الفضل الثامن والأربعين

563 23 10
                                    

48
#اغتصاب_لرد_الاعتبار "الفصل الثامن والأربعين."
(والله يفعل ما يشاء)
***********
تسمّر محلّه وتيبّست يده الممسكة بالزجاجة المنكسرة.. وعيناه مسلّطتان عليهما بهذا الوضع.. تعانقه بقوّة كي تدرأ عنه هجمة زوجها.. ظل يرمقهما بعينيه المشتعلتيْن وشعور الغيرة يتصل بانفعاله.. لما وجدت تأخره عن تنفيذ تهديده ابتعدت عن أمان ثم التفّت كي تطالعه بنظرات يسكنها الهلع بينما تقف أمام أمان وتحاوطه من خلفها بيديها قائلة برجاء:
_ "كلامك معايا انا.. أرجوك مالكش دعوة بيه."
زّ على أسنانه غيظا بينما ينطق باستهزاء:
_ "هو ده اللي كنتوا بتعملوه في المستشفى؟!"
لم تستطِع الإجابة بعد اتهامه الصريح لهما وسط هذا الجمع من الماجنين.. أطرقت برأسها في انكسار شديد.. فما كان ليفعل ذلك لو أنه رجل حقيقيّ يهتم لسمعة زوجته.. انتبهت إلى صوته بينما يوجّه لها الحديث بصرامة:
_ "إنتي طالق.. طالق.. طالق."
نقلت عيناها إليه ليجد الدمع يترقرق فيهما.. فلا يرقّ قلبه لذلك وغنما يستمر في القسوة بقوله بغلظة:
_ "انسي بنتك خالص وحسّك عينك أشوف وشك تاني!"
ثم صرف بصره نحو أمان المقيّد بين اثنين من رجاله.. والشرر يتطاير من عينيه ينبّئ بنيّته في الفتك به ليقضي على طغيانه إلى الأبد.. ابتعد إلى الخارج قائلا بلا مبالاة:
_ "سيبوه."
وهكذا انفكّ القيد عنه ليسرع إلى نهلة التي عادت تجلس أرضا بعدما فشلت سيقانها في تحمّلها.. تحتضن نفسها بذراعيْها وكأنها عادت تشعر بالانتهاك من جديد.. فأسرع إلى احتوائها وهو على علم بما يخالجها الآن من الذلّ والانكسار..
**********
عَلَت رنات هاتف فهد لينظر إلى شاشته كي يتبيّن المتصل ثم سرعان ما يزفر بضجر وقد وجد أنه من أحد زملائه بالقسم.. ودّ حقا لو لا يجيب نظرا للموقف الحادّ الذي يتعايشونه الآن مع ابن عمه الذي يكاد يفقد صوابه من وطأة الذعر على زوجته الغالية.. ولكن الواجب فوق كل شيء.. أن تقسو القلوب رغم الظروف.. هكذا علّمتهم الشرطة.. سحب زرّ الإجابة ثم وضع الهاتف أمام أذنه ليسمع الطرف الآخر يقول بشيء من العجلة:
_ "الو فهد."
_ " اهلا يا باسم.. خير."
قالها فهد بنبرة خاملة يكسوها التعب ليأتيه صوت باسم قائلا:
_ "أنا عرفت مكان وليد."
جحظت عينا فهد وتعالى صوت هُتافه بينما ينطق بدهشة:
_ "بجد؟!"
أجابه باسم بثقة:
_ "ايوة هبعت لك المكان.. هو لسة ما وصلش لمدام بدر."
رفع فهد حاجبه متسائلا بشكّ:
_ "وانت عرفت ازاي؟"
خفتت نبرة باسم بينما يقول بشيء من الخزي:
_ "لإنه هددني يا اجيب له معلومات بدر يا هيوقعني برشوة."
_ "إنت كنت بتشتغل لحسابه؟"
سأله فهد بدهشة غير مصدّقا بلما استنتج توّا ليجيبه باسم بحزن أكبر:
_ "ايوة.. شيطاني وزّني ووافقت اكمّل في السكّة دي.. ولما خطف مرات الرائد ماقدرتش ارفض.. ما كنتش عارف ازاي اكلمكم خصوصا واني مش عارف اراقب وليد لكن الحمد لله استغليت الخناقة اللي حصلت معاه ورجالته دخلوا عشان يساعدوه وحطيت جهاز تتبع في عربيته."
تناول شهيقا عميقا زفره ببطء كي يتمالك نفسه حيث قال بنبرة هادئة:
_ "شكرا يا باسم.. ابعتلي اللوكيشن"
**********
واجه صعوبة كبيرة في مساعدتها على الوقوف والتحرك كي ينتقلا إلى خارج الملهى.. حتى تستطيع تنشّق هواء نقيّا بعيدا عن هذه الأجواء السافرة.. ولكن لم ينجح بتاتا في إخراجها من حالة البكاء الهستيريّ التي انتابتها.. حيث كانت تصرخ بحرقة:
_ " مش هقدر اخد بنتي يا دكتور.. الحيوان ده هيخطفها مني!"
ربت أمان على كفّها مؤازرا بينما يقول بنبرة مطمئنة:
_ "ماتخافيش يا نهلة.. في قانون في البلد وانتي بقيتي كويسة دلوقتي يعني القضية معاكي ١٠٠%"
هزّت رأسها بنفي ثم قالت بإصرار:
_ "ولا يفرق معاه.. ده جبار مستعد يعمل اي حاجة عشان يمنعني عنها ويقهرني عليها!"
أجابها بنبرة يعلوها التصميم:
_ "مافيش حد بيفضل جبار وكل ظالم وليه نهاية."
نظرت إليه بمعالم متهدّلة تمتلئ بالحسرة بينما تنطق بخوف:
_ "معقولة اعرف آخد بنتي فــ حضني تاني؟"
أماء برأسها مؤكّدا:
_ "مافيش حاجة بعيدة عن ربنا.. ثقي فيه وقولي يا رب."
وهنا رفعت رأسها إلى السماء كي تنطق بنبرة مبتهلة تهتزّ رعبا وخوفا:
_ "ياااا رب."
**********
انتهى من الدخول بالمخزن المهجور الذي يحتوي فقط على العديد من الصفائح المعدنيّة كبيرة الحجم.. يحتشد الطابق الأول فيه بعدد كبير من الحراس تجاوزهم حتى وصل إلى الطابق الثاني.. حيث كانت مُحتَجَزة.. ما أن دلف حتى وجد أنظارها انتقلت إليه.. ترمقه بصمود مهتزّ بينما يقترب هو منها كي يدقّق النظر بمعالمها التي غادرت ذهنه منذ وقت طويل.. فهو على علم منذ شهرين بكون تلك التي انتهك حقّها في الحياة أصبحت زوجة للرائد بدر.. وهو ما يسعده حقّا حيث لا يمكن أن يتزوّجها الرائد إلا إن كان يكنّ لها الحب الخالص.. ولذلك يستطيع استخدامها كطعم مناسب لإيقاف بدر.. توقّف على بعد مناسب منها ثم قال بشيء من البرود:
_ "ماتخافيش يا مدام.. احنا حافظينك وديعة مؤقتة لحد ما ييجي حضرة الرائد واخلص منه وبعدين ترجعي معزّزة مكرمة."
توقّع أن تكون خائفة مضطربة تخشى الخطف خاصّة وأنه يذكّرها بآخر حادثة صارت لها.. ولكن سرعان ما صُدِمَ حيث ضربت بظنونه عرض الحائط حين قالت بجمود:
_ "انا هرجع بيتي.. من غير ما تمسّ شعرة من جوزي. "
رفع أحد حاجبيْه متصنّعا عدم الاندهاش بينما يقول متسائلا:
_ "انتي اد الثقة دي؟!"
سألها بتعجّب وفي نفسه يعتقد كونه سمع جوابها بشكل خاطئ يخالف المعهود فأكّدت ذلك بقولها بصلابة:
_ "مستحيل اقول كلمة الا لو كنت أدها.. جوزي هييجي وينقذني من هنا وانت اللي هتدور على طريقة تهرب بيها."
استغلت صمته المصدوم لتضاعف دهشته بقولها بثقة:
_ "انت ماتعرفش ممكن يعمل فيك ايه بعد ما اتجرأت وخطفتني؟"
ولأن لكل فعل ردّ فعل.. لم يستطع كبح انفعاله أكثر من ذلك حيث أخرج سلاحه من جيبه ثم وجّه فوّهته نحو رأسها صارخا بتهديد:
_ "ايه رايك ابلّعك الكلمتين دول عشان اشوف هيعمل فيا ايه كويس؟"
لم يزِدها تهديده إلا صمودا فلم يرفّ لها جفن وإنما استمرت في التحديق بعينيه قائلة بتحدي:
_ "اتفضل بس افتكر كويس اني حذرتك."
كانت ضعيفة منكسرة.. هذا صحيح.. ولكن استطاع هذا المارد بانتشالها من هذه الهوّة وتحويلها إلى أخرى أشدّ بأسا ممّا كانت عليه.. دوما يكون لها عونا ودعما.. وحين يغيب عنها تحمل لواء القوّة.. كالجبل الصامد لا ينحني لمجرّد هبوب الريح.. أثارت نبرتها الشجاعة حفيظة هذا الغليظ ليضغط الزّناد.. ولكن سرعان ما تريّث في اللحظة الأخيرة.. حيث انتبه توّا إلى أمر لم تلحظه بذاتها.. مسكينة.. فقد كانت عيناها معصوبتان في كل الأحوال.. عَلَت ابتسامة خبيثة شدقه والتمع الشرّ بعينيه بشكل زلزل ثقتها حتى فوجئت به وهو يلقي السلاح بعيدا ثم يقول بنبرة ماكرة:
_ "تصدقي.. عندي حل أحسن."
ظلت ترمقه باستفهام تنتظر حيلته الجديدة لمحاولة إخافتها حيث استكمل قوله ببرود:
_ "مش بيفكرك يوم ٢٢/ ٣ بحاجة؟!"
ضيّقت عينيها للحظة واحدة كانت كفيلة لعودة ذاكرتها إلى حيث التاريخ المذكور حتى تتّسع عيناها بقوّة هاتفة:
_ "إيه؟!"
ازدادت ابتسامته اتّساعا بعدما تذكّرت جيّدا تلك الليلة المشؤومة.. وكيف لا وهي التي انقلبت فيها حياتها رأسا على عقب.. استغلّ الشرارة المنبعثة من عودتها بالذاكرة ليزيد عليها بالكيروسين حيث يقول بسماجة:
_ "ايووووة.. كنتي اتخطفتي في اليوم ده واتعمل فيكي اللي ما يتعملش لدرجة توقعت انك تنتحري بعدها!"
اضطّربت أنفاسها وبات صدرها يعلو ويهبط من شدّة الصدمة حيث تقول بحروف ملجلجة:
_ "إ إنت...."
أكمل عنها باقترابه الشديد منها كي تتبيّن معالمه عن قرب ثم يقول بتأكيد:
_ "ايوة انا.. وليد أنور حسان."
أحسّت بالذعر ينتاب فؤادها ومعالمها بهتت دهشة وذهولا.. حيث عادت إلى الخلف بحركة لا إراديّة بينما تصرخ بهلع غير مصدّقة:
_ آاااااه!! مــ مستحيل!"
قابل روعها وارتجاف جسدها من الرعب ببرود تام حيث يقول بنبرة جليديّة:
_ "اهو مكتوب لك أخطفك مرتين.. مرة عشان كنتي غبية ودلوقتي عشان جوزك اللي غبي."
انفجرت العبرات من محجريْها لتنساب كالسيول على بشرة وجهها التي تحوّلت إلى الاحمرار من احتقان الدماء بها حيث صرخت بوجع وقهر:
_ "آاااااااه.. انت يا حيوان اللي عملت كدة فيا! لااااااا!"
ابتعد إلى الخلف وقد عادت الابتسامة إلى وجهه منتصرا بعدما حقّق مراده.. فعاد أدراجه إلى باب الغرفة تاركا إيّاها تحاول فكّ القيود المحكمة بينما تتعالى صرخاتها.. والتي صنع منها سيمفونيّة لذيذة كعادته المريضة.. صاحت بكل ما أوتيت من قوّة:
_ "ياااااربي.. مش معقول أبقى انا في العذاب ده كله وهو واقف على رجله وعايش بافترا!"
ثم رفعت وجهها إلى الأعلى ناطقة من بين نحيبها بتوسّل:
_ "يااااا رب عدلك يااااا رب."
*********
_ "فهمتوا ازاي هنعرف ندخل المكان؟"
قالها بدر متسائلا أمام عدد من الرجال أمامه.. يغلب السواد على ملابسهم وخوذاتهم.. حضروا خصّيصا بأمر من يونس لمساعدة الرائد بدر في مهمّته لتحرير زوجته من هذا المأزق.. فقد تحدّد مكانها أخيرا ومعها تحدّدت الخطّة التي سيقتحمون بها المكان.. ألقى جميعهم التحيّة قائلين:
_ "تمام يا فندم."
تحركوا إلى الأمام سابقين إيّاه نحو السيّارة الضخمة التي ستنقلهم إلى مكان الرّهينة.. وقبل أن يتبعهم توقّف مع لمسة من يد يونس جاذبا انتباهه فنظر إليه ليجده يحدّق فيه باهتمام يسكنه الخوف حيث يقول بحنو:
_ "خلّي بالك من نفسك يابني."
أجابه بدر بتصميم لا مجال للتراجع فيه:
_ "مش هرجع من غيرها يا بابا."
ثم استدار قائلا:
_ "بعد إذنك."
***********
ألم الفؤاد.. وما أدراك ما ألم الفؤاد.. عذاب ليس بعده عذاب.. ولا سيما في حالتها.. ذكريات تعاود الزيارة.. إذلال دقّ الأبواب.. إهانة طعنت بالكرامة.. انتهاك عاد يؤلمها.. عبرات حارّة تذرفها.. قصاص مؤجّل يؤرّقها.. فلا تنسى كيف خضعت للأمر الواقع واختارت التكتّم على الأمر صونا لاسمها واسم عائلتها؟ كيف تحمّلت إهانة خطيبها السابق لما صار معها؟ كيف اختارت زواج الستر لتلملم ما بَقِيَ من شُتاتها؟ كيف نسيت انتقامها رغم الفجوة التي خلّفها هذا الحادث؟ كيف نَأَت عن رؤية صورة هذا الماجن بعد أن علمت هويّته بل كيف أرعبتها الفكرة وتسبّبت في ردعها بهذا الشكل؟! أخذت ترتعد بشكل مرعب بينما تذرف الدمع بألم ولسانها لا يكفّ عن نطق "حسبي الله ونعم الوكيل." وهو دعاء لو تعلمون عظيم!
ظلّت منزوية مع أفكارها وهاجس واحد يغمرها.. أمنية ترجو لو تتحقّق لولا وثاقها.. أن تتحرّر من قيد الحبال فتسرع إلى إنهاء حياتها من خلال السلاح الذي تركه وليد جانبه وألهته متعة سماع صراخها عن تذكّره.. أخذت الذكريات تتصارع وتزدحم برأسها وهي في غاية استسلامها.. ترجو فقط اقتراب أجلها لتتحرّر من هذا الألم إلى الأبد.. أفقدت كل حواسّها عملها بما فيهم السمع حيث لم تنتبه إلى أصوات طلقات الرصاص حولها ولا هتاف الرجال بعد محاصرة المخزن.. حتى مرت عشر دقائق.. انجذب انتباهها لمّا شعرت بصوت بدر يتردّد صداه بأذنها يتبعه بالجلوس أمامها بينما يحلّ وثاقها قائلا بقلق:
_ "وتين يا حبيبتي."
رمقته بدهشة غير مصدّقة كونه أمامها حيّ يرزق.. اجتاز العقبات في وفعل المستحيل في سبيل إنقاذها.. تعالت أنفاسها بينما تحدّق به قائلة بنجدة:
_ "بدر!"
انتهى من حلّ الحبل الملتفّ حول يديْها وساقيْها ثم ربت على وجنتها بدفء بينما يقول بتهدئة:
_ "ماتخافيش أنا هنا."
لم تسمع كلمة أو بالأحرى غرقت في عالم آخر مع النظر بعينيه اللاتي استمدّت الأمان منهما على الفور.. شعرت بتخشّب جسدها حتى صارت كالحجر بينما حدّق فيها بتركيز ليرى العبرات تنساب عل وجنتيها بغزارة فيقول بدهشة:
_ "عمل فيكي إيه الكلب ده؟"
لم يزِدها سؤاله إلا انهيارا حيث أجهشت في البكاء المرير ونحيبها عاد يعلو ويتردّد صداه.. في ذات الأثناء اقتحم وليد الغرفة.. حيث انسحب من هجوم الشرطة المُباغت لغرفة وتين كي يحتفظ بها رهينة.. وسرعان ما خاب ظنّه حين وجد بدر يقف إلى جانبها بينما يهدّئ من روعها.. ابتعد عن زوجته كي يخرج سلاحه ويوجّهه نحوه فيثبت الأخير مكانه رافعا يديه إلى مستوى وجهه باستسلام.. حيث تناسى مع غباءه السلاح خاصته في آخر زاوية بالغرفة وما أنساه إلا مراوغته مع وتين كي يكسر أنفها.. ظلّ يقترب منه بثبات غير منتبه لوتين التي أسرعت تنكمش على نفسها عند زاوية مظلمة مستندة إلى الحائط بينما تدفن رأسها بين ركبتيْها عائدة إلى البكاء.. ما أن صار مقابلا له حتى قال بنبرة قاتمة:
_ "انت خلاص اتحاصرت.. أحسن لك تستسلم ونوقف الضرب وتيجي معانا بهدوء."
أماء برأسه قبل أن يقول ببرود:
_ "حاضر بس على شرط تعرف إيه اللي مزعل المدام."
احتدّت نبرة بدر بينما يقول بصرامة:
_ "مش محتاج انفذ لك شروط.. وماتجيبش سيرتها على لسانك.. أصلا اللي عملته معاها مش هعدّيه."
نطق وليد بنبرة ذات مغزى:
_ "اللي عملته دلوقتي ما يجيش حاجة جنب اللي حصل من 10 شهور."
حدجه بنظرات متسائلة دون أن يصل لفهمه ما يرمي إليه ليلقي الصاعقة المُهلكة على مسمعه قائلا بفظاظة:
_ "أصل انا اللي اغتصبتها وانت اللي اضطريت تداري عليها من بعد بصمتي."
خمس لحظات مرّوا عليه وهو يشعر بانتقاله إلى عالم آخر فقد فيه وظائف كل حواسّه.. سار عقله في دوّامة من التيْه لا يرى أو يسع أو يتحرّك بل ظلّ كل ما حوله ساكنا.. حتى ظنّ كونه بكابوس مزعج ينافي الواقع.. ينتظر أن يفيق بفارغ الصبر حتى يستطيع مجابهة هذا المجرم.. ولكن حدث عكس ما ظنّ ورَجَى.. عاد إلى أرض الواقع ليرى ابتسامته المنتصرة ومعالمه الواثقة ثم ينتقل بصره تلقائيّا نحو وتين التي وجدها تنكمش على نفسها وجسدها يرتعد تزامنا مع شهقاتها الخافتة وبكائها الصامت.. كل ذلك أكّد له كون ما سمع حقيقة.. حقيقة مؤلمة ومخزية.. مؤلمة لأجل معشوقته التي تأذّت روحها جرّاء هذا الانتهاك.. ومخزية لكونه لم يستطِع نيل القصاص عنها.. ولكن باتت الفرصة متاحة أمامه الآن.. فقام بحركة سريعة بتعمير سلاحه استعدادا لإطلاق الرصاصة الأولى ولكن كان وليد الأسرع حيث باغته بلكمة على معصمه أخلّت بتوازن أنامله فسقط المسدس من يده.. ولمّا وجد المسدس صار عنه بعيدا إلى حد لن يلحق بإمساكه ركله كي يبتعد عن متناول بدر الذي كان الغضب يعمي حواسّه.. استغلّ وليد عدم تركيزه بأن باغته باللكمة الأولى التي كانت كافية ليرتدّ بعيدا.. والدماء تُراق من فمه.. عاد وليد إلى الاندفاع نحوه ظنّا منه بأن تلك اللكمة أسهمت في إضعاف قوّته ولكن ما لا يعلمه أنها تسبّبت في إفاقته وإحاطته بالموقف الحاضر.. ها هو الآن يقف أمام أكثر شخص تمنّى أن يقابله ويأخذ القصاص منه على ما ارتكب من جرم بحق حبيبته.. الآن نال فرصة لقائه ولا يجب أنت يضيعها أبدا.. تفادى ضربته التالية حين انحنى بحركة سريعة ليباغته بلكمة منه أعادته إلى الخلف من جديد.. أتبعها بركلة قويّة أصابت بطنه فانحنى بضعف.. ولم يكتفِ بدر بمجرّد إضعافه بل كان غرضه أن يقضي عليه تماما.. فجذبه من ياقته ثم أخذ يكيّل له اللكمات بعنف حتى سالت الدماء من أماكن متفرّقة في وجهه.. وانتهى بذلك أن صدم رأسه بالحائط لتخور قواه فيقع أرضا.. نظر إليه بدر عن قرب بينما يقول بازدراء:
_ "هو ده آخرك يا زبالة! تهاجم في الضلمة.. استغلّيت مراتي وما جبتهاش إلا في الخفا! ودلوقتي أنا مش هرحمك.. هخلّيك تطلب الموت ومش هتنوله يا (....)!"
نزع حزامه الجلديّ ثم لفّه حول رسغه مرتين كي يتمكّن من استخدامه بلا هوان.. وما لبث أن بدأ يجلده بهذه السياط مفرغا القليل من الغضب الكامن بداخله.. وكلما عَلَا صراخه شعر زاده ذلك قسوة.. فلطالما خالجته الرغبة ليطالب بحقّ زوجته في مجتمع ينظر إلى الضحيّة كالجاني.. الآن لا حاجة إلى قانون.. فهو من سيطبّق القانون.. وهو من سيعيد العدالة لزوجته.. لا أحد غيره.. ابتعد للحظات كي يلتقط القليل من أنفاسه اللاهثة ليجد وليد يبعد ببطء حتى يلتصق بالحائط بينما يقول بنبرة مرتعبة:
_ "لأ.. مــ ماتقتلنيش."
وضع يده على خصره وهو يرمق هذا بازدراء يتكالب مع الاستهجان من مطلبه الغريب.. يرجوه أن لا يقتله وهو على علم باستحالة ذلك! أكمل وليد بخوف وتوسّل:
_ "مستعد أبوس إيدها واوطّي عند رجلها واطلب منها تسامحني.. بــ بس ما تقتلنيش!"
فكّر للحظات في إمكانية ما يقول.. فقد يؤدّي اعتذاره لوتين بإخراجها من هذه الحالة الهستيريّة التي انخرطت فيها.. فلِمَ لا يدفعه إلى التوسّل لمسامحتها قبل أن يقتله؟! حانت منه التفاتة إلى زوجته ليتبيّن حالتها فيجدها على نفس المنوال.. تأبى مجرّد الحركة من هذا الجانب المُظلِم وكأنها وجدت فيه حصنا وملاذا.. وقد استغل وليد انشغاله بحرفيّة كي يخرج سكّينا حادّة كان يخبّئها بجراب معلّق بساقه.. وقف بحركة سريعة ثم باغت بدر بطعنة غادرة اخترقت بطنه فيصرخ بألم:
_ "آااااه!"
نظر إلى وليد بصدمة والعرق يتفصّد على بشرته بغزارة وأنفاسه تلهث بسرعة فسقط أرضا دون أدنى مقاومة.. ليقف وليد متجاهلا الآلام التي تكاد تفتك بخلاياه.. أخذ ينظر إليه وقناع من الدماء يخضّب وجهه بينما يقول بغيظ:
_ "تؤتؤتؤ صعبت عليّا يا حضرة الرائد!"
أخذ بدر ينظر إلى الأعلى بجحوظ بينما يلتقط أنفاسه بصعوبة.. ليكمل وليد بصرامة:
_ "بص لنفسك دلوقتي.. من غير ابوك وابن عمك.. مافيش حد معاك دلوقتي.. عيلتك ومبادءك عملولك إيه بقى؟!"
كان الألم لا يحتَمل إلى حدّ لم يستطِع كبح تأوّهاته.. فحاول نزع السكّين المنغرس ببطنه ولكن لم يستطِع بل استمر في التأوّه:
_ "آاااه!"
وكان الثاني يتحدّث بثقة عالية متجاهلا تلك التي انتبهت لتوّها لما يحدث إلى جوارها منذ أطلق بدر تلك الصرخة المفزعة.. فوجدته يتسطّح على الأرض وآلة حادّة تخترق بطنه وإلى جواره يتحرّك وليد ويطلق الكلمات السامّة وقد عاد الانتصار يجد طريقا بمعالمه المخيفة.. تلك النبرة التي تسمعها والتي طابقتها مع ما سمعت في تلك الليلة حين لم يرحمها وهي تحاول التملّص من قبضاته ناطقة:
_ "أرجوك سيبني."
فلم يرقّ قلبه لتوسلاتها الضارية بل أكمل يقول بوعيد:
_ "هخليكي ما تجرؤيش تخرجي من البيت حتى!"
لم تسهم توسّلاتها إلا استمتاعا ببكائها فأكمل بما يقوم ذابحا إياها على قيد الحياة، سارقا أغلى ما تملك، ثائرا بغير حق، مرضيا لكبريائه اللعين على حساب مستقبلها، كما جعلته الكحول أصمّا عن سماع صرخاتها المتتالية:
_ "لاااااا."
انتقلت مع تلك الصرخة المتوسّلة المستنجدة إلى لحظة أخرى تعدّ الأسوأ بحياتها حين نطق شبيه الرجل خطيبها بكلماته كالسهام الحارقة:
_ "لكن أنا راجل شرقي ماقدرش أعيش مع واحدة جربها غيري."
وما كانت لتسمع تلك الكلمات المهينة لولا ما حدث معها.. وما كانت لتفقد فرحتها الأولى المتمثّلة بطفلها الأول مع بدر.. لتعود السحائب السوداء بحياتيْهما من جديد..
وأخيرا.. لا تنسى آخر كلمات أوصاها بها والدها حين كانت تأبى الرجوع لبدر..
_ "دوّري على سعادتك يا بنتي واتمسّكي بيها وأيّ حاجة تمنعك عنها واجهيها.. لكن إوعي تسيبيها عشان حد أو تسمحي إنها تتسرق منك!"
لطالما كانت سعادتها متمثّلة في بدر ووجوده بحياتها.. لطالما ارتبطت بسمتها به وعوضها بلقائه.. الآن تراه في الطريق لفراقها عن طريق نفس الشخص الذي تسبّب ويتسبّب في تعاستها.. هذا الذي يقف بصمود بينما يزمجر بأسوأ كلمات الوعيد استعدادا لتنفيذه بزوجها الحبيب.. فهل تستسلم وتنتظر مصيرها؟ أم تتمسّك بسعادتها ولا تسمح لمخلوق بسرقتها من جديد؟
أكمل وليد بنبرة متوعّدة:
_ "أنا مش هموّتك بسهولة.. هقطّع من لحمك.. هورّيك العذاب على اللي عملته."
وقبل أن يعود للاقتراب من السكّين تصنّم محلّه حين شعر بألم حادّ وحارق اخترق صدره تزامنا مع صوت طلقة ناريّة.. فنظر إلى موضع الألم ليجد بؤرة من الدماء تتوسّط صدره والدماء تسيل منه.. أهاله المنظر وعَلَا الجهل معالمه عن ماهيّة صاحب هذه الطلقة الغادرة.. فنظر إلى الأمام ليراها تسير مبتعدة عن ستار الظلام.. تتقدّم نحوه ببطء وقد عقدت العزم في نفسها لانتشال سعادتها من بين الأيادي.. اتّسعت عيناه بقوّة وقد وجدها تمسك بالسلاح بأيادٍ مرتجفة حتى باغتته بالطلقة الثانية والتي كانت كفيلة لتهتزّ سيقانه عن الثبات فيجثو على ركبتيْه على أثرها.. لم تُزَح عيناه عنها ليجده تقف أمامها والصمود يعتلي نبرتها بينما تقول بمقت:
_ "خدت مني سعادتي مرّة.. مش هسمح لك تكرّرها تاني."
أتبعت ذلك بطلقتها الثالثة ليتوسّد الأرض والدماء تخرّ من جسده برعونة.. ولم يلفِظ روحه بسهولة بل كان لسكرة الموت رأي آخر.. حيث أخذ ينظر إلى ما حوله وقد اكتسى الفزع معالمه.. لا يوجد شيء يستدعي الخوف.. هذا بالنسبة لمن حوله من الأحياء عداه هو حيث انكشف عنه الغطاء ليرى عاقبة أفعاله أمام عينيه متجسّدة بمن حوله من السائلين.. فقد خرج من محكمة الدنيا وعقابها الهيّن ليقابل محكمة أعظم شأنا وليْت الجميع يعملون لأجل هذا اللقاء؟
لأول مرة تتوسّد الراحة معالمها.. لأول مرة تشعر بكون حقّها عاد وما اندثر خوفا من المجتمع.. عادت العبرات تسيل على صفحتيْ وجهها ولكن هذه الدموع تختلف.. هذه دموع الفرحة والانتصار لنيل انتقامها بعد مرور حينٍ من الزمان.. بعد أن ظنّت بكون هذا محال.. ولكن أنت تشاء وأنا أشاء والله يفعل ما يشاء..
انتقلت سريعا إلى بدر الذي لا يزال يلفظ أنفاسه بصعوبة فجلست إلى جانبه بينما تقول بنبرة باكية:
_ "بدر يا حبيبي.. هتبقى كويّس صح؟"
حاول فتح عينيه بينما ينطق بألم:
_ "خدتي حقّك."
أماءت برأسها وابتسامة فاترة تغلّف ثغرها:
_ "أيوة يا غالي.. حصل."
تحرّكت يده ببطء حتى وجهها ليزيح عبراتها بأطراف أنامله فتتوقّف شهقاتها بينما يقول هو بدفء:
_ "إوعي تدمعي.. عشان دموعك غالية عليّا."
لطالما كان بارعا في ذلك.. لطالما كان يخاف لمجرد أن تذرف الدموع.. لطالما لا ينسى عهده بتجفيف دموعها حتى وهو بين براثن الألم.. أنهى مهمّته في إسكات نحيبها ثم فقد الوعي تحت أنظارها.. في ذات الأثناء.. حَضَرَ عدد من رجال الشرطة حولهم بعد أن قضوا على جميع الرجال المحيطين بالمكان..
**********
_ "حمزة!"
هتفت بها سلوى بلهفة وعدم تصديق.. حيث تراه أمامها يقف حيّ يُرزق بعد أن ظنّت كونها لن تستطيع رؤيته مجدّدا.. ولكن ها هو الآن حاضرا يعانقها بشوق وقلبه ينبص سعادة بعدما انتهى الغمّ وانحلّت العقدة وانفتح باب الفرج..
وأثناء حضور حمزة بمنزل عمران ليسلّم على الموجودين.. استأذنت رغد لزيارة قبر والدتها.. حيث كانت تقف أمامه بينما ترفع يديها أمام وجهها وتقرأ آيات الفاتحة والدموع تنساب على وجهها بغزارة.. فلا تنسى أنها السبب في ذهابها على أيّ حال.. حتى وإن نالت سعادتها في النهاية.. فلن تنسى تضحية تلك العظيمة لأجلها.. خرجت عن شرودها مع صوت رنيم التي مسّدت على كتفها قائلة بحنو:
_ "ربنا يرحمها يا حبيبتي."
_ "آمين."
نطقت بها بهدوء لتقول رنيم بتساؤل:
_ "استلمتي تصاريح الدفن؟"
أماءت رغد برأسها ثم قالت:
_ "أيوة.. الدفن بكرة."
_ "طب ومكّة ومرات أخوكي؟"
_ "بعتّ مكّة مع دكتور أمان عشان تشوف أمها.. الحمد لله هي بقيت تمام.. وليها الحقّ تاخد بنتها ومعاها ميراث جوزها وأبو بنتها."
أماءت رنيم إيجابا وشعور الشفقة يتخلّلها على تلك المسكينة التي فقدت كل أسرتها جرّاء الأفعال الإجراميّة التي كانوا يرتكبوها.. ورغم ثروتها الطائلة من ميراث والدها إلا أن ذلك لن يسهم في سعادتها بتاتا.. فلم تكن الأموال يوما وسيلة للسعادة.. بل كثيرا ما كانت نقمة على أصحابها..
**********
أجل.. اختارت رغد الطبيب أمان لتوصل الصغيرة معه.. فلم تجد أكثر منه أمانة ليحضر الطفلة إلى والدتها.. ولطالما تشعر بالخزي يكبّلها من مقابلة نهلة بعد كل ما حدث.. فاكتفت بأن تعطيها حقّها في الطفلة والأموال من وراء حجاب..
شعرت بنفسها كالخيل الأشهب الذي يجري مسابقا الريح في سرعته نحو صغيرتها التي تراها بعد مرور شهور عدّتها كالدّهر وجعا على فراقها.. التقطتها من بين يديْ أمان ثم أخذت تحتضنها بقوّة واللهفة تسيطر عليها.. تعانقها تارة وتقبّلها تارة أخرى وقد شعرت أخيرا بسقوط هموم كالجبال عن عاتقها.. فلطالما ظنّت باستمرار جبروت وليد إلى حدّ أنه سيحرمها لذّة البقاء مع صغيرتها.. ولم تنتبه إلى كلمة أمان حين طمأنها بأن لكل ظالم نهاية.. لقد كانت نهايته على يد امرأة في النهاية..
جثت على ركبتيْها ولم تُبعِد صغيرتها عنها.. فقد ذاقت من الألم كؤوسا مريرة والتي تتنعّم بحلاوة البقاء مع صغيرتها.. رمقها أمان بسعادة كمن حانت هذه الفرحة له هو.. ثم استدار دون أن ينطق ببنت شفة عازما على الذهاب كي يترك مجالا لهذا اللقاء السعيد بين الأم وابنتها.. توقّف مكانه حين شعر بيدها تمسك بخاصّته ولا تزال تحتضن طفلته.. تخبره بالبقاء وعدم الذهاب..
**********
في شقّة بدر.. خرج حمزة مع بقيّة أبناء عمران.. بعدما تأكّدوا جميعا من سلامته.. ذهبوا تاركين بدر الذي احتلّت الراحة معالمه فور علمه بعودة حمزة من جديد بعد أن زال الخطر أخيرا.. اعتذر حمزة بكل من بدر وزوجته على احتمال ما صار بسببه وما كان لأحدهما أن يحمّله مسؤوليّة ما حدث.. فكلاهما فقط يعلمان بالمكافأة التي حصداها عند هذا اللقاء.. فقد عوقِبَ الجاني وقضوا على طغيانه وأضحَت نيران القهر بردا وسلاما.. انتهت وتين من تغيير الضمادة ببطن بدر بعدما تعلّمت ذلك بالمشفى.. ثم جلست إلى جواره ليحدّق بها عن قرب.. فتقول بابتسامة:
_ "حاسس بوجع دلوقتي؟"
هزّ رأسه نافيا بينما يقول:
_ "أنا تمام جدا.. قرّبي يا وتين."
قالها بينما يمدّ يده إليها لتحتويها بكفّها فيجذبها نحوه حتى احتواها بين ذراعيْه.. بينما تحاول هي الحذر في قربه كي لا تلمس موضع جرحه.. فاكتفت بإسناد رأسها على صدره وقد شعرت بالراحة تتخلّلها فور أن صارت بقربه.. فقد انتهى الظلام.. وغادرت السّحب السوداء.. وعمّ البدر بالضياء في حياتها.. لينسيها كيف كان الوجع والبكاء.. جاء لطف الله متمثّلا في أفضل مكافأة وعوض بعد ليالٍ من العذاب..
**********
نهاية أحداث الفصل الأخير
كدة خلاص انتهت الرواية وفاضل بس الخاتمة اللي فيها حياة الأبطال كلهم بعد مرور فترة من الوقت.. أرجو إنكم تجهزوا رايكم بعد الخاتمة عن الرواية ككل.. إنتم شايفين الرواية دي تعبتني أد إيه وحقيقي خدت وقت طويل معايا عشان تطلع بالمنظر ده.. فأرجو منكم تدعموني برأي بسيط وترشحوا الرواية لأصدقائكم أو تضيفوهم للجروب.. ده كل اللي منتظراه منكم.. كمان يومين خاتمة #اغتصاب_لرد_الاعتبار آخر همسة من #همسات_إسراء_الوزير

اغتصاب لرد الاعتبارWhere stories live. Discover now