الفصل السادس عشر

3K 128 1
                                    

الفصل السادس عشر



فتحت أيفي باب شقتها ... واستندت إلى الباب مغمضة عينيها بإرهاق دون حتى أن تتعب نفسها بفتح النور ... لقد وفى كارلوس بيريرا بوعده فأوصلها حتى باب شقتها ... بعد أن انتزع منها وعدا بمشاركته العشاء ليلة الغد فقبلت لسببين ... أولهما لأنها فرصتها الوحيدة للتقرب منه ومعرفة المزيد عنه علها تجد دليلا يدينه على جرائمه ... والثاني لتكسب ثقته وتقي نفسها شره .. وتقي دانيال شره أيضا ..
أطلقت تنهيدة حارة وهي تتذكر حديثهما في سيارته قبل أن تتركه ... لقد جاهدت كثيرا كي لا تظهر له اضطرابها عندما جاء على ذكر دانيال ... أوضحت له بأن دانيال كان وصيا عليها فيما مضى ... ومازال إذ أنها لن تتمكن من التصرف بأموال عائلتها قبل بلوغها الثلاثين وفقا لوصية والدها ..
كادت تفضح نفسها عندما أشار إلى شكوكه في وجود ما يزيد عن الوصاية بينهما ... لقد شحب وجهها رغما عنها وقد تذكرت ليلتهما الوحيدة قبل سنتين ... إلاأنها نجحت في نسب شحوبها للغضب .. ثم الراحة لأنها لم تر وجهه منذ فترة طويلة
مال بيريرا نحوها في هذه اللحظة .... ملامسا وجهها بظهر يده مما جعل قشعريرة تسري داخل جسدها وهو يقول بصوت أجش :- يريحني أنه لن يزعجنا بأي طريقة في حال عرف بلقائنا غدا للعشاء معا ... ستتناولين العشاء برفقتي أيفي .... صحيح ؟
:- أين كنت حتى الآن ؟
قفزت مذعورة وهي ترى دانيال واقفا أمامها .. عرفته من صوته ... إذ أن الظلام أخفى كل معالمه باستثناء قامته الطويلة والقوية .. ومع هذا .. كانت قادرة على أن تعرف من خلال الذبذبات المنبعثة عنه حتى وهو على بعد أمتار منها .. مقدار غضبه الشديد .... ومدى خطورته

شردت إيللا وهي تحدق عبر سيارة الأجرة في شوارع لندن فور خروجها من المطار على إثر وصولها قادمة من الولايات المتحدة ... كان الوقت متأخرا ... ورغم التعب الذي أحست به في أوصالها بعد الرحلة الطويلة والساعات التي قضتها بالتفكير على متن الطائرة .. عرفت بأنها ستقضي الكثير من ساعات السهاد داخل شقتها ... لا نوم هذه الليلة ... وربما في الليالي القادمة .. وهي تفكر بإيان ... وبما حصل بينهما في منزله .. عليها أن تشعر بالرضا .. بالانتصار وقد حققت مبتغاها .. إلا أن كل ما أحست به وهي تتذكر ما حدث .. هو بأنها مازالت عالقة .. ضائعة .. كما كانت قبل سنتين
أغمضت عينيها مستريحة فوق المقعد .. وتركت عقلها يعود ويتذكر .. عندما فتحت عينيها لتجد نفسها وحيدة فوق سرير إيان العريض .. جلست شاعرة بالضياع والخوف ... إحساس استمر لدقائق قليلة قبل أن تشعر بالسكينة والقوة يملآنها .. لقد أحبها أيان .. وجعلها له .. كما أرادت قبل سنتين ونصف .. والأجمل أنه كان لها وفقا لشروطها هي .. لا شروطه هو .. تلك التي أملاها عليها تلك الليلة عندما نبذها في شقته في لندن ..
ذكرى لمساته ... قبلاته ... الطريقة التي حولها بها إلى الشخص الكامل الذي كانته في هذه اللحظة .. كادت تجتذب دموعها ... لقد كان الواقع أجمل بكثير من الخيال .. أبدا لم يحبها إيان بهذه الطريقة في احلامها عنه والتي لم تفارقها خلال فترة انفصالهما
تحركت ببطء مغادرة السرير .. ساحبة الملاءة البيضاء حولها ... نظرت إلى البحر عبر النافذة الكبيرة التي احتلت جدارا كاملا من الغرفة .. حيث مازالت الظلمة مبتلعة المحيط ... بينما أضاء القمر الأفق .. وبدا جميلا .. كاملا .. مثلها هي ..
خرجت من الغرفة متتبعة الضوء القادم من الطابق السفلي ... نزلت الدرج حافية القدمين لتجد إيان جالسا فوق الأريكة .. غارقا في دوامة من الفوضى كما يبدو ... لقد بدا تائها .. مشتتا ... وغاضبا .. شديد الجاذبية بصدره العاري وشعره المشعث ..
تأملته بهدوء قبل أن تتابع طريقها نزولا .. فأحس بوجودها والتفت نحوها .. تمتمت بهدوء :- ما زال الوقت مبكرا على عبارة صباح الخير ..
عبس ... ونظر إلى الساعة الجدارية الأثرية التي اعتلت أحد الجدران ليدرك بأن ساعات ما تزالت تسبق طلوع الشمس .. تمتم بتوتر :- هذا صحيح ... آسف إن كنت قد أيقظتك بضجيجي ...
على المنضدة أمامه رأت زجاجة الشراب ... فتمتمت بهدوء :- أنت لم توقظني .. برودة السرير إلى جواري ما أيقظني
زفر بقوة وهو يقول بانزعاج :- ما الذي توقعته مني إيللا ... أن أنام قرير العين إلى جانبك متظاهرا بأن شيئا مهما لم يحصل ؟
قالت بإصرار :- لقد مارسنا الجنس لا أكثر
نهض هاتفا بشيء من العنف :- لقد كنت عذراء إيللا ... عذراء بحق الله .. هل ظننت بأنني لن أدرك هذا ؟
هزت كتفيها وكأن ثورته لم تعن لها شيئا وقالت :- وإن يكن .. لقد كنت عذراء ... وما عدت كذلك .. أين الأمر الجلل ؟؟
تقدم نحوها خطوتين قائلا بغضب :- لقد كنت متزوجة بحق الله إيللا ... متزوجة لسنتين لعينتين ... ليس من المفترض بك أن تكوني عذراء .. ما كنت لـ ...
توقف عن الكلام بينما تابعت عنه هي قائلة بقسوة :- ما كنت لتلمسني لو أنك عرفت بهذا ... صحيح إيان ؟؟؟ لم لا تقلها بكل بساطة ؟
زفر قائلا بإرهاق :- لا أعرف ... لا أعرف ما كنت سأفعله ... لقد خدعتني إيللا .. أخفيت عني الحقيقة
قالت ببرود :- أنت لم تطلب تفسيرا واحدا عما حدث خلال زواجي إيان .... لم تسألني أبدا عن سبب طلاقي
قال بحد :- لأنني أعرف ... الصحافة لم تتوقف عن التحدث عن الأمر لأشهر .. ذلك الحيوان كان يضربك .. كان يؤذيك جسديا ونفسيا حتى اضطرت الشرطة للتدخل وإنقاذك من بين يديه في النهاية ..
التفكير في الأمر بغض النظر عن موقفهما الحالي .. بدا وكأنه يثير حفيظته ويغضبه بشدة .... وكأنه لا بتخيل أبدا أن يتمكن رجل طبيعي من إيذاء امرأة مهما كانت الأسباب ... ألا يعرف بأنه لا يختلف عن روبرت كثيرا ... ألا يعلم بأن عنفه وإيذاءه لها قبل سنتين ونصف كانا أشد وطأة عليها من كل مرة مد فيها روبرت يده عليها ؟؟
قالت بهدوء :- ألم تذكر الصحافة ... تلك التي تستقي منها أخباري .. أي شيء عن سبب ضربه لي ؟
لقد فعلت .... يتذكر إيان جيدا أنه قد قرأ أقوالا ذكرت على لسان زوجها السابق للصحافة يبرر من خلالها أفعاله بأنها تبعده عنها ... وأنها تبتزه ببرودها .. وأنها كانت تخونه طوال زواجهما مع غيره .. هو يعرف الآن بأن أقواله تلك لم تكن صحيحة ... لا يمكن لإيللا أن تخون زوجها لأنه هو ... إيان ... كان أول رجل وجد طريقه إليها ... كما لا يمكن أن تكون باردة كما ادعى لأنها بين ذراعيه هو .. كانت أتونا مشتعلا بالعاطفة ... صمت ... عاجزا عن قول أي شيء ... بينما قالت هي بصوت خالي من العاطفة :- لقد كان روبرت يضربني في كل مرة كنت أعجز خلالها عن معاشرته ... لم أستطع أن أكون له ... بكل بساطة لم أستطع أن أكون شيئا امتلك الحق فيه بعقد زواج .. لم أحببه يوما ... ولم ارغب به قط .. ليس كما رغبت بك إيان .. وقد عرف روبرت هذا جيدا .. عرفه وكرهه ... عرف بأنني لم أرغب برجل وأحتاجه قط كما احتجت إليك أنت .. أنت وحدك من أردته على مدى سنوات .. وما كنت لأبيع جسدي لرجل اشتراه بحق الزواج وكل خلية فيه كانت تنبض لأجلك أنت
الطريقة الحارة التي نطقت فيها بكلماتها بصوت أجش جعلت قلبه يخفق عنيفا بين أضلعه .. ورغبته التي لا تنضب نحوها تشتعل من جديد وكأنه لن يشبع منها قط .. كيف ظن بحق الله بأنه قادرعلى متابعة حياته ونسيانها فور أن يعرف معنى ان يحبها ؟
قال من بين اسنانه وقد ضربته الفكرة في الصميم :- الأمر لم يتغير إيللا .. أنا مازلت عاجزا عن منحك ما تريدين .. لا أستطيع أن أمنحك الحب الذي تنشدين .. لقد خدعتني عارفة بأنني ما كنت لأتمادى في علاقة تتوقعين منها أكثر مما أنا قادر على تقديمه
ابتسمت باستهزاء بينما غضبا كبيرا وإحساسا بالإهانة يتعاظم داخلها وهي تقول :- احتفظ بمشاعرك لنفسك إيان .. أنا ما عدت تلك الفتاة البلهاء المتعطشة للحب .. لقد أخبرتك .. أنت كنت عائقا احتجت لتخطيه ... أنت كنت عقدتي بعد رفضك لي قبل سنوات ... الآن .. أنا لا أهتم على الإطلاق لو أنني لم أر وجهك مجددا ..
بدون كلمة ... استدارت تعتلي الدرج بسرعة ... بغضب ... وإحساس بالكراهية والرفض الذين عانت منهما منه فيما مضى يتجدد داخلها ... رمت الملاءة جانبا .. والتقطت فستانها الأسود وبدأ ت بارتدائه بينما أتاها صوته يقول من ورائها :- ما الذي تقصدينه إيللا ؟ .. هل ما حدث لتوه بيننا انتقام لرفضي لك قبل سنوات ؟؟؟ هل تعاقبينني على ما فعلته بإرغامي على أخذ ما رفضته منك بالضبط ؟؟
استدارت نحوه قبل حتى أن تعقد زمام فستانها هاتفة بثورة :- ألا تفهم إيان ؟؟؟ لقد استغليتك ... استغليتك كما كنت راغبا باستغلالي بلا قيود أو التزامات قبل سنوات ... أنا لا أريد منك شيئا ... لا مشاعرك الجامدة التي تحتفظ بها لنفسك .. لا حياتك الباردة المقرفة التي تهدرها في منزل لا تستحقه مثبتا لنفسك يوما بعد يوم كم أنك قوي ومتعال ومكتفي بذاتك ... أنا لا أريد منك شيئا أكثر مما أخذته .. ولأثبت لك هذا إيان .. سأقفز راضية على سرير أول رجل يطلب ودي فور خروجي من هنا ..
انحنت تحمل حذائيها ... فشهقت عندما أمسكت أصابه بمعصمها تجذبها وقوفا وتلصقها به ... نيران الغضب الأعمى كانت تتراقص في عينيه الرماديتين .. بينما كانت أنفاسه تتلاحق بسرعة وهو يقول من بين أسنانه :- على جثتي إيللا .. على جثتي
وخلال لحظات كانت بين ذراعيه ... يعتصرها بمداعباته الضارية .. يقبلها بعنف كاد يدمي شفتيها ... يجرها إلى سريره مجددا وكأنه عاجز عن الاعتراف بالهزيمة أمامها ...
ارتعشت إيللا بتأثير الذكرى ... رفعت رأسها موجهة السائق إلى الطريق الصحيح .. ثم نظرت إلى الساعة ... بم تراه فكر عندما استيقظ ووجد سريره خاليا منها ؟؟؟
ربماكان تصرفها جبانا بالرحيل خلسة من منزله.. وأن تتوجه فورا من غرفتها في الفندق إلى المطار .. في انتظار أول طائرة محلقة بعيدا عنه إلى لندن .. إلا أنها ما كانت لتقوى على مواجهة أخرى معه وقد استسلمت له للمرة الثانية بجشع إلى حبه وكأنها لن تعرفه مجددا ... حبه الذي كان غاضبا هذه المرة .. قاسيا و مفعما بالعاطفة العنيفة ... وكأنه يعاقبها على استغفالها له .. على استغلالها .. وعلى انتزاعها خياراته منه
فليتذوق مرة معنى أن يحرم المرء من خياراته .... هناك طرق عدة لتذوق العمى دون يفقد المرء بصره بالفعل ... وخلال فترة زواجها بروبرت .. كانت عمياء مجددا .. وحيدة مجددا .. وكأنها ما تزال ابنة الإثني عشر عاما التي عانت في حاجتها العمياء لاهتمام وتفهم الآخرين
لا ... لن تسمح لإيان أو غيره برفضها مجددا ... لن تسمح لحياتها أن تتمحور حول رجل بعد الآن .. أي رجل .. مما ذكرها بدانيال .. يجب أن تتصل به .. إنها بحاجة لأن تراه .. لأن تطمئن عليه ..
كان هاتفه مقفلا مما أثار حيرتها للحظات قليلة قبل أن تعي بأن الصحافة تلاحقه بلا شك بعد إعلان براءته .. فاتصلت بشكل تلقائي بوالدتها ... هتفت فور أن سمعت استجابة من الجانب الآخر :- أمي ... إنها أنا إيللا .. لقد وصلت لتوي إلى ...
بترت عبارتها وهي تستمع إلى نشيج والدتها .... قالت بقلق :- ماما ... ما الأمر ؟ .. لماذا تبكين ؟
أتاها صوت والدتها الهستيري يقول :- لقد فقدته إلى الأبد إيللا ... دانيال يكرهني ... يكرهني ولا يرغب برؤيتي مجددا
لم تعرف إيللا كيف أنهت المكالمة والقلق والاضطراب يعصفان بها عاجزة عن تفسير كلمات والدتها الباكية 0... رفعت رأسها للسائق قائلة :- سنغير وجهتنا لو سمحت

كما العنقاء(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن