٨- 《ذكرى لفقدان》

518 97 52
                                    

وفي المساء بعد إنهاء توماس هذا اليوم الطويل، وفي طريقه إلى المنزل، تلقى مكالمة من ويل، يخبره فيها أنه يريد مقابلته الآن، فأخبره توماس إنه يريد أن يسترخي ولا يريد التحدث فقط، يريد أن ينام من شدة الإرهاق، أغلق ويل المكالمة بعد أن أنتبه داخله، عن سبب صوت صديقه الحزين وكلماته التي كانت تخرج بالكد، ثم لام نفسه أنه نسي ذكرى وفاة أم صديقه العزيز، فهذا هو اليوم الذي يسبق ذكرى وفاة والدة، توماس.

بقلب متعب وعقل مرهق، دلف إلى شقته وارتمى إلى فراشه، متوهمًا أن يخلد وينعم بنوم هادئ، أخرج مجلداً أزرق اللون، كان يحوي على العديد من صوره مع والدته وأبيه بمختلف أعماره، يقلب الصفحات ولم يتمالك نفسه إلا وهو يجهش بالبكاء.

غريب المرء منا، مهما كبر في العمر، تظل ذكرياته مع أهله محفورة بداخله ويتألم بفقدانهم وبكل مرة يشعر كأنها أول مرة، نفس الحزن الصامت مثل كسر جناح طائر وحيد.
أحتضن المجلد وأخذ وضعية الجنين في نومه ثم أستسلم لوحش الذكريات، الذي هز حصونه المنيعة وجعله يعود مجددًا يحدث أمه كطفل مازال بالعاشرة، يقلد غناءها له وتمر عليه ذكرياته مع والدته كشريط حتى وصل إلى نهايته، يوم وفاة أمه، لتعلن آخر دمعة سقوطها قبل أن يغلب عليه النوم، قهرًا.

◇◇◇

باليوم التالي، استيقظت أوليفيا بفتور، بالرغم من تحمسها لمقابلتها المنتظرة، ولكنها كانت تنهض بأعين متثاقلة ومن يراها سيدرك حتمًا، أنها لم تستطع النوم البارحة، فكانت هناك ظلال قوية تستقر بجفونها ووجهها مظلماً قليلاً، بعد أن نهضت إلى الفراش، وقفت أمام المرآة تنظر إلى نفسها، ووقعت عيناها على التقويم، لتنظر إلى تاريخ اليوم والذي وضعت عليه علامة مخصصة لكي تتذكره، ألقت اللوم على نفسها، كيف لها أن تنسى هذا التاريخ، حتى وإن كانت منشغلة بالأحداث حولها، ثم سقطت دمعة هاربة، وأردفت تخبر نفسها، قائلة:
_

تماسكي يا أوليفيا، حتى لا تشاهدك، عزيزتك بهذه الهيئة.

ثم شرعت بأخذ استحمام دافئ وسريع، ومن بعد ذلك، أيقظت إيميلي، وشرعت بتحضير الفطور، وبينما يجلس الاثنان للاستعداد لتناول الطعام، لاحظت إيميلي أن أوليفيا، لم تعمل على عملها الأول والناجح، فاستفسرت، قائلة:
- لم أركِ تعملين على القصص المصورة، البارحة... هل توقفتِ بالفعل؟!.

لتجيبها أوليفيا وهي ناظرة للصحن أمامها، قائلة بنبرة هادئة:
- الحقيقة يا إيميلي، أفكر في تغيير مسارها، بالأصل أنا كنت أخرج غضبي بالرسم، كما أنني جاءني الفضول، عندما رأيت وجه ذاك المدعو، توماس!

ثم تابعت، قائلة:
- أني قد أصبت بالمرض منذ أعوام طويلة، فبالفعل ملامح الأوجه كانت تتلاشى بعقلي، بالكد أتعرف على مواضعهم فقط، وهذا ما لفت انتباهي، وأثار حيرتي بالوقت ذاته؟! ولكن بعدما نجح الفصل الأول، كنت سأواصل بنفس شخصيتي أي أن البطلة التي رسمتها كانت أنا بالأصل، ولكن وجود الصحفيين والمراسلين وهذه الضجة، يجعلني أفكر بالتراجع.

مِذياع توماس.✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن