الفصل الثاني عشر

2.9K 142 5
                                    

الفصل الثاني عشر


بعد 30 شهرا ....
جلس على حافة سريره القاسي المعلق إلى الجدار غارقا تماما في أفكاره ... لمن يعرفه جيدا .. الطريقة التي أخذ يحق فيها صامتا في جدران زنزانته الضيقة الكالحة اللون ... تعني أنه أبعد ما يكون عن الهدوء ... ومنذ متى كان هدوءه الخارجي يعني استسلامه الداخلي
كان غاضبا كما لم يكن في حياته .... محبطا إلى حد قدرته على تحطيم جدار بقبضته .. كان ليفعل لوساعده هذا على مغادرة هذا المكان .. إلا أنه يدرك عقم التجربة ... والسجن محاصر بعدد لا يحصى من أفراد الأمن .. ومن وراء الأسوار ... احتشد الصحفيون على أمل التمكن من الحصول على معلومة ... ولو كانت صغيرة وغير مهمة حوله ... لكم يتمنى أن يواجه أولائك المتطفلين وإسماعهم ما يرغبون ... سيصدمهم بما يرغب بشدة بقوله إذ سيبدو مخالفا تماما لطبيعته
:- لديك زائر
بهدوء ... وبدون أي كلمة ... أصلح ملابسه المخصصة لرواد السجن .. وانتظر أن يفتح له حارسه الباب
بصبر ... بل بأقرب إلى البرود ... ترك الرجل يقيد معصميه بقيود معدنية كإجراء احتياطي .... وسار خلفه برفقة حارس آخر عبر الأروقة .. مدركا للنظرات الكالحة التي كانت ترافقه من خلال القضبان التي كان يمر بها ... لم تكن لديه فكرة عن هوية زائره .. إلا أن القليل فقط مسموح لهم برؤيته هنا .. لقد جعل الأمر واضحا من خلال محاميه .. أدخله الحارسين إلى غرفة مغلقة ... حيث حررا معصميه قبل أن يتركاه مع زائره .. الذي استدار ليواجهه جالسا خلف منضدة كانت ما تفصله عنه ... عنها بالأدق ..
نظر ببرود شديد نحو المرأة الأنيقة التي جلست ترمقه بتحدي من خلف الطاولة ... كانت جميلة .. من ذلك النوع القادر على إثارة جنون أي رجل تسري في عروقه دماء حارة .. ملابسها كانت محتشمة ... ظاهريا على الأقل .. حيث التصق قماشها الناعم بمنحنياتها في إعلان صارخ عن الجاذبية المختبئة أسفلها ...
حشمتها ... تحفظها .... كانا قناعا لا أكثر .. إذ أنه أكثر ما يعرف ما وراء تلك الواجهة من النضوج .. ويعرف أيضا بأن النار المتقدة والحرارة التي كان شعرها الأحمر المرتفع فوق رأسها في تسريحة منضبطة يعلن عنها ... حقيقة مرة
قال ببرود :- ما الذي جئت تفعلينه هنا إيفلين ؟
قالت بهدوء مستفز وهي تنظر إليه من بين رموشها الداكنة :- أبهذه الطريقة ترحب بصديقة قديمة دانيال ؟ لقد جرحت مشاعري برفضك
تجاهل استفزازها وقال بغضب :- ظننت محاميي قد أوضح رفضي التام للقاء شخص من خارج العائلة .. كيف وصلت إلى هنا ؟
رفعت رأسها قائلة بكبرياء :- لا تستهن قط بقدرات صحافية دانيال ... أنت تعرف بأنني ما عدت تلك الفتاة الصغيرة الحمقاء التي كنتها .... لدي أنا أيضا معارفي ومصادري ...
بهدوء .. ودون أن تفارقه عيناها ... سحب كرسيه .. وجلس أمامها مرجعا ظهره إلى الوراء .. عاقدا ساعديه أمام صدره قائلا :- حسنا ... ما الذي جاء بك ؟ ... إن كان الشوق ما جاء بك فيؤسفني أن أقول بأن الزيارات الزوجية غير متاحة ... فهي تتطلب تقديم عقد زواج كما تعلمين ..
احمر وجهها وهي تحاول تجاهل سخريته الباردة ... قالت بشيء من الحدة :- أنت تطري نفسك دانيال .. أنا هنا بصفة مهنية ... حديث صحفي أعرف منه تفاصيل قضيتك هو ما أريد
رفع حاجبيه باستفزاز قائلا :- بهذه البساطة ؟ .. دون أن تقدمي لسجين مسكين مثلي شيئا بالمقابل ؟
أربكها مجددا .. إذ أن ليس من عادة دانيال أن يكون متهكما وساخرا بهذا الشكل .. تعرف أيفي بأنه قد مر بوقت عصيب خلال الأشهر الماضية .. ورغم تعاطفها معه ومع قضيته .. وإيمانها التام ببراءته .. إلا أنها ما كانت لترغب برؤيته مجددا بعد ما حدث بينهما قبل سنتين ونصف بالضبط ولو مقابل أي شيء في الدنيا
إلا أن ما تناهى إلى سمعها عن الأدلة المتراكمة ضده .. واحتمال أن تكون نتيجة محاكمته في غير صالحه سلب منها القدرة على النوم لليالي طويلة .. كانت نتيجتها وجودها اليوم هنا في مواجهته
كان دانيال يبدو كما تذكره .. وسيما بشكل طاغي دون أن تؤثر بذلة السجن المقرفة في أناقته الفطرية .. جسده الطويل والقاسي كان أكثر نحولا مما تذكر .. شعره الأشقر الكثيف أطول من آخر مرة رأت فيها صورته عبر الصحف ... ذقنه الغير حليقة .. لم تساهم ولو قليلا في التقليل من جاذبيته التي تذكرها جيدا ..
قالت بتوتر :- ستحصل على تغطية صحافية عادلة دانيال .. أنا في صفك .. وسأنقل روايتك لما حدث كما هي ..
مط شفتيه وامتعاض يظهر على وجهه الوسيم وهو يقول :- للأسف .. ليس العرض الذي كنت أنتظره
مالت نحوه قائلا بشيء من الحدة :- سأترك شرف الترفيه عنك للعديد من الراغبات اللمستعدات لإرضاءك حتى وأنت معرض لحكم الإعدام دانيال .. كمحاميتك التي قلما تفارقك مؤخرا ... إذ تبدو قادرة على فعل المستحيل لأجلك .. أما أنا ... فلن أكون واحدة منهن أبدا ... أنت لا تثير لدي حتى مشاعر الشفقة وأنت محتجز في السجن كما كان يبدو مستحيلا أن يحدث لدانيال برانستون العظيم .. للأسف ... تبين بأنك بشر مثلنا جميعا .. تخطيء وتصيب مثلنا جميعا .. معرض للثواب والعقاب .... مثلنا جميعا أيضا
مال هو الآخر عبر الطاولة يقول ببرود وعيناه تحاصران عينيها الناريتين بصرامة :- هل جئت تنتقمين إيفلين ؟ .. هل تشعرين بالرضا العميق الآن وأنت تتحدينني عارفة بأنني عاجز عن الوصول إليك ؟ أحيي شجاعتك فهي مثيرة تماما للإعجاب ... أتساءل إن كانت ستظل كما هي عندما أخرج من هذا المكان ..
لم تهتز بها شعرة تأثرا بغضبه المكبوت .. بادلته نظراته القاسية بمثلها وهي تقول بحزم :- هل قتلت ( ماجي بورتر) يا دانيال ؟ هل قتلت صديقتك السابقة أم لا ؟ أجبني ...
نهض فجأة مرجعا كرسيه المعدني إلى الوراء ... مصدرا صريرا مزعجا للغاية وهو يقول بجفاف :- هذا اللقاء قد انتهى
اتجه نحو الباب ليطرقه بقوة قائلا لأيفي المتقدة غضبا وإحباطا :- لقاءنا هذا .. لن يكون الأخير إيفلين ... إلا أن القادم سيكون تحت شروطي أنا ... أعدك
فتح الحارس الباب ... وأخرجه معيدا إياه إلى زنزانته ... فأخفت أيفي وجهها بيديها للحظات قبل أن تتمالك نفسها محاولة كبت دموع عنيدة ... ونهضت مغادرة

كما العنقاء(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن