٣٧

10.7K 259 79
                                    

الفجر ..

طلع من المسجد سعد وبدأ يجهز سيارته واغراضه في الشنطة ويدندن ، رفع نظره لساعة ينتظره واثق انه بيجي ، كمل تجهيزاته وتنهد بعد ما صابته خيبة ، لكنه التفت يشوفه وراه بيده شنطة سفر وابتسم بهدوء يفتح له الشنطة لان فعلًا ما خابت ظنونه ..
ركب بهدوء وركب سعد اللي همس : اللهم انت الصاحب بسفر
حرك والهدوء سيد الموقف ويسرق أَسِيف النظر لابوه ، نطق سعد بعد وقت : ودك بعُمرة نمّر من طريق مكة ؟
سكت بهدوء اكمل : مرينّا
اشار رأسه بالايجاب وقادّ سعد قرابة اربع ساعات من ٦ الفجر وحتى ٩ بعد ما توقف عند يلملم للإحرام وشاف كيف جاب له معه محرم كانه مخطط من اول ومر من الطائف يردد : عروس المصايف
نزلوا مكة واعتمروا استشعر لأول مره وجوده مع ابوه بحنّية ، طافوا على البيت العتيق ماينسى طول عمره كيف كل ماوصلوا لمطرح الركض في الصفا و المروة نطق بمزاح : اركض اركض
ولا ينسى دموعه وقت رفع يدينه يدعي ..

جلس بتعب من طول المشي والتفت لابوه يناوله كوب من ماء زمزم شربه وهو يسمع كلام اللي جنبه : انت شايف اللي مات ساجد ؟ والله مسكين
همس سعد بغرابة : مات ساجد ومسكين ؟ محد مساكين الا حنا
والتفت لأسيف يهمس : تدري ان اللي يشقى بهدنيا يموت فجأة من غير مايتعب ولا يمرض فجأة يموت ..!
واكمل بهدوء : دعيت الله ياخذني مرتاح ، لا مريض ولا عاجز مرتاح بس
مارد أَسِيف اللي كان الصمت متمكن منه كأنه ينتظر بس تبرير و شرح ..

ركبوا السيارة بعد ما تغدوا وصلوا جمعًا و قصرًا قرابة الساعة الرابعة حركوا في الطريق الطويل اللي مر فيهم من عروس البحر الأحمر وغابت الشمس من مدة واظلم الطريق المرعب بلا نور ولا حس ولا بشر ، وقف سعد وهمس : هذا مسجد ؟
التفت له أَسِيف بصدمه : صادق انت تبينا نصلي فيه !
ضحك سعد يغمز بعينه : خفت يا تايقر
عارضه أَسِيف بقوله : مب خوف بس مافي عاقل ينزل
ابتسم سعد مردف : انا ماني عاقل انت عاقل ؟
نزل وتنهد أَسِيف ينزل رغم رعب المكان و خوفه يجزم انه مهجور من سنين ، توضوا وهمس سعد : لو قلت ولا الظالين وقالوا آمين اكمل صلاتك ولا تلف وراك اخاف تشوفني هارب
ضحك أَسِيف وكانت اول مرة يضحك معه من سنين عجاف وكبروا يصلون وخلصوا وركبوا السيارة همس أَسِيف بهدوء : فين كنت كل هسنين ؟
تعب من السكوت فسأل بعد كل هالانتظار ، استمر صمت غريب اكمل بعده سعد : سعد بن عبدالعزيز ال حمد ، عبدالعزيز ابوي رجل يعرفه كل اهل الشمال مامر ادمي من بيته ورجع جائع كان لو جاء مسافر لشمال قالوا له روح لعبدالعزيز ، رجل عطاه الله وعطى هو خلق الله ، عنده ولدين الكبير مشعل و انا وثلاث بنات زهرة و فاطمة و رقية ، وزوجته بهجة امي اللي خذت من اسمها النصيب الأكبر ، اخوي مشعل تعسكر بس انا كان يبغاني دكتور ..

تنهد يتذكر شريط حياته : عرض علي اسافر برا ادرس ولاجل رضاه وافقت والا انا ويين والطب ويين ، وزانت اموري واستقريت بامريكا ادرس ومن فخر ابوي علم كل العرب ، ومرت الدنيا وتعرفت على خويّ يساعدني بدراستي ويسمّر معي ..
سكت لين نطق بنبرة مختلفة : آرثر ! اول خويّ لي بديار الغرب ساعدني ويسر لي طرق صعبة وعشت سنتين ادرس واسهر معه ومبسوط بهدنيا ..
لين جت الليلة اللي كانت بداية المجزرة ، دخل يومها عندي آرثر سكران يبي يروح لابوه رفض يبقى عندي وماكان عندي حل الا اوصله ، كانت المرة الاولى اللي اوصله لبيت ابوه لانه عايش وحده ما عندي علم بابوه ولا هو تكلم ، عطاني الموقع رغم انه سكران ، يوم بانّ لي هذاك القصر الكبير والحرس الكثير وشي ما استوعبه عقلي ، يوم وقفت السيارة بالليل ماشفت الا الحرس حولي بس شافوا آرثر و خلوني امشي ، دخلت معه وجلست اتأمل البيت العجيب الهائل ، لين نزل رجل عريض منكبين اشقر وعيون زرق وطول وفيه من الجمال مايوصف ، عرفت انه ابوه يوم ضرب آرثر كف وسحبوه الحراس لغرفته ، ماخفت بعمري كثر هالليلة يوم جلس قدامي بشموخه وهيبته وحرسه ..

زهو عُمرك سجَّان وِجداني !حيث تعيش القصص. اكتشف الآن