٢-《صفعة ومعجزة》

807 122 79
                                    

كان قد فات الأوان على إدراك توماس إنه بالطابق الخطأ، حيث فُتح باب المصعد على نحو تلقائي ليشاهد مشهدًا دراميًا، حيث كانت أوليفيا تقف أمام المصعد حاملة الأوراق الكثيرة، والتي سقطت دفعة واحدة بعد صفعها من قِبَل، مديرة الفريق، السيدة شارلوت.

كان يقف شاهدا معهم،  جمع من الموظفين، في ذهول من تصرف صاحبة البشرة البيضاء الباردة، تلك التي تمتلك شعرًا قصيًرا أملس، أسود اللون ولامع كان يلامس حلمة أذنيها، مصفف إلى الوراء حتى يظهر جبهتها تماما، تمتلك عيونًا حادة ذات لون أزرق وشامة تستقر فوق شفتيها، فكانت تعرف بين فريقها بالساحرة المتسلطة، فجمالها الصارخ لم يشفع لها أبدا، أفعالها الخبيثة.

كان صوت الصفعة التي تلقتها أوليفيا على خدها الأيسر من شارلوت، هي أول ما نبه توماس، تلاها صياحها عليها، مما أزعجه كثيرا، فهو شخص معروف بالإيجابية، ولا يحب العنف أبدا، مهما كان السبب، بالإضافة إلى أنه لم يتحمل الصوت الصاخب لذا دلف بضع خطوات للأمام قصدًا منه التدخل لإنهاء الموقف.

اقترب قليلا من جمع الموظفين، مما جعله يستمع لحديث شارلوت، تلك السيدة بأواخر الثلاثينيات، حيث أردفت بصياح ونبرة غاضبة، قائلة:
- أنتِ كاذبة! لما أسمح لكِ بأخذ عملي ونسبه إليكِ! لم يكتف الأمر بذلك أيضًا، بل كنتِ تحاولين أخذ موافقة النشر دون تدخلي!

ثم نظر إلى أوليفيا يتمعن بملامحها فهي كانت لا تزال في صدمة من هول الموقف، وما لبثت ثوانِ إلا تحجرت الدموع بعينيها، والتي كانت تقف على حافة جفنها، منتظرة إشارة السقوط، فمسحت أوليفيا على عيونها في محاولة منها للتماسك، ثم أردفت بنبرة مهتزة:
- أنتِ الكاذبة هنا يا سيدة شارلوت، أنا من كتبت كل هذه الكتابات وأيضا أنا من حررها، وهذه ليست المرة الأولى لكي تجبريني على وضع اسمك بدلا مني.
ثم تابعت في ثبات واهم:
-ولكن هذه المرة كانت مختلفة، فأنت بالفعل طلبتِ مني أن أنهي كل شيء، وكان اتفاقنا ووعدك لي هو أنكِ ستضعين اسمي عليه في حال إنجازي العمل المراد، لذا أنا سهرت الليالي حتى لم أنتبه إلى عدد وجباتي التي تعديتها!.

كان صوت الهمهمة يطغى على الطابق، فكان الموظفون يتهامسون، وبالرغم من خفوت نبرتهم، إلا أن حديثهم تناقل سريعا بين بعضهم، شَعَر توماس أن أوليفيا على حق، لذا فجأة قام بسحب أحد الأوراق، وقرر أن يستخدم هبته، ليعرف من الكاتب الأصلي، لم ير أي شيء، ثم حاول مجددًا ليجد أن الأمر ذاته، وبما أنه يثق بموهبته والتي مارسها لأكثر من عشرين عامًا، قفز إلى استنتاج واحد، ألا وهو أن الكتابات لم تكن ملكًا لأي منهما، فلم يشاهد أي ماض يخص أوليفيا أو شارلوت، لذا شعر بأن هذا أمر مدبر بين الاثنتين.

فنبس قائلا بسخرية:
- كاذبون...

رمقته شارلوت أولا، ولكن أوليفيا لم تتمالك نفسها، لتدلف نحوه بضع خطوات، ولكنها لم تنظر إلى وجهه، يرجع ذلك إلى أنها مصابة بعمى الأوجه المكتسب منذ أكثر من عشر سنوات، لذا هي تعودت ألا تنظر إلى الوجوه، فعلى كل حال لن تكون قادرة على تحديد تقاسيم الوجه، فأردفت بصوت غاضب وعيناها متضببة بالدمع، قائلة:
- قلت لكم! أنا لست كاذبة!

مِذياع توماس.✓Where stories live. Discover now