الفصل الخامس عشر

57 2 0
                                    

الفصل الخامس عشر

كم نحتاج من ضعف لنصبح اقوى

على سريرها في ذلك المشفى استلقت تمارا وهي تفكر ،ترى كم نحتاج من ضعف لنصبح اقوى ،عادت بذاكرتها الى تمارا تلك الفتاة الشاحبة بمقوم الاسنان والنظارات ،ثم تلك الفتاة التى تصنعت الجراة عند نزعها النظرات ومقوم الاسنان ،مظهرها انذاك كان سبب ضعفها وقوتها ،مع ذلك تذكرت كيف تدرجت شخصيتها كيف ارتبطت عاطفيا بحلم سخيف ساذج ،وكيف اقتلعت منه بدون رحمة او سابق انذر ،كانت من صنع ضعفها بما تجرات عليه من حلم وامل ،وكيف تمسكت بمبادئ غرستها بنفسها من بذور كان من اعطاها اياها هو نفسه من اخترق عالمها دمره وغادر ،الكثير مر عليها لحظات حزن ترى الان في اسبابها بذخا في الدلال ،ثم انصهارها مع عالمها الحقيقي بعيدا عن ما كانت تريده ان يكون عالمها الحقيقي ،اختها المها شقيقها خالد ورحيله المبكر عن الحياة مع امها ،فجاة وجدت الدموع تنزل من عينيها ،كلما تذكرت وفاة شقيقها وامها لا تستطيع منع جراة عينيها على الدموع اوكبح ذلك الشلال من الالم المتدفق داخلها ،انها حتى لم تقل لهما "شكرا على حبكما شكرا على قلقكما شكرا على لهفتكما علي انا احبكما واحب حبكما لي " تلك كلمات من صميم قلبها ارادت قولها لهما لو لم يسبقها الموت اليهما ،هي عليها الان الانتظار انتظار الموت ،الشيء الوحيد الفريد المختلف المخيف تلك السطوة على الحياة ،ذلك الاغتصاب الموجع للاحبة ،ذلك العدو الصديق الذي يجعلنا نعترف امام انفسنا كم كنا نحب من فقدناهم ،ذلك الذي يعلمنا ان نستغل ما تبقى لنا من ايام في اخبار من نحبهم كم نحبهم ،وحده من يعلمنا كل هذا وحده الخوف من الفقدان من يعلمنا التمسك بما نملك بين يدينا ،كل ما مر عليها غيرها قلب كيانها ،لقد تغيرت حتى قبل ان تدرك انها تغيرت ،وكم فاجاها ان تعرف كم تغيرت ،نحن لا نبقى نحن ،اننا نتغير مع كل يوم يمر مع كل الم يعبر مع كل قلق خوف امل الم ،مع كل نظرة عبرة ضحكة همسة ،مع كل كلمة قيلت او لم تقل ،مع كل رد تم السكوت عنه ،مع كل تكشيرة وجه مع كل عبوس مع كل تجعيدة ،حتى الخوف من التغيير يغيرنا ،اننا لا ندرك اننانرحل على انفسنا الا عندما نعود اليها بوجه جديد ،ولا ندرك كم هو قاس ذلك الرجوع ،تنهدت وهي تغمض عينيها مستسلمة ،انها لن ترجع كما كانت عرفت هذا وكم المهما هذا هي من الان تشتاق اليها ...

استيقظ عماد متاخرا ،اخذ حماما دافئا ،تناول فطورا مناسبا ،وغادر المنزل ،كان يدرك انه سيواجه عنادا وتعصبا ،وكان مستعدا لهذا ،عندما وصل الى المشفى ،وجد سيارة شرطة ،لم يهتم كثيرا وتابع وجهته ،بحث عن تمارا فوجدها جالسة على كرسي حجري تتابع السماء ساهمة ،فكر وهو يقترب انها على حافة الجنون ،وقف وقال "مرحبا " نزلت بنظراتها اليه وقالت "اهلا " ،ابتسم وجلس الى جانبها وقال "اهذه مخيلتي ام ان ترحابك لي بارد " ردت "ماذا تريد ؟" صدمه ردها وقال "صحيح انك في مشفى مجانين لكنك لست مجنونة" ابتسمت له وقالت "فلنكن واقعين كلنا مجانين لكن بنسب مختلفة انا لا أخشى من أن يظنني الناس مجنونة، فالمجنون هو الذي يعتقد أنه يستطيع أن يجلس وحيد" ،رد" لست اكيدا "وسكت ولم ترد وعادت لتنظر الى السماء ،بعد صبر قصير تكلم "حسنا انك بالتاكيد لا تريدين تمضية بقية حياتك هنا " ردت "لا كنت انتظرك لنغادر انتهت مهمتي " رد "اي مهمة ؟" ردت "حماية مريضة تعرضت للاذى " سالها ""وماذا فعلت؟ " ردت "ضربته بسكين قد يسبب له شللا نصفيا " ضحك عماد وقال "هيا قولي ماذا فعلت كفاك مزاحا " ردت وهي تنظر اليه "اعرف انه فعل مجنون ،عندما افكر الان بما قمت به ادرك انه امر فظيع لكنه كان ضروريا " سالها مجددا "ماذا فعلت ؟" ردت "كان يغتصبها كل ثلاث ليال لم يصدقها احد وحدي عرفت انها تتعرض للاذى لذا وضعت حدا لذلك ،انا اعلم ان هناك الكثيرات مثيلات هيلين لكني لا استطيع فعل شيء ،ان هذا مؤلم "سالها "ماهو ؟" ردت " ان لا تتمكن من وضع حد للالم "وقف وقد نفذ صبره وقال "انت غريبة جدا عليك مغادرة المكان سريعا والا تلوث عقلك " ،ردت "انه ليس اسوء من تلوث الروح " ،بدا عماد يفقد اعصابه ،مد يده الى يدها واوقفها وقال "كفاك هذيانا " ،تنهدت وقالت "لم تصدقني لكني فعلتها "رد "ماذا فعلت ؟" ردت "قد اكون تسبت في شلل رجل " ،ترك يدها وقال "هل انت جادة " ردت "اجل كان يغتصب المريضات هنا وكان علي وضع حد للامر" كان عماد غير مصدق لما كان يسمعه ،عيني تمارا كانت فارغتين لا تعبران على شيء ،شفتاها كانتا حازمتين فكر لاتبدو نادمة ،سالها " الشرطة هل وجودها هنا لهذا السبب ؟" ردت "اجل لكني تمكنت من حل المشكل فلا يتلطخ احد والرجل اخذ جزاءه " ،سكتت ثم تابعت "ادعى مدير الشفى ان الرجل تعرض للطعن من مجنون حاول الفرار ،الامر سوي على هذا لن يسال احد ولن يؤذى احد " تسمر امامها وهو يفكر لقد تحولت الى مجرمة ،فضحت عيونه تفكيره فقالت تمارا "لا انا لست مجرمة انا طبقت القصاص العادل لذا انا لا اشعر باي تانيب للضمير " سالها "الا يخيفك هذا ،العقاب من حق القانون والدولة لست في شريعة الغاب " ردت "لكن القانون لا يصدق بوجود فعل يستحق العقاب "وتابعت وهي تلاحظ سكوته "لم يصدق احد وجود جريمة.. فقط لان هيلن مريضة القانون لا يصدق المجانين لذلك علينا ان نحتال عليه " رد وهو يتابعها "لكن يديك تلطختا " ردت " لكن الالم توقف " ورفعت يديها اليه وقالت "انهما نظيفتان الا ترى "رد وهو يزيحهما " كنت تملكين خيارات كثيرة كان بامكانك اخباري لقد جازفت بنفسك ماذا لو اذاك كيف تتصرفين بمفردك في مواجهة مجرم كيف لا تشاركيني خوفك ورعبك " ردت "كثرة الخيارات في حياتنا تصيبنا باليأس, لأننا نعجز عن حيازتها كلها, ونادرًا مانحصل على أفضلها. والخوف من الاختيار هو يأس في حد ذاته كثرة الخيارات تحجبنا عن رؤية الحقيقة ،كانت لدي فرصة واحدة لم ارغب ان اجازف بالاختيار " رد " يا الهي لقد جازفت بحياتك انت لا تدرين ماذا كان سيحصل لي لو تعرضت للاذى تمارا " كان قد بدا يغضب ويفقد اعصابه امام برودها اللامبالي القاتل ،ردت "في بعض الأحيان، نُحب الذين يحتاجون إلينا، أكثر من حُبنا للذين نحتاج إليهم" ،امسك بكتفيها وقال "توقفي تمارا عودي الى رشدك " شعر عماد برغبة في ضرب وجهها بيده عليها ان تستيقظ وتعود تمارا التى عرفها في منزل الجبل ،ان ترجع لاكوزانوسترا خاصته ،شعر انه يفقدها ،انها بقدر ماكانت قريبة بقدر ما بدت بعيدة ،هل كانت تتالم تساءل لقد كانت قطعة جليدية لا يبدو ان الالم تسرب اليها ،قال لها بياس "ماذا اصابك؟" ردت "الألم أستاذ فذّ ، يخبرنا عن أنفسنا ويكشف لنا ما بطن من أسرارها ومااحتجب منها عنا" كان لا يزال يمسك بها بين يديه مخافة ان تهرب او هكذا كان يشعر ،قال بالم جلي "تمارا لقد استعمرت كل كياني لا أشعر برغبة في الأشياء إلا معك لأنك تَمنحين الأشياء معانيها .. أو رُبما لأنك تَمنَححيني الأشياء كلها” ردت " اجد في ما تقول الم وكان هذا الشعور يعذبك وكانه عبء عليك " رد "انت من يتالم هنا ان الانشغال بالألم هو توقّفٌ مؤقَتٌ عن الحياة وهو إقحامٌ ساذج للعجز في عقولنا ان الألم هو حالة ذهنية تصل فيها النفس الى الحضيض,حتى يشعر الانسان بأنه منسحق تحت كومة افكار و مشاعر سلبية تكاد تنفجر في رأسه” قالت "والمطلوب " رد " إنّ كثرة تفكيرنا في ألآمنا تحيلها إلى واقع حتّى وإن كانت وهماً" وتركها واخذ يمسح جبينه المتصبب عرقا ،عندما تقدم خالد منهما ،قال ببرود" مرحبا بك سيد عماد "رد عباد بدرجة البرود ذاتها " اهلا " نظر خالد لتمارا وقال "لقد سويت المسالة كليا لن يسال احد هيلين قررت متابعتها بدقة اكبر ساحرص على اخراجها من هنا في اسرع وقت اما ضرغام فقد اصيب بالشلل النصفي " ابتسمت تمارا تابع خالد "تماما كما اردت " ردت "اجل علي ان اعترف هذا افضل مما توقعته " كان عماد لاخر دقيقة يامل في ان تكون تمارا تهلوس ،كان مستعدا لتقبل فكره جنونها على تقبل فكرة تحولها الى مجرمة ،قالت تمارا "حسن حضرة الطبيب ساغادر الان وانا اكثر راحة "رد خالد "ربما لن تغادري "ساله عماد "لماذا ؟انك تعلم انها لا تعاني شيءا "رد وهو ينظر الى تمارا "اقترحت على مدير المشفى ان يوظفك هنا لديك عقل متفتح ،بعد ما فعلته لا احد يشك في قدراتك العقلية ونحن نحتاجها هنا " رد عماد "انا لا اوافق وجودها هنا يفسد عقلها " ردت تمارا "اما انا فسافكر في عرضك "شعر عماد انها تتحداه ،وقبل ان ينطق ساله خالد "من تكون انت بالنسبة لتمارا لتقرر عنها حياتها "،التفتت تمارا الى عماد تنتظر جوابه ،لكنه سكت ولم يقل ،المها الامر كبرياؤه كان اقوى من كل ما يحمل لها في قلبه من مشاعر ،قالت ما تعلمته واقسى ما المها "الحياة تمنحك فرصة واحدة ،والموت لا يترك لك الفرصة للحصول على اخرى " تنهدت والتفتت الى خالد وقالت "شكرا لك " ،لم يفهم لا خالد ولا عماد ما قصدته بتلك الكلمات ،لكن قبل ان تبتعد تكلم خالد "عندما وقف سقراط مدافعا عن نفسه في تلك المحاكمة التاريخية التي انتهت بأعدامه
قال لقضاته
” كنت أفتش عن الحقيقة ,أبحث عنها كما يبحث الجائع عن طعام , ليحفظ عليه حياته وليمده بالغذاء والقوة
ولم أستطع أن أقبل المشكلات من غير مناقشاتها , فلقد كنت في حاجة لكي أرضي ذلك النداء الملح الذي يريد من كل انسان
ان يجتهد للوصول الي الحقيقة الكاملة
و ها انا ذا , لا يهمني أن اكون مثلكم لا املك شيءا من علم
ولكنني لا اريد ان اعاني ما تعانون من جهل" التفتت اليه تمارا فتابع خالد وهو يبتسم "كنت انت من جعلني اعي هذا " ،تذمر عماد من هذه المغازلة الصريحة وقال "هل نغادر تمارا ؟" ردت "اجل " سارا مبتعدين ،امام نظرات خالد لهما كان مؤمنا بشيء واحد تمارا ستعود الى المشفى ،تمارا انتصرت على نفسها وهي ستنتصر لنفسها .

لاكوزانوسترا  لكاتبة مريم نجمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن