الفصل الخامس

3.7K 147 1
                                    

الفصل الخامس

كان الازدحام شديدا ... عشرات الأجسد تعانقت على حلبة الرقص تهتز بجنون على الموسيقى الصاخبة ... لم تكن أيفي قط معجبة بهذا النوع من الموسيقى .. إلا أنها كانت ممتنة في تلك اللحظة لصخبها إذ منعتها من التفكير .. بينما هي تجلس إلى البار تحتسي الشراب الذي ابتاعه لها باري ..
بعد أن تركته يتصل بها ويرجوها لقائه لبضعة إيام ... قبلت أيفي أن تراه أخيرا في مكان عام .. قالت له شامخة :- أنا لا أثق بنفسي إن رأيتك على انفراد باري ... قد أضربك بحقيبة يدي فأسبب لك عاهة مستديمة إذ أنني غاضبة منك ولا سبيل أبدا لمسامحتي لك دون أن أسبب لك شيئا من العناء
رد بعصبية :- تسامحينني على ماذا أيفي ؟؟ أنت من رحل فجأة وأنهى علاقتنا ...
قالت ببرود :- أنهيتها مع الشخص الذي ظننته أنت .. أكره أن ألعب دور المغفلة باري .. إن أدركت بأنك تخفي عني شيئا من جديد لن أكتفي بالرحيل ..
وهاهي الآن .. في ملهى ليلي سيء السمعة ... برفقة باري الذي بدا على معرفة بمعظم الموجودين .. وقد غاب جزء كبير منهم عن حالتهم العقلية الطبيعية وبدا الإجرام والخطورة على الجزء المتبقي ...
كانت تراقب باري بطرف عينها كلما تحدث إليه أحدهم همسا ... لم تستطع حتى الآن أن ترى باري كمجرم شرير رغم ازدرائها مما يقوم به .. لقد كان باري العصبي الساخر ... الذي عرفته منذ فترة في إحدى الحفلات الصاخبة التي كانت تحضرها مع أصدقائها بانتظام ... ما جعلها تستجيب لمغازلته لها ..وتوافق على الخروج معه .. هو أنه لم ينظر إليها قط كطفلة مدللة تحتاج إلى ترويض أو مراقبة .... لم ينظر إليها كمصدر للمال كونها ابنة رجل ثري معروف .. لقد كانت نظرته إليها مجردة تماما من أي عوامل خارجية .. لقد كانت فطرية .. حسية وجسدية لا أكثر .. لقد رغب بها .. وكان مستعدا لفعل المستحيل لأجل الحصول عليها .. لم يكن هناك تظاهر .... فقط شخصين احتاج كل منهما وجود الآخر ... هو أراد أن يشعر بأهميته كرجل خارج نطاق عمله المنحط .. في عيني امراة من الطبقة الراقية .... لقد أرادها بيأس أن تعجب به .. أن ترغب به لشخصه ... وهي .. أسكرتها رغبته في استغلالها ... كمن مل وقرف من إحساسه بالحماية
قامت علاقتهما على الاستغلال المتبادل .. كل لما يستطيع الآخر أن يقدمه .. بيد أن هوس باري بأيفي والذي اكتشفته فيما بعد .. كما أذهلها .. أعجبها .. أن تشعر من خلاله بسيطرتها وسلطتها كأنثى .. حتى عرفت حقيقة عمله ... لتدرك بأن هوس شخص كباري بها .. ليس دائما محمود العواقب .. ففضلت الرحيل ..
خداعها الحالي له .. يجب ألا يشعرها بتأنيب الضمير .. صحيح ؟؟ فاهتمامه بها ...وسعيه لإرضائها ... ليس نابعا عن عشقه الخالص هو الآخر ... لطالما كان باري مجرد مجرم لا ضمير له ... قادر على تدمير مستقبل مئات الشباب بلا أي ندم ... ولن يتغير الآن لأجلها هي

قال لها باري وهو ينظر بافتتان إلى ما ظهر من جسدها تحت الثوب الأسود القصير والضيق :- هل ترغبين بالرقص قليلا أيفي ؟؟
شخرت قائلة :- معك أنت ؟؟؟ بالطبع لا .. أم أنك نسيت بأنني لا أحب رفقاء الرقص ..
تحركت أمامه نحو حلبة الرقص ... ووقفت بين الاجساد المتمايلة مستديرة نحوه ... بابتسامة بطيئة ... مستفزة بإغرائها ... تحركت بانسجام مع اللحن الصاخب ... يتماوج جسدها بتناغم جعل جسد باري يتلوى بعذاب الرغبة ... إلى متى أيفي ... إلى متى تعذبينني ؟؟ .. متى سيتسنى لي أن أحظى بما تمنعينه عني بقسوة ؟؟
حدق بجسدها وهو يتنفس بتثاقل ... يحتسي شرابه بلا تركيز وقد غاب عقله عن أي شيء سوى الحصول على ذلك الجسد الرشيق الفاتن ... أن يمرر أصابعه بين تلك الخصلات النارية المصففة بتسريحة ثائرة عبرت بوضوح عن شخصية أيفي الغير تقليدية ...
ما الذي يميز هذه المرأة عن غيرها ويجعله بهذا الضعف ؟؟ ما الذي تمتلكه ويستعبده بهذه القوة فيجعله خانعا عاجزا .. متلهفا لنيل الفتات منها .. لقد حظي دائما بالنساء الجميلات ... إلا أنهن كن مختلفات عنها .. كن مدمنات يلهثن وراء المخدر ... ضعيفات يبحثن عمن يستعبدهن .. ساقطات يستمتعن بمزاولة العهر ... تافهات يرغبن بالمغامرة ... أما هي فمختلفة تماما .. إنها شيء فريد لا مثيل له ..
...وباري يريدها ... يا الله كم يريدها ... بطريقة لم يرد فيها امرأة قط
... يريد أن يسحق روحها الحرة فيقتلها بعنفه ... أن ينهش هذا الجمال فما يبقي سوى الرماد مكانه ... يريد أن يدمر هذه المرأة التي جمعت بين القوة والجمال ... الثراء والثورة ... الغضب والدلال ... يريد أن يدمرها فيدمر ضعفه فيها ... يريدها أن تأتي إليه بكامل إرادتها .. لا أن يجبرها كما فعل مع الكثيرات .. إنه يريدها أن تتوسله أن يذلها ... أن يمتص كل ذرة حياة فيها .. حتى ما يتبقى منها سوى أشلاء امرأة
اختفت ابتسامة أيفي الماكرة عندما التقت نظراتها بنظراته التي فضحت الشر الكامن في أعماقه .. وقفت تنظر إليه وكأنها تتحداه أن يأتي إليها ... فدفع نفسه إلى الامام ليقف على قدميه .. وتحرك ليخترق الحشود متجها نحوها عندما اهتز هاتفه المحمول في جيب سرواله
قطبت أيفي وهي تراه يستل هاتفه .. ويفقد كل لون في وجهه وهو يرد على المكالمة .. ويتحرك بسرعة متخبطا بكل من حوله مغادرة إلى مكان أكثر هدوءا ... لحقت به بخفة وقلبها يخفق انفعالا وتوترا... لابد وأن يكون ما ألهاه عن مصيدتها له .. الطعم الذي كانت تلقيه في وجهه بين الحين والآخر لتبقيه معلقا بها ... شيئا هاما ...
لحقت به إلى الباب الخلفي للملهى حيث لمحته يخرج منه ... ووقفت عبر فرجته تنظر إلى باري وهو يتحدث هاتفيا مانحا إياها ظهره .. وقد ظهر عليه التوتر الشديد :- نعم ... نعم ... مفهوم سيد مانسيل ... سأتصرف ..
تراجعت وقد أحست بالمكالمة تنتهي .. وعادت أدراجها إلى البار حيث جلست تنتظر باري الذي لحق بها بعد دقائق ليجد الغضب ظاهر على ملامح وجهها الجميلة وهي تقول باقتضاب :- أريد العودة إلى البيت ... خذني من هنا فورا باري
قال عابسا :- ما الأمر أيفي ... لقد تركتك لدقائق فقط .. ماذا حدث ؟؟
هتفت بحدة :- لقد أصبت بالملل ... إن لم تأخذني من هنا طلبت سيارة أجرة ورحلت بمفردي ..
:- اهدئي حبيبتي ... آسف .. أنا حقا آسف .. لقد كان اتصالا مهما ولم أستطع تجاهله ... لا تستطيعين تركي الآن .. مازالت الأمسية في بدايتها .. امنحيني الفرصة وأنا متاكد من قدرتي على تعويضك
رمقته من بين أهدابها الكثيفة بامتعاض قبل أن تقول بنزق :- حسنا ... لا بأس .. أعطني هاتفك لأتصل بماريا وأبلغها بتأخري كي لا تجن من القلق .. لقد فرغت بطارية هاتفي ..
لم يفكر أبدا بأن لأيفي نوايا خبيثة عندما سلمها هاتفه بكل سذاجة تاركا إياها تبتعد به ... أول ما فعلته فور خروجها من نطاق مراقبته .. الدخول إلى سجل المكالمات الواردة ... وحفظ رقم آخر مكالمة عن ظهر قلب .. قبل أن تتصل بماريا بالفعل وتبلغها بتأخرها



كما العنقاء(مكتملة)Where stories live. Discover now