الفصل السابع

1.1K 55 2
                                    

قبل أن نبدأ تذكروا.... الحب هو الوحي الوحيد الذي عليك أن تؤمن به بكامل قلبك.. ما دونه مجرد ايحاءات كاذبة لمعتقدات تؤدي بك الى الضلال .... !
.....
.....
.......

الإيحاء السابع: أعتقد بأنني أحبك*

*الأغنية لـ (بارتردج فاملي)

-أترانا كنا واحداً وافترقنا؟... أهذا ما يجعلني أشعر بأنني انتمي اليك ؟!
-مايا ميلر



كان الألم في قلبها لا يحتمل.... أشاحت وأخذت تمشي بسرعة بعيداً عن الجريمة الغرامية التي كان علي يرتكبها في حق قلبها في تلك اللحظة....... لم تستطع ان تمنع الدموع من التسرب الى خدها.... خطت خارج المطار واخذت تعب الهواء كأنها كادت على وشك الاختناق ........ أخذ قلبها يخفق بسرعة مخيفة ... وضعت يدها عليه كأنها تحاول تهدئته لكن ضرباته ازدادت عنفاً.... وشعرت بالدم يتدفق في شرايينها بقوة وبدا وكأن شيئاً يضربها من الداخل... ثم فجأة طرق رأسها بألم قاتل وراح جسدها يرتعش دون ان تستطيع السيطرة على عضلاتها....... لم تعد ترى أي شيء في العالم... كل الصور تداخلت في بعضها واحست بأنها لم تعد تتحكم بقلبها، وتنفسها وحتى حركة جسدها مما اثار الرعب فيها.......
في تلك اللحظة شعرت بيد تمسك ذراعها المرتعشة.. حاولت ان تبتعد عنها لكن صوتاً قال لها بحزم:
-أنت تمرين بنوبة هلع.... تشبثي بي...
فعلت ما قاله لها... وأمر الصوت من جديد:
-خذي نفساً عميقاً....
فعلت من جديد ما قاله.... شعرت بالهواء يدخل الى رئتيها... فأخذت نفساً اخر
فشجعها الصوت:
-أجل ،، كرري الأمر... أحسنتِ..... أنت بخير... كل شيء سيكون بخير....
بعد عدة دقائق تباطئت نبضات قلبها.. وخفت ارتعاشة جسدها.. واخذ تنفسها بالانتظام .... بينما ما زال الشخص المجهول يمسك بها سانداً اياها ..... كانت هذه المرة الأولى التي تمر فيها بنوبة هلع... لم يحدث ذلك من قبل...... ورغم انها قرأت عَرَضاً عن هذه الحالة لكنها لم تتخيل ان تختبرها.....
سحبت نفسها من اليد التي تتشبث بها فتركتها اليد بسلاسة... رفعت وجهها لترى صاحب هذه اليد... فطالعها وجه رايان الترك .... قطبت باستغراب وتمتمت بإنزعاج:
-ماذا تفعل هنا؟
دون أن يجيب على سؤالها خلع عنها القبعة الرياضية الحمراء التي ترتديها ومد يده بمنديل ورقي وراح يمسح عن جبينها العرق الذي سببته لها النوبة ... ابعدت رأسها عنه مرمى يده ورمقته بنظرة منزعجة:
-توقف
سألها:
-هل أنتِ بخير؟
فكرت بسخرية وكأنها ستقول له بأنها ليست كذلك !
-بالتأكيد بخير
رفع حاجبه ونظر اليها من خلف القبعة الرياضية الزرقاء التي كان يرتديها هو الأخر...
-اذن ماذا كان هذا؟
عرفت بأنه يشير الى نوبة الهلع التي شهدها.... شعرت بخديها يشتعلان حرجاً لأنه شهد أحد لحظاتها المخزية
كذبت:
-لا أعلم.....
ابتلعت ريقها كأنها تستصعب النطق .. لكنها اخيراً همست:
-شكراً لما فعلته
هز كتفيه:
-كان لا شيء.......
سلمها قبعتها وواصل:
-أراكِ السبت القادم... اتمنى ان تكوني مستعدة لهزيمة اخرى
ضيّقت عينيها واخذت تنظر اليه بحقد بينما وضع تذكرته بين اسنانه بعبثية وعدل سترته رمادية اللون ... والتقط تحفة كبيرة على شكل اسد وحملها تحت ذراعه وخمنت بغيظ انها أحد القطع التي يصنعها بنفسه... ثم لمس حافة قبعته بتحية ساخرة واختفى خلف باب المطار.....
تمتمت بضيق:
-متكبر....
رنّ هاتفها فهبط قلبها وهي ترى اسم الخالة حوراء يضيء الشاشة..
اجابت على اتصالها بيد مرتعشة واخبرتها بصوت حاولت ان لا يبدو مكسوراً قدر المستطاع بأن علي قد وصل بالسلامة، حاولت ان تجعل المكالمة قصيرة.. وبعد دقيقتين اغلقت الخالة حوراء الخط مع توصيات كثيرة لأوركد كي تعتني بعلي.......
حالما انهت الاتصال... كادت ان ترمي الهاتف من شدة يأسها... وان تصرخ في وجه الخالة حوراء ان علي لا يحتاج لرعايتها فلديه ساندرا العزيزة ...... حالما فكرت بهذه الطريقة شعرت بالخجل من نفسها...... لماذا هي غاضبة؟ علي لم يستدرجها لتقع في حبه بل هي فعلت هذا بكل حماقة... لطالما كان صريحاً معها حول شكل حياته... لم يكذب عليها ولم يمثل عليها دور الحب... كما انه لا يعرف شيئاً عن حبها له .... فلماذا تشعر بالغضب؟ ..... انها بالنسبة اليه صديقته روري الصغيرة وليس ذنبه انه بالنسبة اليها العالم كله !.......
بعدها بدقيقة لمحته يخرج من باب المطار وبيده ساندرا... وباليد الأخرى يجر حقيبته متوسطة الحجم .... عادت تشعر بالخناجر تنغرز في قلبها بشدة وهي ترسم في عينيها صورة الرجل الذي تحب متشبثاً بيد امرأة اخرى تعرف تماماً انه لا يحبها ليس لأنها تفتقر الى الجمال بل لأنه لا يؤمن بالحب من الأساس......
عليها ان تتقدم... وان تبتسم وان تعتني بصديق طفولتها.... عليها ان تواصل لعب دورها الذي تتقمصه منذ سنوات .... هي لن تسمح للحب داخلها ان يذلها ولن تسمح لعلي ان يرى الى أي مدى كسرها دون ان يعلم حتى......
اعادت القبعة الى رأسها .. واجلت حنجرتها.... ونادت بصوت ارادته متحمساً فخرج مجروحاً بسكين الخيبة ..
-ليلو
كان علي يتحدث الى ساندرا بحماس حين سمع فجأة صوتها يناديه.... استدار متفاجئاً لينظر باتجاه الصوت... كانت أوركد تقف هناك.... لكنها لم تكن ذات الأوركد التي رآها اخر مرة.... كانت امرأة أكثر جمالاً ونضوجاً..... وجهها المستدير سابقاً اخذ شكلاً أكثر نحافة وعظام فكها ترسم زواياه بجمال... وشعرها القصير معقود الى الخلف مغطى بقبعة حمراء رياضية .... خفق قلبه بقوة وهو يتطلع الى جسدها الذي يذكره ممتلئاً وقد صار أكثر رشاقة وفتنة وهي ترتدي جينزاً اسوداً وتيشيرتاً قطنياً دون اكمام يظهر الكثير من مساحات كتفيها وعنقها ... بينما انحسر عن خصرها ليظهر منه القليل ..
ترك يد ساندرا وأفلت حقيبة السفر.. وصاح بلهفة:
-روري
ودون ان ينتظر أكثر... ركض نحوها بلهفة... لف ذراعيه حول خصرها ورفعها الى الأعلى ودار بها معناقاً اياها كما يفعل في كل مرة منذ الطفولة ..... وكما في كل مرة خفق قلبه بسعادة وهي تتعلق به كذلك... لكن الفرق الوحيد هذه المرة انه كان مصفوعاً بحقيقة ان روري التي يحملها بين ذراعيه صارت امرأة تدير الرؤوس بجمالها....... استنشق رائحتها بقوة ....
-ما زالت لكِ أطيب رائحة استنشقتها في حياتي
ضحكت وهو يعيدها لتقف على قدميها.... غير قادر على ان يزيح نظره عنها.... داخله كان يتساءل متى اصبحت روري بهذا الجمال.... مكالمات الفيديو المشوشة لم تفي جمالها حقه ....
همست وهو يتشبث بذراعها:
-لقد كبرتِ
اخرجت لسانها له بحركة طفولية تمارسها دائماً لإغاظته
ضحك:
-أسحب كلمتي.. ما زلتِ طفلة صغيرة
للحظة اختفى المرح عن وجهها او هكذا تخيل اذ انها قالت بابتهاج:
-حمداً لله على السلامة ليلو.... لولا الخالة حوراء لم أكن لأعلم بقدومك
-اردت مفاجئتكِ.....
كذب بسهولة ... هو لم يخبرها لأن ساندرا اصرت بعناد ان تستقبله واراد ان يجعل الامر يبدو رومانسياً...... عندها فقط تذكر ساندرا التي تقف خلفه.... ألتفت فوجدها تنظر اليه بانزعاج..... ادرك انه اقترف خطئاً حين اظهر كل هذه الحميمة تجاه أوركد رغم كل ما شرحه لساندرا عن العلاقة الوطيدة بينه وبين أوركد لكنها بالتأكيد ما زالت تتوجس منها خيفة وهو لا يلومها الآن .. بعد ان رأى كيف تحولت أوركد الى هذه الأنوثة الطاغية .....
ابتعد عن أوركد ومشى نحو ساندرا واخذ يدها وقبلها برقة فاختفى التجهم من ملامحها ...
قال وهو ينظر الى أوركد مبتسماً دون ان يخفى عليه نظرة الرفض التي تزينت بها خضرة عينيها.... كان يعلم انها لا توافق على ما ينوي الاقدام عليه .... لكنه تجاهل الامر وقال
-روري اعرفكِ على ساندرا خطيبتي.....
ثم التفت نحو ساندرا مبتسماً بجاذبية:
-ساندرا هذه صديقة طفولتي أوركد
تصافحت الفتاتان.... وتبادلتا كلمات تعارف رسمية بينما تمتمت أوركد:
-مبارك لكما الخطوبة....
واشاحت عنهما وهي تقول بصوت حاولت ان يبدو طبيعياً:
-سأوصلكما بسيارتي
اعترضت ساندرا:
-سيارتي موجودة
التفتت أوركد تنظر الى علي الذي بدا واقعاً بين نارين لكنه اخيراً قال بالعربية:
-روري... سأركب مع ساندرا والا ادخلتني في وصلة درامية عاطفية.. هل يزعجكِ الأمر؟
هزت رأسها نفياً دون ان تقول كلمة لأنها لم تكن واثقة ان فتحت فمها بانها لن تصرخ قهراً..
-أنتِ بطلتي...
قالها بحماس ثم تحدث الى ساندرا.... لم تكن تركز فيما يقولانه لكنها ارادت بشدة ان تهرب
قالت اخيراً:
-والدي مسافر لكنني وامي ننتظرك على العشاء هذا المساء... هل تعرف الطريق الى السكن الذي حجزته لك؟
ابتسم:
-سأعطي ساندرا العنوان وهي ستتدبر الأمر.... وسأكون موجوداً على موعد العشاء بالتأكيد
هزت رأسها بـ "حسنا".... ثم قالت
-سأذهب لأشتري بضع أشياء من السوق الحرة...
كانت تكذب لكنها ارادت ان تهرب
القت تحية مختصرة على كليهما لكن علي استوقفها:
-روري
استدارت اليه:
-نعم؟
راقبه باستغراب ينزع عن خصره قميصه المربعات ويسلمه لها...
-لو أنكِ ترتدين هذا.... الجو بارد قليلاً في الداخل
رفعت حاجبها لكنها لم تعلق... اخذت منه القميص شاكرة اهتمامه وهربت الى الداخل ...
من بعيد ومن خلف واجهة المطار الزجاجية كان رايان الترك يراقب لقاء أوركد السالم بالرجل الغريب بحاجبين معقودين ووجه متجهم ...... ثم رآها تدخل الى المطار شبه راكضة وعلى وجهها علامات البكاء.......
قاطعه صوت صديقه يقول:
-لماذا تقف متسمراً كالتمثال.... الم تكن ذاهباً لتشحن التحفة؟.... سنفوت الطائرة
تخلص رايان من جموده وتحرك قائلاً:
-لا تقلق لن نفوتها....
ثم التفت لآخر مرة ينظر الى أوركد التي كانت تسير في الصالة دون هدف واضح على ما يبدو .

إيحاء الفضة(الجزء الثالث من سلسلة حـــ"ر"ــــب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن