الفصل الثامن عشر

3.2K 129 4
                                    

الفصل الثامن عشر




بالكاد أنهت ميشيل ارتداء ملابسها واندفعت تجيب على قرع جرس الباب الملح وهي تتساءل عن هوية الطارق في هذا الوقت من الصباح بينما هي تتحضر للذهاب إلى عملها ... فتحت الباب .. وحدقت مصدومة بالوجه المألوف الذي نظر إليها بتوتر في البداية ... ثم بترفع وعينيه تتأملانها من رأسها حتى أخمص قدميها :- أرجو ألا أكون قد حضرت في وقت غير مناسب
أبدا .... الساعة الثامنة صباحا .. الوقت المناسب بالضبط لميشيل كي تستقبل زيارة غير متوقعة على الإطلاق من زوجة والدها
:- ألن تدعيني للدخول ؟
تراجعت ميشيل المتوترة إلى الوراء مفسحة الطريقة للمرأة الشديدة الأناقة ... التي تبدو قطعا أصغر بكثير من سنوات عمرها الحقيقية ... دلفت إلى داخل الشقة الصغيرة بخطواتها الأنيقة ... ثم نظرت حولها بتفحص بارد قبل أن تقول ميشيل :- هل لي أن اعرف سبب هذه الزيارة سيدة برانستون ؟
قالت السيدة برانستون بجفاف :- نادني باربرة ... فنحن في النهاية .. عائلة واحدة
أحست ميشيل بلسانها يعقد من الحيرة والمفاجأة ... باربرة برانستون تعترف بها فردا من عائلتها .. إنه قطعا ليس بالأمر السهل التصديق .. قالت ميشيل بتوتر :- ملاحظة غريبة وفقا للقائنا الأخير .. أنا اعرف بأنك تكرهينني سيدة برانستون .. ولا أصدق على الإطلاق بأنك ترحبين بي فجأة في عائلتك بهذه البساطة
التفتت باربرة نحوها قائلة بهدوء :- أنا لم أدع قط بأنني أحبك ... إلا أنني لا أكرهك .. أكره والدتك .. وأحيانا والدك .. أما أنت .. فمجرد ذكرى مثيرة للشفقة لأكبر خيانة تعرضت لها في حياتي
صمتت ميشيل عاجزة عن قول أي كلمة .. بينما قالت باربرة بجفاء :- هل تعرفين معنى أن يخونك أقرب الناس إليك .. الرجل الذي أحببته وأفنيت عمرك كله لأجله ؟؟ هل تعرفين معنى أن تلتقطي دون أن يدري نظرات الحنين في عينيه كلما نظر إلى ثمرة خيانته لك ؟؟ لقد كان يراها فيك .. في عينيك .. بحق الله لقد كنت أنا أراها فيك ... لقد عرفت أمك مذ كانت تعمل لدى زوجي مساعدة شخصية ... لقد كانت شابة صغيرة يافعة للغاية ... لم أتخيل قط ... لم أفكر قط بأن جيرالد قد يخونني مع طفلة مثلها ... في إحدى زياراتي في وقت لاحق إلى مكتبه .. وجدت امرأة أخرى تحتل مكانها خلف مكتب السكرتاريا .. وعندما سألته عنها .. أجاب بكل اقتضاب بأنها قد تركت العمل .. كان علي أن أعرف .. أن أشك على الأقل .. لقد كنا متزوجين لسنوات طويلة بحق الله ..
رأ ت ميشيل عاجزة الألم في عيني السيدة برانستون الشبيهتين بعيني إيللا .. فتمتمت :- هل .. هل تخلى عنها بعد أن سئم منها ؟؟ هل طردها من العمل بعد أن عرف بحملها بي ؟؟
لم تتمكن ميشيل رغم جهودها أن تعرف الكثير عن والدتها خلال وجودها في لندن .. لقد توفي جداها قبل سنوات طويلة .. وما عرفته من خلال معارفهما بأن ابنتهما الشابة قد اختفت فجأة من حياتهما دون أن تترك أثرا حتى وصلهما خبر موتها وتركها طفلة صغيرة ورائها .. مع رسالة مفادها بأن جيرالد برانستون هو والدها الحقيقي ... نظرت إليها باربرة بمرارة :- أتمنى لو أنه فعل ... لعنى ذلك بأنها لم تهمه أبدا .. لم تكن أكثر من جسد جميل يافع استغله .... لقد رحلت وحدها ... بعد أن علمت بحملها على ما أظن ...وفقا لما أخبرني به جيرالد بعد خروج القضية إلى العلن ... لم تقبل والدتك أبدا أن تكون المرأة الثانية في حياة رجل متزوج ... أظنها أرادت حمايتك .. لذلك فضلت الرحيل بك بعيدا دون أن تخبره بحملها
انهارت ميشيل فوق أقرب مقعد وهي تحدق أمامها عاجزة عن التفكير ... أن تعرف بأن والدتها كانت امرأة صادقة .. نبيلة .. أثلج صدرها .. أن تعرف بأن أمها قد أحبتها وضحت من أجلها ولأجل الاحتفاظ بها بعلاقتها بالرجل الذي تحب .. جعلها تشعر بشيء من الطمأنينة .. والأمان ... وكأن أمها كانت دائما موجودة حولها .. ترعاها دون أن تدري .. تمتمت باضطراب :- لماذا تخبرينني بهذا الآن ؟ أنت لا تحبينني .. لقد طردتني من منزلك قبل سنوات طويلة .. رميتني في الشارع ..
هزت باربرة رأسها واللون يختفي من وجهها الجميل والمزين بإتقان ... قالت بصوت باهت :- لم أكن أفكر ... لقد كنت أفقد عقلي فعليا وأنا أرى والدك يتسلل ليليا إلى غرفتك ليتأملك نائمة ... أن أعرف بأنه قد أحب أمك إلى هذا الحد .. جرحني بشدة ... لقد كان يبكي دون أن يدرك بأنني أسمعه بحق الله ..
رأت ميشيل الدموع تترقرق في عيني السيدة برانستون فانتابها شيء من التعاطف معها .. لم تستطع أن تحقد عليها ... ليس وهي تقدم لها أجمل هدية قدمها لها أحدهم منذ فترة طويلة ... أمها كانت امرأة رائعة .. ووالدها أحبها حقا .. وأرادها في حياته ... تمتمت :- أنا آسفة .. أنا أفهم الآن ما فعلته .. لابد أن الأمر قد كان صعبا علـ ...
قاطعتها السيدة برانستون بضحكة عصبية :- تفهمينني ... أنا لا أطلب منك أن تفهميني سارة ... أنا أطلب منك أن تعيدي إلي ولدي الذي يرفض التحدث إلي منذ سمع جدالنا ذلك النهار ... أطلب منك أن تسامحينني لأنني خنت عائلتي كلها بما فعلته بحقها قبل سنوات طويلة ... لا أعدك بأنني سأحبك سارة .. سأظل اراها فيك ... جمالها .. قوتها ... برائتها ... انت نسخة طبق الاصل عنها
اغرورقت عينا ميشيل بالدموع وهي تهمس :- كل ما أريده هو أن أكون جزءا من عائلتي ... لا أكثر
قالت باربرة بصرامة :- ستكونين كذلك ... أمام العالم بأسره ...
لم يغادر ميشيل الذهول حتى بعد مغادرة باربرة برانستون .... وكلماتها الأخيرة تدوي في أذنيها ... هل تجرؤ حقا على السماح لباربرة بأن تقدمها للمجتمع على أنها سارة برانستون .. ابنة العائلة المفقودة ؟
لم تعرف إن كان عليها أن تفرح لأن كل شيء في حياتها يسير كما يجب .. أم أن تشعر بالخوف من أن ينهار عالمها الجديد كله فوق رأسها كلمح البصر ...
دوى رنين هاتفها ... رأت اسم ليو على شاشة الهاتف ... لم تستطع أن تتحدث إليه .. ليس وهي في حالة الإضطراب هذه .. خاصة وأنه هو يشكل أكبر مخاوفها .. بدون أي تردد .. أقفلت هاتفها .. ووقفت تستعد للذهاب إلى عملها

كما العنقاء(مكتملة)Where stories live. Discover now