دَومًا أنها ستفقد حياتها إن فقدتني ! فتجبرني على الاستمرار ، لا يجب أن أتزوج من فتاة فقط لأنني أشفق عليها !!
اتجه جاسم لنجيب الذي يعي جيدًا أنه سيلقي اللوم عليه لكنه يحتاجه ..
- جاسم :- أنا تعبت يا نجيب ومبقتش عارف أتصرف ازاي
= نجيب :- طب منا قولتلك قبل كده وحذرتك كتير
- هو أنت هتساعدني ولا عاوز تطلعني غلطان وبس
= عاوزك تفوق يا جاسم لأنك مش هتطلع نفسك غلطان ، ياجاسم ده جواز يعني لازم تفكر بعقلك وقلبك سوا ، مينفعش ضفة تغلب على التانية ولو حكمت يبقى عقلك اللي يغلب يا جاسم
- كعقل درة مناسبة
= هو أنت بتفكر بعقلك ازاي ؟ عشان بتحبك وبتحاول تراضيك تبقى مناسبة ؟
- هتعرف تتعامل معايا
= طب وأنت ؟ عارف تتعامل معاها !
- يعني أنا كنت عارف أتعامل مع طيف ؟
= مين اللي جاب سيرة طيف يا جاسم ! ولا أنت بتتلكك !!
أنت ليه حصرت الموضوع في طيف ودرة !! وإن كنت شايف أن طيف مناسبة لكن لو أنت مش شايف ده مينفعش تجبر نفسك ، أوقات كتير بنجبر نفسنا على مواقف مش مضطرين نتصرف فيها كده ، دايمًا بيكون في باب تالت وفي الغالب بيكون هو الحل ، بس احنا مش بنشوف غير أول بابين ، يا إما أه يا إما لا ، بنحط نفسنا جوه مكان مش شبهنا ، احنا اللي بنأذي نفسنا ، درة لسة مريضة يا جاسم ووجودك جمبها بيأذيها أكتر
- درة تعافت
= درة تعافت من صدمة والدها لكنها دلوقتي مريضة بالاحتياج ، درة محتجاك مش بتحبك ، مينفعش تتجوز حد لمجرد أنك بتسد خانة عنده ، أنت كمان ليك متطلباتك ، لو مش مرتاح متكملش يا جاسم
- طيب مش هأذيها ؟
= هتأذيها أكتر لما تعيش معاها وأنت مش بتحبها
- والمفروض أعمل إيه ؟
= بصفتك طبيب تعالجها ، بصفتك خطيبها تمهدلها واحدة واحدة وتنسحب بهدوء لحد ما تتعافى منك ..
مر جاسم على غرفة حازم وقد وجدها خالية ، فتذكر أن أخر من اجتمع معه هو طيف ، تنهد ثم رحل ليقف أمام غرفة سليم ثم يطرق الباب فيأذن له بالدخول ..
- جاسم :- ألم يئن الوقت لتتحدث معي ؟
= سليم :- ماذا تريد أن تعرف !
- مما تعاني ؟
= من ألم
- ما سببه ؟
= هي ؟
- ألن تخبرني بهويتها ؟
= لا
- ماذا فعلت بكَ ؟
= لقد جعلتني أحبها وأبغضها في آنٍ واحد ، أريد أن أكمل حياتي معها ولكنها أنهتها قبل أن ترحل ، لا أعلم إن أحببتها حقًا أم أحببت ذلك الشعور الذي لا أجده مع غيرها
- لذلك تفكر في الانتحار ؟
= لا أفكر ، بل أخطط
- أنا هنا لمساعدتكَ
= هل انضمت لنا طيف ؟
- دكتورة طيف !!
= نعم أريد طيف
- هل دكتورة طيف ستجعلك تتحدث !
= ربما
هاتف جاسم طيف لتحضر في الحال وأصرّ أن يلقبها بدكتور طيف حتى يقلده سليم ، فجاءت مسرعة ليقابلها سليم بإبتسامة لا يعلم معناها سواهما ، فغضب جاسم حيال ذلك لكنه آثر الصمت ..
جلست طيف على مقربة من سليم الذي راقبها بعينه ، ينظر من حين لآخر إلى جاسم بنظرات مشفقة ، فقطعت طيف الصمت قائلةً :-
- طيف :- كيف حالك اليوم يا سليم ؟
= سليم :- بخير ، ماذا عنكِ
تدخل جاسم في الكلام ولم يستطع أن يخفي غيرته أكثر من ذلك قائلاً :-
- هل تقابلتما قريبًا ؟؟
ليرد سليم سريعًا :-
= سليم :- لا
ثم نظر لطيف وكرر تلك الإبتسامة ..
- جاسم :- هل تودَّ أن تتحدث معها منفردًا ، أما أشارككما ؟
= سليم :- ودَّدت أن أراكما سويًا
طيف وجاسم في آنٍ واحد :- عفوًا !!
هنا تعالت صفرات الإنذار وتمت مناداة دكتور جاسم حمدان ليرى الكارثة التي حدثت ، جرى جاسم بسرعة حتى وجد آثار الدماء على الأرض ..

_ جيهان سيد ♥️🌝

من إحدى غرف المصحات النفسية 🖤.Where stories live. Discover now