الفصل السادس عشر

46 2 0
                                    

الفصل السادس عشر

اشرقت شمس الصباح على تمارا ،وهي في سريرها ،لم تكن تفكر في مشاريع مهمة ،لذا تكاسلت وهي تقصد الحمام ،اخذت لنفسها حماما دافئا مريحا ،وقصدت المطبخ اعدت فنجان قهوة بدون سكر ،قررت ان تحيي كل يوم الى اخر يوم من حياتها عادة شقيقها خالد في شرب فنجان القهوة صباحا،ابتسمت وهي تحتسي اول جرعة وقالت "ساشربها عنك اخي العزيز " ، ما المهما ايضا في وفاة شقيقها انه لم يحظ بفرصته في عيش الحياة والزواج وانجاب الاولاد ،
بالرغم من وجودنا في هذه الحياة فلا يوجد ما يؤكد اننا سنعيشها بكل فرصها ونحظى بحياة طبيعية كاملة ،والمُحزن أننا نتعود ، ونحن نكبر ، على اشياء كثيرة ، ونخلص لأن نرى كل شيء طبيعيا وحقا مكتسبا وواقعا لا نقاش فيه اننا سنكبر ونتزوج وننجب ونشيخ ،وان الموت سيلحقنا ونحن عجائز ،لذا احيانا نتفاجا عندما يخطف الموت اشخاصا لم يصلوا بعد تلك المرحلة الاخيرة من دورة الحياة ،عرفت تمارا ان معادلة الحياة السعيدة هي عيش الحياة بكل لحظاتها مع انتظار الموت بكل ثقة ،إن للحياة كما للموت مكانه الطبيعي في نظام الأشياء ، بدون هذه اللعبة الإلزامية بين هذه الأضداد، لا يعود للعالم وجود ،انهت فنجانها على دقات قوية على الباب ،اعادها الطرق الى الواقع ،تجهمت فهي لا يزال امامها شرب كاس الحليب ،وتحركت الى الباب بروية ،عندما فتحت الباب تجمدت للحظة ،كان فريد هو من يقف امامها ،كان يرتدي ثيابه بلا اي اتقان ،اختفت اناقته التى طالما كان يحتفي بها ،فكرت هي الان امام شخص يخاف من خسارة الاهم انه الان لا يبالي بباقي الامور ،هناك خسارات اكبر من اخرى وخسارات لا تعود معها قيمة لاي خسارة اخرى بعدها ،انها الان امام شخص يعتقد انه قد يخسر ،في حين انه لم يربح ابدا لكي يخسر ،قالت ببرود "اهلا فريد ...ما اعتقدت انك قد تقطع سفرك لاجلي ' سكتت ثم اضافت باستهزاء "اقصد لاجل لاكوزانوسترا " وابتعدت عن الباب كي تسمح له بالدخول ،في النهاية هذا تماما ما ارادته ،ولاول مرة في حياتها تحدث الامور كما تتوقعها ،فجاة بلغت شحنة الذكاء فيها ذروتها ،ان تكون ذكيا يعني انك قوي ،كانت تفتقد تلك القوة ،لطالما كانت غبية في عديد الامور ،ربما كنا نحن من يجب ان نندفع نحو استخدام ذلك الجزء المجهول من عقولنا بكل ثقة ،لا يجب ان نبحث عن الذكاء او نحاول التصرف بحكمة كل ما علينا فعله هو استعمال عقولنا ،ربما هذا ما كان ينقصها ،طالما اقتنعت ان ذلك كان حجم ومبلغ عقلها واخمذته قبل ان تعرف انه شعلة تحت رماد ،لا نحتاج للاخرين كي بخبرونا اننا نملك ذكاءا طالما ان لنا عقلا فوجود الذكاء امر نسبي يتعلق برغبتنا نحن في اخراجه الى العلن او كبته تحت غلاف انعدام الثقة ،دخل فريد بعنف الى غرفة المعيشة وانتظر دخولها خلفه ،وقفت امامه تقول "حسن ما الامر فريد ؟" رد "لهذا انا هنا اريد ان اعرف ماذا يحصل ؟" ردت "اتقصد انك لم تفهم بعد ؟" رد "ما الذي تحاولين فعله تمارا ؟ "ردت "عليك ان تعترف ان لاكوزانوسترا ليست لك وان عماد هو المؤلف ،تعلم تماما انه كان بمقدوري رفع دعوى قضائية ضدك ،لكن اردت ان اجنبك تلك الضجة " رد "تعنين اردت كسب الوقت اليس كذلك ؟" ردت "فريد لست انت الكاتب ما انت الا سارق لطالما كانت هذه هي موهبتك الوحيدة استنساخ افكار الاخرين " رد وهو يضحك "انظروا من يتكلم انها تلك الفتاة الغبية التى كانت تصغي الي وكاني نبي مرسل ،انت لازلت تلك البائسة التى كانت تصغي الي وتدعي انها تحاول مناقشتي ،لقد استعملتك لاستمالة ابنة العميد ،بينما كنت تبنين قصرا في احلامك يجمعنا هل انا مخطا ؟" ،كلماته الجافة الساخرة المحتقرة لها جعلت قلبها ينبض الما ،انها لا تريد احتقار نفسها اكثر ،يكفيها حتى الان ،يكفي سقوطا ،لا تعلم هل هناك احط من هذا ،تماسكت وقالت "لا انكر كنت محطة في حياتي لا ادري مبلغ اهميتها ،لكنها علمتني الكثير وغيرت كياني بشكل ملحوظ ،ما مكنني ومنحني القوة لاقف ضدك استطيع محاربتك بسهولة ،كما استطعت شل ضرغام في مشفى المجانين استطيع دفعك الى الجنون ،كل ما اريده هو اعتراف منك وتخرج منها باقل الاضرار " ،رد بعجرفة "لكني مستمتع بما اوصلتني اليه لاكوزانوسترا " ردت تمارا "يحدث هذا الاستمتاع بسبب افراطك في إدراك انحطاطك، وشعورك بأنك قد وصلت إلى آخر الحدود وأن ذلك رهيب، إلا أنه لا يمكن أن يكون غير ذلك، وأنه ليس في استطاعتك أن تنجو منه، وأنه ليس في استطاعتك أيضاً أن تكون إنساناً مختلفاً، وأنه حتى إذا كان لديك شيء من الإيمان ومتسع من الوقت لتصبح إنساناً آخر، فإنك لا تريد ذلك، وحتى إذا رغبت في ذلك، فإنك لن تفعل شيئاً منه، لأنه ربما لا يوجد في الواقع ذلك الشكل الذي تريد أن تكونه. إن أفظع ما في الأمر ينجلي في أن ذلك كله متفق مع القوانين الأساسية في الطبيعة، والتي تميز الإدراك الشديد، بما في ذلك القصور الذاتي ، ولذلك فإنك لست غير قادر على تغيير نفسك فحسب، وإنما لا تستطيع أن تفعل شيئاً بالمرة أيضاً. مما يعني أنك غير ملوم إذا صرت نذلاً من جراء هذا الإدراك الشديد" ، رد فريد " اعتقد حتى وانت تقولين هذا الكلام انك لا تفهمينني ،لا تفهمين سبب لجوئي لهذه الطريقة ،صحيح اني اردت النجاح ،لكني كنت عاجزا لا املك ما يمكنني من ذلك بقدراتي ،كان ما وهبتني الحياة هو ما استعملته انها لا تتوقف لتسالك عن رايك او لتُعنى برغباتك الخاصة او لتهتم بما اذا كنت تميل الى قوانينها او تركها وبالتالي عليك فقط ان تتقبلها كما هي ولذلك عليك ان تقبل نتائجها ،تقبلت ذلك وغيرت فقط سبيلي " ردت تمارا "كل اعمال الانسان تتالف في الحقيقة من شيء واحد فقط هو اثباته لنفسه انه في كل لحظة انسان وليس مجرد نكرة ،لقد اثبت لي وربما لنفسك انك فقط مجرد ظل لاناس اخرين انت مجرد نكره " شعرت تمارا بغضبه الشديد ، وتجلى ذلك من احمرار وجهه وجحوظ عينيه ،قال "انا اكرههم جميعا كل من يملك تلك الموهبة التى حرمت منها باي حق تمنحها لهم الحياة وتحرمني منها انا ،تمارا أتعرفين ما هي الميزة الأساسية في حقدي؟إن المشكلة كلها والجانب المؤذي فيها كامن في أنني، حتى في أشد لحظات حقدي، أحس في أعماقي بالخجل من أنني لم أكن غير حقود في الواقع وحسب، وإنما لم أكن أشكو من شيء قط، كنت أخجل من أنني لم أكن غير ضارب الأرض بلا هدف، يفزع العصافير الآمنة في طريقه، يفسد نجاحات الاخرين ،يسرق مكاسبهم بكل راحة ومتعة " ،ارتعشت تمارا ،كانت تقف امام رجل اخر لم تعرفه حقا ،قال وهو يلاحظ فزعها "اه تمارا لا كوني غبية إن جميع الأمور الشريرة تبدأ من البراءة " ردت تمارا بشيء من وهن "اعلم الان كل واحد منا قارة مجهولة تماماً ، وداخله أعماق لا تدري أبداً متى تنتهي .. كل إنسان منا بلا نهاية كالكون ،اعماق بعيدة مظلمة ،اعترف اني لم اعرفك حق المعرفة " ،رد فريد "اجدني اليوم في اخر لحظات اعترافي بما يدور في خلدي ،سامنحك فرصة ان تعرفيني اكثر ،ربما سيكون لقاؤنا الاخير " خفق قلبها من نظرته تلك بينما تابع هو "كان من الصعب علي أن أجلس مكتوف اليدين، ولهذا فقد حاولت أن أحطم قيودي، ولك أن تصدقي هذا. ولو نظرت إلى نفسك لعرفت ما أعني، ولتبين لك صدقه. لقد خلقت لنفسي بعض المغامرات، واصطنعت حياة ما لأنني كنت أريد أن أعيش حياة ناجحة تعطي لاسمي هالة لي انا ،من دون ان اكون مضطرا للالتصاق باي انسان اخر ، كم كنت أتضايق وأنزعج عندما يكون علي ان ابتسم لهذا وذلك ، كنت أصطنع ذلك اصطناعاً، عالماً بأنه لا وجود لسبب لذلك الضيق في الواقع، وبأنني أخلقه لنفسي خلقاً، وكنت طيلة الوقت أجد في أعماقي دافعاً يدفعني إلى التظاهر بهذه الأكاذيب وقد بلغ بي ذلك أنني لم أعد أستطيع أن أتغلب على هذا الدافع في نفسي ،كان علي ان اكون انا كما اريد " فتحت تمارا فمها لتكلم لكنه تابع "انت الشخص الوحيد الذي اعترف له بهذا لا اجدا سببا لذلك ربما لانك رافقت بدايتي ،ربما لانك كت صفحة نقية ،الصفحة الوحيدة التى لم اكن مضطرا لعبء التظاهر معها ،انت تركتني حرا لم تلزميني شيءا ،الواقع اعترف ان تلك اللحظات هي الاكثر تنويرا فما لاحقها كان بذخا من الابتذال والزيف ،كان علي ان اقلب حياتي ،فان اعيش بقية حياتي مع تلك الدمية الجميلة الفارغة الراس كان اشبه بانتحار " كانت تمارا مصدومة امام ما كان يقوله فريد ،انه شخص لا يحب بل لا يمكنه ان يحب الا نفسه ،نظر اليها الى عمق عينيها وقال "كم سيكون الأمر رائعاً إذا انتهى وتخليت عن محاربتي ! وكم سنكون سعيدين فجأة، سعيدين إلى درجة أننا سنلوح وكأننا التقيا لأول مرة، كأننا قد أحببنا بعضنا في تلك اللحظة ، ان الحب سر غامض لا يفهمه لاأحد ، ويجب أن يظل خفياً عن الأعين مهما حدث، وإذا تم ذلك فإنه يكون أفضل وأشد قدسية، " ردت تمارا بثقة وبرود "ان المهم في أن يحب الانسان، ان تكون لديه الشجاعة لذلك ،انت لا تملك الا الحقد وانا ساحاربك حتى تعيد الرواية لصاحبها انت لن تتوقف هنا ان لم اوقفك اعرف هذا " رد فريد "تمارا كل رغبة تبعث في داخلي رغبة مضادة، بحيث، مهما فعلت، لا أجد قيمة إلا لما لم أفعل " ادركت تمارا فشل ما تحاول فعله قبل حتى ان تبدا ، ان لا كوزانوسترا الان هي كل شيء له وهي نقطة البداية لما هو ات ،ترى ما ستكون خططه ،ظل من سيكون ؟،في عيونه تجلى شيء لم تفهمه لم ترى هذه النظرات قبلا ،قبل ان يخرج مسدسا من جيبه ،هي كانت خارج ذلك الزمن تائهة ،في تلك النظرات المرعبة ،تكلم فريد وهي عادت لواقعها "ما تعرفينه يقوض ما اريده ،منحتك فرصة الحلم لكنك فضلت الواقع " اخذ يحرك مسدسه وهو يقول "ربما تسرعت في هذه الخطوة لكن يأتي وقت لا يقلد المرء فيه إلا نفسه ،هذا انا تمارا " ردت تمارا بلا ارتجاف "ما تحاوله فعله لن يغير الواقع " رد " صحيح اني لن اغير حقيقة اني مجرد لص الا اني ارفض ان اذل امام هذه الحقيقة لذا ستموت هنا مع موتك انت ،لقد منحتك فرصة لكنك رفضتها وبدات تهديدني ،اين هو عماد الذي تحارييني انا لاجله ؟" حرك المسدس في يده ونظر الى وجهها ،لم يبدو عليها اي اثر للخوف ،او محاولة للهروب من الموت ،تكلم قائلا" اتعرفين ما قاله ماهاريشي ماهيش يوجي "عندما نفكر في الفشل، فإنه يصبح صديقنا. وإذا أجلنا اتخاذ القرار بصورة دائمة، فلن يتغير شيء. وكل ما نحتاج إليه هو أن نرغب في تحقيق شيء عظيم ثم نتقدم ببساطة لفعله. لا تفكر في الفشل لأن ما تفكر فيه يتحقق.." اترين اني قد افكر في الفشل كسبيل اخطوه ؟" ردت بسخرية في سناريو متكرر لاحاديثهما "النجاح مؤقت دائما، فبعد أن يقال كل شيء ويفعل كل شيء لا يتبقى لك إلا شخصيتك ،لذا في الواقع فليس هناك سوى نجاح واحد، وهو أن تستطيع أن تحيا حياتك على طريقتك الخاصة " ابتسم ساخرا وقال وهو يصوب مسدسه "صدقيني ساشتاق لاحاديثنا ،اعترف ان معرفتك ورفقتك هي التى تجعلني ارتجف رعبا من التفكير في رفقة- ابنة العميد- تستمر عمرا " رسم اخر ابتسامة امام تمارا واطلق الرصاصة ،عندما سمعت تمارا الصوت كانت جسدها يستقبل الرصاصة ،سقطت وهي تنظر الى فريد ،كان لا يزال يرسم تلك الابتسامة ،كان يكفيه رصاصة واحدة ،ربما تعتقد تمارا انه استعجل ،بينما اعتقد فريد انه تاخر قليلا ،اقترب فريد من تمارا الملقاة ارضا ،قال وهو ينحني "تمارا كان ثمنك رصاصة ،رصاصة فقط " ،تابع وهو ينظر الى عينيها "ليس المؤلم أن يكون للإنسان ثمن ، بل الألم كل الألم أن يكون للإنسان ثمن الا توافقيني "وقف وهو ينظر الى تلك العينين القويتين اللتان لم تضعفا لثانية ،فكر ربما تمارا لم تكن من النوع الذي يخيفه الموت بقدر ما تخيفها الحياة ،تحرك مغادرا ،لم يكن مجبرا على مسح البصمات ،فهو لم يلمس شيءا ،صوت الرصاصة سيثير بعض الضجة ،لذا قبل ان يتساءل الجيران عن الصوت كان هو يغادر المنزل ،بهدوء وبرود قاتل محترف ،هو لم يحترف القتل لكنه احترف السرقة وما فعله ليس اكثر من سرقة حياة ،مع ذلك فقد شعر في اعماق قلبه بنزيف من الالم ،حتى الان لم يستطع ان يحدد علاقته بتمارا او يضعها في خانة ما ،كانت مهمة بشكل ما ،هل احبها فكر وهو يركب سيارته ،لقد احبها فعلا ...
في صمت منزلها ،كانت تمارا تنزف الما ودما ،لم تملك الطاقة لكبح المها الروحي ،لقد فتحت له الباب بكل غرور المنتصر ،هي اعتقدت انها الرابحة في حربها قبل حتى ان تدخلها ،كل تلك الاسلحة التى جهزتها كانت صدئة بلا فائدة ،ادركت الان ذلك وهي تنظر الى نزيف الرصاصة ،فكرت كان سبب كل ذلك رغبتها في الانتقام ،التى تولدت من الظلم الذي حاصرها منه ،في ذلك الجزء البعيد العميق من نفسها كانت تعلم انها ارادت الانتقام منه ليس لاجل لاكوزانوسترا فقط بل لانه خدعها هي دمر عالمها الوردي الذي بنته لبنة لبنة دمر كبريائها وعزتها بنفسها دمر اخر حصن تختبا خلفه الفتاة الشريفة الكرامة وهي اغلى ما تملكه ،حبها لنفسها واعتزازها بها لقد ظلمها ، لانه عندما يعاني احد من الظلم فإنه كإنسان عادي يتحرق شوقا إلي ما نسميه بـ " الإنتقام". ولقد قيل أن للإنتقام طعما حلوا،
لا يوجد أذى تنزله بنا الطبيعة أو الصدفة أو القدر يكافيئ في ألمه ذلك الأذي الذي تسببه إرادة الآخر فينا ،
إن الأذى الذي يصدر عن الآخر له مذاق مر ، مرهق عدم الرد عليه ،لذلك تمسكت بتلك الرغبة المجنونة بتلك اللذة الكاذبة ،بكت في وحدتها والمها وداخل ظلام نفسها عجزها ،هي لم تبكي اقتراب اجلها بقدر ما بكت ضعفها قهرها ،بدا وعي تمارا بالتلاشي تدريجيا ،ولفها الظلام .......

لاكوزانوسترا  لكاتبة مريم نجمةWhere stories live. Discover now