الفصل العشرون.

3.3K 146 5
                                    

#الفصل_العشرون.
#مملكة_الشياطين.

"اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد." 🧡

تقف تضع يديها الاثنتين فى خاصرتها تتبعه بأنظارها، ويكاد يشع الشرار من عينيها لشدة غيظها من تجاهله هذا، أو بالأحرى إنشغاله!
أما هو فيقف أمام المرآة يضع عمامته بحرص على رأسه وبعدها أسدل عبائته على كتفيه وعاد ينثر العطر للمرة التي لا تعلم عددها، ذلك العطر الذي يخدر جسدها ويجذب قلبها له بتأنٍ.
رفع ناظريه لها ليطالعها تتململ فى وقفتها وملامح وجهها تعصف بالغضب الذي كاد ينفذ من سقف الغرفة لشدة تعاليه، تبسم بجانبية وإستدار بكليته لها، قائلًا بعبث متصابي:
_ أيه يا وداد شكلي طالع زين صوح؟
زفرت بعنف وقالت بقلب عاصف:
_ ع أيه كل الشياكة دي يا صعيدي، على وين العزم إن شاء اللّٰه؟
حدق فى عينيها بعمق يحاول سبر أغوارها، ليرى توهج عيناها التي تصرخ بالغيرة القاتلة، ليبتلع ريقه قائلًا بتوجس:
_ ما أنتِ خابرة زين يا وداد أني رايح فين.
تقدمت منه لتقول بقوة تمكن فى نظراتها المشعة بإهتياج:
_ يعني رايح فرح ولد العمدة عبدالحميد!
إستدارت حوله ووضعت كفها على كتفه تتابع بغيرة لا تخفى عنه كرجل يعشق أنثاه ويدمن تفاصيلها لتتابع غافلة عن إجفاله من لمستها العفوية هذه:
_ وهناكيتي فـ الفرح عتكون الغوازي عترقص صوح؟
ربما لمعت عيناها هذه المرة بشراسة لتقف من إستدارتها أمامه مباشرة تتحدى عيناه بل رائحته لا لا بل تتحدى كليته..!
هز رأسه بصمت مستمتع بشراسة الأنثى التي تتفاقم بداخلها، فقال بحماس مفتعل ليغيظها أكثر:
_ صوح العمدة عبدالحميد عامله فرح كبير جوي، وجايب الغوازي يرقصوا.
إستشاطت غضبًا وغيرة وتراكمت بعض المشاعر لتؤلم قلبها مترجمة إياها فى سياق تهديد شرس لترفع سبابتها فى وجهه:
_ خابر يا صعيدي لو عينيك راحت إكدة ولا إكدة هسوي أيه فيك عاد؟ تبعد عن الغوازي يا ولد الصعيدي واصل، دول معندهمش حيا واصل وكيف التعابين بيلفوا ديولهم ع الرجالة ويغووهم، أصلهم واعرين جوي.
إلتقط إصبعها ورفعه لشفتيه يلثمه برقة ليقول بعشق تملك الوجدان وحلق فى السماء:
_  أنتِ اللي واعرة جوي يا وداد وأني مفيش مخلوج يجدر يغويني غيرك يا وداد جلبي، والغوازي معيأثروش فيا واصل.
إبتسمت برضا؛ لأن حروفه المتيمة هذه أرضت غرورها الأنثوي، لتسحب سبابتها برفق التي مازالت تقبع عند شفتيه المتطلبة لها ليأخذ من ما هو حقه برضا وطيب خاطر منها.
____
كان جاسر يقف أمام مرآته يصفف شعره بملل؛ فالأيام عنده سيان بعد ما حدث بينه وبين سيلا، بل تعمقت الفجوة بينهما أكثر وأكثر عندما تمسكا بكبريائهما، فسارت حياته بلا لون ولا مذاق، تؤلمه كرامته ورجولته التي أهانتها بكل وحشية وهي تطرده، زفر بعنف محاولًا لفظ التعب المتراكم على صدره.
نزل لأسفل وجد الجميع يلتفون حول المائدة وكعادته تناول قهوته وهو واقف ليستعد للذهاب إلى شركته، وجهت ليلى كلامها له بحنو:
_ مش هتفطر يا جاسر قبل ما تمشي؟
هز رأسه رافضًا ليقول بنبرة يشوبها الحزن:
_ لا يا ماما مستعجل عندي إجتماع.
وقف آسر مقررًا الذهاب معه فأوقفه جاسر بإشارة من يده:
_ لا خليك أنتِ يا آسر، أبقى تعالى بعدين.
هز آسر رأسه بصمت وعاد ليجلس مرة أخرى، بينما تنهدت ليلى بألم على ابنها فلذة كبدها، ليس بيدها شيء لتفعله له، حادت بنظرها تجاه محمود الصامت بألم هو الأخر، نظرة تشكوه فيها توجعها وخوفها عليه، ليبثها بنظرة تطمن قلبها وتربط عليه.
هتفت نور عندما وجدت الجو يتكهرب وملامحهم تصفح عن أوجاعهم:
_ أيه يا يوسف كنت فين الفترة اللي فاتت دي، مكنتش بشوفك كتير؟
حدجها بنظرات ضيقة ليقول بنبرة هجومية:
_ كنت بروح الجيم وربيت شوية عضلات مقويين قلبي، وأي حد هيقرب مني مش هرحمه أنا بقولكم أهو.
اختتم حديثه موجهًا نظره لـياسين، ليقهقه ياسين بخشونة يقول:
_ ما أحنا قولنا آسفين يا عم.
أحاد بوجهه عنه متحسسًا أثر ضربته على وجهه، ليقهقه هو الأخر بقوة وسط دهشة الجميع.
لتهتف نور عاقدة حاجبيها متسائلة:
_ هو فيه أيه؟
رد عليها يوسف مغيظًا إياها:
_ وأنتِ مالك.
كاد أن يلكزها فى كتفها ليلمح نظرات ياسين النارية تجاهه ليغمغم بنزق:
_ حتى يا ربي البت الوحيدة اللي بتتقبل هزاري يحبها وحش الغيرة ده، ويبعدها عني!
كل ما حدث كفيلًا لأن يدرك يوسف حب ياسين وغيرته الجنونية على نورسين، فـيوسف من الآن يترحم عليها لوقوعها بين أنياب ياسين الصعيدي!
حاد بناظريه الناحية الأخرى ليشاهد حرب النظرات الحارقة بين آسر ونادين، قلبه لا يطمئن لوجهيهما هكذا، فيبدو أن آسر يعاني من أمر ما يخص نادين.
تنهد داخله ليقول لذاته:
_ "إلى متى يا فتى سيبيت جوف قلبك فارغًا، ألم يأن أن يدفء قلبك بنار الحب!"
_______
تعافت أخيرًا من المرض الجسدي ولكن مرضها القلبي يتضخم بنفسها، تقع فى شباكه التي ألصقها بها بخطوات مدروسة، أقسم أن تلجأ له، أن تعصف بها الحياة لترمي بها أمام شاطئه لتصبح مليكة له، تحت سطوته.
تتقدم منه بخفر وتأنٍ، تستجمع شجاعتها، يلاحظ هو خطواتها التي يرسمها لها بحرافية شديدة، في أخر أيام كانت تبادله أحاديثه لا تعترض على تغزله بها، وهذا ما أسعده، وها هي اليوم تأتي إليه طواعية حتى يشرح لها بعض المحاضرات التي فاتتها.
وقفت أمامه تقول ببسمة تتسع:
_ صباح الخير يا دكتور مالك.
وقف لها بحركة سريعة مهذبة تجذبها من جدور قلبها له:
_ صباح النور يا رضوى اتفضلي.
جلست بهدوء ليجلس هو مقابلها يبتسم لها مردفًا:
_ شكلك حلو أوي النهاردة.
رفعت مقلتيها له مسبلة أهدابها ليعاجلها:
_ بصي هو مش النهاردة بس، أنتِ كل يوم قمر أساسًا.
أفترشت أنظارها الأرض خجلًا وتتسع إبتسامتها الشغوفة بحب دق أبواب قلبها الذي كان أكثر من مرحب بهذا.
_______
دخلت بخطوات متمهلة بغنج وضيق ومكياجها الصارخ يشع من وجهها بشكل ملفت، حذرها ياسين مرارًا ولكنها تعانده، تعتقد بغنجها ولبسها هذا تثيره وتقربه منها، ولكنها فتاة مسكين غافلة عن قلبه الذي يتوهج حبًا لنوره، فحبه لها يتوج قلبه.
قالت الممرضة إيمان برقة مصطنعة:
_ في وحدة بره بتسأل عنك يا دكتور ياسين.
تحاشا النظر لها وقال بهدوء متسائلًا بإقتضاب:
_ مين؟
لوت شفتيها بغيظ منه تقول:
_ بتقول اسمها نورسين.
نهض سريعًا ليطفو الجذل على وجهه وتنفرج شفتيه ببسمة تتسع كإتساع العالم من حوله الآن، ليقول بلهفة تركها تظهر برحب:
_ دخليها بسرعة، ومش عايز إزعاج.
انتفخت أوداج الممرضة إيمان غيظًا، تتقافز الأفكار الخبيثة فى عقلها، ودت لو جذبت نورسين من حجابها ممزقة لها وجهها الطفولي الجميل هذا..!
دخلت نور بمرح مبتسمة:
_ السلام عليكم يا دكتور.
وقف ياسين لها يستقبلها فرد تحيتها معقبًا بعدها:
_ وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته، تعالي وخلي الباب مفتوح.
أومأت برأسها وتقدمت منه لتجلس على المقعد أمامه ليسألها:
_ أومال مين جابك؟
ردت بمرح:
_ آسر، لما صدق خلص مني وصلني وراح ع الشركة، تعرف يا عمدة آسر دا غريب أوي وعنده شيزوفرنيا تقريبًا.
نظر تجاهها بإهمتام مضيقًا عينيه يسألها:
_ كيف يعني؟!
هزت رأسها بحيرة تقول:
_ شوية بيهزر ويضحك وشوية نكدي أوي، حاسة أنه فيه حاجة مش طبيعية، موجوع باين مش عارفة أحدد بالظبط، حاولت اتكلم معاه توه فـ الكلام.
غبي! هكذا نعت نفسه، إهتمامه بها أنساه من حوله، بل أنساه العالم بأسره، كيف له أن لا يلاحظ آسر ومشاكله.
نظرت له بإشعاع حزين تقول:
_ ممكن تساعده يا ياسين باللّٰه عليك.
أحس بغصة فى قلبه، وإنقباض فى صدره إثر الغيرة التي تسربت له، أيحدث أن تكن نورسين تقع بعشق آسر؟!
تمتمت شفتيه تفكيره هذا بصيغة منمقة:
_ نورسين هو آسر مهم عنديكِ جوي إكدة؟
إبتسمت ببشاشة تقول:
_ كلهم، كلهم يا عمدة مهمين آسر ويوسف وجاسر..
كان ينتظر أن تنطق اسمه معهم ولكنها صمتت، ليسحق أسنانه بإحباط جلي، ولكنها أضافت:
_ أنا مهتمة بالكل بس بحس أو أقرب بحسك.. بحسك أنت أكتر واحد بتهتم بيا؟!.
لا يعلم إن كان هذا سؤال أو تقرير ولكنها عادت تقول مرة أخرى:
_ الكل كان سايبني على راحتي، لكن أنت غيرت حاجات كتير فيا كنت حابة أنها تتغير لكن كنت منتظرة الشخص اللي يجبرني على كدا.
مشتتة، مشتتة هي وشظايا منكسرة ملقاة هنا وهناك تحتاج من يلملمها، وهو يفعل هذا بصدر رحب دون أن تطلب منه.
وعت على حديثها هذا الأقرب للهذيان لتنهض قائلةً:
_ أنا أتأخرت ع الكلية وحنين هتعلقني، ممكن توصلني.
نهض هو الأخر متناولًا سترته، كان يتمنى أن تطول جلستهما هذه، أن يتعرف على ما يجول بقلبها وعقلها، فهي صريحة بطبعها وكان من المؤكد لو طالت جلستهما سيتعرف على كل خبياها.
______
_ أيه يا رضوى الصفحة دي خامس مرة أشرحها، مالك؟
قالها مالك وهو يتأفف، لترد رضوى بيأس:
_ يووووه بقا شكلها مش هتثبت فـ دماغي.
سألها بحدة:
_ طب أعمل أيه دلوقت؟
إبتسمت بداخلها تقول برجاء:
_ بليز أشرحها مرة كمان.
نظر لها يهز رأسه لتعاود توسلها بنظراتها:
_ أخر مرة، وهركز معاك حاضر.
تنهد بنفاد صبر ليعود يشرح لها مرة أخرى، وهي غافلة في ملامح وجهه وزرقة عيناه اللامعة، ملامحه الرجولية، إنكماش ملامحه وهو يركز بالكتاب أمامه، رفع رأسه لها يسألها بهدوء:
_ فهمتي؟
هزت رأسها بلا وتتسع إبتسامتها بغباء ليشد مالك خصلات شعره بقبضته غيظًا يكاد يقتلعهم من منابتهم.
لتتوسله بنظراتها مرة أخرى، حتى تتشبع هذه المرة من دراسة تقاسيم وجهه عن كثب.
ويا حسرتاه فقد ضاعت مبادئها التي كانت تتغنى بها دومًا، فهي كانت تمقت إختلاط الجنسين، ولا تؤمن بالصداقة بين ولد وفتاة متبعة قول اللّٰه تعالى: "ولا متخذات أخدان"
ولكن أين إيماناتها وإعتقداتها الآن، أفكت مع الرياح لتغادرها تاركة خلفها تأنيب ضمير يكاد يتلاشى وهي تدفنه وراء حماقة قلبها..
....................................................
دخل الغرفة ببطء حتى لا يوقظها وتبدأ مشاجرتهما اليومية، خلع عمامته وعبائته يليها جلبابه، ثم تقدم من الجانب الأخر من الفراش، ولكنه شعر بالجوع يضربه وأصدرت بطنه أصواتًا دلالة على شدة جوعه فالبرغم من أنه كان بحفل زفاف ابن عمدة نجعهم ولكنه لم يتناول شيء فهو لا يأكل غير من يد أمه ومؤخرًا يد ورد، زفر بضيق ونظر لها ليجدها تنام بعمق، فكر قليلًا يوقظها لتحضر له طعامًا ولكنه أخيرًا إهتدى لطريقه يوقظها:
_ ورد، ورد همي حضريلي الوكل.
غمغمت وهي تتململ فى نومتها فعاد يهزها برقة قائلًا بتذمر:
_ ورد أني جعان، قومي حضريلي الوكل.
إستدارت للجهة الأخرى تتمتم بحدة:
_ شوفلك حرمة غيري يا ولد الهواري تحضرلك الوكل.
_ يعني أتجوز؟!
نهضت من الفراش سريعًا تنفض النوم من عينيها تقول بحدة وشراسة:
_ لمن تتجوزني أني الأول أبجى فكر تتجوز حرمة تاني غيري.
لمعت عيناه بمكر ليقول:
_ وأنتِ رايداني اتجوزك يا ورد.
إتسعت مقلتيها بحدة من مغزى حديثه وكسى اللون الأحمر القاني وجهها خجلة، لتلكزه فى صدره تصيح:
_ اتحشم يا منصور عاد.
ضحك عليها بقوة ليضحك قلبها مع رنيم ضحكاته التي أطلقها بسلاسة على هيئتها الخجلة هذه فهي تبدو أجمل عندما تخجل. 
نهضت على قدميها وتناولت حجابها تقول له بمساومة:
_ عحضرلك الوكل دلوجيتي، بس تهملني أنام براحتي ومتصحنيش بدري، معلوم.
هز رأسه يكتم ضحكاته التي تغرقه بها أكثر وأكثر، وكانت هذه هي بدايات الوقوع فى أبار الحب!

__________"_________"_________

يلا قراءة ممتعة.
دمتم بخير سُكراتي.

#مملكة_الشياطين.
#قلوب_مكبلة_بوثاق_الحب.
#مُنى_عيد.
#يتبع...

مملكة الشياطين.   "قلوب مكبلة بوثاق الحب"   _ منى عيد محمد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن