المقدمة

10.2K 261 4
                                    

المقدمة



دخل روبرت جوردن إلى شقته القائمة في أحد أحياء لندن المتواضعة .. وقد اعتلى وجهه المتعب الشحوب والتوتر .. لاحظت آنا على الفور التغير الطاريء على زوجها فرفعت رأسها متوقفة عن حياكة القبعة الصغيرة زهرية اللون .. ونظرت إليه باستفسار لم يحمل من القلق ما حمله من الاهتمام .. سألته بهدوء :- ما الأمر ؟
بدون أي كلمة .. قطع الغرفة نحوها ملقيا على منضدة القهوة المنخفضة الجريدة التي تجعدت من فرط ما قلب بين صفحاتها وقرأها خلال الساعات الأخيرة .. نظرت إلى الصورة الكبيرة التي تصدرت الصفحة الرئيسية .. وحدقت بلا أي تعبير يذكر بوجه الفتاة الصغيرة الجميل .. بشعرها الفضي شديد الشقرة والذي انسدل ناعما فوق جبينها وحول وجهها .. وقد اعتلت عينيها العسليتين نظرة طفولية متمردة .. لم يظهر أي تعبير على آنا وهي تمسك بالجريدة .. وتبحث بهدوء مثير للأعصاب عن المقال الرئيسي .. وتبدأ بقرائته فقال روبرت بعصبية :- إنه الخبر الرئيسي في كل الجرائد اليومية .. ستجدين صورة الطفلة معلقة في كل مكان .. على كل حائط أو باب .. سرعان ما سيصلون إلينا آنا
دون أن تعلق على تصريحه .. تابعت القراءة برباطة الجاش نفسها .. قبل أن تعيد الجريدة فوق المنضدة فاتحة الصفحة المحتوية على المقال وهي تقول بهدوء :- هل قرأت المقال كله ؟
قال بتوتر :- ما يقرب العشر مرات .. إنها تنتمي إلى عائلة ذات نفوذ آنا .. لن يكونوا متسامحين إن عرفوا بدورنا في اختفائها
حدقت به أنا بهدوء أخافه .. فقال بعصبية :- حتى انهم رصدوا مكافئة مجزية لمن يقدم المعلومات عن الفتاة .. سنكون صيدا ثمينا لكل طالب لربح سريع ... سرعان ما سيدرك سكان العمارة وجود طفلة صغيرة في شقتنا .. طفلة لم تكن موجودة قبل إسبوعين ..
قالت وهي ترمقه بازدراء :- قرأت المقال عشر مرات وكان هذا كل ما أثار اهتمامك ؟؟ الفتاة مفقودة منذ أسبوعين روبرت .. لم تبدأ العائلة ( ذات النفوذ ) بالبحث عنها إلا منذ أيام قليلة .. إنهم لا يهتمون لأمرها روبرت .. لا يريدونها إطلاقا .. بل ربما يتمنون ضمنيا أن تبقى بعيدة عنهم وألا تعود
قال بتوتر :- أنت لاتعرفين هـ ..
قاطعته وهي تقف بشيء من الحدة :- لقد قرأت التقرير مثلي .. الفتاة مجرد طفلة غير شرعية لا يريدها أحد .. إنها الطفلة التي أثيرت حولها ضجة إعلامية كبيرة قبل أشهر عندما أقامت عائلة والدتها المتوفاة تلك الدعوة لإثبات بنوتها لوالدها الحقيقي ... لا أحد يريدها روبرت .. لقد تقاذفتها جميع الأطراف وكأنها غرض قديم لا فائدة له .. لا أحد يريدها سواي أنا ..
يعرف روبرت زوجته جيدا بعد عشر سنوات من الزواج .. ذلك الارتجاف في صوتها جعله يدرك حالة الانفعال التي تمر بها .. قال متنهدا :- أعرف بأنك تريدينها حبيبتي .. أنا أيضا أريدها .. إنها طفلة رائعة .. إلا أنها ليست لنا .. لابد من وجود شخص ما يبحث عنها ويهتم لأمرها في مكان ما
ظهر العناد على ملامح أنا السمراء وهي تقول :- لا .. لو أن هناك من يهتم لأمرها ما وجدناها هائمة على وجهها .. ترتجف جوعا وبردا في شوارع لندن الفقيرة .. هناك من ألقاها هناك روبرت ... من أراد أن يتخلص منها .. ما هذه الزوبعة الإعلامية إلا محاولة للالتفاف حول ما حدث ... لخداع الناس وإخفاء الجريمة البشعة التي ارتكبها من تركها لمصيرها .. لن أعيدها إليهم .. اتسمعني ؟؟ لقد أرسلها لي الله لهدف معين .. لتكون لي الطفلة التي لم أستطع إنجابها .. وأكون انا الأم التي لم ترغب بها
قال محاولا تهدئتها :- اهدئي حبيبتي ... فكري فقط بوضعنا إن اكتشف أحدهم أمرنا ... سينتهي بنا الحال في السجن .. والطفلة ستعود إلى عائلتها على أي حال
صرخت بشي من الهستيرية :- لا .. لن يأخذها مني أحد .. أتفهم ؟؟ أعرف بأنك تعرف أشخاصا قادرين على تدبر الأوراق اللازمة كي نتمكن من الرحيل بها .. سنغادر لندن .. بل سنغادر بريطانيا كلها .. سنذهب إلى فرنسا ونقضي بعض الوقت لدى شقيقتي حتى نعرف خطوتنا القادمة ...
قال بتوتر :- أنا ...
استدار الاثنان عندما أحسا بحركة مكتومة وراءئهما .. نظرا إلى الطفلة الصغيرة ذات الست سنوات ذات الشعر الأسود القصير .. التي وقفت عند باب غرفة النوم ترتدي منامة وردية وتحتضن بين يديها دبا قماشيا بدأ بالاهتراء .. تنظر إليهما بعينين واسعتين خائفتين وكأنها تنشد الحماية .. فأسرعت أنا نحوها .. حملت جسدها الصغير والنحيل جدا بين يديها وهي تقول برقة :- ما الأمر ميشي ؟؟ هل رأيت كابوسا ؟؟ لا تخافي حبيبتي .. مامي لن تتركك أبدا
أثار مشهدهما انزعاج روبرت الذي وجد زوجته تغرق أكثر وأكثر ساحبة إياه معها في لجة مجهولة القرار .. فقال بنزق :- اسمها ليس ميشيل أنا .. إنه سارة .. سارة برانستون .. ابنة جيرارد برانستون .. أحد أشهر أثرياء لندن
التفتت إليه انا وهي تضم الفتاة بين يديها بقوة وهي تصرخ بوحشية :- اخرس . اخرس روبرت .. إنها ابنتنا .. ميشيل جوردن .. أتسمعني ؟؟؟ إن لم تساعدني وتمنحني ما أريد روبرت .. أقسم بأنني سأرحل بها وحدي ولن تجد طريقنا بعد ذلك ما حييت
أصدرت الطفلة أنينا خافتا جعل اهتمام أنا يعود إليها وهي تسألها بقلق :- ماالأمر حبيبتي ؟؟ هل تتألمين ؟؟
لاحظت أنا نظرات الطفلة التي تعلقت بتلك الصورة التي ظهرت عبر الصفحة المفتوحة .. كانت نظرة رعب خالصة تلك التي حدقت بصورة مثلت رجلا في أوائل الخمسينات وسيم وشديد الأناقة .. يعتلي وجهه تعبير جامد وكأنه يعزل دواخله عما تحاول عدسات الكاميرا التقاطه .. إلى جواره وقفت امرأة جميلة .. لا تقل عنه أناقة و رقيا .. تخفي عينيها بنظارة سوداء .. تحمل بين يديها طفلة صغيرة ذهبية الشعر ..
نظرت انا إلى الكلمات المكتوبة تحت الصورة .. عائلة برانستون ترصد جائزة مالية مجزية لمن يقدم خيطا يقودها إلى الطفلة المفقودة .. ازداد تشبث الطفلة بها وكأنها تنشد الحماية من أنا التي ربتت على شعرها قائلة بحنان :- لا عليك حبيبتي .. لن يؤذيك أحدهم ... أنت ستبقين هنا مع مامي .. انت تحبين ماما أنا .. وترغبين بالبقاء معها .. صحيح ؟؟
اومأت الطفلة براسها .. وقد كانت قليلة الكلام منذ لقياها قبل أسبوعين .. فعرف روبرت المذعور بأن أنا قادرة على فعل أي شيء في سبيل الاحتفاظ بالطفلة .. أي شيء

قراءة ممتعة..
يتبع...

كما العنقاء(مكتملة)Where stories live. Discover now