الفصل السادس

1.2K 57 6
                                    

قبل كل شيء تذكروا.. أن الحب هو الإيحاء الوحيد الحقيقي والشاهد الوحيد الصادق في محكمة القلب وكل ما سواه مجرد إيحاءات كاذبة وادعاءات مزيفة لشاهدي زور ..... لكن أحياناً الشهادة الصادقة تودي الى المقصلة .....!
..............
...............
الإيحاء السادس: أنا وأنت ضد العالم*

*الأغنية لـ (راجز)

-أنا الذي لا ينتمي الى كل ما تنتمين له !
-مراد السالم

-يا إلهي سوف يعتقلوننا !
سمع همسها الخائف وهي تقف خلفه متشبثة به .... كان الطرق يتزايد وقد خمّن بأن دقائق قليلة تفصل الشرطة عن كسر الباب..... ابتلع ريقه وشعر بالعجز... لم يكن يوماً في هكذا موقف.... لم يعرف كيف يتصرف.... ثم حانت منه التفاتة نحو السلم وقدحت في رأسه فكرة لم يرها الا في الأفلام ... لكنها بدت في تلك اللحظة حله الوحيد..... تحرك بسرعة جاراً أمل من يدها وهو يهتف:
-أتبعيني....
شعر بيدها بأصابعها تلتف بقوة حول يده وتركض معه متسلقة السلم.....
سألها:
-أين الباب المؤدي الى السطح؟
أشارت بيدها نحو باب على يمينه فتوجه اليه وحمد الله ان المفتاح كان موجودا في قفل الباب ... فتحه على الفور مستلاً المفتاح منه وفي تلك اللحظة سمع صوت باب البيت يتكسر والجنود يدخلون...... شهقت أمل بخوف وهي تقول:
-سوف يمسكون بنا
قال بعصبية وقلبه يخفق من التوتر:
-اخرسي...
اغلق باب السطح خلفه بالمفتاح وراح يلتفت حوله محاولاً إيجاد حل سريع ..... فلم يكن أمامه سوى ان يقفز الى البيت المجاور ....
قال لها:
-علينا ان نعبر الى البيت المجاور
ودون ان يستمع لردها كان يسحبها نحو السياج المنخفض نوعاً ما ويرفعها لتستوي عليه ثم تقفز الى سياج سطح البيت المجاور وتبعها فاعلاً نفس الشيء... في تلك اللحظة سمعا باب السطح تركل لعدة مرات...
همست له برعب:
-يا الهي سوف يمسكون بنا....
ولم يستطع ان يعترض... لقد كانت محقة .. سوف يمسكون بهم.... جالت عيناه في المكان وقدر ان فكرة القفز الى سطح بيت اخر للهرب لن تكون خطة فاعلة فسوف يتم الامساك بهم بسهولة بإطلاق بضع رصاصات........ مدّ رأسه ينظر الى الأسفل فوجد المسافة بعيدة لا يمكن معها القفز الى الشارع .... دار بعينيه بيأس وهو يلعن حظه العاثر حتى حطت عيناه على خزان الماء ... نظر الى أمل ثم الى الخزان وقرر في لحظة ما سيفعله ...
خلع فردة من حذاءه الرياضي... ورماها على سطح البيت المجاور لهم ... ثم قال لها مشيراً الى الخزان:
-لنختبئ هنا...
ورغم علامات الرفض التي علت وجهها لكنه كان يدرك انها يائسة مثله وان هذا الحل الجنوني لربما يكون المخرج الوحيد لهما.....
ازاح غطاء الخزان لتدخل وحالما لامس جسدها الماء شهقت لبرودته بينما التحق بها معيداً غطاء الخزان الى مكانه ليعم الظلام ... كان الخزان قبل نزولهما ممتلئاً حتى النصف ولكن لثقل جسديهما وصل الماء حتى ذقنهما.....
كانا متلاصقين تقريباً..... جسدهما يرتجف بفعل الماء.... قلبهما يضرب بشدة .... ينظران الى بعضمهما مكتومي الانفاس ......... في تلك اللحظة أدرك مراد بأنه لم يكن يوماً على هذا القدر من الخوف ..... ولا على هذا القدر من الخطر..... ولا على هذا القرب من روح امرأة ينبض قلبها الخائف في زرقة عينيها في هذه اللحظة المعتمة ....
سمعا وقع اقدام وجلبة قريبة واصوات كثيرة تهتف بالعبرية ... لم يفهمها مراد لكن عينا أمل اتسعتا بخوف وشعر بيدها تمسك بيده من تحت الماء وتتشبث بها فشد عليها محاولاً طمأنتها في حركة غريبة على طبيعته.....
مرت الدقائق بثقل شديد.... الجلبة خفت لكنها لم تختفي...... كانت الشرطة لا تزال تبحث في الشارع والبيت ....... أما قلبها الذي ينبض خوفاً شعرت به يكاد يخرج من صدرها ... يدها تتعلق بيد مراد وتنظر الى عينيه برعب لأنها تدرك انها ان ازاحت عينيها عنه فسوف تنهار خوفاً.......
سمعت شرطياً يصيح:
-لقد وجدت فردة حذاء هنا... لا بد انهما ذهبا في هذا الاتجاه
كادت ان تحتضن مراد لحركته الذكية في تضليل الشرطة..... فرغم كل ما يبدو عليه من سطحية فإن له عقل حاد الذكاء وسريع البديهة ....... حمدت الله أنها ورغم كل شيء تملكه الآن معها والا كانت في هذه اللحظة معتقلة بين يدي الشرطة التي لا ترحم
ابتعدت أصوات الجلبة أكثر وأكثر.... واطمأنت تقريباً أنهما قد تخلصا من الشرطة .... لكنها مع هذا كانت ترتجف .... اذ ان الماء كان بارداً والخزان مظلماً ... الشيء الوحيد الذي تستطيع ان تتبينه في الظلام هو الخصلة الفضية في شعر مراد وعينيه اللتان تنظران اليها بشكل مباشر بينما يدهما تتشابك ...... كان هو الآخر يرتجف برداً..... وأنفاسه تجاري أنفاسها قوة .....
بعد وقت بدا لها عمراً... اختفت الاصوات تماماً..... بقيا هناك لعدة دقائق اخرى ليتأكدا من رحيل الشرطة... ثم أفلت مراد يده من يدها وأزاح غطاء الخزان قليلاً لينظر من خلال الفتحة الصغيرة .... بضع ثواني مرت ليزيح بعدها الغطاء كاملاً ويخرج من الخزان تتبعه أمل......
كانا يقطران ماءاً.... ملابسهما تلتصق عليهما وشعرهما مبلل ..... فكرت بسخرية سوداء بأن تسريحة شعره العزيزة قد فسدت .... لكنها لم تستطع الا ان تدرك حتى وسط مصيبتها لكمال جسمه الذي أظهرته ملابسه المبللة، آه بالطبع لأجل هذا صار عارض أزياء.. أليس كذلك؟ ......
شعرت بنفسها حمقاء تماماً لأنها تفكر في شكل جسده بينما هما واقعان في ورطة كهذه ...... ارتجفت وهي تستقبل اشعة الشمس ليتسلل دفئ لذيذ الى جسدها ......
كان مراد ينظر بعصبية حوله وجسده يرتجف هو الآخر .....
قال أخيراً:
-ماذا سنفعل الآن يا مصيبة .... يا الهي بماذا ورطتُ نفسي.....
اشار اليها بأصبعه وقال متهماً:
-اسمعي.. أنتِ سبب كل هذا ..... أنتِ مصيبة متنقلة.. أنتِ كارثة ... أنتِ .... أنتِ....
ثم نظر اليها ترتجف أمامه وثيابها الملتصقة بها تظهر منحنيات جسدها وشعرها المموج بالعادة يلتصق برقبتها حتى ظهرها ...
هتف مواصلاً:
-أنتِ تبدين بشعة
قالها كاذباً لأنها كانت تبدو عكس ذلك تماماً.... لربما كانت هذه المرة الأولى التي يرى فيها بعض الجاذبية بشكلها الفوضوي هذا ...... لكنه كان غاضباً وأراد ان يقول لها أي شيء يؤذيها وحالما رأى جرح اهانته في عينيها شعر بالندم ....... لكنها مع هذا صاحت وكأنها لا تبالي:
-اذا انتهيت من ابداء رأيك بي.... لننتقل الى ايجاد حل لورطتنا
استدار عنها وتخلل شعره بأصابعه حانقاً .....
-كيف سنخرج من هنا؟
أجابت ببساطة:
-سننزل الى الأسفل
عاد يلتفت اليها:
-كيف؟
-سنخرج من البيت ... لا أعتقد انهم سيعودون في وقت قريب... لذلك من الأفضل ان نسرع...
مشى معها نحو السياج وشعر بوخز في احدى قدميه ليتذكر بأنه قد تخلى عن حذائه
تمتم بحنق:
-لقد أفسدتِ شعري وحميتي والآن قدمي.... كم هذا رائع .... أظنني سأخسر وظيفتي بسببكِ...
ردت وهي تعبر السياج:
-توقف عن النواح ايها المراهقة المدللة
أجابها وهو يلحق بها:
-توقفي عن مناداتي بهذا الإسم السخيف... لقد انقذت للتو حياتكِ
ودون مزيد من المشاحنات عادا الى البيت ... وخرجا متسللين من نافذة تطل على الشارع الخلفي .... بعد ان اخذت أمل حقيبتها الشخصية واخذ مراد محفظته وهاتفه اللذان رماهما في وقت سابق بإهمال على طاولة قرب الأريكة.....
عندما وصلا الى الشارع العمومي أشارت أمل لسيارة أجرة .. وحالما توقفت السيارة همست له:
-أدعُ ان لا يكون السائق قد قرأ جريدة هذا الصباح....
توتر مراد قليلاً ولكنه صعد السيارة بأي حال فلم يكن هناك من حل آخر ... ومن حسن الحظ بدا ان سائق سيارة الأجرة غير عالم بهويتهما لكن نظرات الاستغراب من منظرهما المبلل لم تفارق وجهه......
ادار مراد رأسه ينظر الى النافذة وهو يقول بحنق من بين اسنانه:
-حالما يأتي أخي سوف يخلصني من هذه الورطة وبعدها سأعود الى حياتي السابقة وأنسى كل هذا الجنون
لم تبالي بتذمره وسألت:
-هل سيأتي أخاك؟
-اجل
قطبت قليلاً وكأنها تفكر ثم قالت:
-والدي سيأتي كذلك، لو أنهما يجتمعان ويعملان معاً على حل المشكلة... ما رأيك؟
نظر اليها بحقد وقال بلهجة صفراء:
-وهل أملك خياراَ؟ سأفعل كل ما يتوجب لأتخلص منكِ ايتها المصيبة
رفعت حاجبها وقالت بسخرية:
-وكأني اموت في صحبتك.... هات رقم أخوك سأجعل أبي يتصل به ... واتصل بأخيك كذلك وأخبره بفكرتي
أملاها رقم صخر ... ثم اتصل عليه ... فكان هاتفه مغلقاً .. خمن بأنه ما زال في طريقه الى هنا.... فترك له رسالة نصية يشرح فيها فكرة أمل والتي كانت تتحدث الى والدها بصوت منخفض وتعتذر منه بينما لمحة من البكاء كانت تغطي نبرتها................... تأفف ناظراً اليها وحاول ان يقول شيئاً حتى لا تبكي لكنه في النهاية لم يجد شيئاً يقال.... فصمت وعاد ينظر الى النافذة بينما صوت نحيبها المنخفض كان يخز صدره..........
.................................................. ..................

إيحاء الفضة(الجزء الثالث من سلسلة حـــ"ر"ــــب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن