الفصل العشرون

568 26 9
                                    

20
#اغتصاب_لرد_الاعتبار "الفصل العشرين"
(همس الفؤاد)
**********
ألقى الجريدة بعنف على الأرض بجانب أخواتها ثم مسح على وجهه بينما يزفر بحرارة وقد أصاب الإحباط معالمه.. فالصحافة بكافة الجرائد لا يجدون موضوعا يخالف "قضيّة الضحيّة المنتحرة" للحديث فيه.. فقد تصدّرت قضيّتها الأعلى بحثا في محركات "جوجل" وأصبحت كالعلكة تلوكها أفواه المستفيدين والحاقدين على السواء.. ولم ينتهِ الأمر إلى ذكر اسمها بل أصبح اسمه متورّطا معها.. وتمرّغ بوحل الفضيحة.. بالطبع دفعت هي ثمن الخطايا التي ارتكبها طيلة عمره.. ولكن لم يقل عنها في تحمّل الأذى فليست الضحيّة الوحيدة هنا.. وهو ما بات يفكر به وليد.. فلولا وجود نهلة لما كان ضعيفا بهذا الشكل.. وبسببها سوف تتأذّى ابنته مستقبلا.. فماذا يفعل يا تُرَى؟
انقطع حبل أفكاره المتزاحمة مع صوت طرقات الباب ليلتفت نحوه قائلا بتيْه:
_ "أدخل."
امتثالا لإذنه دلفت رغد ثم أغلقت الباب خلفها قائلة:
_ "وليد."
_ "تعالي يا رغد."
اقتربت منه بخطوات ثابتة حتى جلست على الكرسيّ مقابل أخيها قائلة:
_ "أنا زورت نهلة النهاردة."
أغمض عينيه بتعب فور ذكر اسمها في حين أكملت هي بشفقة:
_ "لا بتتكلم ولا بتتحرك.. علطول مسهّمة من غير ايّ رد فعل.. صعبت عليّا أوي."
_ "ربنا يشفيها."
قالها بصوت يطبق الألم على نبرته لتتساءل باهتمام:
_ "إنت مش هتروح تزورها تاني يا وليد؟"
هرب بعينيه إلى اتّجاهات عديدة بينما يقول بهدوء:
_ "هزورها أكيد وهكلم الدكتور كل فترة عشان اعرف لو في تحسّن."
أماءت برأسها موافقة:
_ "صح ربنا يرزقها بالشفاء يارب."
وهكذا احتلّت نهلة دائرة الحديث بينهما حتى استأذنت رغد للخروج ويعود هذا إلى الغرق ببحر اليأس والخذلان.. وقد انضمّ سؤال آخر إلى كومة الأسئلة العالقة بذهنه.. كيف يعود إلى زيارتها ومع رؤيتها سيتذكّر كيف صار موضع أضحوكة وشفقة أمام الجميع؟
**********
ما أن انتهى من تناول الإفطار مع العائلة حتى استأذن للذهاب إلى غرفته.. حيث جلس أمام الورقة البيضاء الكبيرة ثم تناول كوب الشاي يرتشف منه القليل بينما يرسم بعقله تصميما مبدئيّا للشكل الذي يجب أن يكون عليه جناح بدر.. وبينما يفكّر بالرّسم الهندسيّ شرد ذهنه نحو ما يحدث في الوةقت الحالي بعد زواج بدر.. فقد بدأ التخطيط الذي رسمه الأخوان "يونس وحسين" أن يصير قيد التنفيذ.. أرادا أن تظلّ الروابط بين أبناء العائلة قويّة لا تؤثّر عليها مشاغل الحياة.. وأولى الخطوات للتنفيذ هي التشييد للأبناء ليظلّ البيت عامرا بحياة الأبناء وأبنائهم فيما بعد.. فيشكّلوا معا جسدا واحدا إذا اشتكى له عضو تداعى له سائر الأعضاء.. حقا كيان بيت عمران العظيم يستحق أن تُرفَع له القبّعات احتراما.. ويكفيه شرفا أن يكسب ودّ هذه العائلة.. ويكفيه ألما أن أحب فتاة من بينهم! فتاة نبض لها قلبه منذ أعوام ولكن تظلّ عقدة النقص المتمثّلة في نسبه تعيقه عن الإفصاح عن ذلك.. وتفاقم الألم أضعافا حين شعر بميْلها نحو ابن عمها.. وإن تجاوزت العائلة عن نسبه لرجل فقير متوفي فلن تختار غريبا عوضا عن أحد أبنائها.. أشواك حادة تقف بطريق عشقه لأميرة لا يستحقّ نظرة منها..
سيعبر طريق الأشواك حتى لو كان الخاسر في النهاية.. ستدمي قدمه ويقاسي الآلام الغائرة متسلّحا بعشقه حتى خطّ النهاية عسى أن يربح في لعبة الحب الغير عادلة..
فالشوكة الثانية بالحكاية كانت من نصيب نائل الذي يجاهد لتجاهلها ولكن تأبى إلا أن تجرحه عساه يعود ولكن هيهات.. فلن يفصله عن هدفه إلا الموت..
**********
في ذات الأثناء.. اتّكأ فهد على السرير بينما يشاهد التلفاز.. وذهنه بوادٍ آخر.. يتذكّر آخر لقاء مع روفان قبل الوداع.. كيف كانت واجمة ذات ملامح خافتة.. بالكاد تُخرج الكلمات والأسى يغلّف صوتها.. يستمع لها وقلبه يُدمي تألّما لأجلها فقد تسبّب حرفيّا بإيذاء مشاعرها دون قصد منه.. فقد كان تفكيره منصبّا على حلّ تساؤلات القضيّة دون أن ينتبه أنه سيؤذي سيدة رقيقة شأنها.. أدمعت عيناها لمجرد الحديث عن نهلة تأثّرا بها على الرغم من الضغينة لزوجها.. ولكن لا ذنب لها بما حدث حتى لو من باب القصاص.. تأذّت كثيرا في حين سيعود هذا إلى اللّهو من جديد.. لا تزال غامضة تقضي مهمّته إلى اكتشاف خبايا حياتها.. ولكن فضوله الداخليّ يرتبط بالتعرّف عليها أكثر.. فعزم أمره على الاهتمام لأمرها لإرضاء فضوله بغضّ النظر عن المهمّة بل تبا لها..
**********
كان أمان يسير بالطّرقة متّجها إلى مكتب والده حتى توقّف مع رؤية فتاة يافعة تخرج من الغرفة.. تسير بخطوات بطيئة والإحباط يحطّمها.. اقترب من الغرفة التي خرجت منها بهدوء ثم سرعان ما ترتخي معالمه وقد وجد أنها إحدى أقارب "الضحيّة المنتحرة" .. يعرف عنها القليل ولكن لم يحدث أن طالع حالتها.. وفي الحقيقة لا يهتمّ لذلك بالمرّة خاصّة وأن حالتها تحت إشراف الطبيب ربيع.. ولكن الضجّة التي أُثيرت حولها كانت كافية لأن يرمقها بعين الشفقة.. فما أصابها ليس بقليل وجيّد أنها لا تزال حيّة بعد كل هذا.. ولكن كيف يمكن إعادتها للحياة الطبيعيّة من جديد؟ كيف؟
**********
_ "ازاي عرفتي تظبطي الخامة دي؟"
قالتها رنيم متسائلة لتجيبها رغد ممسكة الهاتف قائلة بهدوء رخيم:
_ "دكتور حمزة اللي قالي."
عادت تسألها رنيم بتعجّب:
_ "وانتي قابلتي دكتور حمزة فين عشان يعرفك."
تحدثت بنبرة ثبات مصطنعة:
_ "بعتله عــالماسينجر لما كل محاولاتي فشلت وهو عرّفني اي الغلط."
استشعرت رنيم الألم بنبرة صوت صديقتها فتأكّدت من أنها لا تزال حزينة بسبب ما جرى لزوجة أخيها.. وما جرى لها ليس بهيّن على كل حال.. أرادت تلطيف الأجواء فقالت بنبرة مرح:
_ "واو! يعني بقيتي بتتواصلي مع الدكتور حمزة بقى!"
لوت فمها بضجر بينما تردف:
_ "هي مرة واحدة عشان اسأله وما حصلش حاجة تاني من اللي في دماغك يا أخت."
ارتفع صوت ضحكاتها بينما تقول بتأكيد:
_ "بس انا واثقة ان حصل حاجة أو هيحصل حاجة قريب."
رفعت رغد أحد حاجيْها بينما تقول باستنكار:
_ "والله! وجبتي منين التأكيد ده؟"
أجابتها بذات النبرة المُداعبة:
_ "قلبي بيقولي.. والصراحة شايفاكم لايقين على بعض."
لم تحتمل رغد المزيد فأسرعت تهتف بغضب أسكت ضحكات الثانية:
_ "طب قفّلي عالسيرة وإلا هزعل منك يا رنيم.. وانتي عارفاني لمّا بقلب."
ابتلعت بقيّة الكلمات واكتفت بهذا القدر حيث أسرعت تقول بجديّة واعتذار:
_ "خلاص يا رغد انا آسفة بهزر والله."
**********
ظلّ واقفا مكانه لأكثر من ثلث ساعة يفكّر فيها بحال تلك المريضة التي لم يقتصر الأذى عليها فقط.. بل تسلّل ليصيب بقيّة المقرّبين منها.. فلم ينتهِ الأمر إلى مجرّد الشّفقة بل يذكر أن الصحف نشرت عن خبر وفاة والدها بأزمة قلبيّة حيث لم يحتمل ما صار لابنته.. نفض تلك الأفكار عن رأسه ودلف ليراها.. وجد الممرّضة تقف جانبا ورجلا خمسينيّ العمر يقف بجانبها بينما يرفع أشعة مقطعيّة فوق مستوى نظره بينما يطالع ما فيها بتمعّن دون أن يلتفت إليه.. فأيقن أنّه طبيب العظام أتى ليطمئنّ على حال عظامها المُحطّمة.. اقترب بهدوء حتى نظر إلى ملامحها عن قرب.. صغيرة العمر.. شاحبة الوجه.. عيناها الخضراوتان مسلّطتان بنقطة في الفراغ لا تحيد عنها قيد أنملة.. الصدمة أدمت فؤادها وأوقفت عقلها فما عادت ترى ما يهمّها لرؤية المستقبل.. ويكفي ما نالته من حظ في هذه الحياة الدنيا.. وليبقى جسدها مشلولا هكذا حتى الممات.. هذا ما تفكّر به ولكن لن يسمح لها بذلك بل عليها أن تتعافى وتكمل الطريق من جديد.. هذا ما أقسم عليه أثناء حفل التخرّج ولن يحنث أبدا
حمحم مجليا حنجرته قبل أن يقول متسائلا:
_ "إيه أخبار الكسور يا دكتور؟"
وضع الأشعة على سطح الطاولة ثم قال بنبرة عمليّة:
_ "جبس دراعها هيتشال بعد أسبوعين.. لكن كسر المفصل هياخد وقت وكله يعتمد على الأشعة."
زمّ شفتيْه بحزن بينما يقول بنبرة خائبة للآمال:
_ "يعني مش هتقدر تتحرّك من مكانها قريب؟!"
أجابه والأسى يغلف نبرته:
_ "للأسف لأ لإن دي عملية شرايح محتاجة وقت طويل على ما العظام تلم حولين المسامير."
ثم عاد يلتفت إلى أمان قائلا:
_ "وحضرتك دكتور وفاهم أكيد."
نظر أمان باتّجاهها بينما يقول بهدوء:
_ "بس حضرتك لازم تعرف ان الجبس اللي هيفضل موقّفها لفترة هيزوّد عندها الرغبة في الوجود هنا من غير أيّ حركة وده طبعا هيأثّر على العلاج النفسي."
تحدّث الثاني بشيء من التفاؤل:
_ "ممكن بعد علاج كسر جبس الدراع تكلم دكتور علاج طبيعي يدرّب إيديها وفــ لحظة من اللحظات هتحتاج تتحرك والعلاج الطبيعي هيفيدها فــ ده."
نقل بصره إلى طبيب العظام قائلا بموافقة"
_ "هشوف الحل ده.. شكرا يا دكتور."
_ "العفو.. بالتوفيق."
أيّ توفيق؟! فهو ليس الطبيب المعالج مع الأسف.. وأيّ إجراء سيتّخذه بشأنها سيلاقي العديد من الموانع أولاها ربيع الذي سيقف مثل الشوكة بطريق أيّ قرار لعلاجها حتى وإن كان بمصلحة المريضة.. فالمصلحة الشّخصيّة في المقدّمة هنا..
**********
_ "عاملة إيه نهلة يا رغد؟"
أجفلت سريعا مع سماع صوت والدتها تفتئ بهذا السؤال المتوقّع أن تجيب عليه فور عودتها.. فزمّت شفتيها بحزن قائلة بصوته يسكنه الشّجن:
_ "مافيش جديد يا أمي.. زيّ ما هيّ عاملة زيّ التمثال بالظبط!"
تنهّدت حنان تنهيدة طويلة أتبعتها بقولها بتفجّع:
_ "يا حبيبتي يا بنتي! والله بدعيلها تخرج من الموضوع ده بسرعة وترجع لنا تاني سليمة."
امتعضت ملامح رغد واحتدّ صوتها بينما تقول:
_ "أنا أتمنى ما ترجعش تاني."
**********
دلف ربيع إلى داخل غرفة المريضة التي تولّى معالجتها.. ليجد المريضة كما تركها آخر مرّة.. متصلّبة الجسد قاتمة المعالم.. عيناها مثبّتتان باتّجاه واحد لا تحيدان عنه.. رسم على ثغره ابتسامة مصطنعة بينما يقول:
_ "مساء الخير."
يعلم أن حالة مخّها تستطيع الاستجابة لكل ما يجري ولذلك يتوجّب عليه أن يحادثها وكأنّها تنصت إليه وتجيب أيضا.. قال بنبرة ودودة:
_ "عاملة إيه يا نهلة؟"
تشدّقت بلسان حالها بتألّم:
_ "بأسوأ حال يا سيدي."
انتهت الممرّضة من تثبيت الإبرة برسغ نهلة ثم وقفت جانبا لتطالع الطبيب الذي عاد يسألها بابتسامة:
_ "عاملة إيه من وقت آخر جلسة؟"
أجابته باقتضاب:
_ "لا جديد."
فتئ يتحدث بشيء من الجديّة:
_ "هنكمّل كلامنا تاني عن الحياة.. اللي كنتي ناوية تهربي منها."
ثم استطرد شارحا بتفصيل:
_ "ربنا خلقنا عشان نعبده ونحبه وادّى لكل واحد فينا جسم وروح ما ينفعش يفرّط فيهم."
ولم تكن عيناها فقط الشاردتيْن مع النقطة الوهميّة بل كذلك ذهنها حيث كان يلقي الكلمات بأذن لتقوم ببساطة بإلقائها بالجانب الآخر دون عناء التفكّر بحديثه فلن تجدي كلمة بردعها عمّا عزمت القيام به من البقاء على هذا السرير إلى الأبد.. عاد ربيع يكمل مسترسلا:
_ "يعني اللي بيتعامل مع جسمه بخطورة أو بيجهد نفسه أكتر من اللازم ربنا بيعاقبه عشان بيرهق الأمانة اللي اداهاله."
ثم استشهد بأقرب مثال تذكّره قائلا:
_ "مثلا إللي بيدخّن ربنا هيعاقبه عشان بيأذي رئتيه.."
وهنا علا ضجيج بداخلها بسبب نوبة الضحك التي انتابتها توّا حيث نطقت بنبرة مستهجنة تحمل أطنانا من السّخرية:
_ "تتحدث عن التدخين وأضراره ورائحة النيكوتين الكريهة متأصلة بفمك!"
وهكذا ترى نهلة معاملة الطبيب من منظور التسلية لا أكثر.. فما يقوم به الطبيب هو الصواب بكلّ تأكيد.. يقوم بتطبيق ما تعلّمه طوال سنوات الدراسة ولكن بطريقة مهنيّة أكثر منها شخصيّة.. يقوم بواجبه كطبيب يشخّص الحالة للحصول على الراتب فقط.. طريقته في الحديثة تكشف وبجدارة عن نظرته لها والتي لا تتعدّى كونها شفقة.. وهو ما سيقوم به أيّ طبيب آخر على كل حال.. ولذلك لم ولن يجذب انتباه نهلة لما يحدث بتاتا وسيظلّ شفاؤها بمثابة شيفرة صعبة الحل..
**********
اتّسعت عيناها حتى كادتا تخرجان من محجريهما ذهولا بعد ما لاح إلى أذنها ما تفوّهت به ابنتها.. تتمنّى أن لا تعود نهلة! لماذا يا تُرى؟! إن رغد من أكثر من يشفق على حالها وترجو أن تتعافى والآن تقول بثقة محضّة أن لا تعود! أليست بعصمة أخيها المنجرح ولديها ابنة صغيرة لن تطيق الحياة بعيدا عنها أكثر من ذلك؟! اقتربت من ابنتها قائلة بدهشة:
_ "ليه بتقولي كدة يا رغد؟"
سلّطت نظراتها الغامضة نحو والدتها قائلة بنبرة تشوبها السخرية:
_ "إنتي ليه مش مقتنعة ان اللي حصل لها ده بسبب وليد وابويا وأعمالهم المشبوهة؟! ده حتى اللي اغتصبها طلع شغّال معاه لسنين!"
ثم اعتلت نبرتها بينما تقول امتقاع:
_ "اشتغل معاه وظبطوا بعض ولما وليد غدر بيه راح الزفت ده انتقم من البريئة دي!"
أسرعت حنان إلى الإمساك بساعد ابنتها بين أناملها قائلة بصوت خفيض محذّرة:
_ "بس يا رغد وطّي صوتك.. مش عايزة حد يعف انك عرفتي لاحسن تتأذي يا بنتي."
وضعت يدها على خافقها الذي يضخّ الدماء بقوّة من فرط الانفعال حيث تقول بقهر:
_ "أنا بتحرق من جوّة من ساعة ما عرفت ومش راضية اتكلّم يا أمي.. عارفة ان ابويا واخويا تجّار في الممنوعات وساكتة عشانك إنتي يا أمي."
ربتت حنان على منكب ابنتها قائلة بقلّة حيلة:
_ "لو عرفوا انك عارفة هيعاملك زيّ العبيد عشان يضمن انك ما تعرفيش حد.. حتى لو كنتي اخته بس دي طريقته.. نعمل إيه؟"
لم تستطع التحدث بهذا الشّأن أكثر من ذلك وإنما حادت برأسها نحو النافذة كي تواجه السجّادة الزرقاء ذات حبّات اللّؤلؤ الناصعة البياض يتوسّطها مجسّم صغير يشبه الهلال فقالت بتوسّل:
_ "يا رب ارحمني انا وأمي من العذاب ده فــ أقرب وقت.. والله ما عدنا نستحمل.. ارحمنا وارحم نهلة واشفيها قريّب."
**********
في تمام العاشرة.. تسطّح بدر على السرير حيث أراح رأسه على الوسادة ثم غطّى عينيه الناعستيْن بواسطة معصمه.. يريد نيل قسط من الراحة بعدما أفطر وانتهى من أداء صلاته وتفصله ساعتيْن عن ميعاد السحور.. أخذ يطلق الأنفاس بانتظام استعدادا لرحلة عقله بوادي الموتة الصغرى المظلم.. ولكن قبل أن يفعل أضاءت صورة امرأة بالمكان.. سطعت كالنجمة في سماء عقله المُظلمة.. تشوّشت الرؤية لديه من شدّة الضّوء فعزم أمره على الاقتراب وتبيّن هويّتها.. زاد في الاقتراب غير مستسلم على الرغم من وهج النور الذي يزعج عينيه حتى عرفها.. إنها هي ومن غيرها.. صاحبة النصيب الأكبر من تفكيره.. صاحبة الفضل الأكبر بإعادة الأمل إلى فؤاده.. من اجتازت تغيير مفهومه عن النساء بعد ما اقترفت تقوى.. جاءته مكسورة الجناح لا تقوى على الاستمرار فبذل قصارى جهده في تقويم ذلك الشعور وإسعادها حتى تناست جزئيّا ما جرى.. وبينما يحاول مساعدتها وقطع كل السبل لابتسامتها تغير تفسير نبضاته بمجرد رؤيتها.. كل نبضة تحكي عن همس الفؤاد باسمها راجيا وصالها.. ولم يشاركه العقل بذلك ولكن لم يردعه أيضا.. فبقي يشاهد من بعيد ما يراود القلب من تشتّت بشأن هذه الوافدة حديثا إلى صحرائه الجرداء فجعلتها تزهر وسط الأشواك.. أفاق من غشاوته مع صوتها الرقيق هامسة:
_ "بتفكّر فيّا؟"
أزاح ذراعه عن عينيه ثم طالع وجهها المشرق فيومئ برأسه دون كلام فتقول هي بابتسامة واثقة:
_ "هو كل ما ابقى بعيدة عنك بتسرح وتفكر فيا كدة؟"
انبعث الصوت من بين ثورة الافتتان التي أصابته بها في التوّ قائلا بتأكيد:
_ "حتى لما بتكوني قدامي بفكّر فيكي."
_ "وده تسمّيه إيه؟"
سألت بها بجديّة ليشعر بتيبّس الكلمات بلسانه في حين تكمل هي بابتسامة:
_ "اهتمام؟"
ثم اقتربت أكثر مكملة:
_ "إعجاب؟"
وزادت في القرب حتى صار تلاقت أنفاسهما بينما تكمل برقّة:
_ "ولّا حب؟!"
لم يستطع الجواب.. فكيف لشعور يخالج قلبه منذ فترة لا يعرف فحواه.. يريد قربها ويدين للحظات التي تجمعه بها حتى لو مجرد لقاء عابر.. والآن على خلاف كل مرة هي بقربه بهذه الطريقة مما جعله حقا يعجز عن الكلام.. تناول نفسا طويلا ثم احتوى وجهها بين راحتيْه مقرّبا إياها حتى تلاقت شفاههما آخذا إياها بقبلة عميقة جعلته ينسى كل الحواجز بينهما ويعيش تلك اللحظة الساحرة..
_ "بدر.. بدر اصحى."
كانت تلك الكلمات التي نطقت بها وتين تزامنا مع لمساتها على ذراعها تستدعي وعيه من جديد.. ونجحت بذلك جديّا حيث فتح عينيه بتثاقل قائلا بانزعاج:
_ "هه! نعم.. في إيه؟"
أجابته بجديّة:
_ "معاد السحور.. يالا قوم."
نهض عن السرير بينما يقول بهدوء:
_ "أوكي شكرا يا وتين."
**********
انتهت وجبة السحور.. وبقيت الدقائق العديدة المتبقّية قبل صدوح الآذان.. انتهت جيهان من أداء صلاة الوتر وظلّت بمكانها.. جالسة تستقبل القِبْلة.. ترفع عينيها نحو السماء.. تبسط يديها أمام وجهها بينما تردف مبتهلة بتوسّل:
_ "يا رب بدعي بقلب خايف وراجي.. وفّق بنتي وتين واجبر بخاطرها.. بنتي لسّة مجروحة حتى بعد ما مرّ شهرين على الموضوع ده.. ارزقها وعوّضها بفرحة كبيرة ما كانتش تتوقّعها.. اكرمها بالخير يا رب.. عوّض الألم بالخير يا رب."
**********
نهاية أحداث الفصل العشرين
عايزة اسألكم.. كدة مين اللي اتقدّم في الاحساس بالحب الأول؟ وتين ولا بدر؟
آرائكم وتوقعاتكم تهمني
وإلى اللقاء في فصل جديد من رواية #اغتصاب_لرد_الاعتبار به همسة جديدة من #همسات_إسراء_الوزير

اغتصاب لرد الاعتبارWhere stories live. Discover now