الفصل الرابع عشر

42 1 0
                                    

الفصل الرابع عشر

كانت تمارا وهيلين قابعتان في ظلام الغرفة وفي صمت الانتظار ،لم تفكر تمارا كثيرا فيما ستفعله كانت تقلب السكين وهي تفكر ،برايها القليل من التفكير بعني التراجع ،ما كانت ستقدم عليه كانت متاكدة انه سيخلف اثارا ليس على البستاني او على هيلين بقدر ما سيترك اثارا لن يزيلها الزمن عليها هي ،في اعماقها كانت متاكدة ان الانسان في داخله يتنازع ملك وشيطان ،والشيطان لا يحتاج الا لشرارة ليتحول الى جحيم ،هيلين تعرضت لظلم كبير لدرجة انها هي نفسها لن تغفر لنفسها لو تخاذلت او سمحت للخوف بالتوغل داخلها هي كانت متيقنة ان الصفح والغفران لن يعرف الطريق الى قلبها ،لكن الخوف مما ستقدم عليه قد يوقفها ،هي حتى اللحظة ليست متاكدة مما ستفعله ،تمكنت بصعوبة من طرد فكرة قتله ،وعلمت ان الامر سيزداد صعوبة ان لم يكن قتله احد الحلول ،لكنها رغم ذلك كانت مؤمنة ان المصبية ليست في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار ،ولذا هي لن تصمت ،ضغطت بيدها على السكين ،ان كل شيء في متناول ايدينا ولكننا نترك كل شيء يفلت منا وتحت نظرنا بسبب جبننا ،وقفت عندما سمعت وقع اقدام بطيئة تقترب وقالت تخاطب نفسها "لن اجبن " ،التفتت الى هيلين وقالت لها "اختبئي تحت السرير ومهما حصل لا تحاولي الخروج الا اذا طلبت ذلك " ،هي لا تريدها ان تتاذى واكثر لا تريد ان تنشغل بالتفكير فيها ،لا تريدها نقطة ضعف بل نقطة قوة تشعل الغضب داخلها ،هي سابقا عجزت عن تخيل الالم الذي يسكنها ،لكنها بالمقابل يمكنها تصور ما كان يحصل لها ،هذا بحد ذاته كان يجعلها شعلة متاججه من الغضب اللامحدود ،كانت تشعر ان ما يمنحها القوة هو هذا الشعور فكرت الغضب هو جنون مؤقت ،وهي الان بحاجة لهذا الجنون ،اختبات هيلين تحت السرير عندما تاكدت تمارا من ذلك وقفت عند الجدار قرب الباب ،ستهاجمه من الخلف عرفت ان هذه هي فرصتها الوحيدة ،بحكم ضعفها الجسدي وقوته البدنية ،بدا قلبها يخفق بشدة ،هل هو الخوف التوتر الحماس الغضب ،مشاعر مختلطة مرت على قلبها الذي عجز عن تمييز كل هذا الزخم ،سمعته يقف خلف الباب ويفتحه ،بلعت ريقها انه يملك مفتاح غرفة هيلين بالطبع لذلك يدخل ،زاد اندهاشها من التسيب الذي يسير عليه هذا المشفى ،فكرت في تلك الثواني التى كان هو فيها يدير المفتاح ،ماذا لو كانت كل المستشفيات تحدث فيها هذه الامور بالطبع من سيصدق المجانين ،لكن الجميع يؤمن بالمال يعشقه يعبده حد خيانة الامانة حد الكذب الخداع الغدر ،فتح الباب دلف البستاني بهدوء كما يفعل عادة ،رفعت تمارا يدها كان ظهره موجها لها ،فكرت فرصة واحدة فرصة واحدة فشل واحد يعني النهاية ،قبل ان يمد الرجل يده الى مفتاح الضوء وقبل ان يدرك تلقى ضربة عميقة على ظهره ،غاص السكين ،دفعته تمارا بكل ما اوتيت من قوة الغضب ،ادارت السكين في ظهر ضرغام ليتالم اكثر ،صرخ من الالم ،تدفق الدم حارا على ظهره واصلت تمارا تحريك السكين وهي تفكر ،لن تقتله سيحيا اغمضت عينيها عبرت عقلها افكار ،فتحتهما لمعت عينيها في الظلام وهي تقول بصوت قوي تغيرت نبرته "ساجعلك مشلولا ما رابك هل وصل السكين للنخاع الشوكي او ربما احتاج لاغوص اكثر " صرخ ضرغام متالما "ارجوك ،ارجوك توقفي ارجوك انا اسف انا لن اكررها " كان يصرخ بين لهاثه والمه وخوفه ،ردت "هل كنت تسمع توسلات هيلين انت كنت اصم انا ايضا صماء " وزادت بضغطها ،سقط الرجل على ركبيتيه وقال "ارجوك لدي اولاد علي اعالتهم انا اعدك لن اسيء الى احد ارجوك ارحميني " ردت وقد بدات نبرة صوتها تهدا بعدما شعرت انها نجحت "اتظن ان للقلب منطق .. الا تظن انك تسيء الى نفسك بهذا العمل اكثر من اساءتك الى اي شخص آخر ؟ انا ساساعدك لن تكررها وساضمن ذلك " سقط ضرغام على بطنه كان لا يزال ينزف ،ابتسمت كانت تتنفس بسرعة ،مدت يدها الى زر الانارة فانيرت الغرفة ،كان يسبح في دمائه ،قالت وهي تنظر الى يديها الملطختين "انتظرني ساسعفك ،الموت سيكون رحمة لك " ،وغادرت الغرفة سريعا ،تسارعت الاحداث جاء المسعفون نقلوه الى المشفى ،بعد ان غسلت يديها واطمانت على هيلين التى لم تدعها ترى شيءا مما فعلته ،قصدت مدير المشفى ،كان يتوجب عليها الاجابة على الاسئلة الكثيرة ،في الواقع هي كانت تريد اقناع المدير انه لا ضرورة للاجابة عليها ،لذا قصدته ليس لتجيب على الاسئلة بل لتمنع طرحها ،عندما دخلت الى مكتبه كانت مرافقة بالطبيب خالد ورجل امن ،هي ابتسمت بسخرية لذلك الرجل الذي يحمل سلاحه معه ليحاول حماية الاخرين من تمارا ،فكرت سيحتاج لاكثر من مسدس لينجح ،كان المدير يخطو في مكتبه ذهابا وايابا ،لم يستطع خالد النظر الى وجه تمارا منذ راى ما فعلته ،عندما اجتمع الكل في غرفة المكتب ،رفعت تمارا نظراتها الى المدير الذي كان ينظر اليها بغضب وخوف ،عيناه كانت تظهران هذا التناقض الغريب غضب رعب توجس حيرة ،ابتسمت تمارا كانت هادئة تماما ،عينيها حملتا دفءا لم يفهم له المدير سببا ،قالت تفتح الحديث "اعتقد انه من الافضل ان تترك عون الامن يعود ادراجه " رفعت يديها وقالت "لم اعد اشكل خطرا " نظر المدير اليها وقبل ان يجيب قطعته "اظن من الافضل ان لا يسمع احد ما ساقوله " لجمه كلامها وفهم قصدها ،اوما براسه فغادر عون الامن ،اتسعت ابتسامة تمارا وخطت للكرسي وجلست ،نظر المدير لخالد الذي اوما له ،فجلس كلا الرجلين ،قالت تمارا وهي تنظر الى يديها النظيفتين "غسلتهما جيدا من دمائه المحير اني لم اشعر اني ملطخة بدمائه حتى عندما كان لون يدي احمر قان "ورفعت راسها للمدير وقالت " ستسالني لما فعلت هذا ام ستترك الامر للشرطة " رد "انا لم اتصل بعد بالشرطة " ردت "احسنت تفكير سليم لانه ليس من صالحك ذلك " رد "تقصدين ليس من صالحك انت " تنهدت ونظرت لخالد الذي كان محتجزا داخل جدار الصمت وقالت "رجل كان يعمل بستاني لما يملك نسخا من مفاتيح غرف المرضى؟" لجم سؤال تمارا خالد والمدير ،وتابعت "هذا اول سؤال سيطرحه المحقق ،ثم سيسال لما قصد بستاني عمله فقط في النهار غرفة احدى المريضات في الليل ؟"زاد ارتباك الرجلين ،تابعت تمارا "هذين السؤالين سيكفيان للزج بك في تحقيق طويل وتهم التواطئ والخيانة والرشوة ومن سيصدق ان مدير المشفى لا علم له بما يحدث في غرف مرضاه ليلا " وقف المدير مذهولا امام ما كان يسمع سار بضع خطوات نظر الى تمارا وهو واقف التى تابعت "ستفقد عملك اسمك سمعتك من اجل رجل حقير كل عمله كان رشوة الممرضات لاغتصاب المريضات "وقف خالد وقال "ماذا تقولين ؟" ردت بذات الهدوء "نعم انا ايضا كنت مصدومة مفجوعة متالمة مثلك عندما علمت ماكان يفعل بهيلين وما كان يريد ان يفعل بي لولا مجيؤك تلك الليلة مع عماد " عادت الصور لذهن خالد تذكر مهاجمتها لعماد وكلامها الغريب انذاك ، بدا يفهم ما حصل ،سالها "تقصدين انك بما فعلته ..."قاطعته "قمت بحماية هيلين لانه اراد اغتصابها تلك الليلة وتعمدت طعنه لمنعه من اذية اي فتاة اخرى "وقفت ونظرت للمدير "لا حاجة للتفكير كل ما عليك فعله هو الحفاظ على ما حدث داخل جدران المشفى وسيكون الجميع بخير" سارت لتغادر التفتت الى خالد وقالت "كان عليك تصديقها هذا كل ما كانت هي بحاجته " رد بعصبية "انها مجنونه كيف لي ان اصدقها لديها حالة .." رفعت يدها لتقاطعه وقالت "اليس من السخف اننا احيانا نختلق الاعذار التي تبرر اعمالنا الخاطئة .. ونأخذُ دروساً في تهدئة النفس بعض الوقت .. وفي اقناع ذواتنا بان ما حدث كان من الواجب ان يحدث على ذلك النحو الذي حدث فيه .. اليس ذلك سخفاً !!"امام تلك الكلمات تركته حائرا وغادرت المكتب ،التفت المدير الى خالد وقال بغضب عارم "هلا اوضحت لي ما يحصل هنا ؟" اخذ خالد نفسا عميقا وقال "الامر ان المريضة هيلين كانت تقول دوما ان هناك رجلا يغتصبها في غرفتها لكني لم اصدقها نظرا ..."سكت ثم تابع "حسن ويبدو انها فعلا كانت .." رفع نظره الى المدير وقال "تمارا صدقتها وساعدتها "اخرج المدير سجارة واشعلها كان يغلي من الغضب كيف تحدث امور فظيعة كهذه هنا دون علمه ،اخذ نفسا من السجارة وقال وهو يخرجه "اكتب تقريرا مفصلا عن كل المتورطين في هذا وكل من ساعده اريد كل الاسماء " وضرب بيده على الطاولة وقال "هذا الملف سيغلق باقل الاضرار هل فهمت "اوما خالد براسه وغادر المكتب ،سار المدير الى النافذة فتحها وتابع تدخينه وهو ينظر الى الخارج الى ظلام الليل الساكن الذى لطالما اخفى فضائع داخل جناحه الحالك ،هل كان محظوظا لوجودها هنا ،فكر وهو يخرج نفس اخر اجل بالتاكيد ،فكر في ما قامت به وهو ينظر الى توهج سجارته وسط الظلام ان الخطأ يمكن تبريره .. لانه الطريق الموصل للحقيقة ،وهي لم يكن امامها الكثير من الحلول لا احد كان ليصدقها لانها صدقت كلام مجنونة وكان الامر ليثير ارتياب البستاني وبالتالي الركض داخل حلقة مفرغة فلا هي تنقض المريضة ولا هي تثبت جرم البستاني لكبحه ،وبالتالي ستقبع في مربع الصفر ،هناك بعض الامور لا يجب اطالة التفكير فيها واتخاذ القرار سريعا ،اعجب المدير بفطنة تمارا وفكر وهو يغلق النافذة ، ان التفكير فقط بالشر يقلق تلك النفوس البسيطة .. اجل .. ان اصحابها يغمضون عيونهم بايديهم كيلا يروا الحقيقة .. فاذا ما ادركوا الواقع والحقيقة جابهتهم الصدمة بعنف ،هذا كان حالها امام ما عرفته من حقيقة وكان رد فعلها بعنف ما صدمها ،عاد ليجلس على كرسيه وهو اكثر هدوءا .

بعيدا عن المشفى كان عماد يقرا رواية لا كوزانوسترا ،كان يقرا بلا روح فقط ليثبت لنفسه انه اقوى من غضبه اقوى من نزعاته ،هناك عظمة ما ،في ان نتجاوز وبايدينا ان نصدر العقاب ونسترد الحق انه الفرق بين الناس العاديين والاشخاص الاستثنائيين ،هو كان في قرارة نفسه يعرف انه رجل استثنائي في واقعه حياته واسراره التى كان يسقطها في كتاباته ،ابتسم وهو يقرا ما كتبته تمارا ترد به على ما كان قد كتبه ،ذلك الرد الذي حذفه من روايته الاصلية الذي قالت فيه تمارا "ليس ثمة جرح لا يمكن التخلص منه. إنني عميق الاقتناع بذلك: بوسع الناس أن يحولوا ندوبهم إلى قوة
,وليس ذلك بالأمر السحري .يستغرق ذلك بعض الوقت وغالبا لا يشفون بالكامل .لا يختفى الألم بالكامل حقا انه يبقى جاثما فى اعماقنا الا أنه يجعلنا نواصل الحياة ونواصل طريقنا” ابتسم ان فريد من الغباء بحيث لم يدرك انه لا علاقة بين ما كتبه عماد وهذا الاقتباس ،مجرد ببغاء تافه ،كان عماد يدرك انه بامكانه فتح بوابة الجحيم على فريد ،لكن هل سيفعل ،هل كان بحاجة لان ينتقم ليشعر بالرضى ،فريد لن يفهم حقيقة الكتابة ان الكتابة تثير في القلب كوامن العواصف ومكامن الذكريات، وتهيج علينا فظائع الوقائع ،هو لن يعرف لما ولمن كتب روايته ورائعته ،لذا هو لن يستلذ بطعم النجاح ،النجاح ليس صنع اسم وشهرة ومال فحسب ،يستطيع فريد ان يصنع للنجاح عنوان لكنه لا يستطيع ان يصنع له اسم ،سيبقى ضعيفا ونجاحه هشا لانه سيكون دوما بحاجة لتبريره ،لانه لا يملك منه الا العنوان ،ابتسم عرف انه ليس بحاجة لاسترداد روايته ،الانسان الذي يعتمد على الاخرين في صنع نجاحه يفقد نجاحه عندما يفقدهم ،النجاح نحن نصنعه وليس هو ما يصنعنا ، نحن لا نتعلم الكتابة من الآخرين نتعلمها من خدوشنا, من كل ما يبقى منّا أرضاً بعد سقوطنا و وقوفنا ،اغلق الكتاب واستلقى على سريره ،كان هادئا متصالحا مع نفسه ،في انتظاره يوم غد طويل سيكون عليه اقناع تمارا بالعودة ،فكر وهو يتقلب على جنبه ان اقناعها بالعودة اصعب بكثير من استعادة رواية لا كوزانوسترا ،ابتسم هي لن تعلم ابدا انها كانت وستبقى لاكوزانوسترا خاصته ،الشيء الوحيد الخاص به ،انه لا يهتم برواية لاكوزانوسترا لانه يملك الاصل الذي سبب ظهور الرواية وهذا سيبقى سره الخاص الدفين ،انها تعرف نصف الحقيقة والنصف الاخر هو ما يجعله اكثر سعادة لانه حقيقة ولانها لاتعرف منها الا النصف ،عرف وهو يغمض عينيه ان هذا كان السبب الرئيس في عدم رغبته الاطاحة بفريد ،لانه سيبقى الفائز دوما ،وفريد لن يعرف ابدا ما خسره ،هناك خسارات لا يعوضها اي نجاح ،و هكذا جرفه النوم العميق بعيدا .

انتهى الفصل الرابع عشر

لاكوزانوسترا  لكاتبة مريم نجمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن