الجزء الثاني والعشرون

2.7K 325 36
                                    

انهى جاسم عمله سريعًا وذهب إلى منزله ، أخذ حمامًا ثم تناول غذاءه وهاتف طيف ليخبرها بالأمر وهو يعلم جيدًا أنها ستأتي ..
وقف أمام دُولابه ثم وقع اختياره على بذلة لم يرتديها من قبل ..
وصل د. نجيب الألفي إلى كافيه لادا حاملاً بوكيه ورد كأنه العريس ، فوجد التجهيزات كاملة لكن بلا أشخاص ..
فظل ينظر ويتأمل دوامات نهر النيل الصغيرة وهي تضارب بعضها البعض ..
دقائق ووصلت سيارة جاسم معلنةً وصوله مع درة ، فنزل من سيارته مرتديًا بذلة صُنع اللون الكحلي خصيصًا من أجله ومن أسفلها قميص أبيض يعكس ثمنه الباهظ ، اتجه للجانب الآخر ليفتح الباب لدرة التي ارتدت فستانًا مبالغًا فيه بعض الشيء ذات لون وردي وقد بالغت أيضًا في استخدام مستحضرات التجميل ، لا أعلم إن كان ذلك من قبيل فرحتها أم هذه هي قواعد العروسة التي لابد أن تسير عليها كل من هي مقبلة على خطوة الزواج ، وكأن حجم مكياجها يتناسب طرديًا مع سعادتها المقبلة فكلما استزادت كلما ضمنت سعادة أبدية مع شريكها ..
قمت لاستقبلهما حتى جلسا بجواري فمددت يدي لأعطي درة الورد مدعيًا أن جاسم من أحضره فأخذته درة في لهفة ثم احتضنته بينما همست إلى جاسم لأخبره أنني كنت على يقين أنه لن يهتم بهذه التفاهات فابتسم هو الأخر على مضض ..
في هذه اللحظة أعلنت أميرة هاربة من عالم ديزني وصولها إلى أرض الكافيه ..
كانت أميرة بيضاء ذات حُمرة خفيفة لم تبالغ في استخدام مستحضرات التجميل إن كانت قد استخدمتها ، ترتدي فستانًا زهريًا يشبه تلك الجميلة التي تُدعى سندريلا ولكنه أكثر هدوءًا ورُقيًا ..
دخلت بخطوات هادئة مدروسة لتجذب أنظار كل من في المكان وهم العاملون وأنا ودرة وبالطبع جاسم ..
باركت طيف لجاسم ودرة ، فقمت أنا لأجهز لها الكرسي حتى تجلس فشكرتني بابتسامة هادئة ، وددت في حينها لو لم أكن تخطيت الثلاثين ولم أكن تارك زوجتي وأطفالي في المنزل الآن ..
شعرت درة بالغيرة فهي التي بذلت مجهودًا واضحًا لتصبح ملكة اليوم فجاءت أميرة بسيطة وسلبت منها حيلتها ، فقررت أن تزيد من مبالغتها فنظرت إلى جاسم وطلبت منه أن يرقصا على تلك الأغنية ..
فلم أجعلها تكمل الجملة حتى طلبت من طيف الطلب ذاته ولكن جاسم رمقني بنظرة حادة ثم انتقل ببصره إلى طيف وكأنه يريدها أن توافق حتى يلقيها بشعلة من النار تحرق فستانها الرقيق ، لكنها حمدًا لله رفضت بلطف ..
فهمست له " لا تقلق أيها العريس ، لقد تشوقت لرؤية تلك النظرة ليس أكثر "
فضحكنا سويًا رغمًا عنه ..
قام جاسم ليلبي نداء درة فقامت طيف تلتقط بعض الصور وقد ساعدها في ذلك واحد من المصوَّرين الذين أتى بهم جاسم ..
كانت نظرات جاسم تراقبها جيدًا بينما تتحدث معه درة ولا يعطي لها اهتمامًا حتى لاحظت هي فضغطت على يده فنظر لها ليجدها مبتسمة وسألته عن فستانها فنظر له كأنه يراه للمرة الأولى ثم نظر بتلقائية لفستان طيف فبرقت عيناه وقال لدرة رائع ، هادئ وجميل ، يجعلكِ تشبهين الأميرات ..
أعلنت الغيرة حضورها في أعين درة لكنها أخفتها جاهدةً وهمست له :-
= درة :- بحبك
للمرة الثانية يتفاجأ جاسم من جرأة درة لكنها أكملت :-
= هو أنت لسة محتفظ بالرسالة ؟
- جاسم :- أنهي رسالة !
= اللي وقعت مني وأنت خدتها
تذكر جاسم أمر رسالة درة التي كتبتها لي والتي كانت تخشى عليَّ فيها فتاة توهمني بالحب وهي ليست كذلك فرد عليها قائلاً :-
- هو أنتي كنتي عارفة أنها معايا ؟
= أكيد طبعًا ، مش أنا اللي سيباها عن قصد ..
على الرغم من أن جاسم يحب من تقدر غروره وقد رأى في درة أنها تجيد هذه الملكة لكنها تفقدها الآن بغبائها ..
تطبق درة مقولة "الشيء إن زاد عن حده انقلب ضده" باحترافية ، ففي البداية كانت ترضي غرور جاسم بجدارة لكنها الآن تتحول لأداة لإشباع رغباته المعنوية المريضة ..
ضرب الهواء فستان طيف فتطاير ليضفي لها بريقًا وجمالاً وهنا جاء دور المصوَّر الذي أستغل الموقف وقام بالتقاط هذه الصورة لطيف فطلبت درة من جاسم أن يذهبا لالتقاط بعض الصور ..
وقف جاسم بجانب درة بشكل تقليدي فساعده المصوَّر في بعض الوضعيات فلم يتقبل منها جاسم إلا ما يراه راقيًا ، حتى جلب له بوكيه الورد فرفض جاسم أن يظهر معه في الصور فجاء دور نجيب في إقناعه حتى وافق على مضض ..
أرادت درة أن تلتقط مثل الصورة التي التقطتها طيف فطلبت من المصوَّر أن تقف في نفس المكان لكنه لم ينصحها بذلك لأنها ترتدي كعبًا عاليًا لكنها أصرت ..
ما إن وقفت درة حتى ضربها الهواء فأهتز حذائها لتتلقى ضربةً أخرى تجعلها تلامس الأرضية فضحك الجميع حتى جاسم الذي لا يضحك إلا قليلاً ..
ثوان معدودة وقدم جاسم لها يده حتى تقف مرةً أخرى وأعتذر لها في أدب وأجلسها على الكرسي ليقوما بإرتداء الدُبَل ..
وقف نجيب وطيف أمامها والابتسامة ترتسم على وجههما ثم بدأت تلك الغنوة التقليدية " يا دبلة الخطوبة " واقتربت الكاميرات من وجه جاسم ودرة وإرتمت الزهور من فوقهما في مشهد رومانسي مصطنع ..
قاما سويًا ليقطعا التورتة التي جُهزت خصيصًا من أجلهما والتي كانت عليها صورتهما ، جلسوا جميعهم على منضدة واحدة بعدما بارك لهما نجيب وطيف فقاطعت طيف الصمت متسائلةً :-
= خلصتوا ولا لسة ؟
- جاسم :- خلصنا إيه ياطيف ؟
ضحكت طيف ثم قالت :-
= أصل أنا ورايا شغل بكره ومش عاوزة اتأخر وكده
قطع نجيب عراكًا كاد أن يبدأ فقال :-
= تعرفوا ، كنت بتفرج على فيلم أجنبي من كام يوم وكانوا عاملين خطوبة صغيرة كده وفي النهاية لعبوا لعبة حلوة أوي ، كل واحد هياخد ورقة ويحدفها لفوق بطريقة عشوائية لحد ما تنزل على حد فينا ، فالأول هيكتب جملة في ورقة ويقفلها كويس بعدين يديهاله ولو هو حابب يقرأها معانا يفتحها لو مش حابب يسيبها مقفولة ..
وافق الجميع على تلك اللعبة حتى تتغير الأجواء قليلاً ..
فرفعوا الورق في وقت واحد بطريقة عشوائية عدا درة التي تعمدت إسقاطها على جاسم ..
ورقة درة سقطت على جاسم كما أرادت ، ورقة نجيب سقطت على درة ، ورقة طيف سقطت على نجيب ، ورقة جاسم سقطت على طيف ..
كل واحد منهم أعطى للأخر ورقة ..
فتح جاسم ورقته من درة فوجد فيها " لم أْشدُدْ بكَ أَزْري فكنت أنتَ أَزْري الذي لم يَنْحَنِ قط " ..
ورقة طيف لنجيب كان بها " ودَّدت لو أن من جاوركَ تشابه معكَ "
أما ورقة درة من نجيب ففيها " أتمنى لكِ تقييم الأمور بعقلكِ أولاً"
أخذت طيف ورقتها من جاسم تركتها مقفولة ..
انتهى اليوم وعاد كل منهم إلى منزله بعدما أكد جاسم عليهم ألا يخبرا أحدًا بأمر الخِطْبة ، عدا درة التي أعادها جاسم إلى المشفى ..
ذهبت طيف في الصباح إلى المشفى وصعدت إلى غرفة جاسم لتجد د. نجيب معه فابتسمت بلطف وحيًّته ثم وجهت كلامها لجاسم دون مقدمات :-
= أغلب المشاكل ما بينا بسبب أنك شايفني بستغل المرضى صح ؟
- جاسم :- أيوة !
= بالنسبة للمسرحية بتاعة إمبارح !!
- أفندم !
= مسرحية إمبارح ، ديه مش استغلال مريضة !
- طيف ، مسمحلكيش تتكلمي كده
= المفروض أن حضرتك تكون قدوة لينا ، بما أنك المدير ، لكن أنك توهم مريضة بأنك بتحبها وهتخطبها عشان تكسب معركة أنت اللي خلقتها ؟
رد جاسم بعنف :-
- أنا ولا أنتي يا طيف !!
= لا أنت مش أنا ، مش أنا اللي قولت عليها خطيبتي ومش أنا اللي صلحت غلط بغلط أكبر ، أنا معملتش أي حاجة يا جاسم أنا كنت مجرد رد فعل ليك
قام نجيب ليهدأ بينهما فطلب من طيف أن تذهب إلى غرفتها وسيعاود الجلوس معها فوافقت وكادت أن ترحل لكن جاسم استوقفها :-
- لما أنتي كنتي عارفة أنها مسرحية ، جيتي ليه ؟ ما أنتي كمان شاركتي فيها !
ردت باستفزاز :-
= كنت زهقانة ، قلبت في التليفزيون ملقتش حاجة عجبتني ، فقولت أدي فرصة للوجوه الجديدة
ثم رحلت وأغلقت الباب ورائها بعنف ..
نظر نجيب لجاسم الذي يخرج لهيبًا من وجهه قائلاً :-
= بصراحة ياجاسم ، المرة ديه طيف مغلطتش
- ديه جاية تشمت فيا يا نجيب ، جاية بتثبتلي أنها صح
= وليه متكونش فعلا صح يا جاسم ! أنت فعلاً اتسرعت وجدًا وأنا قولتلك ، وبيني وبينك هي مغلطتش في موضوع المسرحية ، بقى يا راجل في خطوبة يحضرها أربع أفراد منهم العريس والعروسة !!!
ضحك جاسم على طريقة نجيب وقال له :-
- ما أنت عارف أني في الإخراج مش أد كده
= درة ملهاش ذنب ياجاسم ، متخليهاش طرف في مشكلة بينك وبين طيف
- أنا معاك أن درة طيبة ، بس مش بالدرجة اللي أنت فاكرها ..
= بتحبك ، للأسف حبتك وبتضحي علشانك كتير ، بلاش تستغل ده
- حاضر
ذهبت طيف لغرفة حازم لكي تطمئن عليه ولكن غرضها الحقيقي هو مضايقة جاسم الذي حذرها في المرة الأخيرة ألا تقترب من مرضاه خاصة حازم ..
= حازم :- أهلاً دكتورة طيف
- طيف :- أزيك يا حازم ، اخبارك إيه دلوقتي ؟
= أفضل كتير ، مش محتاج غير أني أخرج
- أنا سمعت أن د. جاسم خرجك ؟ ده فعلاً !
= فعلاً ، وخلاني أقابل زينة
- زينة مراتك !
= أيوة
- جاسم !!، قصدي دكتور جاسم خلاك تقابل زينة !!
شعرت بغصة في حلقها فظنت أنه إذا رأى حازم وزينة سيغير رأيه في اختيار درة ، ولكنه اختارها فهل حقًا تتحرك مشاعره تجاهها ؟؟
في هذه اللحظة دخل جاسم لغرفة حازم ليصطدم بطيف في وجهه فقامت هي مفزوعة ولم تتفوه بأي كلمة بل رحلت في هدوء وكانت تتبعها نظراته حتى ضحك حازم فسأله جاسم عما يضحك ؟
= حازم :- أتكلم عادي ؟
- أتفضل
= باين أوي أنك بتحبها
- أفندم !!!
= أنا أسف يا دكتور بس حضرتك اللي سمحتلي
- ليه بتقول كده يعني ؟
= عشان شوفت في عيون حضرتك نظرتي لزينة من كام سنة فاتوا قبل ما أعترفلها
- أنت بقيت أفضل دلوقتي ؟
= جدًا يادكتور ومحتاج أخرج بقى
- قريب جدًا
عادت طيف إلى المنزل و تذكرت أمر الورقة التي أخذتها من جاسم فأخرجتها بحماس حتى ترى ماذا كتب لها ذلك المتعجرف ..
" تشبهين اسمك يا طيف ، لا تحاولين من أجل أحد بينما يطوف الجَمْع من أجلكِ " ..

_ جيهان سيد ♥️🌝

من إحدى غرف المصحات النفسية 🖤.Where stories live. Discover now