الفصل السابع

651 27 13
                                    

7

#اغتصاب_لرد_الاعتبار "الفصل السابع"
(كما تدين تُدان)

أُقيم العزاء في فيلا علاء إبراهيم فور الانتهاء من دفن الفقيدة تقوى .. حيث خيّم الحزن والشجن على الأجواء تفجّعا على سقوط هذه الزهرة المتفتّحة فور إتمام قرانها .. القريب والبعيد يبكي حسرة عليها وقد أصابتهم الشفقة لأجلها .. لم يُكتب لها أن تكون عروسا في الدنيا .. فعسى أن تكون عروس الجنّة ..
كان عزاء الرجال بالحديقة حيث يقف يونس وعلاء وحسين وإبراهيم لاستقبال الضيوف عند الباب .. بينما بقيت نجلاء وسلوى بالداخل يعملن على استقبال النساء .. إلى جانب مؤازرة خيريّة بالصدمة التي لم تستطع تقبّلها إلى الآن .. فقد ماتت صغيرتها آخر العنقود بظروف غير متوقّعة .. ومرّت الأحداث مُحمّلة بغبار المفاجآت .. ابتداء بإصابتها بالرصاص وكتب كتابها ثم موتها تباعا دون فرصة لاستيعاب ما يجري .. لحظة موتها لا تزال محفورة بذهنها إلى الآن .. لا تزال تتذكّر صياح إبراهيم من داخل الغرفة بينما يحتضن أخته المُكفّنة وبجانبه بدر جالس بجانبها وسهم الله باديا على وجهه .. فلم يبدِ رد فعل وكأن شللا أصاب أعصابه حتى ما عاد يستطيع إطلاق أنّة بسيطة .. أخذت تكفكف دموعها بينما تحاول الوقوف على قدمها بمساعدة سلوى التي كانت تحاول التخفيف عنها بقدر ما تستطيع.. سارت بخطوات مهتزّة نحو الباب لتستقبل الضيفتيْن من طرف يونس .. حيث كانت الزائرة أسماء ابنة عمرو وجدّتها .. أتيتا لأداء واجب العزاء لأجل كنّة يونس .. وعلى الرغم من مرض الجدّة إلا أنّها لم تأبه وأصرّت على القدوم لأجل الصديق الوفيّ الذي لم يتأخر يوما عن تلبية احتياجاتهم منذ وفاة ابنها وزوجته ..
وعلى الجانب الآخر وصلت أسرة رياض تمّام أمام باب الفيلا .. وبعد السلام اتّجهت وتين ووالدتها وأختها إلى الداخل بينما عانق رياض علاء بحرارة تبعث الثبات ثم ابتعد عنه قائلا بحزن:
_ "البقاء لله يا أستاذ علاء."
تنهّد علاء بتعب ثم قال بوجوم:
_ "سبحان من له الدوام."
التمس من نبرته الواجمة كمّ الوجع الذي يكتمه بصدره لئلّا ينفضح انهياره أمام الجموع .. فربت على كتفه قائلا بأسى:
_ "إجمد هي دلوقتي في مكان الحق."
نطق علاء من بين شجنه بحسرة:
_ "دي كانت بنتي الوحيدة الصغيرة .. اول ما راحت حسيت ان روحي راحت معاها."
عاد رياض إلى التخفيف عنه قائلا:
_ "هي دلوقتي سبقتك وهتفتح لك باب الجنة .. اصبر وقول اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها."
ردّد علاء بصوت دامع:
_ "اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها .. اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها."

وبسبب جرح بدر الحديث لم يستطع الوقوف طويلا مع رجال العائلة فاضطر إلى الجلوس بجانب الضيوف .. يضمّ ذراعه المجبّر إلى صدره برباط أبيض .. بينما يستقبل التعازي من الحاضرين الواحد تلو الآخر بصفته الأرمل الفاقد زوجته حديثا .. فقد أُشيع بين الجميع عقد قران بدر وإبراهيم بذات ليلة الوفاة بناء على وصيّة الفقيدة .. شاردا دون أيّ تعبيرات تمسّ ملامحه منذ عرف بخبر وفاتها إلى جانبه بسبب نزعها لجهاز التنفّس حتى اختنقت وفاضت روحها.. لا يعلم سبب قيامها بتلك الفَعْلة التي أودَت بحياتها في النهاية؟ .. لقد سامحها وأقسم لها بذلك ردّا على جميلها وتزوّجها للإثبات .. فلِمَ قتلت نفسها إذا؟! .. ماذا كانت تريد أيضا حتى تعتني بصحتها وتتجاوز الأزمة؟ .. في داخله يتردّد صدى صوت قلبه الفَرِح بسبب تحرّره من هذا الرباط السام وعقله يمنعه عن هذه الشماتة .. فقد سامحها بدر بسبب ذلك الظرف الطارئ ولكن هل كان ليحبها؟! .. سؤال صعب إجابته لدى القلب الذي جهر بالنّفيِ منذ البداية .. فإن كانت حيّة الآن وتمّ الزواج لما كان القلب حاضرا بهذا اللقاء وما كان اتّحادهما يتعدّى كونه جسديّا فقط .. سامحها بدر رغم أنف طباعه الحادّة التي تقضي بعدم المسامحة بسهولة .. ولكن ضعفها بسبب الطلقات جعله يتراجع عن موقفه .. فسامحها مُجحفا بحقِّ نفسه في النهاية .. تركته وخلّفت جُرحا غائرا صعب التضميد .. يرثى أمام الجميع محبوبته .. وفي داخله يرثى كرامته التي جعلتها هذه رمادا!
أفاق بدر من شروده مع صوت فهد مناديا:
_ "بدر."
رفع رأسه ليجد ابن عمه يقف وبجانبه زياد الذي قال بهدوء:
_ "البقاء لله يا بدر."
وقف بدر عن مكانه ثم عانق زياد قائلا:
_ "سعيكم مشكور يا زياد."
أبعده زياد قائلا:
_ "ربنا يعوّضك عنها خير."
ابتسم في نفسه بسخرية على تلك الدعوة التي لا يعتقد أن تتحقّق يوما .. فعودة الثقة بامرأة أخرى تحتاج إلى معجزة بالتأكيد .. التفت إلى زياد قائلا بخفوت:
_ "إن شاء الله."

اغتصاب لرد الاعتبارWhere stories live. Discover now