الفصل التــاسع عشر.

3K 136 8
                                    

#الفصل_التاسع_عشر.
#مملكة_الشياطين.

"سبحان اللّٰه وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته."🧡

الألفة، هذا ما يفتقده الآن؛ فهو ألف وجودها، ألف مشاكستها وتدللها، أحب ضحكاتها التي تعزفها شفتيها، سطوت على إنتباهه لتجعله ينشغل بها، ولم يدرك هذا إلا الآن، عندما دخل غرفته ليجدها بلا حياة من غير مشاجرتها معه على أتفه الأسباب.
هز رأسه بعنف يقنع نفسه أنه يفتقدها فقط، فهو لا يكن لها أية مشاعر إطلاقًا، هو فقط يفتقد روحه التي غادرته مع طيفها!
جلس على الفراش يحاول إقناع ذاته أن هذا أفضل بالنسبة له، سيرتاح على الفراش دون صوتها العالي دون أن تيقظه... لحظة، لما يتغلغل أنفه رائحتها الآن، تنفذ رائحتها الخلابة لقلبه تنعشه، قرب وسادتها من أنفه ليشتم رائحتها الزكية بها، ألقاها أرضًا كأنها وباء يهدده، بل يهدد قلبه المتمرد!
استمع لصوت نداء أبيه له، ليزفر بضيق فهو لا يتهنى بنومه أبدًا إن كان بوجودها أو عدمه!
وقف أمام والده الذي يوبخه بشدة ويلومه على فعلته مع زوجه ورد، قائلًا:
_ إكدة يا منصور بتمد يدك على حرمة، وكمانت مرتك!
رفع رأسه يدافع عن نفسه:
_ يا أبوي هي اللي غلطـ...
بتر صادق الهواري حديثه بغضب:
_ مليش صالح أني اتعاركتوا ع أيه، لكن كيف تمد يدك عليها، مشاكلكم تحلوها لحالكم لكن متمدش يدك عليها.
هتف منصور وهو في قرارة نفسه يعلم أن حديث والده صحيح: مين خبرك يا أبوي؟
جلس صادق على الأريكة بتعب يقول:
_ منتصر الصعيدي جاني وأني فـ الزرعة وخبرني.
رفع صادق نظره لمنصور هاتفًا بحزم:
_ فـ الليل هتروح ترجع مرتك وتستسمحها كمانت يا منصور.
كاد أن يعترض ليقول صادق بصرامة:
_ فهمان.
هز رأسه بإيجاب وخرج بغضب، فكيف له أن يطلب منها السماح وهي أخطأت بحق والدته!
_____
_ ريحي بالي يا بتي وجوليلي حوصلت حاجة خلاتك تاجي إهنه؟
تقدمت منه وداد وجلست بجانبه تلتقط كفه واضعة قبلة عليها، لتهتف بمرح:
_ بقيت تقيلة عليك ولا أيه يا أبوي، وداد متوحشتكش واصل عاد!
ضحكة شقت تجاعيد وجه خلف الهواري ليقول:
_ لاه مش إكدة يا بتي، أني خايف لتكوني اتعاركتي أنتِ والصعيدي ولا زعلك.
لمعت مقلتيها بشوق وحنين لتطفو بسمة حزينة على شفتيها، تذكرت لطفه معها فى الأيام السابقة، خرجت من أفكارها على صوت والدها يقول:
_ أهه ست سليمة جاتك يا وداد.
نهضت وداد مسرعة لتحتضن سليمة بقوة قائلةً:
_ كيفك يا خالة سليمة؟ اتوحشتك جوي جوي.
ردت سليمة وهي تربت على رأسها:
_ وأني كمانت يا بتي اتوحشتك جوي، كيفها الحاجة كريمة ومنتصر.
_ بخير يا خالة.
هتفت بها وداد وهي تأخذ بكفها لتجلسها على الأريكة وتجلس معها ليهتف خلف:
_ أني هريح هبابة وأنتوا خدوا راحتكم.
أومأت له وداد باسمة وأخذت تتحدث مع سليمة تسرد عليها ما مرت به فى الأيام السابقة فهي فى منزلة والدتها.
_______
إستعاد ثباته، وحجم غضبه لينزل الدرج وقف أمامهن يهتف بتساؤل:
_ وداد راحت وين يا أماي؟
إرتبكت كريمة فهي تعلم بكم الغضب الذي يسيطر عليه فى هذا الوقت، قالت بهدوء:
_ جالتلي أنها عتطمن ع أبوها وعتعاود طوالي.
هذا ما قالته لها وداد حرفًا، ولكنها تعلم أن ذهاب وداد بهذا الشكل غير مريح لها، فالمؤكد أنها غضبت مما حدث.
صاح بحدة حاول وأدها:
_ وموقفتهاش ليه؟
صمتت كريمة تنظر لأسفل، تنهد منتصر بإحباط ليتركهن ويذهب إليها.
___
طرق الباب بقوة ليفتح له الحاج خلف ناظرًا له بدهشة من هيئته هذه، أدخله الدار مرحبًا به:
_ أهلًا وسهلًا يا منتصر يا بني، اتفضل.
دخل منتصر يجول بنظره المكان، قلبه يبحث عنها متشوق لملاقاتها، توعد لها بداخله سيذيقها مرارة ما كان يتذوقه فى بعدها عنه تلك السويعات القليلة.
خرجت راكضة عندما تخللت رائحة عطره أنفها، لتغمض عينيها تستمتع برائحته التي أدمنتها منذ ذلك اليوم الذي حملها بها عندما قتل ناصر ابن عمها، عند هذه النقطة من التفكير تشنج جسدها بغضب لتعود إلى سوداوية أفكارها وتذكر نفسها بإنتقامها منه.
تقدم منها بوله ليقول بعتاب لطيف:
_ إكدة يا وداد تهملي السرايا من وراي وتيجي إهنه من غير إذني.
صدم خلف من حديثه وقد تأكدت ظنونه فابنته تركت السرايا غاضبة، صاحت به:
_ مليش مطرح فـ السرايا يا صعيدي، أني مش هعاود تاني واصل.
زفر بيأس من رأسها اليابس الذي ود تحطيمه الآن، نقل أنظاره للحاج خلف مردفًا:
_ يرضيك إكدة يا حاج خلف وداد تهمل السرايـ..
قاطعه خلف يرفع منكبيه ليقول بلامبالاة:
_ أني مليش صالح بيكم، حلو مشاكلكم لحالكم.
تركهما خلف ليعيدا حسابتهما ويتوصلا لحل دون تدخل أحد حتى لا تتفاقم الفجوة بينهما.
عاد بناظريه لـوداد محاولًا الهدوء يسألها:
_ خبريني طيب هملتي السرايا ليه؟
أجابت بقوة:
_ ولد عمي مزعل خيتك وغضبانة فـ السرايا فأني معقدرش أجعد لتضايق مني.
تقدم منها ممسكًا معصمها بقوة:
_ ملكيش صالح أنتِ بحد واصل، مش لأجل مشاكلهم تهمليني أني إكدة..
صمت عندما أدرك ما تفوه به، أشاح بنظره عنها حتى لا تتعرى مشاعره أكثر أمامها، تابع بهدوء:
_ جهزي حالك يا وداد لأجل هتعاودي إمعاي، وأحنا ملناش صالح بحد.
كادت أن تعترض، وجدته يجلس بزهو على الأريكة يأمرها بتهديد وعينان بادرة:
_ جولت جهزي حالك وهمي نعاود، أحسن وقسمًا باللّٰه لأشيلك ع ضهري كيف الشوال وأخلي الخلج كلياتها تتفرج علينا.
ركضت سريعًا لغرفتها، وبعدين ٥ دقائق خرجت تستأذن والدها الذي جلس يتحدث مع الصعيدي:
_ بعد إذنك يا أبوي، هعاود مع منتصر.
نهض خلف رابتًا على كتفها ليقول:
_ متزعليش راجلك يا بتي، وطاوعيه.
هزت رأسها وسارت مع منتصر الذي يبتسم بسعادة لعودتها معه.
_____
كانت تقف أمام المرآة تمشط شعرها الذي بدأ الشيب يغزوه غافلة عن نظراته العاشقة لشعرها الذي تحولت بعض خصلاته للون الفضي أثر الشيب، فشيبها لم يقل من جمالها شيئًا، فهو يعشقها بأدق تفاصيلها، حتى خطوط يدها تجذبه ليقبلها دائمًا.
استلقت على الجانب الآخر من الفراش لينتبه هو من تفكيره لها، جذب كفها برقة ملثمًا خطوطه برقة سرت قشعريرة بطول عمودها الفقري، لتسري الحمرة لوجنتيها معرية تأثرها به، ولكنها أبدت الغضب لتسحب كفها من قبضته تدير وجهها للجهة الأخرى، ثوان لتشهق بصوت مكتوم عندما جذبها برقة لأحضانه لاثمًا شعرها، ليهمس باسمها:
_ ليلى.
اعتدلت على الفراش جالسة، استقام هو الأخر وتربع أمامها معتذرًا منها عندما لاحظ عبوسها:
_ أنا آسف يا حبيبتي، بس غصب عني كنت مضغوط.
عبست وذمت شفتيها بضيق طفولي ولكنه لاق بها لشخصيتها اللطيفة دومًا لتقول:
_ يا ترى مضغوط سبب كافي يخليك تهملني طول الفترة دي ومتصالحنيش!
ابتسم بحرج فهي محقة فهذه مرته الأولى التي يهملها بها ويغضب منها لهذا الحد.
جذب جسدها له، واتكئ فى حجرها يقول:
_ سامحيني يا ليلى، مش هتحصل تاني.
داعبت شعره بلطف ودنت من وجهه تهمس بحنان:
_ قلبي ميقدرش يزعل منك يا محمود.
داعبت بسمة هادئة شفتيه ليريح رأسه أكثر في حجرها مستمتعًا بدفء حبها.
_____
عادت لغرفتها مرة أخرى مرغمة بعدما جاء منصور للسرايا وأعتذر لضربه لها، وأعتذرت هي أيضًا منه ومن والدته سعدية لإرتفاع صوتها عليهما، زفرت بحنق وهي تجلس على فراشها، دخل منصور بصمت وخلع جلبابه وإستلقى على الجانب الأخر من الفراش.
ابدلت ثيابها لأخرى مريحة وتمددت على الطرف من الفراش، أخذت تتململ فى نومتها، حيث لم تخمد نيران غضبها للآن.
صرخ بها بحدة:
_ بكفاياكِ حركة عاد ونامي.
نهضت عن الفراش بعنف هادرة:
_ أني مطيقاش النومة إهنه.
ضحك عليها بسخرية ليقول بتهكم:
_ ليه يا ست ورد هانم، أول مرة إياك تنامي إهنه؟
صمت ليلاحظ حمرة خفيفة بجانب عنقها، ليتقدم منها ببطء يزداد معه توترها وتجلجل أوصالها، مد يده ناحية عنقها لتنتفض للخلف صارخة:
_ هتقتلني ولا أيه يا ولد الهواري.
تجاهل حديثها ليجذبها من مرفقها له بيد وبالأخرى تحسس مكان الحمرة لتأن بألم تغمض عيناها، فتحتها عندما تركها ليقول بهدوء وهو يشير تجاه عنقها:
_ الناموس قرصك فـ رقتبك عشان إكدة معرفاشي تنامي.
توجهت حيث المرآة لتشهق بعنف تتحسسها لتولول قائلة:
_ يا ليلتك المليلة بطين يا بت الصعيدي، وشي كلياته هيحمر دلوجيتي.
ضحك منصور بصخب على هيئهتها هذه، فكل مرة تثبت له أنها مازالت طفلة مدللة.
حدجته بنظرات حانقة تقول بسخط: هتتضحك عليا يا منصور، يا رب تقرصك عقربة عاد.
حنقها وإحمرار وجهها بغضب زاد من حدة ضحكاته لتغرق هي لوهلة فى ملامحه السمراء التي تشبه القهوة التي تعشقها، بالرغم من أنها كانت دائمًا تقول أنها ستتزوج من شاب أبيض البشرة ولكنها تقسم الآن أن سماره هذا أيقظ مشاعر بداخلها باتت لا تفهمها!
وجدت ذاتها تدندن برقة وهي بهذا الوضع الحرج متناسية تمامًا غضبها وحنقها وكل شيء رحل مع أدراج الرياح لتغني:
_ دول عايروني وقالولي يا أسمر اللون يا للي، صحيح أنا أسمر وكل البيض يحبوني يا للي.
انتبه من ضحكاته على دندنتها هذه ليعاني الأمرين، فهو لا يريد التعلق بها ومن جهة أخرى تجذبه بأفعالها الطفولية هذه.
أخرج من درج الخزانة كريم للحساسية ليعطيه لها قائلًا:
_ حطيه مكان القرصة، وفـ الصبح بإذن اللّٰه هرش الشجر مبيد لأجل الناموس.
هزت رأسها وابتسمت بداخلها بإهتمامه بها؛ فهذه هي الأنثى يا سادة تتغذى على الإهتمام، تسعد عندما ترى الإهتمام بها حتى وإن كان من شخص تكرهه!
_______
كان يقف فى شرفة غرفته بضيق ينظر فى ساعته كل خمس دقائق تقريبًا، فها هي عادت إلى حياتها الماضية السهر بالخارج لوقت متأخر، لامبالاتها، لاحظ هذا فى الأونة الأخيرة، ولكن لكثرة المشاكل التي مروا بها إلتهى عنها، زفر بغضب فها هي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ونادين لم تأتِ بعد.
لاحظ وقوف سيارتها، ليلتقط كنزته يرتديها مسرعًا ليركض لأسفل.
دخلت تتسحب على أطراف أصابعها تخشى إستيقاظهم، لمحت طيف أسود لشخص ما يجذبها بقوة ليختبى بها تحت الدرج فى مكان منعزل.
وما كان هذا غير آسر، وضع كفه على فمها حتى لا تصدر صوتًا.
حمد اللّٰه عندما وجد والده يصعد لغرفته بعدما أحضر زجاجة من الماء.
أدار وجهه إليها يحدق بها بنظرات نارية، فكان يحشرها بينه وبين الحائط خلفها، زاد من ضغطه على جسدها لتلتصق بالحائط وهمس بفحيح غاضب:
_ كنتي فين يا هانم؟
حركت رأسها ببطء غير قادرة على النطق بسبب يده الموضوعة بقوة على فكها، هزها بعنف هادرًا من تحت أسنانه:
_ انطقي.
إنسابت دموعها على خديها ليجفل آسر مبتعدًا عنها بحدة آمرًا إياها:
_ اطلعي أوضتك يا نادين وبكرة ليا كلام تاني معاكِ.
صعدت بصمت تستجمع قوتها، بينما هو اعتصر قبضته بعنف، وقد عصفت به رياح أفكاره لتغير مسار سبيله إتجاهها!
____
أما جاسر فالأيام عنده سيان بعد ما حدث بينه وبين سيلا، بل تعمقت الفجوة بينهما أكثر وأكثر عندما تمسكا بكبريائهما، فسارت حياته بلا لون ولا مذاق.

...................................

#مملكة_الشياطين.
#قلوب_مكبلة_بوثاق_الحب.
#مُنى_عيد.
#يتبع...

مملكة الشياطين.   "قلوب مكبلة بوثاق الحب"   _ منى عيد محمد Donde viven las historias. Descúbrelo ahora