الفصل السابع

3.4K 160 0
                                    

الفصل السابع

:- سيكون السيد برانستون قادرا على رؤيتك خلال دقائق يا آنسة بيكر
لم تفت أيفي وهي تتناول فنجان الشاي من يد السكرتيرة المهذبة الشقراء نظرات الشفقة والتعاطف المطلة من عينيها
من الواضح أنها قد تعرفت على أيفي كما فعل معظم موظفي الشركة فور أن دلفت مبناها الكبير في طريقها للقاء دانيال ... لقد كانت زائرة منتظمة فيما مضى خلال عمل شقيقها هنا قبل وفاته ... مدللة الموظفين منذ الصغر ... لم تفتها النظرات التي لاحقتها منذ دخولها قاعة الاستقبال وحتى استقلالها المصعد في اتجاهها للطابق الذي يحتله دانيال ويدير منها امبراطورية العائلة التي تعاظمت منذ استلمها على إثر وفاة والده .. ليتحول بعدها من أحد أشهر فتيان المجتمع تهورا إلى أحد أهم حيتان أوروبا عبقرية وذكاءا ...
لقد كان من الصعب عليها احتمال شفقة الآخرين نحوها ... والنصف ساعة التي أمضتها في انتظار أن يتفرغ دانيال للقائها لم تساعدا إطلاقا على ضبط أعصابها
وضعت فنجان الشاي من يدها ووقفت مخاطبة السكرتيرة المجفلة :- أظن السيد برانستون مستعدا للقائي الآن وحالا
اتجهت بحزم نحو باب مكتبه الخشبي العريض فلحقت بها السكرتيرة هاتفة بذعر :- انتظري .. آنسة بيكر .. اسمحي لي فقط بأن ...
لم تستطع إتمام عبارتها إذ فتحت أيفي الباب وأصبحت خلال لحظة واقفة في منتصف القاعة الواسعة التي تدخلها للمرة الأولى في حياتها ... تنظر مجفلة نحو دانيال الذي وقف مستندا إلى حافة مكتبه .. بينما تضع امرأة في غاية الجاذبية ثقلها كلها عليه .. رافعة نفسها على رؤوس أصابعها المغلفة بحذاء أنيق غالي الثمن .. في محاولة منها للوصول إلى شفتيه ..
وقد أغضب هذا أيفي كثيرا ... يا الله كم أغضبها .. التفت الاثنان نحوها فور أن اقتحمت الغرفة .... فاعتدلت المرأة الشقراء مبتعدة عنه وقد بدا عليها الانزعاج التام ... بينما ارتسم العبوس على وجه دانيال دون ان تتحرك عضلة واحدة في جسده تأثرا باقتحامها خلوته
قال بصرامة :- ماالذي تفعلينه هنا إيفلين ؟
كانت نيران الغضب تتأجج داخل أيفي مهددة بإفقادها السيطرة على أعصابها ... لم تعرف سبب رغبتها الشديدة في جذب الشعر المصفف بعناية للمرأة التي ارتسم نفاذ الصبر على ملامحها المتكلفة .. وإخراجها من المكان ... بل هي تعرف ... لقد أبقاها تنتظر لأكثر من نصف ساعة آخذا وقته في مغازلة صديقته .. صحيح ؟
النظرة الغاضبة التي أطلت من عينيه داكنتي الزرقة .. حذرتها من مغبة الاستسلام لأي نوبة غضب طفولية يتوقعها ... لقد بدا قادرا على معاملتها بأبشع الطرق إذلالا فور أن تمنحه الفرصة .. وآخر ما أرادته أيفي هو أن تتعرض لإذلال مماثل أمام صديقته المتفاخرة ..
خلال لحظة .... استكانت أعصاب أيفي ... وارتسمت على شفتيها الحمراوين تلك الابتسامة الكفيلة بإثارة القلق داخل دانيال مما تخطط له جنية صديقه الحمراء الشعر ... قالت بدلال ساخط :- ما الذي أفعله هنا ؟؟ أنتظرك منذ فترة طويلة دانيال ... لقد شعرت بالملل في الخارج إذ أنك لا تحتفظ بأي وسيلة للتسلية قد تساعدني على انتظارك ...
مشت نحوه بخطواتها الرشيقة .. وساقيها الممشوقتين تتغندران تحت تنورتها الجلدية القصيرة والحمراء اللون كشعرها الثائر فوق كتفيها .. ودون أن تمنحه الفرصة ليخمن نواياها ... رفعت نفسها كما كانت صديقته تفعل مسندة جسدها الرشيق إلى جسده الصلب ... شاعدة بعضلاته القاسية تحت قماش بذلته الأنيقة تهز كيانها بطريقة أخافتها ... إلا أنها لم توقفها وهي تصدمه بالقبلة السريعة .. إنما قوية .. التي طبعتها على شفتيه القاسيتين
أحست بجسده يتصلب تحت يديها المستقرتين فوق صدره العريض .. أمسك كتفيها وأبعدها بحدة كادت تفقدها توازنها ..تمكنت من النظر إلى وجهه بثبات لترى حمرة الغضب تلون وجنتيه المنحوتتين وهو يهتف :- ما الذي تظنين نفسك تفعليته ؟
رمشت بعينيها ببراءة .. وكأنها لا تدرك ما يقصده .. قبل أن تضع كفها فوق فمها هاتفة بحرج مصطنع :- أووبس ...
تملصت من أصابعه اللتين بدتا قادرتين على تهشيم عظامها بحركة واحدة .. واستدارت نحو صديقته التي احمر وجهها بصدمة غاضبة وهي تقف جامدة على بعد أمتار ... قالت أيفي بلطف زائف :- آه .. لقد نسيت وجود متفرجين هنا ... أنا آسفة إذ كنت فظة فلم أقدم نفسي .... لقد مرت فترة منذ رأيت دانيال فلم أستطع تمالك نفسي ...
قال دانيال من بين أسنانه مدركا بالضبط لعبة أيفي القذرة :- إنها إيفلين بيكر يا ماجي ... شقيقة صديقي تشارلز ..
رمقته أيفي بنظرة عتاب وهي تقول :- ستحسب ماجي بأنني عبء غير مرغوب بك تركه صديقك وراءه دانيال ... لم تبدو متذمرا بهذه الطريقة عندما فاجئتني بزيارتك الليلية تاركا حفلة والدتك الكبيرة قبل أسابيع ..
شحب وجه ماجي هذه المرة بينما مدت أيفي يدها نحوها قائلة برقة :- ناديني أيفي ... دانيال وحده من يناديني باسمي كاملا .. هل أنت صديقة قديمة له ؟
أحست أيفي بنفسها تسحب إلى الوراء بعيدا عن ماجي بينما كان دانيال يقول بجفاف :- سأتصل بك لاحقا ماجي ... تستطيعين الذهاب الآن ..
ارتجفت شفتا ماجي بابتسامة ضعيفة وعدم الاستقرار يطل من عينيها الخضراوين .. عاجزة عن نسيان ترك دانيال للحفلة في منتصفها بسبب طاريء لم يفسره لأحد ... طاريء متمثل بهذه الفتاة الرائعة الجمال والتي تبدو وكأنها قد خرجت لتوها من إحدى مجلات الأزياء الخاصة بالمراهقات ... قالت باضطراب :- حسنا .. أراك لاحقا داني ..
لخيبة أملها ... لم يتقدم دانيال نحوها مودعا كما أملت... لقد كان منشغلا بمراقبة شقيقة صديقه التي بادلته نظراته بأخرى مليئة بالتحدي والإغراء ... ما الذي توقعته ؟ .. لم يكن دانيال سخيا في إظهار عواطفه .. وإلا ما كانت أحست وكأنها تغرق في لجة من الشك والضياع ... والتهديد من فتاة تصغرها بكثير .. ولا تبدو من طراز دانيال على الإطلاق ..
انسحبت بهدوء مغلقة الباب ورائها .. فكانت أيفي أول من تحدث قائلة بتهكم :- داني !!!
رمقها بنظرة كفيلة بقتل فيل قبل أن يتجه نحو مقعده وراء مكتبه الكبير قائلا بجفاء :- ما الذي تريدينه إيفلين ؟
قالت وهي ترمش بعينيها :- لقد سبق وأخبرتك بأنني قد اشتقت إليك
أحنى رأسه جانبا وهو يقول متهكما :- لقد غادرت ماجي إيفلين ... ما عدت مضطرة لمتابعة مسرحيتك الطفولية والسخيفة هذه ...
رمت نفسها فوق أحد المقاعد الجلدية المريحة قائلة :- ذوقك سيء في النساء دانيال ... ظننتك أكثر انتقائية ..
قال ببرود :- أنا كذلك ... فتوقفي عن إهانة الغير لمجرد أنك تغارين إيفلين
احمر وجهها وقد نجح في مس أعمق مخاوفها .. مما جعلها تهتف بسخط :- أنا لا أغار .. ولماذا أفعل .. أنا حتى لا أطيقك
ابتسم بتفكه ... وقد بدا وكأن غضبه قد اختفى ... قال بهدوء متجاهلا تصريحها :- ما الذي جاء بك إلى هنا إيفلين ؟
قالت بتوتر ... وقد تلاشت رغبتها في العبث به ... وكأن اقترابه من الحقيقة التي تجاهد منذ فترة طويلة لإخفائها قد أخافها في الصميم :- لقد جئت لأطلب منك خدمة .... أذكر أنك قد طلبت مني أن ألجأ إليك إن احتجت يوما لأي مساعدة
تراجع فوق مقعده الجلدي الكبير قائلا ببرود ... وكأنه يتوقع الأسوأ :- وما الذي تريدينه الآن إيفلين ؟
قالت بهدوء :- أن تصطحبني معك إلى الحفل الخيري الذي يقيمه كارلوس بيريرا ..
اكتست عيناه الزرقاوان بطبقة جليدية وهو ينظر إليها بطريقة غير مفهومة ... فقالت بعصبية :- أعرف بأنك ذاهب إليها ... لدي مصادري التي أكدت لي بأنك قد ابتعت بالفعل بطاقة الدخول .. لن تفوت مناسبة كهذه يقيمها أحد أهم منافسيك
قال ببرود :- أعرف لماذا أرغب بحضور تلك المناسبة ... إلا أنني أجهل سبب رغبتك أنت في حضورها
هزت كتفيها قائلا ببساطة :- جميع صديقاتي ذاهبات ... فلم لا أفعل أنا ؟
:- تمتلكين ما يكفي لابتياع بطاقة لنفسك إيفلين .... فلماذا ترغبين بمرافقتي ؟
لن تخبره بأسبابها الحقيقية طبعا ..... لن تتحدث عن عملها الجديد في التقصي حول باري وجماعته ... عن المعلومات التي حصلت عليها حول باتريك مانسيل ... الرجل الذي يبقي باري دائما في حالة من التأهب والتوتر كلما اتصل ... باتريك مانسيل ... اليد اليمنى للصناعي ... الثري جدا ... فانزويلي الأصل .. كارلوس بيريرا
قالت بنفاذ الصبر :- أليس الأمر واضحا ؟ لا أريد أن أذهب بمفردي ... سيسخر مني الجميع إن حضرت مناسبة كهذه بدون رفيق مناسب ..
قال بجفاف :- وفكرت طبعا .. بأنني الشخص المناسب لتظهري برفقته في مناسبة عامة كهذه ... فيتوقف الناس عن النظر إليك كإيفلين بيكر ... أسوأ فتيات لندن سمعة ... لا ... شكرا ... إن أردت ترميم ما كنت تفسدينه لسنوات إيفلين ... فعليك الاعتماد على نفسك ..
قالت بسخرية مخفية غضبها وسخطها منه :- دعني أخمن ... أنت ستصطحب صديقتك ماجي ... المتلهفة بشدة كما لاحظت بنفسي إلى إرضاءك ... معك إلى تلك الحفلة .... صحيح داني ؟؟؟
رمقها بنظرة كادت تقتلعها من مكانها بصرامتها وهو يقول :- الزمي الأدب إيفلين
رمشت بعينيها قائلة ببراءة :- ما الأمر ؟ ألا يعجبك أن أناديك بداني ؟؟؟ ... ماجي تفعل هذا ... أم أن هذا الشرف مقتصر فقط على شريكات فراشك ؟
بدلا من أن يثور غضبا من وقاحتها كما توقعت ... قال بابتسامة متهكمة :- لا ترمي بغضبك عليهن فقط لأنك ترغبين بأن تكوني إحداهن ... إيفلين
لماذا بحق الله تفوه بما قاله ؟؟؟
راقب دانيال وجه أيفي يمتقع وهي تقف ممسكة حقيبة يدها الحمراء ... والمتناسبة مع ملابسها ... وقالت بصوت أجش :- أنت تقرفني دانيال .... كل ما كان عليك قوله هو أنك ترفض اصطحابي ...
اتجهت نحو الباب فقال من وراءها دون أن يدرك ما يفعله :- أنا لم أرفض بعد ..
التفتت إليه ترمقه بنظراتها الخضراء النارية .... وقالت وأصابعها تعتصر قماش حقيبتها وكأنها ترغب بتمزيقه :- احتفظ بخدماتك لنفسك دانيال .... أنا لا أريدها وإن قدمتها إلي مغلفة بالذهب ... في الواقع ... أعدك بأنني لن ألجأ إليك أبدا بعد الآن مهما كانت حاجتي إليك كبيرة
راقبها تختفي وراء الباب مغلقة إياه ورائها ... وظل لدقائق يحدق في إثرها شاعرا بالغضب .... من نفسه ... ومنها في الوقت ذاته .. من نفسه لأنه قد سمح لنفسه بالانزلاق وراء تأثيرها الغير مشكوك به ... لأنه قد سمح لنفسه بأن يفقد السيطرة معها للحظة ... لحظة واحدة لم يتجاوز مداها لحظات قليلة كانت كل ما استغرقه ذاك التماس الشقي العارض بين شفاهما ...
ذاك التماس الذي أجبره على تجاوز الخطوط معها وتجاوز كل الحدود التي سبق أن وضعها لتحكم علاقتهما ... تبا لك إيفلين ... أيفي ..
نهض واقفا .. واتجه نحو النافذة يحدق بغضب مكبوت عبر المشهد الذي يطل عليه مبناه .. مكافحا ضد الصراعات التي احتدت داخل عقله وصدره مما جعله يتنهد في النهاية قائلا :- لقد رميت حملا كبيرا فوق كاهلي يا صديقي ...
طرقات خفيفة أنقذته من حالة الكآبة التي اعترته على إثر ذكرياته المفقودة مع أعز أصدقاءه ... قال بحزم :- ادخل
استدار نحو سكرتيرته المضطربة والتي قالت :- سيد برانستون ... دانيال ... انا آسفة لما حدث ... لقد انسلت من تحت أنظاري دون أن أتمكن من إيقافها
قال بتسامح :- لا بأس كارول .... لا أحد على الإطلاق بقادر على إيقاف إيفلين بيكر عندما تنوي شيئا .. ماذا لديك لأجلي
قالت بارتياح :- لقد جئت لك بالعنوان الذي طلبته ..
قطب قائلا :- أشكرك كارول ... ضعيه على المكتب وسأراه الآن
وضعت الورقة المطلوبة فوق مكتبه ... وعادت إلى مكتبها ... فتناول الورقة ينظر إلى محتوياتها بهدوء قد يبدو مسالما لمن لا يعرفه ... إلا أنه لم يكن كذلك على الإطلاق

كما العنقاء(مكتملة)Where stories live. Discover now