الفصل الثالث عشر

3.1K 137 1
                                    

الفصل الثالث عشر


ساد صمت ثقيل بين المرأتين .. صمت ميشيل كان نابع عن التحدي والغضب لالم الذكرى .. وغضب باربرة برانستون كان بسبب الخوف .. والغضب لفشل الذكرى..
قالت بصوت منخفض إنما مفعم بالانفعال :- لن يصدق أحد ما تقولين
قالت ميشيل بهدوء مبالغ به :- أظنك مخطئة ...لن يكذبني دانيال الآن وقد ساهمت في إثبات براءته ... لن يكذبني عندما أخبره بأنك قبل عشرين عاما .. كنت تبثين السموم في مسامعي يوميا طوال إقامتي القصيرة في هذا المنزل .. لقد كرهتني .. وأنا الآن لا ألومك على كراهية طفلة كانت نتيجة خيانة زوجك لك .. إلا أنني أبدا لن أسامحك على الإرهاب الذي مارسته علي حينذاك سيدة برانستون ..
تشنجت باربرة وهي تلتفت حولها قلقا من دخول دانيال المفاجيء .. ثم قالت بخشونة :- وما الذي تعرفينه عن مشاعري في ذلك الحين ؟ ... ما الذي تعرفينه عن إحساس امراة عرفت بخيانة زوجها لها مع سكرتيرة حقيرة لا تساوي شيئا .. ما الذي تعرفينه عن موقفي وأنا أعرف بالأمر عن طريق الصحف الصفراء التي نشرت صورك وتفاصيل قضية إثبات النسب قبل أن يجرؤ زوجي على إخباري
قالت ميشيل بتماسك وحزم :- ما أعرفه هو أنك أمسكت بطفلة في السادسة من عمرها من يدها وأخرجتها من المنزل الوحيد الذي تبقى لها بعد وفاة والدتها ... أخذتها في سيارتك في جولة في المدينة لم تتوقفي خلالها عن إخبارها أي مخلوقة تافهة هي .. عن احتقار شقيقها الأكبر لها .. وكراهية أختها الصغرى لها .. عن الامتعاض الذي يحسه والدها اتجاههها وهو يتمنى في كل يوم وفي كل لحظة لو أنه لم ينجبها ... لقد كنت صغيرة جدا .. إلا أنني كنت كبيرة بما يكفي لأذكر كل كلمة قلتها على مسامعي في ذلك اليوم وكأنك قد نقشت الأحرف نقشا داخل صدري
اقتربت من السيدة برانستون التي تراجعت برهبة بينما قالت ميشيل وقد أحست بكل الأسوار التي بنتها طويلا داخلها تنهار .. قالت بغضب :- لقد فتحت باب السيارة .. وأمرتني بالخروج منها .. طلبت مني عدم العودة مجددا لأنني إن بقيت في ذاك البيت فإنني سأضطر لمراقبة كل لقمة آكلها إذ أن أي منها قد تحتوي سما قد يقتلني ويريح الآخرين مني .. لفترة طويلة .. طويلة جدا .. توقفت عن الأكل قبل أن أرى غيري يأكل من نفس الطبق .. أنت نزعت أي حس بالثقة داخلي اتجاه الآخرين .. وأنا لن أسامحك أبدا على هذا .. كما لن أسمح لك بإبعادي مجددا عن عائلتي
هتفت السيدة برانستون بثورة :- إنها عائلتي أنا .. إنهم أبنائي أنا
قالت ميشيل بحزم :- دانيال هو أخي ... وقد بحث عني لسنوات طويلة راغبا في وجودي في حياته .. إيللا هي أختي .. وقد أظهرت فرحا كبيرا لاكتشافها إياي كأخت كبرى لها .. أبدا لن تتمكني من تغيير هذا حتى لو تآكلت نفسك غضبا وحقدا ..... باربرة
لم يكن من عادة باربرة برانستون فقد اعصابها ... دائما كانت كابنها دانيال .. مسيطرة دائما على نفسها حتى في أحلك المواقف .. إلا أن إحساسها بالحصار من قبل ابنة المرأة التي جرت زوجها للمرة الوحيدة نحو الخيانة .. المواجهة الصريحة والمتحدية من ميشيل .. الخوف الخالص من أن يكتشف أحد ما فعلته قبل عشرين سنة .. كان كافيا لدفعها واجهتها المتزنة جانبا .. ورفعها يدها في حركة لا إرادية نحو ميشيل التي تراجعت مجفلة بينما دوى صوت حازم يقول :- ما كنت لأفعلها لو أنني مكانك سيدة برانستون
التفتت المرأتان نحو مصدر الصوت .. في حين ظلت يد باربرة معلقة بالهواء .. همست ميشيل باضطراب :- ليو
كان يقف عند الباب الضخم المفتوح للمنزل ... ينظر إليهما ببرود عكس غضبه الشديد .. لم يسبق لميشيل ان رأته على هذه الحالة من الغضب الخفي .. في الواقع .. لم تجده غاضبا بهذا الشكل إلا منها هي .. هي وحدها
قال ببرود وهو يتقدم نحوهما :- لن يكون دانيال مسرورا إن عاد ليجد علامة حمراء على وجه سارة سيدة برانستون .. صحيح ؟ وسيكون الأمر محرجا جدا لك إن اضطررت لتفسير نوبة غضبك النادرة له ..
تراجعت السيدة برانستون شاحبة الوجه وعيني ليو السوداوين تحذرانها بأن ميشيل تحت حمايته هو .. بأنه لن يتخلى عنها حتى لو تخلت عنها العائلة كلها .. لقد كان ليو صديق ابنها ... بل كان أحد ابنائها تقريبا وقد ترعرع تحت أبصارها إلى جانب دانيال .. رؤية الازدراء لما سمعه من حديثها مع ميشيل صدمتها بشدة .. وفكرة واحدة جعلت ذعرا شديدا يشل جسدها ... همست مرتجفة:- أنت ... أنت لن تخبر دانيال .. صحيح ليو ؟
قال بامتعاض :- هذا الأمر يخص سارة وحدها ... هي وحدها من يحق له اتخاذ قرار إخبار دانيال من عدمه
التفتت باربرة نحو ميشيل التي رفعت رأسها قائلة :- دانيال أخي ... لن أؤذيه أبدا بكشف حقيقة أمه أمام ناظريه .. أنا لا أتمتع بحقدك الكبير لسوء الحظ سيدة برانستون
نظرة دافئة أطلت من عيني ليووهو ينظر إلى ميشيل قائلا :- لحسن حظك باربرة .. لغريمتك قلب كبير ...
التفتت إليه ميشيل مجفلة .. ونظرته الداكنة تتغلغل داخلها بعمق ككل مرة تراه فيها .. فتحت فمها مذهولة عندما واجه ليو السيدة برانستون قائلا :- أخبري دانيال بأن سارة قد اضطرت للمغادرة ... وأنها ستتصل به لاحقا
قبل أن تسنح لأي منهما الفرصة للاعتراض ... التفت أصابعه حول ذراع ميشيل تجذبها معه إلى الخارج ..
وقفت باربرة برانستون لدقائق في حالة من الذهول الصامت .. قبل أن تستدير لتجد عيني ابنها الزرقاوين تواجهانها عند مدخل مكتبه الذي غاب داخله قبل دقائق فقط
ومن بريق الغضب البارد فيهما .. من الشحوب الذي اعتلى وجهه الوسيم ... عرفت بأن أسوأ مخاوفها قد حدث .. لقد عرف دانيال بما ارتكبته يداها

كما العنقاء(مكتملة)Where stories live. Discover now