وصيّة

107 27 12
                                    

مرّ أُسبوعٌ حافِلٌ بالضّحايا والرّعب على سكّانِ الباخرة،
وَ لم يكُن اتّخاذُهم لِمهجعٍ فيها يعني أنّهُم قد اعتادوا على
البقاء .. إنّما كانوا يُحارِبُون الموتَ بأقصى قوّاهم التي أُستُنزفت

تمَحورت الفترة الأخيرة حولَ البحث عن هينري ودانيل
بأملٍ ضئيل بعدَ أن غمرَت أحاسيسُهم الخيبةَ في العثورِ عليهم،
أو أنّ الخوفَ قد سيطرَ عليهم في إيجادِ جسدينِ بلا روح

"أرى شيئًا هُنا"
قالَ مايكل صارِخًا بعدَ أن أشارَ بسبّابته من غيرِ وعيٍ
بانفعالِه الشّديد ، فَلم يكن مُتحمّسًا لإيجاد أيٍ من الاثنين إطلاقًا

إلتقَطَ لويس ما رآهُ الآخرُ ليتّضِحَ بأنّها ورقةٌ صغيرةٌ
كرسالةٍ .. تنهّدَ مُطلِقًا نفسًا مسموعًا بتملّل ،
فقد سئمَ لُعبةَ الأوراق هذه!

الجميعُ يوقِنُ بأنّه ليس في نهايةِ الأمرِ خيرٌ ما دامت
بدايتُهُ ورقة ..

قرأَ بصمتٍ لينفعِلَ وجهُهُ بابتسامةٍ غامضةٍ توحي
لِرُعبِ ذاك الشّخص القارِئ بل شخصٌ مُتحجّرُ
القلبِ يقرأُ وصيّةَ أحدِهم باستمتاع ليُعلّقَ وقتها
"هاقدِ اتّضَحَ موتُ رفيقُكم"
قالَ دونَ اكتراثٍ كمَن أضاعَ وقتًا ثمينًا من غيرِ جدوى
في مُساعدةٍ للبحث حتّى بالرّغمِ من كُرهِه لها

ارتكَزت عينَا مايا في مكانِها لتهوي مُنحَنيَةً للأسفل،
خرّ جسَدُها بوجهٍ فارغٍ دونَ تعابيرَ توحي لتفسيرٍ ما

لم تكُن مُنصَعِقةً لتلقّي الخبر فهوَ مُتوقّع ولم تكُن
تعتَقِدُ بأنّها سترى ذاكَ الوجهَ البشوشَ مُجدّدًا ،
هيَ فقط تمنّت حدوثَ مُعجزةٍ لتُغيّرَ مجرى الأحداثِ البائسة

لم تعي من وقعَ بجانِبها حتّى إلتفتت لترى وجهَ شريكِها،
بنفسِ الوضعيّةِ يجلسُ بهدوءٍ دونَ تعليقٍ مثلها تمامًا..
ولكن ما اختلَفَ هوَ السّبَبُ لكليهما ؛
فهيَ تعني مُساعدَ القُبطانَ .. وهوَ قصدَ توأمَ روحِه

راجَعَ كين أحاسيسَهُ ليُدرِكَ بأنّ مشاعرَهُ قد تبلّدت نوعًا ما،
فبالرّغمِ من حُبّه لذلك الأشقر الطويل إلّا أنّهُ لم يُنكِر
ما تعَجّبَ منه .. فهوَ لم يحزن بتاتًا !

لمَ لا يعني أيّ شخصٍ لهُ هُنا شيئًا؟
سألَ نفسهُ وكأنّهُ يُعاتِبُها بحرقة

قاطعت تفكيرَهُ من همست بأُذُنه
"توقّعتُ حدوثَ ذلكَ كين"
قالت نارا أو المدعوّةُ بأليكس بتعابيرَ حزينة بتوتّرها

"هل أُكمِلُ القراءَةَ أم أنتظرُ بُطأ استيعابِكُم؟"
سألَ لويس ساخرًا وكأنّ في الأمرِ مُزحة

كانَ يواصِلُ السّخرية .. وما سبّبَ إبداعَهُ بها
هو عدم تعليق المُستمعين لأيٍّ ممّا يقول !
هناكَ ما هو أهمّ من الإنشغالِ بالمُشاجرةِ معه
وهذا ما اتّفقوا عليه

انتزعت جولي الورقةَ منه لتبدأ بالقراءةِ دون استئناف
"أشكو ظُلمَ أُناسٍ ضعُفتُ بثقتي لهم فاستضعفوني..
لم يكُن الذّنبُ ذنبي ولم تكُن مُشكلتي قلبي ،
لم أُخطئ عندما وثقتُ بأحدِهم ولم أفرغ من التّضحيةِ لغيري ،
لطالما اعتقدتُ بأنّ العالمَ رائِعٌ يستحِقّ جُهدًا لتغييرِ
البعضِ من أجله وسأموتُ على ذلك،
سئمَ قلبي الواسعُ من الخُذلانِ دونَ وعيٍ بأنّ قلوبًا غيرهُ
قد ضاقت من بُطشِها .. لم أتوقّع بأنّ نهايتي ستكُونُ
على ظُلمٍ من أحدِهِم .. كما لم أتَوقّع كونَ شريكي
من وَجُبَ عليّ حمايتُهُ قاتلًا ..
ولكن ما لم أتوقّعهُ فعلًا هوَ بأن أكتُبَ وصيّتي مُجبرًا بكُره ..
فذنبي الوحيدُ هوَ بأنّني بقيتُ على متنِ الباخرة!"

جالَ الصّمتُ في الأرجاءِ لتلفِظَ باسمِ الكاتِبِ آخرًا
"هينري"

لم تسقُط دمعةٌ قط ولم يأبى أحدُهم بالتّعبيرِ عن حُزنه،
بل اكتفوا بالتّعازي والأسف الحارّ في نُفوسِهم داخليًّا

قاطعوا صمتهُم مُتفادينَ الأمرَ ليبدؤوا بالتّحليلِ في
موتِه حتّى اتّضَحَ بأنّ للأنانيّ نصيبٌ في ذلك

أقرّ دانيل بأنّ لا محالةَ من موتِه لذا فقد فضّلَ الإنتقامَ
على المُشاهدةِ بصمت فلا مانِعَ من أن يسحقَ روحًا أُخرى غيرهُ
قبلَ أن تُسحقَ روحه على آخرِ لحظة .. قرّرَ بأن يقتُلَ من ذُكرَ
لقبُهُ في بطاقةِ عدوّه ليقومَ الجاني بإكمالِ المُهمّة،
فلا قوّةَ لهُ إلّا على الضّعيف!

وهذا بالفعلِ ما حدَثَ ليُفسّروا موت كامرون جراءَ ذلك
على التّوالي ..

و رُغمَ قصدِه لكامرون إلّا أنّ ذلكَ لا يُخفي قسوة
قلبِهِ في التّضحية بروحٍ بريئة

حاوَلت مايا مُواساةَ شريكها الصّامت .. فهي تعلمُ بأنّ صمتهُ
مُزيّفٌ مثلُه كالعادة فلا راحةَ في مُراقبته وهوَ يُفكّرُ مع نفسه

توقّعت ورود جميع الإحتمالات في ذهنه تلقاءَ ذلك حتّى
ما خشيته وهوَ انتحارُه بسبب عدمِ توفّر نيّةٍ للعيشِ بلا
أغلى شخصٍ في حياته..
وَلم تُرد احتمالًا كهذا لسوء نهايتها من بعده فحسب!

ألقت بنظرةِ شفقةٍ ورحمةٍ على ديفد فقد فضّلت عودةَ
قوّته في هذه الحالة ولو أنّها لم تُعجبها سابقًا،
كرّرت تلكَ النّظرةَ بعدَ أن تبادَرَ لذهنها الفرقُ بينَ التوأمين
فبالرّغمِ من تعلّقهم الشّديد ببعضهم
إلّا أنّهُ قد بدا لها بأنّ تعلّقَ أحدهما ازدادَ عن الآخر بمقدارٍ
ليسَ ببسيط وبالمُقابِلِ شكرت الجاني على اختيارِه هوَ وليس دانيل؛
فلا نيّةَ لها في التّعامُلِ مع أناني

————————————

هينري:
طيبةُ قلبِكَ لا تعني غباءك !

لوفينياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن