الفصل الثامن

3.1K 132 4
                                    

الفصل الثامن


لم تدرك ميشيل إلى أي حد افتقدت منزلها حتى فتح لها والدها الباب .. نظرت إلى وجهه المتعب المحبب .. وشعره الذي شاب معظمه .. وتذكرت بشكل خاطف كيف أن هذا الرجل الذي يعد الآن أقرب الناس إليها .. كان أول من رفضها وتردد عندما أصبحت فجأة أحد افراد عائلته ..
فتح لها ذراعيه بشكل تلقائي تاركا إياها تندس بينهما بحاجة غلى الإحساس بالانتماء الذي جاهدت طويلا وما زالت تجاهد في سبيل إيجاده .. سمعته يزفر قائلا :- سعيد لعودتك يا ابنتي
رفعت رأسها قائلة بقلق :- كيف هي الآن ؟
قال بإرهاق :- ما تزال مقفلة الباب عليها ترفض رؤية أحد ... شكرا لأنك تناسيت كل ما قالته في المرة الماضية واتيت لأجلها
قالت برقة :- إنها أمي أم تراك نسيت ... سأتحدث إليها علها تفتح الباب لي
.. طرقت الباب المغلق بهدوء دون أن تتوقع سماع رد من الداخل .. ثم قالت :- أمي .. إنها أنا .. ميشي ... أعرف بأنك غاضبة مني .. إلا أنني قد اشتقت إليك .. أتمنى لو أنك تفتحين لي الباب كي أتمكن من رؤيتك والتحدث إليك
كما توقعت ... لا رد .. إلا أن ميشيل كانت تعرف والدتها بما يكفي كي تتراجع نحو غرفة الجلوس .. وتنضم إلى والدها فوق الأريكة حيث كان قد أعد لها قدحا من القهوة الساخنة ... تناولته منه شاكرة بامتنان مقربة القدح من صدرها .. مغمضة عينيها في عادة لم تتخلى عنها منذ الصغر .. وكأن دفء الشراب الساخن كفيل بتدفئة روحها التي لم تنعم بدفء حقيقي منذ سنوات طوال .. قال متوقعا :- لم تخرج لأجلك
تمتمت وهي تحتسي جرعتها الأولى :- سرعان ما ستفعل
بالكاد أتمت جملتها قبل أن يدوي صوت انفتاح الباب عاليا وكأن غضبا شديد قد دفعه .. التفت الاثنان نحو المرأة التي وقفت عند مدخل الغرفة شعرها الذي كان فيما مضى طويلا ناعما شديد السواد .. كان أشعثا اختلط سواده ببياضه .. وجهها الذي كان ضاحكاعلى الدوام .. كان شاحبا ممتقعا .. اعتلته علامات الغضب والثورة .. لقد كانت امرأة أخرى .. مختلفة عن تلك التي احتضنت ميشيل قبل ثماني عشر سنة مانحة إياها الحب الذي لم تحظ به قط ..
قال روبرت بقلق :- آنا ..
هتفت مقاطعة إياه وهي توجه كلامها نحو ميشيل :- ما الذي تفعلينه هنا ؟
وقف روبرت جوردن ليقول بحزم :- اهدئي آنا .. لقد جاءت ميشي لرؤيتك
تجاهلته مجددا وهي تتابع هجومها الغاضب :- لماذا لم تذهبي معه ؟ لماذا لم تعودي إليهم ؟ تعرفين بأن أحدا ما عاد يريدك هنا ... أنت ما عدت مرغوبة في هذا المنزل
وقفت ميشيل ممسكة بيد والدها مهدئة إياه .. إذ أنها تعرف جيدا أنه أضعف من أن يحتوي ثورة غضب كتلك التي اعتادت آنا جوردن إذلاله وإذلال الجميع بها منذ وفاة كايل ... قالت بهدوء :- ما كنت لأذهب معه .. هذا بيتي .. وهذه عائلتي .. أنت أمي كما روبرت هو أبي
صرخت آنا ثائرة :- لا .. انت لست ابنتي .. كان علي رميك في الشارع من جديد فور أن حظيت بكايل .. كايل هو ابني الوحيد .. وكان ليكون حيا الآن لو أنك ما كنت موجودة ... أنت .. أنت السبب في موته
شحب وجه ميشيل بينما اندفعت آنا من جديد لتعتكف في غرفتها مغلقة الباب ورائها من جديد .. سمعت ميشيل والدها يقول برقة :- أنت تعرفين بأن لا شيء مما قالته صحيح ..
تمتمت :- نعم .. أعرف
وهل تعرف حقا ؟ .. قال لها بقلق :- أنت لن تسمحي لما قالته في لحظة جنون بإبعادك مجددا .. صحيح ؟؟ إبقي الليلة .. الليلة فقط
كانت تعرف بأنه يعاني بدوره منذ وفاة كايل ألم فقدان ابنه الوحيد .. وتعرف بأن انهيار زوجته حرمه حتى من حقه في الحزن .. كانت تعرف ما يعانيه من وحدة وهو يرى زوجته وأقرب الناس إليه تنأى عنه .. وربيبته تنزوي بنفسها عن الآخرين .. كانت تعرف لأنها وحيدة بدورها .. قالت برقة :- لا تقلق أبي .. سأبقى هنا
بعد ساعات ... وبينما كانت ميشيل ترقد في سريرها تعاني من نوم متقطع .. أحست بيدها تربت على جبينها برقة تألفها ... بحنان اشتاقت إليه .. تدفقت دموعها من بين رموشها المسبلة وهي تهمس :- أمي
أتاها صوت أمها الباكي يقول :- انت لم تصدقي ما قلته لك .. صحيح ؟ أنت ابنتي .. ما تبقى لي في هذه الدنيا
فتحت ميشيل عينيها .. واعتدلت جالسة لتحتوي أمها بين ذراعيها فأجهشت تلك بالبكاء في صدرها تقول :- لن تسمحي لهم بأخذك مني .. ليس أنت أيضا .. سأموت إن خسرتك
ربتت ميشيل على شعرها هامسة بوعيد :- لن تخسريني أمي ... أعدك

كما العنقاء(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن