الفصل السادس والعشرين

534 28 12
                                    


#اغتصاب_لرد_الاعتبار "الفصل السادس والعشرين"
(الشوكة الثانية)
**********
بعدما انتهت من هندمة ملابسها ألقت نظرة أخيرة على انعكاسها بالمرآة لتتأكّد من كمال استعدادها قبل الخروج.. فسوف تقوم بزيارة منزل عائلتها بعدما أخذت الإذن من إبراهيم في الصباح.. فور معرفتها بمرض نائل لم تحتمل أن تبقى ثانية إلا وتعوده وتطمئنّ على حاله خاصة وهي على علم بحالته الصحيّة.. تجاوزت باب الغرفة وتخطّت درجات السلّم لتقابلها خيريّة التي اقتربت منها قائلة باهتمام:
_ "ماشية دلوقتي يا شذا؟"
رفعت حزام الحقيبة فوق كتفها قبل أن تجيبها مع إيماءة من رأسها:
_ "أيوة.. هروح ازور البيت النهاردة عشان اكون مع طنط نجلاء في محنتها.. خصوصا وان الامتحانات هتبدأ كمان يومين."
نطقت خيريّة بابتهال:
_ "تمام يا حبيبتي.. ربنا يشفيه."
تمتمت بالدعاء ثم استأذنت للذهاب على عجلة.. تحت مرأى علاء الذي عرف بمرض نائل من ابنه بالبارحة.. ابن زوجة نسيبه سابقا مصاب والآن بيت عمران يهتمّون ليلا ونهارا لشفائه.. يرجو له أن يمتثل للعلاج وفي طيّات رجائه حزن مقيت صامت غير قابل للإفصاح.. حزن دفين عتيق يمتدّ تاريخه لأعوام.. منذ وفاة أخته وسرعة مبادلة يونس لها بأخرى.. أخرى قدمت إلى المنزل لتصير سيّدته وابنها له الحقّ فيها كأيّ ابن آخر.. ملكت ما كان حقّا لأخته وابنها يتنعّم بدفء تلك العائلة كأبناء أخته تماما بل قد يكون أكثر أيضا..
ولا يعلم أن لنائل رأي آخر بهذا الشأن.. فإن كان لنجلاء السلطة بهذا البيت فلا يملك هو الجرأة لاستخدام هذه السلطة.. بل كثيرا ما يشعر بكونه عبئا على العائلة ويودّ الانفصال عنها ولا يدري كيف؟!
**********
_ "إيه أخبار نائل يا دكتور؟"
نطق بها يونس بتساؤل بينما ينظر إلى الطبيب الذي كان على وشك الولوج بالسيارة.. بادله النظرات الهادئة التي تحمل في طيّاتها الكثير بينما يقول بنبرة خافتة:
_ "زيّ ما هو لسّة ما استجابش للعلاج ولا فاق.. دعواتك ليه مناعته تستحمل ويفوق في أسرع وقت."
أماء يونس برأسه قائلا بهمّ:
_ "شكرا يا دكتور."
_ "العفو.. ربنا يشفيه."
قالها قبل أن يحتلّ مقعد سيّارته ويذهب مبتعدا.. في حين عاد يونس أدراجه متّجها إلى الحديقة وهو يفكّر بشأن هذا الصغير المعرّضين لفقده في أيّة لحظة.. يشعر بالأسى والخوف لأجله... الأسى على حال والدته التي سيطير عقلها قريبا إن لم تلتمس التحسّن في حالته.. والخوف على أن تقضي هذه اللعينة المُسمّاة "كورونا" على حياته.. فتذهب هذه الثمرة الناضجة بعدما أينعت ببستان الشباب.. شعور آخر يخالجه ويخشى جديّا أن يسيطر عليه ألا وهو الندم.. أجل الندم لأجل إهماله لهذا الصبيّ.. أجل الندم لأجل عدم اهتمامه به طيلة السنوات الماضية.. يفخر أمام الجميع بكونه ابنا ثالثا له.. ولا يوافق القول الفعل.. فلو كان فعلا يراه ابنه لكان ظلّل عليه بجناح الأبوّة كما فعل مع بقيّة الأبناء.. حين ساعد بدر وفهد على المضيّ قدما في طريق الشّرطة.. واطمأنّ على حمزة في رعاية علاء.. وحتى الفتيات يتابع دوما أحوالهنّ في كل الأعمال.. عدا نائل الذي ما أن رأى إصراره على الابتعاد حتى تركه دون إلحاح.. فكان من المفترض أن يجادله مرة واثنين وثلاثة حتى يقتنع بالعمل مع حسين ويبقى تحت مرأى رعايته كما الباقين.. ولكن تغلّب التمييز عليه في هذه النقطة وأجحف بحقّه كثيرا.. واهتمذ بشؤون البقيّة وأهمله حتى مرض بهذه الطريقة.. فهو المتسبّب الأول بما أصابه.. ولن يتوقّف عن لوم حاله حتى يعود الشابّ للعافية فيسرع إلى غمره بالحنان الذي حرمه إيّاه قبلا.. حنان أب حقيقيّ بالفعل قبل القول..
**********
أخذت تضغط بأناملها على لوحة المفاتيح باستمرار بينما تراقب ما تتمّ كتابته على الشاشة.. تخطّ كلمات المقال الجديد دون أن تشعر بمذاقها.. فعقلها منشغل بمكان آخر.. أمر أجلّ من مجرّد مقال.. أمر يخصّ صديقا عزيزا انتهى به الأمر في حرب.. حرب مع الفيروس خسر جولتها الأولى وتمكّن الأخير المنتصر من استعمار جسده.. والآن بدأت المعركة الثانية والتي تعدّ أكثر شراسة حيث يقوم جيش الدّفاع بأن يحول دون اكتمال الاستعمار.. وهو ما يزيد من انشغالها وقلقها مرتقبة نهايتها.. فهل ينجح الجيش المكشوفة جبهته أم يستسلم في خنوع لسطوة المستعمر الجديد؟! ينهش الخوف بلبّها يوما بعد يوم.. تخاف أن تسمع بالنتيجة وأن تكون نهايته.. لا تصدق أن هذا هو نفسه الذي كانت لا تطيق الجلوس معه بمكان واحد.. لا تصدق أنه نفسه الذي كانت تغضب عليه دائما! لا تصدق أنها اشتاقت لسماع اسمها المحرّف من فمه.. تتمتم بالإسرار لعودته وقد قطعت وعدا بأن لا تنفر منه مجددا وستتركه يناديها بما يشاء.. أجل فالآن فقط عرفت بمقدار بقائه في حياتها حين أعلن عن حاجته للذهاب..
انقطع حبل شرودها مع صوت مناداة زميلتها هاتفة:
_ "نيــــــروز!"
أفاقت عن شرودها بينما تنقل بصرها عن الشاشة حتى صاحبتها بينما تقول بتيْه:
_ "هه! نعم يا ندى؟"
جلس الثانية مقابلها بينما تقول بدهشة:
_ "إيه مالك يا بنتي سرحانة فــ إيه؟"
أخذت تنفض الأفكار عن رأسها قائلة بهدوء:
_ "لا ولا حاجة.. في إيه؟"
نطقت ندى بابتسامة:
_ "فاكرة نهلة زاهر عبيد.. البنت اللي رمت نفسها من فوق بعد الاغتصاب؟"
أماءت برأسها بينما تقول إيجابا:
_ "آه طبعا فاكراها. ودي حاجة تتنسي؟!"
نطقت ندى بحماس:
_ "أولا حددوا الحكم على المغتصب اللي اسمه طارق وأوراقه رايحة لفضيلة المفتي."
أماءت برأسها ممتنّة بنبرة صادقة:
_ "طب الحمد لله."
أكملت ندى بجديّة:
_ "وثانيا بقى البنت دي دلوقتي فــ مستشفى للمخ والأعصاب هناك.. بيعالجها دكتور محترم جدا."
_ "وانتي عرفتي منين؟"
سألتها نيروز باهتمام لتجيبها ندى موضّحة:
_ "فاكرة ساعة اما أستاذ أحمد اتعصّب عليكي عشان رفضتي تصوريها؟ بعت واحد غيرك.. ولما راح مع 30 إعلامي تاني.. وقف قصادهم دكتور اسمه أمان ابن الدكتور أحمد مدير المستشفى.. رفض حد يصوّرها وطرد كل الصحفيين.. وعرفت من مصادري ان الحالة بقيت تحت إيده هو.. بس لسّة على موقفه رافض حتى مجرد صورة ليها.. مع إن ده هيصبّ فــ مصلحته."
ارتسمت بسمة خافتة على ثغر نيروز بينما تتابع الحديث والذي تسبّب حقّا بتسلّل الإعجاب إلى عقلها لتقول بنبرة راضية:
_ "مالهاش علاقة بالمصلحة يا ندى.. أهم حاجة الإنسانيّة.. والراجل ده عنده إنسانيّة.. ربنا يبارك فيه."
**********
انتهى فهد من لقائه مع أنور وكالعادة لم يتعرّف بعد على نشاط جديد يودّ القيام به.. فلم يلمّح له الثاني بأيّ شيء وكأنّه يشعر بقدوم الخطر في أيّ لحظة فيحاول أخذ الاحتياط قبل أن تقع الفأس في الرأس.. وجد روفان تقف عن مجلسها بينما تطالعه بابتسامة مشرقة.. فيقترب منها دون إضفاء كلمة فتتولّى عنه ذلك حيث تقول:
_ "عامل إيه؟"
جلس مقابلها قائلا بهدوء:
_ "تمام."
استشعرت الوجوم الكامن في نبرته الهادئة لتحدّق به قائلة بقلق:
_ "شكلك تعبان.. مالك يا فهد؟"
لا يُبدي حزنه لأيٍ كان عادة.. ولكن الآن حقّا لا يستطيع.. فالهمّ كبّل صدره بحيث يبحث جاهدا عن منفذ للهروب.. وليت اللواذ في الإمكان.. بل إن البأس يتفاقم دون هوادة.. رمقها بنظرات متعبة بينما يقول بحزن:
_ "ابن مرات عمي يونس.. اتصاب بكورونا."
جحظت عيناها بقوّة بينما تنطق بصدمة يكالبها الفزع:
_ "يا ربي! وإيه أخباره دلوقتي؟"
أجابها بذات النبرة الحزينة:
_ "تعبان جدا ولسّة ما فاقش.. مناعته مش مستحملة الفيروس."
أغمضت عينيها للحظات قبل أن تقول بشفقة:
_ "يا ربي.. أكيد مامته تعبانة جدا!"
_ "كلنا زعلانين عشانه."
ثم أردف يقول تحت مرأى نظراتها المهتمّة:
_ "ده إنسان هادي جدا وبسيط جدا.. كل سعادته فــ إن أمه تبقى بخير.. كلنا بنحبه وبنعتبره واحد من العيلة حتى لو ما كانش منها.. وكل اللي في البيت قلقانين عليه وكل دعواتنا ليه."
نطقت تقول بنبرة تحفيزيّة:
_ "ربنا هيشيل عنه ما تخافش.. إن شاء الله يقوم منها بالسلامة.. ويرجع لحضن مامته من تاني.. وما تسمحش تبعد عنه أبدا."
نظر لها بتعب لتقول بابتسامة:
_ "خلّي أملك فــ ربنا كبير."
_ "ونعم بالله."
**********
التفتت شذا نحو وتين الجالسة مقابلها بينما تقول بمودّة:
_ "إزيّ الحال دلوقتي يا وتين؟"
ابتسمت لها وتين برقّة بينما تقول:
_ "الحمد لله يا حبيبتي."
عادت تسأل شذا بنبرة مرحة:
_ "وأخبار ابن اخويا.. عامل إيه؟"
مسّدت على بطنها بحنان قبل أن تقول بابتسمة أكثر اتّساعا:
_ "أهو تمام."
ثم استطردت تقول متذكّرة:
_ "صحيح اللي قاله بدر.. امتحاناتك هتبدأ؟"
_ "أيوة لإن احنا خرّيجين غير اللي من الفرق التانية."
نطقت وتين مؤيّدة:
_ "معاكي حق.. انا أختي ريم في سنة تالتة وعملت أبحاث وفي انتظار النتيجة."
ثم شعرت بالتثاقل يعتلي نبرتها بينما تقول:
_ "معلش لو ما لقيتينيش تحت وقاعدة هنا علطول.. بس ده طلب بدر عشان خايف عليّا مناعتي ضعيفة دلوقتي."
ابتسمت شذا بسعادة لأجل اهتمام أخيها لسلامة زوجته وطفله وحنانه الدائم الذي لم ولن تغيّره الظروف.. ثم فتئت بتهدئة:
_ "ولا يهمك يا حبيبتي.. أنا وطنط نجلاء بنعذرك المهم انتي تاخدي بالك من نفسك والبيبي.. صحيح بتتابعي مع دكتور؟"
تساءلت بالأخيرة باهتمام لتجيبها وتين مع إيماءة من رأسها:
_ "أيوة.. لسّة معاد الكشف في أوّل الشهر."
_ "على خير يا حبيبتي."
وهكذا قضت الوقت مع شذا حتى غادرت بعد مرور ساعة لتبدأ وتين بإعداد الطعام حتى سمعت صوت إغلاق باب الشقّة فأيقنت وصول بدر.. خرجت من المطبخ لتقابل بدر ثيب دخوله بغرفة النوم فتقول بابتسامة هادئة:
_ "اتفضّل يا بدر.. 10 دقايق ويجهز الأكل."
طالعها باستفهام دون أن يضيف كلمة في حين عادت أدراجها نحو المطبخ.. وفّر الحديث لوقته واسرع إلى تبديل ملابسه وتناول لقمة الغداء ليتحدّثا معا فيما بعد..
ما أن جلس أمام المائدة حتى نظر إلى وتين التي شرعت في تناول الطعام ليترك الملعقة ثم يسألها بجديّة:
_ "مش هنيّة موجودة.. ليه عملتي الأكل بنفسك؟"
ابتلعت المضغة التي كانت تلوكها بين أسنانها ثم أجابته مبرّرة:
_ "لإنّ زمان ماما قالت لي إن السّت الشاطرة اللي تهتمّ بتفاصيل أكل جوزها وأولادها.. وانا حاسّة اني بظلم بيتي عشان مش بعمل أيّ حاجة فــ خدمتكم."
لم قالتها بصيغة الجمع فمن غيره تسعى إلى خدمته؟ تساؤل جرى بذهنه سرعان ما التقط إجابته حيث يسرع إلى قوله بابتسامة باهتة:
_ "أنا حاسس ان ده تعب عليكي."
هزّت رأسها نفيا بينما تكمل:
_ "ولا تعب ولا حاجة.. ماما كانت دايما ماسكة البيت من غير أيّ مساعدة وخلّفت البنات وربّتهم وبرضه كانت مسؤولة عن كل صغيّرة وكبيرة في البيت.."
نطق بدر بإعجاب:
_ "والدتك ستّ عظيمة.."
بادلته ابتسامة هادئة يسكنها الامتنان على هذا الإطراء.. في حين يشرع في تناول أول لقيمة فيتلذّذ بالنكهة ومذاقها المتميّز فيكمل بمزيد من الإطراء:
_ "واطمّنك.. انتي هتبقي زيّها."
هنا لم تستطِع مواجهته بنظراتها بل اكتفت بالهروب من أسر سوداوتيْه السلّطتيْن عليها بينما تقول متمتمة:
_ "تسلم."
**********
في نهار اليوم الثاني
جلس رغد على الكرسيّ المجانب لسرير نهلة.. لتنظر إليها باهتمام.. مكبّلة قدمها بالجبس حتى الآن.. كما تركتها منذ آخر مرّة.. ساهمة ترفض الحديث أو إبداء ردّ فعل.. هادئة تائهة ترجو أن تظلّ بعالمها الساكن وأن لا تعود لضجيج الحياة الجائرة من جديد.. تعلم أن خلف هذا القناع الصامد أنثى باكية.. متقوّسة حول نفسها متألّمة.. ترجو الخلاص.. كطائر ذا جناح مهيض يريد الموت أو العلاج.. ولكنها لا تقبل حتى العلاج بعدما فقدت الثقة بالأمان في العالم الخارجيّ.. حاولت التحدث من بين حسرتها بابتسامة واهنة:
_ "واحشاني جدا يا نهلة.. عاملة إيه يا حبيبتي؟"
ثم أردفت تقول معتذرة:
_ "عارفة اني اتأخرت عليكي سامحيني."
لم تجد منها إجابة فأكملت تقول راجية:
_ "خفّي يا قلبي وارجعي لنا.. والله حاسّة اني من غيرك ماليش لازمة.. هموت وترجعي تاني لحياتي."
ثم أردفت تقول بصوت دامع:
_ "إنتي أختي ومامتي وصاحبتي.. بجد محتاجة لك أوي."
لم تجبها ولكن في داخلها أردفت تقول بيأس:
_ "تستطيعين تجاوز هذه المحنة دون الحاجة لي يا عزيزتي.. فما عدتُّ أصلح لهذا الدور مجددا.. مكاني أصبح هذا السرير الآن ولن أنتقل عنه أبدا."
**********
تبكي أمام نهلة وتشعر بالهمّ لأجلها في حين يجلس حمزة أمام صورتها التي رسمها لها والمُلقّبة بـــ "العشق خُلِقَ لأجلِك" .. كعادته يحدّق فيها دون حساب الوقت الذي يضيّعه في الجلوس أمامها.. يركّز بكل تفاصيلها.. ويرجو أن تتحوّل تلك الصورة المرسومة إلى واقع ملموس.. وتقبل عشقه الذي خُلِقَ لأجلها فقط.. وبين رجائه واهتمامه ثار تساؤل من الفضاء أمامه.. يريد أن يعلم عن سبب الحزن المكبّل إياها منذ انتهاء الحظر.. ما بها ومن هذا الذي يجرؤ على إتعاسها.. تلك البلّورة المضيئة هناك من يحاول تعريضها للكسر.. ولكن من يا تُرى وسيعمل على عقابه بالجزاء المناسب؟!
**********
خرجت رغد من الغرفة ثم أغلقت الباب خلفها لتمسح العبرات المنهمرة على وجنتيْها ثم تحاول الذهاب دون إطلاق المزيد من الدموع.. تحت نظرات أمان الذي كان قادما من غرفته ليتفاجأ بها تخرج فيتساءل عن تلك الشابة التي تأتي دوما لعيادة نهلة.. والتي تأتي فقط دون زوجها أو آخر من عائلتها.. دلف إلى الغرفة ليجد نادية تثبّت الجلوكوز بذراع نهلة فيقول متسائلا:
_ "مين اللي خرجت من شويّة يا نادية؟"
أجابته بابتسامة:
_ "دي آنسة رغد.. أخت جوز مدام نهلة."
أصابه الإحباط كليّا بعدما عرف عن كونها قريبة زوجها التي تعودها بصفة دوريّة.. في حين لم يكلف الزوج نفسه بزيارة خفيفة وكأنّها عبء انتهى منه في المشفى ودوره يقتصر على دفع مستحقّات العلاج فوريّا.. حاول تصنّع السرور في نبرته بينما يقول أمامها:
_ "ربنا يكرمها الآنسة رغد وتزوريها وتفضلي معاها."
أجابته الثانية ببرود:
_ "لن يحدث سيّدي المحترم.. واللحظة التي سأتحرّك فيها من هنا هي نقلي إلى المقابر.."
**********
في منتصف الليل.. كانت وتين متسطّحة على السرير تغطّ في سبات عميق.. بينما يجد الثاني صعوبة في التقاط النوم.. فقام عن السرير ثم جلس على الأريكة المقابلة.. أخذت الأفكار تتزاحم في عقله حتى صادقه الأرق الليلة كما يفعل كل ليلة.. في عقله سؤال يجول يرجو الإجابة ولا ينالها.. ما الذي بدر منه في تلك الليلة التي كان فيها مخمورا؟ يعلم أنّه اتّحد مع وتين للمرّة الأولى.. ولكن ما الذي فعله جعلها تشعر بالنفور منه وتؤنّب نفسها متّهمة إياها بالضّعف؟ ما الذي فعله بيّن لها أنّه رأى تقوى؟ وكيف ذلك وتقوى هي آخر من يريد تذكّرها على وجه الأرض؟ ولكن في تفسير وتين ترى العكس فماذا حدث؟! يرجو حقا أن يستطيع التذكّر ولكن كيف؟! كيف يستطيع التقاط ليلة تائهة عن وعيه ومعرفة ما صار فيها؟
**********
وبين الإرهاق المكبّل إياه وصراعه مع المرض.. ينام لأيام يبتعد فيها عن الواقع حتى يعود إلى الشفاء أو يكمل سُباته إلى الأبد.. يجد نفسه في صحراء شاسعة.. حافي القدمين يسير على الرمال الصفراء وأشعّة الشمس عموديّة على رأسه.. يسير بلا هدى وفي نفسه يسأل عن نهايته.. اشتدّت حرارة الشمس حتى شعر بالرمال تلسع قدميه والعرق يتفصّد بجبيه والظمأ يصيب حنجرته.. ينظر إلى نهاية مستوى بصره فيرى الماء جاريا ينتظر العطشان.. يُسرع إلى هناك بأقصى سرعته فإذ به يرى سراب! ويرى الماء عند مستوى آخر فيسرع إليه فيجده سراب! وهكذا يعيد الكرّة مرارا وتكرارا حتى سيطر التّعب على خلاياه وشعر بهذاله والوقوع قريبا في مصيدة التعب.. ولكن سرعان ما تتغيّر ظنونه.. حين يرى طيف فتاة تمشي على مسافة بعيدة.. أيقن أن ذلك أيضا سراب ولكن خفقات داخليّة تخبره بالاستمرار.. فسار إليها حتى صار على مقربة لتدير جسدها وتواجهه بملامحها فينزل البرد على صدره سريعا وينسى الظمأ والإرهاق.. إنها هي.. محبوبته زرقاء العينين بريئة الملامح ساحرة الابتسامة.. فيروز.. اتّسعت عيناه بينما يقهمّ بالاقتراب منها متحاملا على تعبه:
_ "فيروز!"
أوقفته بإشارة من يدها لينظر لها بعدم فهم في حين تنظر إلى يسارها فيظهر غريب من العدم كما ظهرت هي.. هذا الغريب لم يكن سوى فهد الذي تناول كفّها بين أنامله ثم سارا معا على مرأى من نائل الذي كاد الجنون يعصف بعقله ونيران الغيرة اشتعلت بقلبه.. فهمّ ليمشي باتّجاهها ولكن توقّف سريعا حين تفاجأ بما يعرقله.. أشواك كثيرة مدبّبة أخذت مكان الرمال كي تحول بينه وبين الذهاب خلفهما.. نقل بصره بين الأشواك وبين هذيْن المبتعديْن.. ثم سلّط عيناه على الأشواك فيزدرد ريقه بصعوبة قبل أن يأخذ عزمه بالمرور.. ضغطت قدمه اليُمنى على الأشواك لتخترق نصالها دفاع بشرته فيتأوّه بصوت مسموع من قوّة الألم.. فيشعر بتراجع قوّته ولكن لا يتراجع عزمه في الإكمال.. فيعود إلى الإكمال بقدمه الثانية ويتأوّه بوجع.. دماؤه زيّنت النصال وهما يستمرّان في الابتعاد دون الالتفات له.. ولكن لن يستسلم.. سيحضر محبوبته مهما كلّفه الأمر حتى لو اضطر على السير على الأشواك لبقيّة حياته.. يكمل السير والألم يتضاعف ويشعر بأنّ دماءه ستنفذ قريبا.. وكلّما ابتعدا تأخذ الأشواك محلّ سيرهما ليزيد التحدّي أمامه.. شعر بالجور من هذا التحدّي.. كلما يقترب خطوة يبتعدا ضعفها.. وكلّما أنهى شوكة ظهر عشر أضعافها! مزيج من الغضب والجزع يخالجانه ليصرخ بقوّة ثائرا:
_ "آااااااااااااااااه!"
صرخة مدوية هزّت أرجاء عقله كانت كفيلة بأن تدفعه ليفيق بأرض الواقع.. حيث لا تُدمي قدمه ولا يرى الصحراء ومقيّد بجهاز التنفّس والجلوكوز.....
**********
نهاية أحداث الفصل السادس والعشرين
هل ممكن تكون معرفة نيروز بأمان ليها تأثير بعد كدة؟ والنهاردة كانت شوكة أمان ومن قبل إبراهيم.. الشوكة الجاية من نصيب مين؟
أنهينا تقريبا ثلثي الرواية.. إلى اللقاء في الفصل القادم من رواية #اغتصاب_لرد_الاعتبار وهمسة جديدة من #همسات_إسراء_الوزير

اغتصاب لرد الاعتبارWhere stories live. Discover now