الفصل الثالث عشر

41 2 0
                                    

الفصل الثالث عشر
"هناك امر واحد فقط يحمل المرء على الشعور بالفراغ في حياته اكثر من الفراغ الذي يشعر به عندما يعيش بدون حب وهو العيش بدون الم "

عاد عماد الى منزل تمارا وقد انقشعت الغيوم الداكنة التى كانت تحيط به ،القلق كالسجن الانفرادي المنعدم النوافذ فلا انت ترى النور ولا انت ترتاح في الظلام ،تلك الراحة التى شملته وهو يستلقي على سرير المرحوم خالد انسته كل شيء ،في تلك اللحظات النادرة التى ننسى فيها كل تلك الرواسب المستقرة داخلنا بكل ما تمثله من الام واحزان ومرارة و خيبة بماضينا الذي لا نملك فيه الا ان نتذكر غالبا احزاننا التى مضت لاننا نملك اخيرا ان نبتسم في وجهها كوننا تخطيناها ،تلك اللحظات هي ما تعكس في الحقيقة جوهرنا وكل ما دونها ليس الا قشورا ،تلك اللحظات هي نحن وما دونها هو كل ما تبقى الا ان نكون نحن ،انها لحظات السلام مع النفس حيث لا يكون هناك حاجة للرحيل فرحيل الإنسان عن نفسه هو أقسى أنواع الرحيل ، تلك الحظات تجعلنا نعرف كيف نمنح انفسنا ما تستحقه وما استحقته دوما كيف نمنحها الحب ،نام عماد باعصاب هادئة ذلك الهدوء الذي فارقه اياما ،نام وهو يرسم على وجهه ابتسامة.....
في غرفتها تمارا كانت تستمع لخالد وما قام ووصوله الى عماد ،احتارت تمارا كون عماد يقيم في منزلها ،تابعت خالد بصمت وهو يشرح لها تحليله لشخصية عماد الغريبة ،لتبتسم في النهاية وهي تقول "اعرف انه غريب انه عبقري في النهاية انه فنان ،لطالما كان في الفنانين شيء من الجنون "نظر اليها وقال "اظن انك معجبة به " ابتسمت وقالت "لقد كتب عددا من الروايات كان اخرها لاكوزانوسترا قمت بنفسي بتحريرها انها رائعة ان قراتها فستساعدك بشكل افضل في فهمه " ردد بحيرة "لاكوزانوسترا ماذا يعني هذا العنوان؟ " رفعت تمارا يديها بحيرة وقالت "سؤال ذكي وانا ايضا عجزت عن فهم سر هذا العنوان " ،سكت برهة ثم عاد ليسال "وما قصة ذلك الشخص الذي اردت ثقبه باداة الحياكة ؟" ،فكرت تمارا هل تخبره لتحصل على المساعدة ،انه طبيب ولديه نفوذ لقد حصل لها بسهولة على غرفة ممتازة تحوي حمام نظيف ونافذة وكانها غرفة في فندق ،لكنها دوماكلما حاولت استخدام عقلها تدخلت كلمة عماد الساخرة وكانه يواصل السخرية من تفكيرها "انك بطيئة الاستنتاج كالعادة " تنهدت وقالت "حسن ساسالك سؤالا وعلى ضوء اجابتك اما ان اخبرك واما ان لا افعل " سالها بحيرة "اهذا لغز ؟" ردت "كلا انما حذر " رد "حسن اسالي اذن "سارت تمارا في الغرفة ووقفت الى جانب النافذة تنظر الى الخارج اين كانت سكينة واقفة مع البستاني في الحديقة اسفل النافذة ،كان بامكانها رؤيتهما بفضل الانوار الكهربائية التى كانت تحيط بالمكان ،شعرت بالاثارة وهي تدرك انها موضوع حديثهما ،خفق قلبها حماسا وهي تشعر انها تعيش مغامرة لاول مرة في حياتها ،مغامرة نسبة الخطر فيها كبيرة ،وبرقت عيناها وهي تلتفت لخالد وقالت "ما رايك في نظرية الارض المسطحة ؟"نظر اليها بعدم فهم وقال " هل افهم انك تساليني عن الجغرافيا ؟" ابتسمت وقالت "هناك نظرية غريبة تقول ان الارض ليست كروية الشكل بل مسطحة وان الناسا قد كذبت في هذا الشان كاكذوبة الصعود للقمر وان كل تلك الصور حول كروية الارض خدعة ،ما رايك ؟" لم يفهم خالد مغزى سؤالها وادار الامر في راسه هو لم يفكر في احتمال صحة النظرية انما كان يفكر في سبب طرح تمارا لهكذا سؤال غريب وماتنتظر منه كجواب " وقال "ماذا سيغير جوابي في الامر ؟" ردت "سيغير كل شيء " رد خالد "انها مجرد ترهات الارض بالطبع كروية فكيف اذن يحدث تعاقب الليل والنهار ثم ان الاقمار الصناعية تصور الارض على الدوام " ،اقتربت من خالد وقالت "اسمع يا طيب النفس اتعلم كيف يحدث غسيل الدماغ ،انك بالطبع تعرف لكني ايضا اعرف ما رايك ان اقول انا هذه المرة عندما تكرر نفس الشيء مرارا وتكرارا ،اذا قاوم شخص فهذا عادي ،اذا ما كررت الامر لست مرات فان العقول ستلين وستبدا بالتعاون قد لا يبدون واثقين من الامر لكن كرر الامر لالف مرة وسيبدؤون بالتحدث عنه ،بالنسبة لي مسالة كروية الارض او كونها مسطحة لا تهمني ما يهمني هو استعداد عقلك للتفكير بجدية وتحليل امور كانت بالنسبة لك مسلمة ،ان تمسح من عقلك كل ما تعرف لتبدا بعقل صاف وافكار جديدة لان عقلك لايزول بزوال المسلمات منه " تنهد وقال "انت لا تسهلين الامور " ابتسمت وقالت "ما رايك ان تبحث في نظرية الاض المسطحة " اجاب ساخرا وقد فهم انها لن تخبره بشيء "كفاك هذرا واخلدي للنوم لقد تاخر الوقت " قال هذا وتركها ،تنهدت تمارا انه لن يساعد كثيرا ،اقفلت الباب بالمفتاح واطفات الانوار واستلقت على سريرها في انتظار الصباح ....
اجرى فريد لقاءا صحفيا اخر ،وتكررت ذات الاسئلة المزعجة" ما معنى لاكوزانوسترا ؟ لماذا اسم المافيا الاطالية والرواية لا تتحدث عن اطاليا حتى ؟" كان يتجنب السؤال كان ماهرا فهذه كانت لعبته اللعب بالكلمات ،لكن الى متى فقد بدا يمل والصحافيين بدؤا يفهمون تهربه بانه رفض للاجابة عن السؤال ،مع ان الروايةكانت تسير بنجاحها في خط مستقيم ..
في صباح اليوم التالي اجرى عماد اتصالا بالمنزل اخبر فيه رزان انه وجد تمارا وانها بخير وانه سيعود معها الى المنزل ،فقد قرر وهو يغسل في وجهه انه لن يرتاح اذا تركها تعيش هنا بمفردها ،هجمت موجة الارتياح على رزان وشكرته ،عندما اقفلت الخط اسرعت تخبر كريم بالنبا السعيد وجدته جالسا على كرسي ويفكر بدا شاردا ،قالت بانفعال "لقد وجدها عماد " نظر اليها و سالها "هل ظهرت تمارا ؟" قالت "اجل وقال انها بخير حسن هو لم يعطني التفاصيل لكنها اخبرني انه سياتي بها " ابتسم كانت رزان منفعلة بشدة ، وقف وقال "انا سعيد رزان كان الامر ككابوس الحمد لله انها بخير " ابتسمت وقالت "صحيح في هذين اليومين كان خيالي يتارجح في متاهات عميقة " قال لها "انت دائما تفكرين بالاسوء " ، لم ترد وقالت "سانزل الان لاتم اعداد الافطار فقد قاطعني اتصال عماد " عندما سارت لتغادر اسرع وامسك بيدها وقال "ماذا عنا نحن الن تفكري قليلا باجابية "نظرت اليه وقالت "انا ..." قاطعها وقال " الحب, صيرورة لا تدرك كنهها. كالنار والفراغ, كالروح والوجود, كالزمن والخلود ،الحب هو النور الذي لا تحده الجهات الاربع،الحب مثل الذكريات ،يملي علينا ولا نملي عليه ،ياتي الينا ولا نذهب اليه ،يقتلنا ولكننا نشتاق له, هو اللاشيء, وبوجوده يوجد كل شيء, فبضدها تعرف الأشياء .. وبدونه تصبح الحياة هي الموت ،اعرف ان هذا ما كنت تكنينه لاخي رحمه الله ،لكن اخي قد مات وانت حية لا تغرقي نفسك في الالم قد لا يفارقك الألم لكن تستطيعين أن تفارقيه " ،سالته "هل هذا هو الشعور الذي كنت تكنه لوالدة الينا ؟ كلامك وصلني " رد "لا أريد لكلماتي أن تصل إليكِ بل أريدها أن تَصِلَني بك" نظرت الى عينيه وقالت "تحلى ببعض الصبر انا لا اريد ان امنحك الا ما تستحقه ان الامر كانه اما ان امنحك كل شيء او لا شيء " سال "هل هناك امل ؟ "ردت "لا تكن يائسا ،اليائس هو الشخص الذي يطفئ المصباح ثم يشكو إضاعته للطريق. لا تطفئ المصباح حتى وإن كان زيته على وشك النفاذ، فمعظم الاستدلالات تأتي قبل موت الأمل بلحظات” تنهد وقال "كلماتك تشبه كلمات عماد اليس الافضل ان تكوني كاتبة ايضا "ضحكت بصوت جلي ،كانت اول مرة تضحك من دون ثقل في قلبها او الم ،وقالت " اسمعني كريم لا يمكنك أن تُنجز شيئا إذا أعطيته نصف وقتك ولا يمكنك أن تحب شخصا إذا أعطيته نصف قلبك" تجهم امام كلمات رزان وقال "عندما اسمعك اشعر اني اسير في حقل الغام ،هل هناك مستقبل رزان ؟" اغمضت رزان عينيها تحاول سبر اغوار قلبها وقالت "إن حياتنا لم تعد ملكاً لنا، فلقد أصبحنا نعيش من أجل المستقبل، ذلك البعيد الذي قد لا نصل إليه، وإن وصلنا إليه فقد لا نراه.” ترك كريم رزان وقال وهو يعود الى كرسيه "اذهبي لفطورك فقد اخرتك " ابتسمت رزان لكريم وانصرفت ،بينما عاد هو لافكاره .
عندما انهت تمارا وجبة افطارها ،نهضت سرحت شعرها ورتبت شكلها وخرجت للحديقة ،عندما وقفت هناك تستمتع بدفء اشعة الشمس جاءها صوت عماد قائلا "اذن اظن انه حان وقت الكلام " ،التفتت اليه كان قد حلق ذقنه حديثا ،كان يبدو حيويا ،ردت "اي كلام ؟" رد عماد "تمارا لا تستفزني يجب ان نتحدث " تنهدت وبدات تبحث بعينيها على هلين لما لم تجدها قالت "حسن لدي بعض لوقت لك ،اتبعني " رد عماد ساخرا " يا لحظي ذكريني ان اخذك توقيعك " التفتت اليه وقطبت حاجبيها لسخريته ،فتابع " يبدو ان ما كان سليما من عقلك قد تم اتلافه هنا " ردت"اعفني من سخريتك عماد قلت لك امس ان الامر جدي "تنهد بياس ولحق بتمارا ....

لاكوزانوسترا  لكاتبة مريم نجمةWhere stories live. Discover now