الفصل الخامس

775 32 15
                                    

اغتصاب لرد الاعتبار "الفصل الخامس"

ضرب بقبضته على سطح المكتب حتى كاد يهشّمه بينما يرمق ابنه وليد الذي ينكس رأسه بخجل فقال من بين أسنانه بغضب:
_ "إزاي ده حصل؟ .. إحنا كنّا مأمّنين العملية وما حدش كان يعرف المعاد غير انا وانت وصابر .. يبقى ازاي وصل الموضوع للحكومة؟!"
رفع وليد رأسه كي ينظر إلى والده ثم قال بصوت خافت مُتجهّم:
_ "وده اللي يخليني أشكّ بأن في جاسوس بيننا."
تناول أنور شهيقا عميقا زفره ببطء قبل أن يقول بتثاقل:
_ "مش مهم دلوقتي الموضوع ده .. المهم عايز نلاقي حل عشان نخرّج صابر .. مستحيل اسيبه يتورّط كدة."
أماء وليد برأسه قائلا بطاعة:
_ "حاضر يا بابا."
ثم أردف على لسان حاله بحنق:
_ "وخصوصا عشان ابنه المجنون ده .. لو حصلت حاجة لابوه مش هيعدّيها بالسهل."
ثم استأذن تاركا والده لينعم ببعض الراحة .. وضع أنور رأسه بين كفّيه بينما يزفر بضيق وشظايا الغضب والقلق تتطاير في الهواء حوله .. فعلى حين غرّة طالت أيدي الشرطة أفضل مساعد له .. صابر حوّاس الذي يعد الذراع الأيمن لأنور والذي يثق به في إدارة كل أعماله المشروعة والغير .. وفي أتمّ الاطمئنان من عدم تفوّه صابر بكلمة ولكن لابد من إنقاذه .. فخسارته تعد أسوأ من خسارة الملايين بالنسبة إليه .. ويجب القيام بكل الطرق الممكنة لمنع إيصال صابر إلى القضاء مهما كان الثمن.

ننتقل إلى مكان آخر حيث توجد شقّة الطبيب فؤاد .. فكان زياد يجلس أمام التلفاز بينما يتنقّل بين القنوات بملل .. حيث لا يوجد جديد يقوم به ولم يحِن ميعاد نومه بعد كما أن فؤاد خرج إلى المشفى لورود حالة ولادة من السيدات اللواتي يتابعن معه .. وضع ظاهر كفّه أمام فمه المتثائب ثم همّ ليغمض عينيه ولكن قاطعته رنّة الجرس ليهبّ عن مكانه واقفا بحماس وقد ظنّ أن والده عاد أخيرا .. سرعان ما تلاشت ظنونه ما أن فتح الباب ليجد كل من بدر وفهد الذي يحمل بيده علبة مكعبة الشكل يقول بنبرة حبور:
_ "مساء الخير يا زياد."
اتّسعت ابتسامة زياد بينما يبعد الباب مفسحا لهم المجال للدخول قائلا بترحيب:
_ "أهلا أهلا بالبشوات اتفضّلوا."
ما أن جلسا على الأريكة حتى نطق بدر بسرور:
_ "جينا نفرح معاك على نجاح العمليّة."
أتى زياد ومعه بعض الأطباق ثم جلس على الكرسيّ قائلا بسعادة:
_ "ماتعرفوش انا مبسوط أد إيه إني ساعدت في العملية دي."
أجابه فهد بنبرة يعلوها التفاؤل:
_ "شرف لينا انك ساعدتنا ودورك وصل لسيادة اللوا طبعا."
_ "ربنا يكرمكم."
قالها بينما ينقل قطعة الجاتو من داخل العلبة إلى الطبق ثم مدّه نحو بدر قائلا بابتسامة متكلّفة:
_ "معلش بقى .. من ساعة وفاة أمي ومافيش حد بيساعد في المطبخ غير انا وبابا."
التقط بدر طبق الحلوى مردفا بتضرّع:
_ "ربنا يرحمها ويحسن إليها."
والتقط فهد مهمّة تغيير الموضوع قائلا بمشاغبة:
_ "شدّ حيلك يا بطل وان شاء الله ربنا يكرمك ببنت الحلال اللي تريّحك."
شرد زياد مع كلمته الأخيرة قائلا بتضرّع:
_ يارب."
وهكذا انقضت الأمسية عن طريق تناول الجاتوه اللذيذ وسماع برامج التلفاز مع الحديث عن بعض الأمور الحياتيّة .. حتى أتت الساعة التاسعة فقام الاثنان يستأذنان للذهاب .. وبعد وداع زياد استقلّا المصعد للنزول .. وعند مدخل العمارة توقّف بدر ما أن لمح وتين القادمة من بعيد .. ترتدي زيّا رياضيّا بسيط التصميم بينما تحمل أكياس من محل البقالة .. توقفت ما أن وجدت بدر يقف أمامها لتتّسع عيناها بينما تقول بدهشة:
_ "حضرة الظابط؟!"
أزاح بصره عن ملابسها البسيطة الغير اعتياديّة قائلا بابتسامة:
_ "أهلا وتين .. عاملة إيه؟"
_ "الحمد لله بخير."
تلفّظت بها وتين بتوتّر بعدما رآها كلاهما بهذه الهيئة البيتيّة للمرة الأولى بينما أشار بدر إلى فهد الواقف بجانبه قائلا:
_ "ده ابن عمي النقيب فهد .. فاكراه."
أماءت برأسها بتأكيد مُردفة:
_ "آه طبعا فاكراه .. أهلا بحضرتك."
أجابها باحترام:
_ "أهلا بيكي."
سرعان ما أشارت وتين إلى الأعلى قائلة باستفهام:
_ "إنتوا فوق..."
أكمل بدر عنها قائلا بجديّة:
_ "كنا عند حضرة الظابط زياد في شغل."
عادت الابتسامة إلى ثغرها مكملة:
_ "آه ربنا يوفقكم."
التفت بدر إلى الخاتم الذهبيّ المزيّن بنصر وتين ليسرع بالقول متذكّرا:
_ "صحيح .. أستاذ رياض عرّفني بالشبكة .. ألف ألف مبروك."
أجابت تهنئته بابتسامة هادئة:
_ "الله يبارك فيك شكرا."
ثم أردفت مُستأذنة:
_ "بعد إذنكم."
ودلفت بداخل البناية تاركة بدر وفهد اللذان اتَّجها معا نحو السيارة .. احتلّ فهد كرسيّ السائق ثم أدار محرّك السيّارة .. بينما التفت إلى ابن عمه متسائلا:
_ "هي دي بقى وتين المحامية؟"
أجابه بدر بينما يسند مرفقه إلى نافذة السيارة قائلا بإعجاب:
_ "أيوة يا فهد .. إي رأيك فيها؟"
تكلم فهد مداعبا:
_ "لايقة عليك."
التفت بدر برأسه نحو فهد والشرر يتطاير من عينيه القاسيتين حيث هتف من بين أسنانه بغضب:
_ "إيه اللي بتقوله ده يا فهد؟ هو الجاتوه لحس مخك ولا إيه؟"
أسرع فهد يقول كاتما ضحكاته:
_ "لا يا سيدي والله بهزر."
لم يتزحزح موقف بدر الجادّ حيث أكمل بغلظة:
_ "طب الهزار ليه حدود يا خفّة .. وخد بالك هي مخطوبة وانا خاطب."
أسرع فهد برسم الجديّة على ملامحه قائلا باعتذار:
_ "خلاص يا سيدي ماتزعلش."
لم يجب اعتذاره وإنما شرد مع الطريق وقد ظهرت صورة تقوى بعقله .. ببسمتها ورقّتها ثم غضبها وثورتها .. وفي خضم الأشغال التي فرضتها عليه عمليّة التهريب لم تغِب عن باله لحظة .. ولكن موقفها الأخير جعله يضع حاجزا مؤقّتا بعلاقتهما حتى تهدأ الأمور وتعود المياه لمجاريها .. ولكن لابد من وضع حدٍّ لهذا البعاد خاصة وقد مرّت أيام على تلك المحادثة .. فهل يرقّ قلبها وتسامحه على خطأه الصغير الغير مقصود؟!

اغتصاب لرد الاعتبارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن