الفصل الواحد والثلاثون. "الجزء الأول"

2.9K 134 9
                                    

#الفصل_الواحد_والثلاثون.
#مملكة_الشياطين.

"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، أستغفرك ربي وأتوب إليك."🧡

شعور الفقد كلمة ألم لوحدها لن تكن كافية للوصف، كلمة مكبلة للقلب والروح، كحبل متين مزوع شوك يلتف حول العنق يخنق صاحبه.. سيفقدها مرة أخرى؟ ومنذ متى وهو إلتقى بها ووجدها حتى يفقدها!
تحفزت كل أعضائه قاطعًا منتصر الذي كاد أن يتحدث قائلًا بقوة وحزم لا رجعة فيه:
_ لاه يا خالي أحمد، نورسين مرتي وأني عاجد عليها قدام الخلج كلاتها وع يد مأذون كمانت وأني معسبش مرتي تبعد عن عيني واصل.
لمعت عينان منتصر مع إبتسامة متسعة تعبر عن فخره بأخيه الأصغر الذي يدافع عن حقه ويأخذه حتى وإن كان بين فكي الأسد، بينما نورسين أخذتها حجة قوية لترفض طلب والدها وتقول بنبرة حاولت جعلها قوية جريئة:
_ ياسين معاه حق يا بابا، هو دلوقتي بقا جوزي وبقيت تحت طوعه ومينفعش أروح مكان من غير إذنه.
إستغل ياسين الفرصة بأنانية يقول:
_ وأني هاخد مرتي ونعاود ع الصعيد.
لا تخفي لهفتها للسفر مرة أخرى للصعيد، فقالت بحماس ولهفة:
_ هروح أجهز شنطتي بسرعة وارجع.
كاد والدها أن يتحدث لولا نظرات محمود الرادعة له فصمت بضيق وغضب.
بعد قليل إزدادت طرقات الباب لتفتح الخادمة بعدما طلبت منها ليلى، لتدب أقدام رجال أرضية القصر يلبسون جلابيب، يتقدمهم رجل مسن ولكن من طوله وضخامة جسده لا يظهر كبر سنه، دخل بوجه متجهم غاضب، فاستقبلهم محمود بود لينشرح وجه ذلك الرجل ليبادل محمود الإبتسام وقال بقوة وخشونة:
_ صفاء فين؟
إرتعدت أوصال صفاء عندما إستمعت لصوت ذلك الرجل فإزداد تشبثها بسيف الذي لا زال يحتضنها، ولكن عندما إستمعت لصوته الصائح باسمها إضطرت طواعية أن تظهر له وأنظارها مثبتة فى الأرضية، جذبها الرجل من مرفقها بقوة فهمست بخوف:
_ يابا أنا...
زمجر بها بشراسة:
_ انكتمي يا صفاء، معايزش أسمع كلمة واحدة، قلت من الأول تعيشي معانا وتخدمي مع أمك وتساعديها فـ شغل الدوار وحليب البهايم والزرع.
كادت أن تعترض ولكنه دفعها لأخيها فى الخلف، ونقل نظراته لمحمود وقال بإعتذار:
_ إحنا متأسفين يا محمود بيه، بتي هتعيش معايا.
_ اللي تشوفه يا حاج سعد.
قالها محمود وهو يحمد ربه بداخله، فهذا هو الحل الأفضل لهم ليرتاحوا من مشاكلها، فهو منع نفسه من فعل أي شيء يضرها واكتفى بإخبار والدها عن ما فعلته الذي جاء فى الحال.
قالت متوسلة والدها:
_ أسلم على ولادي بس يابا وبعدها همشي معاك.
رفق والدها بها فسمح لها، سارت بقلب منكسر وكل أفعالها السابقة التي أذتهم بها تتجمع كشريط أمام ناظريها تقدمت من سيف واحتضنته قائلةً:
_ سيف حبيبي، أنت عارف أنا بحبك أد أيه، ممكن تسامحني يا سيف، أنا جريتك ورايا وخليتك تساعدني فـ خططي غصب عنك وأنت شخص نضيف يا سيف، خليك ديمًا كدا، وخلي بالك من أختك يا بني.
تركت سيف وتوجهت لـنادين التي ركضت وعانقتها لتبكي صفاء قائلةً وهي تربت على ظهر ابنتها:
_ سامحيني يا نادين، سامحيني يا بنتي، مقدرتش أكون الأم اللي أنتِ عايزاها، وديمًا كنت ع خلاف معاكِ.
مسحت دموعها وقالت بنبرة خفيضة:
_ آسر أنسب شخص ليكِ يا نادين باين عليه بيحبك بجد، ممكن لما تتجوزوا تعزميني يا نادين؟
قالتها بكسرة ووجع، قالتها ندمًا على عمر فات هباءً، بين لهو وخطط تدمرها وتجعلها رمادًا قبل غيرها.
ابتعدت نادين عن أحضانها ومسحت دموعها تقول:
_ خليكِ معانا يا ماما، ما تمشيش.
هزت صفاء رأسها تقول:
_ خلاص يا نادين مبقاش ينفع يا بنتي، مكاني فـ بيت أهلي أحسن، متخافيش ديمًا هتطمن عليكم.
رحيلها كان مؤثرًا، إعتذرت من الجميع قبل رحيلها فأخذها والدها حيث مكانها الصحيح، حتى تتعرف على ذاتها أكثر وتدرك فداحة ما فعلته وتراجع ذاتها وتحاول بناء حياة جديدة لها سليمة من الحقد والغيرة.
______
صدع صوت أذان الفجر لينبههم للوقت الذي ركض سريعًا وغفلوا عنه تحت كل ما حدث، نزلت نورسين تودعهم لتسافر بصحبة ياسين للصعيد.
وذهب كل منهم إلى غرفته بعد أداء صلاة الفجر..
جلس سيف بإرهاق وتعب على الأريكة مريحًا جسده المتشنج من كثرة آلامه ووجهه المقضب من شدة توجعه، رأي أن الجميع توجه لغرفهم فنهض ببطء وتحرك خطوتين ليصدر آه متوجعًا.
____&&&
طوال الطريق عيناه متعلقة بها، لم يصدق للآن أنها ترافقه، ستذهب معه على أنها زوجه!
وآه من كلمة تعذبه بقدر ما تفرحه، بلحظة يبتسم ولحظة أخرى يزداد عبوسًا، ولكن ما يطمن قلبه أنه يثق تمام الثقة أنها ستحبه.
الريبة تملكتها من نظراته الغريبة فهي للآن لم تعتاد على نظراته لها أو تعامله بتلك الطريقة معها، فهو دائمًا متحفظ من المعاملة مع الجنس الأخر.
هتفت بتذمر:
_ ياسين مالك بتبصلي كدا ليه؟ واللّٰه بتقلقني بنظراتك دي.
ضحك على تزمتها وقال ببساطة وهو يرفع كتفيه:
_ ولا حاجة..
_ طب بص قدامك أحسن نعمل حادثة.
ضحك للمرة الثانية، لتصيح قائلة:
_ قلت بطل ضحك.
قال بمراوغة مرحة:
_ هي حاجة من الاتنين، أبطل أبصلك أو أبطل ضحك.
_ ياسين.
نطقت اسمه بنبرة مرهقة فسكت عن مرواغتها وقال بحنان ونبرة غريبة ولكنها دافئة إحتضنت روحها الملكومة:
_ تعالي فـ حضني يا نورسين.
قالت بحنق ورفعت حاجبيه:
_ لا دا أنت ما صدقت بقا يا سي ياسين بيه!
صمت ونظر للطريق أمامه يتابع القيادة وبداخله يعد:
_ ١، ٢، ٣، ٤، ٥...
زحفت بجسدها لتلتصق به متشبثة بذراعه وجسدها يرتجف بشدة وشفتاها ترتعش، وكل ما حدث معها فى اليوم السابق يؤرق عقلها، الظلام والقيود والعقال التي تلزمها الكرسي، الحراس والضربات صوت سيارات الشرطة، الدماء...
تجمعت كغيوم تحوم أمام عينيها، لتضغط بأصابعها على ذراعه وأظافرها إنغرزت بلحمه، نقل نظره لها ليجدها تتصبب عرقًا، وإرتعاش شفتيها يزداد، أوقف السيارة بجانب الطريق، وضم جسدها لجسده يخبئها من أحلامها المرعبة التي تراها الآن، يتلو القرآن فى أذنها بصوت خفيض، وجسده يشتعل من قربها ولكنه يضع حالتها المذرية نصب عينيه، حملها على ساقيه عندما إشتد إرتجافها وكبلها بأضلعه، يمرر يده الساخنة على جسدها ومازال يتلو القرآن لتهدأ.
كانت سيارة منتصر وحرسه تلاحقه، أوقف منتصر السيارة وترجل منها بإستغراب وذهب لسيارة أخيه..
صدم من وضعهما فغض بصره سريعًا يردد بسخط:
_ وجته دلوج يا ولد أبوي، لمن نعاود السرايا سوي اللي أنت رايده.
هتف ياسين بنبرة قلقة لأول مرة يلاحظها منتصر فى صوته فقال بضعف وعجز يشعره لأول مرة وحبيبته بحالة عصيبة وليس بيده شيء:
_ نورسين جسمها عيتنفض يا أخوي.
جزع منتصر ولكنه طمنه بأنه لم يبقَ أمامهم إلا قليل من الوقت ليصلوا لمستشفى قريبة.
ترجل ياسين من السيارة حاملًا نورسين وركب فى المقعد الخلفي وهي فى أحضانه، وقاد منتصر السيارة بعدما أعطى أوامره لحرسه بملاحقته.
_____
_ سيف!
قالتها تسنيم بجزع وخوف عندما رأت ترنحه ومحاولته للسير، فركضت بإتجاهه وأجلسته بحذر على الأريكة وأحضرت علبة الإسعافات الأولية وجلست بجواره تضمد جروح وجهه، وقالت ضاحكة: تسلم الرجالة قاموا بالواجب عشان تحرم بعد كدا.
نظر للأسفل بحرج وحزن وأكثره ندمًا على ما ارتكب من حماقة، رفعت ذقنه بأناملها الناعمة ونظرت لعيناه النادمة المحترقة بلهيب ظن أنه سيحرقهم ونال هو الجزء الأكبر من الإحتراق، ظن أن نظراتها لائمة معاتبة ولكنها بثت بنظراتها التشجيع والإحتواء له كما فعل الجميع بعد أن أذاقهم مرارة فقدهم لأعز ما يملكون، عادت تضمد جروحه بتركيز، أما هو فتاه بقسمات وجهها عيونها وإبتسامتها وتلك الغمازة التي تصاحب وجنتيها عندما تبتسم، فنطقت شفاه بدون وعي كلمات متفرقة وغير منمقة بالمرة وهو يتابع حركتها بتركيز وتشبع:
_ هو أنتِ مين؟! وحلوة كدا ليه؟! أنا حاسس أني أول مرة أشوفك!
ألجمتها حروفه الثائرة من شفتيه، أيسألها من هي ذلك الأبله!
ضغطت على جرح بجبينه بقوة، فشهق متوجعًا من ضغطها فصرخ:
_ آه براحة يا بنتي أنتِ بتعالجيني ولا بتجرحيني أكتر!
دنت منه وقالت بهسيس:
_ لو بصتلي بالشكل دا تاني هعمل من وشك شوارع، أوك، وبعدين أيه أنا مين أنت فقدت الذاكرة ولا أيه؟
وقف يترنح بعض الشيء وقال:
_ لا يا ستي أنا غلطانلك بعد أذنك، ولية فقر مش بتتعاكس.
_____

مملكة الشياطين.   "قلوب مكبلة بوثاق الحب"   _ منى عيد محمد Where stories live. Discover now