٢٣ - 《خبايا الرسائل》

288 48 74
                                    

بأرجل متعبة، أنفاس ثقيلة، قلب محطم، وصمت تام من إيميلي  التي علمت لأول مرة معنى الانكسار، كانت تسير وهي مستندة إلى يد كل من  أوليفيا وشارلوت دون انتباه عما يحدث حولها.

دلفت إلى منزلها الدافئ، والذي لم يعد كذلك بعد اليوم، رفعت نظرها تتفحص المنزل كاملًا، المنزل الذي كان يشع بحياته، ويملؤه صوته وضحكته وأنفاسه المحببة إليها، ذاك المنزل الذي أصبح فجأة فارغًا وهادئًا وباردًا كالسجن الموحش.

دلفت بضع خطوات، وهي تستند إلى كل جماد، حتى وصلت أمام الموقد، لمكانه المفضل الذي كان يقضي أمامه معظم الوقت، تخيلته كما كان دومًا يقف مرتديًا مئزر المطبخ، ويتمايل قليلا بجسده المجهد وظهره المحني، يدندن بكلمات أغانِ قديمة، قد لا يعرفها أحد غيره، تنهدت بحرقة ثم رفعت عينيها إلى أعلى الموقد وبالتحديد عند الخزانة العلوية بجانبه، لتجد ورقة مكتوبة بخط أنامله المهتزة، كان محتواها "هذه هي خلاصة وصفات أبيك الماهر، أعرف أنك سيئة في الطهو، ولن تعيش أوليفيا معك العمر كله، لذا افتحي الدرفة، وأخرجي خلاصة سر وصفات أبيكِ" 

نزعت الورقة من الحائط تتلمس خط أنامله، وأمسكت بالكتاب، عانقته وسقطت دمعة حارة وحارقة من عينيها  أجبرت عينيها الثابتة على الحركة، ثم سارت نحو غرفة أبيها تحت نظرات شارلوت وأوليفيا الحائرة.

بمجرد أن وصلت لغرفته، أغلقت الباب ثم ارتمت بجسدها على فراشه تبكي دون هوادة، بضع دقائق ثم هوت بجسدها على الأرض جالسة، قبضت على الكتاب الذي كانت تتمسك به كأنه متنفسها الوحيد، فتحت أول صفحة بالكتاب، فوجدت إهداء منه لها، محتواه "إلى ابنتي الأجمل والألطف... إلى العزيزة التي لا تمانع في قضاء الوقت كله في مشاهدة الدراما، ولا تستطيع أن تقف فقط بالمطبخ لأقل من الساعة لإعداد طعام لائق... إلى رهاني الفائز... يا أقوى فتاة في العالم... ستكونين بخير... أحبك كثيرًا، ولن أنساك أبدًا... وداعًا"

وبآخر الورقة الأولى هناك تقع إمضاؤه البسيط "من أبيك الذي لطالما كان فخورًا بك، لا تحزني وتذكري أنه طالما كنتِ سعيدة، أنا هنا سأكون بخير".

كما الحال دومًا، كلماته الدافئة التي كتبت من أعماق قلبه؛ أظهرت جليًا كم يدرك هذا الأب ابنته جيدًا، يعرف أنها ستلوم نفسها أولا؛ ومن ثم تقرر أن تعيش كروح بلا جسد، لم يكن ما كتبه إهداء، بل أراد أن يودعها بتوصية لتعيش حياتها هنيئة، ألا تفكر بخذلانها لأبيها، بل تفكر دوما بمدى فخره وسعادته عندما، وفقط تكون هي سعيدة.

حاولت أن تصرخ، ولكن لم يخرج من حلقها سوى همس.

حاولت أن تتنفس، ولكن لم تشعر بأنها تريد أن تعيش.

تنهدت وأخذت تبكي بحرقة، فقد فهمت كلام أبيها جيدا، ويجب أن تستمع إليه، يجب أن تودعه هي أيضًا لكي يرقد في سلام، فهي لم تكن قادرة على أن تودعه، بينما حملوا جثته إلى القبر، ولم تستطع ذلك حينما دفن تحت التراب ولا عندما أخبرها الناس بكلمات التعزية في أثناء عناقهم، أو التربيت على ظهرها، ولكن عليها أن تودعه بعد ما قرأت وفهمت وصيته.

مِذياع توماس.✓Dove le storie prendono vita. Scoprilo ora