الفصل الخامس والثلاثين

514 30 10
                                    

35
#اغتصاب_لرد_الاعتبار "الفصل الخامس والثلاثين"
(تلك المقارنة)
**********
في معرض علاء إبراهيم..
كان حمزة يتجوّل أمام اللوحات بينما يدوّن بعض البيانات بهاتفه.. حيث يدوّن اسم كل لوحة بمحاذاة اسم صاحبها إلى جانب تاريخ انضمامها إلى العرض.. فلا يقتصر عمله بالمعرض على الرسم أو إلقاء المحاضرات.. بل إنه صاحب الإدارة الأعلى بعد مرتبة علاء الذي يترك له كل الشؤون بقلب مطمئن وثقة تامّة بأمانته.. بينما ينتهي من رصد بيانات اللوحة الأخيرة أجفل مع صوت أنثويّ يناديه:
_ "دكتور حمزة!"
نبرة خجولة يعلم صاحبتها جيّدا.. نبرة مميّزة ما أن مسّت أوتار قلبه حتى أصدر ألحانا مميّزة طربت لها حواسّه.. نبرة محبّبة إلى فؤاده أصابته بسهم الحياة ليضجّ بالنبض بعدما كان مُجمّدا لأيام طالت بالفراق.. لا يصدّق أنها أتت قبل ساعة من المحاضرة في قاعة عرض اللوحات ومناداته خصّيصا.. التفّ بجسده ببطء وفي نفسه يرجو أن يكون وجودها حقيقة وليس حلما يرجو تحقيقه.. و يا للسعادة التي غمرت خافقه حين صدق حدسه بأن كانت تقف أمامه مبتسمة بخفوت ومرتقبة لإجابته.. حيث بادلها الابتسامة قائلا ببعض الاهتمام:
_ "أهلا إزيّك يا رغد.. عاملة إيه؟"
_ "الحمد لله تمام.. أنا خلصت المحاضرات بدري وجيت هنا علطول مع إن لسّة فاضل ساعة!"
أجابها بترحاب:
_ "المعرض مفتوح لك في أيّ وقت.. منوّرة."
أجابته بعرفان:
_ "أشكرك جدا يا دكتور."
ران الصمت للحظات تذكّر فيهنّ حمزة ما دار بالمحاضرة الفائتة حيث تغيّبت عن الوجود وغضبها -من وجهة نظره- بسبب تجاهل رسائله.. فعليه باغتنام فرصة السكون لإزاحة سوء الفهم وإبطال غضبها منه فلا يقوى على مواجهته وإن زعم!
رسم ابتسامة هادئة على ثغره قائلا باهتمام:
_ "انتي ماحضرتيش المحاضرة اللي فاتت.. في حاجة ولا إيه؟"
وعلى خلاف حسبانه بأن تتلاشى ابتسامتها حين تذكر سبب تغيّبها بإهمال أعمالها فأعدّ العُدّة لإطلاق الدفاع فور الهجوم.. أبطلت ظنونه بابتسامة شدقها الواسعة حين قالت بشيء من الحماس:
_ "أيوة كنت غايبة أنا ورنيم عشان كنا بنشتري فستان لفرحها."
اتّسع محجرا عينيه والتمعتا بدهشة بينما يشعر بالراحة تتسلّل إلى داخله بعد أن اتّضح أمرا آخر أخفق اعتقاده وأنهى خوفه.. حدجها بنظرات تشعّ فرحا بينما يقول:
_ "ألف مبروك."
أجابته بذات الابتسامة:
_ "الله يبارك فيك."
وكان ذلك مربط الفرس الذي دعمها لتغيير مجرى الحديث والتوتّر يسري بأرجاء صوتها:
_ "إيه رأيك في شغلي؟ انا بعتلك وانت ما رديتش قلت أكيد حضرتك مشغول."
لم تكن لتغضب منه بل هي أكثر نضجا من ذلك.. فليست المدلّلة التي يبدو من مظهرها الخارجيّ بكونها الصغيرة سريعة التمرّد بل حتى في السؤال عن ذلك كان بكل ما يحمله وقار التلميذ المجتهد من معنى.. وبصفته الأستاذ سيقوم بإطلاق كل ملاحظاته عمّا رأى.. أجابها بنبرة هادئة غامضة:
_ "في الحقيقة أنا ماكنتش مشغول!"
رفّت جفونها مرّتين بينما تطالعه باستفهام وقد بدت الحيرة جليّة على قسماتها.. وقبل أن تسأل سبقها بقوله:
_ "تعالي نكمل كلامنا في القاعة."
ولم ينتظر ردّها بل أكمل طريقه إلى قاعة المحاضرات لتسير خلفه والفضول يتملّكها عن ماهيّة كلماته الغامضة التي تضمر الكثير في جوفها.. ما أن دلفا بالداخل حتى وقف حمزة خلف مكتبه منفصلا عنها بمقدار ذراع.. رمقها بتركيز بينما يقول بجديّة:
_ "أنا شفت شغلك ودقّقت فيه كويس.. بس احترت فــ حاجة ولازم أسألك عليها."
حدقت فيه باهتمام قائلة:
_ "اتفضل."
استرسل في الحديث بذات الجديّة:
_ "يا إما شخص حزين أو وحيد أو بيضحّي ما عدا آخر عمل فيه بنت جميلة.. الأعمال دي مش هتجسّد إلا مشاعر انتي حاسّاها وبتعاني منها ودموع ما بتخلصش.. صح؟!"
أماءت برأسها دون أن تحيد حدقتاها عنه ليسلّط خضراوتيْه بسوداوتيْها مكملا:
_ "على عكس ما بتبيّني أدام اللي حوليكي فإنتي مكسورة من جوّة وماحدش حاسس بيكي!"
شعرت بتسارع النبض بين ضلوعها بعدما شارف هذا على كشف المخفيّ خلف الستار.. عرف بأمر الحزن الدفين داخلها والذي تجاهد لئلّا يخرج للظهور أمام الجميع ولكن فشلت أمام نظرته الثاقبة.. وعلى الرغم من خوفها تودّ معرفة المزيد حين تساءلت:
_ "والبنت الحلوة تقول عنها إيه؟"
أجابها بنبرة عمليّة:
_ "دي اللي نفسك تكوني عليها.. بنت جميلة مافيهاش غلطة والابتسامة مش بتفارق شفايفها.. نفسك تخرجي من دايرة الشجن للسعادة اللي فيها البنت دي."
أجل إنه يقول الحقيقة! وكأنه ساحر أو عرّاف استطاع بنظرة واحدة وعن طريق حدسه أن يخترق جدار الزّيف الواهن للوصول إلى أعمق الحقائق عنها وعن رغباتها.. فكان الطفل الصغير الباكي يعبّر عنها حين صُدِمَت بأعمال أبيها ووالدها الغير مشروعة.. وكانت الأم التي تضحّي بتلقّي الطعنات عوضا عن ابنتها هي والدتها الحقيقيّة التي تتكتّم عن معرفة كل الأسرار كي لا تتأذّى ابنتها رغد من أفعال زوجها الشّيطانيّة.. هذا الذي لا يعرف للرحمة معنى وسقى ابنه البكريّ من نفس الكأس السامّ ليصبح سفّاحا يشرب من دماء من يقف بطريقه.. وكانت هي الفتاة الصّلدة أمام النيران المشتعلة.. تواجهها بصرامة دون أن تطرف عينها خوفا.. نيران المواجهة القريبة مع والدها وأخيها فلن تضطرّ إلى الكتمان كل هذا الوقت بل تنتظر اللحظة المناسبة.. وأمّا العروس الجميلة ذات الملابس الراقية والبسمة الشفّافة التي لا يشوبها نَصَب أو حزن.. فهي أمنيتها بالفعل كما حلّل هذا الرجل أمامها.. فلا تستبعد أن يأتيها بالمزيد من التفاصيل وقد رأى وحده ما عجز الجميع عن الوصول إليه!
ظلّت تنظر إليه بهدوء دون القدرة على قول المزيد.. فلا تعرف بمَ تجيبه؟ بالإيجاب وكونه على حق بكل ما تكهّن.. أو بالرفض وما قاله لا يتجاوز ضرب الخيال!
وفي حصار نظراته الثاقبة المتسائلة أتى الإنقاذ باقتحام صديقتها الغرفة بينما تقول:
_ "مساء الخير."
التفت حمزة إلى الباب ليرسم ابتسامة هادئة على ثغره بينما يقول:
_ "مساء النور.. اتفضلي."
دلفت إلى الداخل ثم وجّهت حديثها إلى حمزة باحترام:
_ "ازيّ حضرتك يا دكتور؟"
_ "الحمد لله تمام."
أخرجت بطاقة مزيّنة بمزيج من الألوان البنفسجيّة والبيضاء بشكل مبهج ثم ناولته إياها مكملة بحبور:
_ "ده كارت دعوة لفرحي.. أتمنى تيجي."
التقط بطاقة الدعوة قائلا بتأكيد:
_ "أكيد طبعا.. ألف مبروك."
أجابته بابتسامة:
_ "الله يبارك فيك."
ثم جلست إلى جانب صديقتها كي تحدّق فيها باهتمام لتجد التوتّر يكسو معالمها فقالت بتساؤل:
_ "جيتي بدري عن معادك!"
التفتت إليها ثم قالت ببعض التردّد:
_ "أ آه خلصت محاضرات وجيت علطول."
أماءت برأسها بهدوء وفي داخلها لم تقنع بما سمعت بل تكاد تجزم أن هناك شيئا غير طبيعيّ بين صديقتها وهذا الأستاذ.. ولكن تنفي رغد التحدث وتفضّل الاحتفاظ بالأمر سرّا وهو ما يتسبّب في تفاقم إرهاقها.. فيبدو أنها بحاجة للمشورة ولكن تأبى.. ولن تقف رنيم بموضع المتفرّج بل ستتّخذ إجراءً لإنهاء هذا الصّدع قريبا..
**********
في الظّهيرة.. دلفت نيروز إلى داخل غرفتها كي تبدّل ملابسها قبل ميعاد وجبة الغداء والتي سيشاركهم فيها يونس وحسين بعد أيام من التخلّف عنها.. ما أن بدّلت ملابسها حتى ارتمت على السرير كي تلتقط أنفاسها المنهكة بعد مجهودها المُقسّم بين المراسلة وإعداد المقال بالجريدة ومن ثمّ العودة إلى المنزل.. تهدّلت جفونها وارتخت على عينيها حتى أغمضتهما بالكامل منتقلة إلى غفوة قصيرة.. أراحت أطرافها وانتظمت أنفاسها وانتهى تخطيطها وقد سار العقل بدرب حلم قصير يتلاءم مع مدّة نومها.. في كثير من الأحيان يُجسّد العقل ما هو مُحبّب إلى صاحبه أو يحوز على اهتمامه لأوقات كثيرة.. فكثيرا ما تحلم بلقاء السيّد فهد.. ذاك الذي صنع مكانته بقمّة أفكارها المُبعثرة بل لديه مكانة خاصة.. فهو أول من نبض له القلب وشعر بالحاجة إلى احتوائه منذ أيام مراهقتها.. وإن كان لا يبادلها الشعور فيكفي أن تراه بأحلامها كي تهدّئ من فرط لوعتها بغيابه.. وها هو الآن يقف أمامها موليا ظهره لها كعادته منتظرا أن تأتي إليه بنفسها.. ولن تتوانى عن فعل ذلك حتى وإن كان في رؤيته نهاية الحلم وعودتها إلى أرض الواقع كما اعتادت.. اقتربت منه بخطوات بطيئة وابتسامتها تزداد اتّساعا كلّما تقدّمت حتى صارت خلفه مباشرة وقامته الطويل تحجب عن رؤية ما سواه.. وضعت يدها على قلبها كي تهدّئ من خفقاته المتسارعة بجنون في حين تلكزه من كتفه كي يستدير وتراه وتنهي لهيب شوقها إليه.. وكانت المفاجأة حين رأت وجهه حيث لم يكن المُنتَظَر بل آخر لم تظنّ أن يأخذ محلّه يوما! انفغر فاهها بصدمة بينما تدقّق النظر به وهو يحدّق بعينيها والابتسامة تغلّف ثغره.. لم تقوَ على النطق بل ظلّت صامتة حتى علت طرقات على باب الغرفة انتشلتها من حلمها فأفاقت مع شهقة خفيفة صدرت من حنجرتها..
أخذت تلتقط أنفاسها بصعوبة من فرط صدمتها بينما انفتح باب الغرفة ودخلت سلوى بينما تقول بدهشة:
_ "يالّا بقى يا نيروز الغدا جاهز!"
وقفت نيروز عن السرير ثم قالت بصوت ناعس:
_ "حاضر يا ماما.. جايّة اهو."
رمقتها سلوى بينما تقول متعجّبة:
_ "كنت عارفة انك هتنامي!"
ثم استدارت إلى الخارج قائلة بأمر:
_ "يالّا ما تتأخّريش."
_ "حاضر."
**********
انتهت نادية من تثبيت المحلول السكّريّ بذراع نهلة التي استمرّت في التأوّه حتى بعد انتهاء الجلسة.. كانت هند تراقبها من بعيد ثم تقدّمت خطوتين قبل أن تقول بتهدئة:
_ "معلش الجلسة متعبة أنا عارفة يا مدام.. بس لازم يكون عندك إرادة عشان أعصابك تقوى."
أكملت عنها نادية بعفويّة:
_ "البركة فيه دكتور أمان هيخلّيها زيّ الفل."
نظرت إليها هند ولم تعقّب.. نظرات هادئة تحمل الكثير في طيّاتها وكأنّه هدوء يسابق العاصفة.. ولم تنتبه نادية لمغزى الطبيبة وإنما بادرت بالنظر إلى نهلة بينما تقول بحبور:
_ "أفتح لك التليفزيون؟"
أماءت برأسها في هدوء حتى انتهت نادية من تشغيل التلفاز لتبسط يدها اليمنى في الهواء.. فهمت نادية مطلبها سريعا فناولتها جهاز التحكّم لتغيّر القنوات بنفسها.. تمّ ذلك تحت مرأى هند التي حدّقت بنادية متسائلة:
_ "هو عادي إنها تسمع تليفزيون؟"
التفتت إليها نادية ثم أماءت برأسها قائلة بإيجاب:
_ "آه طبعا ده يحسّنها."
عادت تتساءل هند مستنتجة:
_ "يعني كل مريض هنا بيبقى له تليفزيون خاص بيه؟"
هزّت رأسها نفيا بينما تقول:
_ "لا طبعا مش كله.. ده عايز إذن ودكتور أمان أخد لها الإذن وعلطول جاب التليفزيون."
تناولت شهيقا عميقا بينما تقول بشيء من الفضول:
_ "هو أمان اللي جابه؟"
_ "يا لكِ من مزعجة!"
كانت تلك كلمات نهلة التي ودّت لو تستطيع النطق الآن حتى تخبر تلك الطبيبة بالكفّ عن التدخّل فيما لا يعنيها.. بينما أكملت نادية بشيء من السَّأم:
_ "أيوة يعني مين غيره؟! هو اللي عارف بتحب إيه وتقريبا حافظها أكتر من نفسه"
التفتت نهلة إلى تلك الأخيرة لتقول بمداعبة:
_ "صح؟"
ابتسمت برقّة وكأن تلك إجابتها بالموافقة عوضا عن الكلمات.. في حين ابتعدت هند إلى الخلف في طريقها إلى المغادرة وقبل أن تفتح الباب قالت:
_ "ربنا يساعدك يا حبيبتي.. بعد إذنك."
**********
دلفت نيروز إلى غرفة الطعام لتجد أغلب أفراد العائلة مجتمعين حول المائدة فتقول بابتسامة:
_ "مساء الخير."
انتبهت إليها أنظارهم عدا واحد فقط اختطف نظرة لها ثم سرعان ما هرب بعينيه إلى الطعام مجتنبا تلاقي أعينهما.. قال يونس الذي كان يترأّس المائدة بحبور:
_ "أهلا يا نيروز.. تعالي."
تقدّمت حتى جلست بجانب والدتها وفي مقابل هذا المُتجاهل.. كانت تتناول الطعام دون الشعور بمذاقه على الرغم من الجوع الذي وخز معدتها لأكثر من ثلاث ساعات.. بل كان اهتمامها منصبّا بهذا الذي تغيّر تصرّفه نحوها جذريّا.. فلم يكن يترك فرصة لمزاحها إلا واغتنمها.. منذ أن كانوا صغارا وكان يوليها اهتماما أكثر من حاجتها.. والآن بخل واستغنى تاركا إياها في حيرة عن هذا التحوّل.. والآن يرفض حتى مجرد النظر إليها.. فكان يدفن عينيه بالطبق أمامه دون أن يحيد بصره حتى انتشله صوت يونس وهو يقول:
_ "إيه أخبار الشغل يا نائل؟"
نظر حسين إلى نائل برضا بينما يردف بإعجاب:
_ "نائل ده ولد شاطر جدا.. ماقدرش استغنى عنه دلوقتي."
نظر إليه نائل قائلا بامتنان:
_ "شكرا يا عمي ده من ذوقك."
أجابه حسين بجديّة لا تحتمل الهزل:
_ "من غير مجاملة يا نائل.. إنت أد المسؤولية اللي بديهالك عشان كدة بقى دورك كبير في الشركة."
وأكمل عنه حمزة بإشادة:
_ "علفكرة بابا ما بيمدحش حد مجاملة أبدا.. اسأل مجرب."
بادله نائل بابتسامة واسعة ثم انتقلت عيناه إلى والدته ليجدها ترمقه بنظرات تشعّ فخرا وفرحة.. ها هو صغيرها استطاع بناء مكانته بمهارته واجتهاده في العمل.. استطاع ترسيخ قيمته في أيّ مكان يلتحق به.. جدّ ووجد..
وما هي إلا خمس دقائق حتى وقفت نيروز مستأذنة للخروج مدّعية بكونها أنهت طعامها.. خرجت من الغرفة وتجاوزت الباب إلى الحديقة كي تستنشق بعض الهواء النقيّ عوضا عن العبوس الذي أهداه لها نائل دون أن تخطئ في حقّه أبدا.. لا تدري سبب هذا التحوّل فيبدو أنه لا يطيق حتى لقاءها! ما السبب في ذلك يا تُرَى؟ هل يعقل أنه عرف هويّة صاحب الكتاب واستطاع كشفها رغم هذا التمويه؟! وإن فعل فلمَ يقابل هديّتها بهذا الاقتضاب؟! بل لِمَ لمْ يفكّر في مواجهتها إن تسبّب ذلك في إغضابه؟!
وعاد تفكيرها يتّخذ منحى آخر حيث ليس من الشائع أن يغضب نائل لسبب واهن كهذا فلو كان الحديث عن فهد لتأكّدت من ذلك.. فلا تستطيع نسيان غفرانه لما قام به يونس وعودة اندماجه في تيّار العائلة وتنازله عن بعض من مخطّطاته لأجل من يحبونه على خلاف فهد.. هذا الأخير الذي اختار دربه بالانفصال جزئيّا عن العائلة.. حيث يعوّض شعوره بالخذلان من فَعلة والديْه بالابتعاد.. كتب على نفسه العقاب بعدما رحلا دون أن يتلقّياه وكأنّه من أذنب محلّهما.. على خلاف نائل الذي رغم ما قام به والده وعمّه من بعده في سلب حقه ووالدته إلا أنه لا يزال غافرا حالما تاركا الأمور لربه كي يتولّى صلاحها.. تلك المقارنة أتت تلقائيّا إلى عقلها وكان السبب في ودودها ما رأته أثناء غفوتها.. فلم يُستبدَل فهد بنائل إلا لــمغزى آخر يفوق مجرّد رؤيتها له مرات أكثر من فهد.. 
**********
غابت الشمس عن السماء وتولّى القمر زمام الضياء.. فوق فيلا خالد الصاوي كانت البهجة هي العنوان.. حيث كان زواج رنيم الابنة الكبرى للمحامي خالد الصاوي.. ومن فرط سعادته قام بدعوة جميع الأقارب والأصدقاء لحضور قران البكريّة الصغيرة لابن صديقه المقرّب.. عمَّت الأضواء الملوّنة المتوهجة.. وعَلَت موسيقى تناغميّة تطرب لها الآذان.. ولا سيما هذان الزوجان المعقود قرانهما قبل ساعات.. يتبادلان النظرات الهائمة والسعادة تغمر وجهيهما..
في حين يقف خالد وهو يسند ذراعه على كتف سارة التي كانت ترمق ابنتها بثوب الزفاف بعينين دامعتيْن فرحة.. فقالت بسعادة:
_ "أنا فرحانة أوي."
ثم نظرت إلى خالد قائلة بفرحة:
_ "بنتي أخيرا على الكوشة يا خالد!"
أشار بسبّابته ناطقا بدفء:
_ "بنتنا."
ثم انتقل بصره نحوها قائلا برقّة:
_ "الحمد لله تعبنا معاها لحد ما وصلت لهنا."
أجابته سارة بشيء من المرح:
_ "ولسّة في تعب تاني معاها يا ابو العروسة!"
تحدث خالد بحب:
_ "وأحلى تعب.. أنا عيوني للعروسة وأم العروسة."
وعلى الجانب الآخر
انتهى حمزة من صفّ سيارته ثم دلف بمساعدة أحد رجال الأمن حتى مكان الزفاف لتتلقّاه رغد بالترحيب والسعادة تكسو وجهها بينما تقول:
_ "دكتور حمزة!"
التفت إليها بابتسامة هادئة لتقول بترحيب:
_ "نوّرت المكان.. بجد رنيم هتفرح أوي بوجودك."
أجابها حمزة بتأكيد:
_ "أكيد لازم اجي.. عقبالك."
_ "ميرسي."
ثم استطردت بابتسامة:
_ "تعالى هعرفك على عمو خالد."
أماء برأسه قبل أن يتبعها بخطوات رزينة بينما ينظر إلى بقيّة الضيوف بإعجاب واضح.. فيبدو أن رنيم من طبقة اجتماعيّة ذات مستوى راقٍ على الرغم من بساطتها المعهودة.. انتهى به المطاف عند هذين الزوجين اللذين يخطّ السنّ المتقدم بصمته على معالمهما.. تحدثت رغد كي تلتقط انتباههما:
_ "عمو.. طنط."
التفت كلاهما نحو رغد ليجدا شابّا يقف إلى جوارها حيث قدّمته بنبرة تحمل الإعجاب:
_ "ده دكتور حمزة مدربنا في الكورس في المعرض."
ابتعد خالد عن سارة ثم مدّ يده إلى حمزة قائلا:
_ "أهلا بيك يا دكتور."
بادله حمزة المصافحة بينما يقول باحترام:
_ "أهلا بيك يا فندم."
أكمل خالد الحديث عن نفسه بوقار:
_ أنا خالد الصاوي.. صاحب مكتب الصاوي للمحاماة."
أجابه حمزة بتواضع:
_ وانا حمزة عمران ماجستير فنون جميلة ورسّام في معرض علاء إبراهيم."
وهنا تولّت سارة الحديث بمزيج من التعجّب والإعجاب:
_ "سنّك صغير بالنسبة لكلام البنات عن شغلك."
اختطف نظرة إلى رغد التي تصنّعت عدم انتباهها بنظراتها الهاربة نحو رنيم وحاتم ليعود إلى سارة قائلا بامتنان:
_ "أشكرك جدا.. ده من ذوق حضرتك."
ما أن انتهى اللقاء اللطيف بينه وبين السيد خالد وزوجته حتى صعد إلى المنصّة لمباركة العروسيْن.. ثم البقاء في مجالس المدعوّين لينال الضيافة الملائمة.. وكل ذلك ولمْ تتركه رغد لحظة واحدة بل عملت على أن ينال التكريم المناسب.. وحتى حين ابتعدت عنه فلم تحِد عيناها عنه دقيقة واحدة.. بل كادت تحفظ أدقّ تفاصيله حيث أتى ببدلته السميّة عِوَضا عن ملابسه المعتادة ككلّ مرّة.. البدلة السوداء التي يتوسّطها قميص رماديّ وربطة عنق حمراء وشعره المصفّف إلى الخلف ليزيد من وسامته أضعافا.. فضلا عن احترامه لآداب الجلوس وأناقة الأسلوب أثناء تناول الطعام ليزيد من اجتذابها وكأنّها قطعة معدنيّة في مقابل مجال مغناطيسيّ فانجذبت له دون أدنى مقاومة..
**********
_ "لازم تلغي العمليّة يا أنور باشا.. في كمين مترصّد للبضاعة في ... هدفه يقبض على وليد بيه."
فتئ بها فهد عبر الهاتف بنبرة مرتقبة جادّة لا تحتمل الهزل ليأتيه ردّ أنور بدهشة:
_ "إنت بتتكلم بجد؟"
أكمل فهد بخفوت نسبيّ حيث لا يريد لآخر أن يسمع صوته:
_ "أيوة أنا متابع بقالي فترة وعرفت المعلومة دي.. لو وليد بيه راح هيتقبض عليه المنطقة خطر جدا."
ردّ أنور بصلابة واقتضاب:
_ "تمام.. شكرا انك حذّرتني يا فهد."
**********
كان زياد جالسا أمام التلفاز الذي كان يعرض أحد البرامج دون أن ينتبه له.. حيث كان يحدّق بهاتفه بتركيز بينما يكتب تعليقا مرتّبا كردّ على منشور لريم.. فلا يدع فرصة للتواصل معها إلا واغتنمها حتى وإن كان عن طريق تعليق صغير!
أجفل مع صوت والده مناديا:
_ "زياد."
التفت إلى والده الذ اقترب حتى جلس إلى جواره فأبعد الهاتف قائلا:
_ "نعم يا بابا."
تحدث والدهبجديّة:
_ "عايزك فــ حاجة مهمّة."
_ "اتفضّل."
حدجه من أسفل نظارته الطبيّة قائلا بتساؤل:
_ "إيه رأيك في رنا بنت دكتور محمد صاحبي؟"
**********
نهاية أحداث الفصل الخامس والثلاثين
علفكرة شخصية خالد وسارة "أسرة رنيم" كانوا أبطال في رواية تانية اسمها "عاشقة بأرض الأوغاد" موجودة عالواتباد
يا ترى إيه ورا تحذير فهد لأنور؟!
انتظروني في فصل جديد من رواية #اغتصاب_لرد_الاعتبار وهمسة جديدة من #همسات_إسراء_الوزير

اغتصاب لرد الاعتبارWhere stories live. Discover now