الفصل الخامس والعشرون

1.5K 78 24
                                    

أحيانًا يأتي على الإنسان وقت يشعر فيه أن كل شيء مر به كان مجرد خدعة كبيرة لم يميزها رغم ذكائه، لم يلاحظ أن البشر مخادعون وأن جميع الوعود كاذبة، وأن الصدق ليس من شيم البشر، وأن الخداع واللعب بالعواطف هي سمتهم المميزة التي ينالون عليها إمتياز بجدارة.

رغم أنها عاشت أوقات كثيرة صعبة إلا أن أصعب الأوقات على الإنسان عامةً هو وقت التخلي، أن يشعر أنه ليس جدير بالثقة وأنه غير كافي لشخصه المفضل.

لا تصدق أنها تقف الآن ترتدي ملابسها لتذهب وتضحي بجنينها ومع منْ..!! مع زوجها الذي من المفترض أن يكون أكثر الأشخاص من حولها سعادةٍ، لكن الحياة تجعلنا نحلم بشيء ونُقابل بأخر شيء قد نراه في ذاكرتنا.

ألقت نظرة عليه من خلال المرآة لتجده يقف بحلته الأنيقة في شرفة الغرفة ينتظرها حتى تنتهي من لبسها، عدلت هيئة ملابسها ثم وضعت أخر دبوس في حجابها والتفتت تناديه بألم وصل لقلبه من خلال نبرتها المتألمة:

_مـالك

يقسم أنها نطقت اسمه فقط، لكنه سمعها تستنجد به منه ومن قسوته معها التي ظهرت لها مؤخرًا، يشعر الآن بقلبه كـ كرة من الصوف وبصوتها المترجي تسحب طرف الخيط ببطء ثم ببطء حتى جعلته يهترأ وتقطعت كل أوصاله.

دلف من الشرفة ثم أنزل الستار واتجه جهة الباب ليفتحه فسمع صوتها الحازم قائلة:

_أول ما نِخلص هطلقني

ألم حاد بشع أصاب قلبه الآن، هو يفعل كل ذلك حتى لا تبتعد عنه، في نفس الوقت التي تطلب هي الإبتعاد، تنهد يفرك وجهه بتعب ثم فتح الباب وخرج دون أن يرد، بينما نظرت هي للغرفة كأنها تودعها وتخبرها في آن واحد أن كل الوعود المقطوعة هنا ما هي إلا وعود كاذبة.

أغلقت الباب خلفها وهبطت خلفه لأسفل نظرت في كل مكان علها تجد عمر، تطمئن عليه، أو حتى لتودعه بعينيها لكنها لم تجده، لأول مرة لم يكن موجود بالأسفل ويشرب قهوته كعادته دائمًا، ركبت السيارة جوار مالك الذي جلس خلف المقود يأخذ طريقه للمشفى والصمت سيد المكان.

حاولت أكثر من مرة أن تقف خلفه عندما يسكن اليأس عينيه وتتعب روحه من معارك الحياة، كانت تود أن تحتضنه وتخبره أن صدرها سماء واسعة ستضم كافة أوجاعه، لكنه لم يعطيها فرصةٍ لتفعل كل ذلك فقد صدها من أول الأمر، لم يثق بها كفاية ليبوح لها عن مرضه الذي يعاني منه، والذي بسببه ستخسر..ستخسر كثيرًا.

أوقف السيارة أمام المشفى وبقى ينظر للأمام دون نطق كلمة هي فقط تنتظر منه أن يخبرها هذا خطأ لن نفعل ذلك بأول ثمرة لنا، لكنه أغلق عينيه يعتصرهما ثم خلع حزام الأمان وترجل من السيارة يفتح لها الباب لتنظر له بحسرة هو هو لن يتغير، ترجلت من السيارة ثم دلفت بصحبته للداخل وذهب معها حتى الطبيبة التي أخبرته أن ينتظر في الخارج، ما كان عليه إلا أنه قال:

عذاب حبـك  "الجزء التاني من جبروت قسوته"Where stories live. Discover now