الفصل العشرون والاخير والخاتمة

112 5 1
                                    

الفصل العشرون

كانت تمسد بطنها المنتفخ وتراقب النار وهي تاكل حطب المدفاة،وتفكر فيما سبق من ايام ،سرحت تمارا بعيدا في اول يوم جاءت الى هذا المنزل الجبلي البعيد عن القرى الماهولة ،كان عماد يرغب في قضاء شهر العسل بعيدا عن ضجيج البشر ،وقسم وقته بين الكتابة وبين تمارا ،ابتسمت وهي تتذكر تلك الايام كانت اياما حلوة ،وزادت سعادتها عندما علمت انها تحمل طفل عماد الاول ،بطنها اليوم منتفخ ويهدد بالولادة ،بدات تتالم بين الحين والحين ،انها في شهرها التاسع تقريبا ،فكرت وهي تخرج نفسها من الذكريات الحلوة عليها ان تغادر المكان والا انجبت هنا ،كان اشد ما يخيفها بل ويرعبها ان تنجب في مكان منعزل ،بعيدا عن العناية الطبية ،عندما دخل عماد وهو يحمل صحيفة بيده وبيده الاخرى كيس التبضع ،ابتسم لتمارا وقال "كيف حال الام الحلوة والزوجة الفاتنة " ووضع الكيس والصحيفة ارضا ،ابتسمت له وقالت "بخير تقريبا " اقترب منها وقبل جبينها وقال "لا تخاف انا معك " ردت "اقدر ذلك لكن ساقدر اكثر لو غادرنا المكان " ونظرت لبطنها وقالت "ابنك سيخرج قريبا " ابتسم واحنى راسه ينصت لنبض قلبه الصغير وقال "اظن انك محقة لااريد ان تحدث اي مضاعفات لكما " قالت وهي تمسد شعر عماد " اذن هل اجهز الحقائب ؟" رد وهو يرفع راسه اليها "ليس بعد لنمضي ليلنا هنا وغدا سنغادر "سالت "الى منزل والدتك ؟" وقف وسار الى كيس التبضع رفعه وقال دون ان يلتفت الى تمارا "الى مكان اخر ،اغلب الظن " سالت "اذن والدتك لم تقبل بي "،كانت تمارا تتحاشى الكلام حول موضوع والدة عماد ،لكنها علمت ان وقت المواجهة قد اقترب ،حسمت امرها اخيرا عليها ان تقبل الامر وان لا تهرب منه ،او تحمل بمفردها عبءا ثقيلا ،اخذ عماد الكيس الى المطبخ وقال من هناك "لا عليك من الامر ،امي عنيدة صعبة المراس ،لكن لاحل لها الا القبول بك اخيرا " رفعت تمارا راسها وقالت " لقد كرهتني من البداية ،وتعتقد اني سبب موت يوسف ،لا اتوقع قبولها ،لكني احببت الاقامة في منزل الجبل ،هذا كل ما في الامر " تحرك سريعا للمطبخ وقال "ساعد لك طعاما شهيا " ابتسمت بقلق ،وفجاة هاجمها الم فضيع ،صرخت فاسرع اليها عماد قائلا "ما بك تمارا ؟" ردت "اظن اني سالد "شحب وجه عماد وتغيرت سحنته ،وتوتر ،لم يدري ما يفعل ،فاسرع بالاتصال برزان ،اجابته من الجهة الاخرى ،اخبرها بوضع تمارا ،واخبرها بوضعه وبصعوبة نقلها للمشفى ،لذا فكرت رزان سريعا واخبرته بما يجب عليه فعله ،واعطته التعليمات اللازمة ،تحرك عماد منفدا تعليمات رزان .
بعد ساعات من المعاناة والالم سمعت صرخة قوية ،كان عماد يحمل صغيره المغطى بالدماء بين يديه بفخر ،وهو ينظر الى تمارا ،كانت تمارا تتعرق وتتالم بشدة ،قال لها "انه ولد عزيزتي " ردت "رائع انه خالد " ابتسم "اجل سنسميه خالد "وضعه عماد جانبا بعد ان غسله من الدماء وعاد لتمارا ،قال لها "اظن اني قمت بما يجب كما يجب ،اخبرتني رزان بدقة بما علي فعله " قام عماد بعمل دقيق ونجح في انقاذ الصغير ووالدته ،قالت له تمارا وهي تلهت "كان عليك ان تدرس الطب عزيزي " ابتسم وقال "افكر في كتابة رواية اخرى " قام بسمح العرق من جبينها ،كان عماد قد انهى كتابة روايته الجديدة في منزل الجبل ذلك ،وبينما هو يولد زوجته اتته فكرة رواية اخرى ،نظف تمارا جيدا وغير الاغطية ،واخيرا سلمها ابنها الصغير خالد ،قالت "ارجو ان يكون عمره اطول من عمر خاله " ابتسم وجلس على كرسي يمسح اعرق من جبينه "باذن الله " سالته " اذن هل سناجل امر عودتنا " رد "حتما " تنهدت وقالت "ستكتب رواية اخرى هنا " رد "اجل وافكر جديا في شراء المنزل هذا ،انه مناسب للعطل لا يزال في حسابي مبلغ ضغم من تعويض فريد " لم ترد تمارا بينما تابع "وحتما روايتي الجديدة ستكتسح سابقتها " سالته ومذا عن الرواية التى ستكتبها "رد "سيكون البطل طبيبا ما رايك " ردت " سننتظر ونرى " ابتسم وقال "سيكون طبيبا يخاف من الموت ،خوفا امتد به طيلة الحياة " قالت " لرواياتك دوما ابعاد " رد عماد "الكاتب يرى أشياء لا يراها الإنسان العادي، ويكتب عن الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة ،ليصل بقرائه الى ابعاد لم يالفوها ،انه يفكر بالقراء أكثر من تفكيره بنفسه، ويكتب كأنه مقبل على امتحان صعب والممتحنون لجنة من العباقرة ،انا اكتب لنشر أفكار أو تعميم فائدة ، اكتب للتحدي ،اسعى دوما لانزال قرائي مكانا عاليا ، الكاتب يكون مفتون بالمعاني التي تقع تحت المظهر الخارجي للحياة، اكتشافها وتوضيحها لمن لا يراها مهمة الكاتب السامية ،انا ارسم القصة الاحداث بين طياتها ارسل رسائل مشفرة ،حكم لمن يرغب في فهمها ،هناك قراء يهتمون بالقصة هي في رايي قشور ،وهناك قراء يفهمون ما رواء القشور اللب ،كل له ما يرغب " وقف وسار الى النافذة ونظر الى الظلام خلفها وقال "عندما كنت اقوم بتوليدك هاجمني خوف ورعب داخلي ان لا انجح ،وان اتسبب برعونتي وعنادي بموتك او موت ابني ،هذا الخوف سيطر على كل حركاتي ،تعلمين كيف اخرجت نفسي من تلك العقدة التى تمكلتني ،عقدة الفشل ،لقد تخيلت رواية جديدة ،بدات برسم الاحداث وانا اقوم بتنفيد تعليمات اختك بدون التفكير في شيء اخر ،عقلي يرسم ويداي تعملان وهكذا انفصلت عن ذلك الهاجس الداخلي الذي تمكلني ،واتتني فكرة الرواية الجديدة "ابتسمت "عرفت ان كل ابطال رواياتك هم انت بطريقة ما " ابتسم عماد وقال "لا ينفصل الروائي عن ابطال رواياته انهم هو بطريقة ما ،انه يترك في كل شخصية لمحة من شخصيته ،هو امر لا يمكن للكاتب تلاشيه " ،ابتسمت له وقالت "احب ان اقرا لك لاني بطريقة ما اقرؤك "،اقترب منها وقال "وانا احب ان تنامي قليلا لازلت متعبة ،غدا ستاتي رزان لتهتم بك ،انا سانزل للمدينة لدار النشر لنشر روايتي ،وعندما افرغ من كل الاجراءات ساعود اليكما " ابتسمت تمارا وغفت وهي تراقب نوم صغيرها ،اخذه عماد ووضعه في سريره الذي اشتراه عندما علم بحمل زوجته،وغادر الغرفة الى غرفة المعيشة ،اتصل برزان واخبرها بنجاح الولادة ،وعدته ان تكون في اليوم التالي عندهما ،واسرعت لتخبر كريم وبلقيس بالخبر السار ،كانت رزان هي الاخرى حبلى في اشهرها الاخيرة ،كانت بلقيس مسرورة لحبل رزان ،اما تمارا فلم تهتم بسماع اي شيء عنها ،كانت لا تزال ترفض وجودها في عائلتها ،كانت لها افكاراها الخاصة ، حياتها كانت كاملة في وقت ما وبدات بالتراجع ،بدات تعرف معنى ان ينقصها شيء يملكه غيرها بدون كبير طلب ،الحرمان ،ان تتمنى امرا لدرجة الالم ويحصل عليه اخرون ،ان تعجز رغم كل ما تملكه من مال وسلطة ان توجه حياتها حسب رغبتها لان ما نقصها لا احد يملك ان يمنحها لها ولو بمال الدنيا ،الاولاد ،كان امرا صعب عليها تقبله ،هناك من البشر من لا يتقبل ان ينقص حياته امر ،رفضت ان تستسلم لذا تبنت عدة اولاد ،تحدت الحياة التى حرمتها ،ومنحت لنفسها ما ارادت وتحايلت على الحياة ،هكذا كانت بلقيس تكره ان يناورها احد ،حتى وان كانت الحياة نفسها ،كذلك كرهت تحايل عماد عليها ،لقد كان يعرف رفضها لتمارا ،لكن بالمقابل تزوجها ،كانت لاتزال غاضبة منه ورافضة تمارا ،لكنها مع ذلك لم تمنع نفسها من الشعور بالبهجة لانه صار لديها الان حفيد ذكر ،بلقيس التى تعلمت ان تتحايل على الحياة وضرباتها قررت ان تتحايل ايضا عليها هذه المرة ،سترفض تمارا لكنها لن ترفض اولادها ،كانت طريقتها في العيش ،وكانت هي بلقيس .

لاكوزانوسترا  لكاتبة مريم نجمةWo Geschichten leben. Entdecke jetzt