ما قبل البداية

1.3K 56 2
                                    

..
هذا الفصل ليس البداية الحقيقية لإيحاء الفضة لكنه يعكس موقف مهم لكل شخصية من الشخصيات المتواجدة في الرواية
..
..
..
ما قبل البداية .....

" في وقت ما خلال العشرين عاماً التي تلت زواج زنبق وصخر"

(بعد مرور سنتين على زواج صخر وزنبق)

-مكسم هيمسوورث

كان ينظر بعين الحقد الى موسكو التي يتضاءل حجمها كلما ارتفعت الطائرة... لقد اكتفى من موسكو... اكتفى من الثلج والبرد... اكتفى من والدته .. اكتفى من احباء والدته المتعددين والمتعاقبين.. اكتفى من سُكر والدته... اكتفى من رقص والدته ..... ابتلع ريقه مع مرارته... انه الرقص وحده ما يهم والدته... ولربما هي للآن لم تنتبه الى غيابه .. ليس وهي مشغولة بعرضها على مسرح "البولشوي" اشهر مسرح في روسيا... تراها ماذا تقدم الان؟... عرض "بحيرة البجع" ام عرض "اونيغن"؟ ... ابتسم بسخرية صفراء.. ان والدته لا تحب عرضاً معيناً بحد ذاته.. لكنها تحب الرقص كله... كان الباليه يجري في دمها.. وقد فضلته على كل شيء حتى عليه هو، ابنها الوحيد... كما سبق وفضلته على والده حين هجرته لتلحق بحلم الرقص بعد ان حاول منعها عنه....... في سنوات وعيه الأولى.. كان يعشق منظر والدته وهي ترقص... كانت تشبه الملائكة التي تحكي له قصصهم ليلاً... خفيفة مثل ريشة... ورائعة الجمال مثل كائن من السماء.... ولا يزال يذكر انبهاره بها وفخره ... لكنه حين كبر... أدرك ان ما جعل والدته ملاكاً في عينه هو في الحقيقة ما حولها الى شيطان... هذا الحب المريض للرقص.. هذه الحاجة الملحة للصعود الى المسرح يوماً بعد اخر... وما يتبع ذلك من هوس قاتل للحفاظ على وزنها وممارسة تمارينها وتدريباتها دون توقف... حتى اهملته تماماً..... وليت الأمر توقف عند هذا الحد... كانت كلما اشتهرت أكثر.. كلما انغمست في حياة اللهو أكثر... كلما تكاثر عدد معجبيها كلما تزايدت علاقاتها وقصرت مدتها ... احيانا لم تكن علاقتها مع أحدهم تستمر اسبوعاً واحداً ليجد اخر يحتل مكانه... لم تفكر للحظة كم يؤثر هذا سلباً فيه... وكم يحطم صورتها الملائكية في عينيه... حتى تحولت شيئاً فشيئاً الى شيطان.. تلاشى البياض من حولها... وتبخر اعجابه العظيم بها... وصار يراها مجرد راقصة رخيصة سعت للشهرة مثل شخص يتسلق شجرة مريضة وحين وصل الى قمتها راح يجني الثمار ويأكلها غير مبالي انها مليئة بالعفن والدود.. وقد قطفت والدته ثمار شهرتها.. ادمان على الكحول ، وعشرات العلاقات الجسدية الفارغة والكثير من عناوين الأخبار التي تصدرت فيها صورتها صفحات الجرائد الصفراء في اوضاع معظمها غير محتشمة .. بينما تركته يعاني من معاملة رجالها السيئة ومن مزاجها الأسوأ حين تثمل والاكثر من ذلك من سخرية كل اصدقائه ومن يعرفهم ومعايرتهم له بسمعة والدته السيئة..... .......
لا يعرف حقاً كيف احتمل خمسة عشر سنة من كل هذه القذارة... لكنه ممتن لصديق والدته الجديد الذي ضربه بعد ان شرب مع والدته حتى ثملا تماماً وعادا الى البيت
كانت الساعة بعد الثانية بقليل.. استيقظ من نومه على صوت جلبة وحين خرج ليستطلع وجد والدته تترنح مع صديقها قرب الباب بينما يدفعها نحو الحائط مزيحاً ثوبها الفاضح عن كتفها..... تصاعد الغثيان الى حلقه وكاد ان يستفرغ... هل وصلت بها الوضاعة لتجلب عشاقها الى البيت الذي يعيش فيه معها لتطارحهم الغرام في حضوره !.....
ثارت ثائرته وهو يصرخ: ما الذي يفعله هذا القذر هنا؟
وتقدم نحوه بخطوات سريعة ليزيحه عن والدته صائحاً: ابتعد عنها
ثم التفت اليها وعيناه تنضحان اشمئزازاً:
-لقد قلتِ أنكِ لن تجعليني اشهد شيئاً مخزياً كهذا.. ان كنتِ تريدين ان تغوصي في الوحل.. افعلي.. لكن لا تحضري الوحل الى البيت
عندها دفعه الرجل السكران وهو يصيح: من تقصد بالوحل؟...
وقبل ان يرد كان الرجل ينهال عليه ضرباً..... حاول جهده حينها ليدافع عن نفسه لكن بنيته النحيلة لم تساعده .. كان الرجل اضخم بكثير واقوى بكثير وجسده معبأ بالعضلات بينما كان جلده يلتصق بعظمه... نزلت دموعه رغماً عنه... فهذا الذل اكثر من طاقة شاب في الخامسة عشر على الاحتمال خصوصاً وهو يرى والدته تجلس على الأرض بنصف وعي تراقب ما يحدث دون حتى ان تعترض.... لحظتها قرر انه لن يبقى دقيقة واحدة .. وانه سيلجأ لوالده .... فهو رغم انه لم يطالب به يوماً لكنه على الأقل أكثر استقامة من والدته....
وها هو الآن يجلس في الطائرة يودع موسكو بالكثير من الكره واعداً ان ينتقم .. يوماً ما سيعود.. لكنه سيعود قوياً... روحاً وجسداً... وسيعاقب كل من كان له يد في المه........
اشاح وجهه عن شباك الطائرة واسند رأسه الى أعلى مقعده واغمض عينيه وهو يفكر: ترى كيف سيستقبل والده مفاجأة حضوره
******************


إيحاء الفضة(الجزء الثالث من سلسلة حـــ"ر"ــــب)مكتملةWhere stories live. Discover now