الفصل الثالث عشر

1.1K 70 7
                                    

قبل أن نبدأ تذكروا.. أن الحب هو الوحي الحقيقي الوحيد للقوة وما دون ذلك ايحاء كاذب لقوةٍ جوهرها الضعف
..
..
..

الإيحاء الثالث عشر: استعجلت الرحيل*

الأغنية لـ (كاظم الساهر)

-كأنني إليكَ أنتمي
-أمل الصالحي

نظر آدم الى القضبان التي يجلس خلفها وشعر بألم في قلبه... وخيبة أمل فادحة.... لم يستطع عقله ان يفهم سبب تصرف مريم ... لقد كان مقبلاً عليها هذا الصباح حاملاً العالم بيديه... ناوياً أن يعرفها على أهم شخصين في حياته .. والده ووالدته... كان يريد ان يجعلها جزءاً من عالمه ... لكنها أخرجته بقسوة من عالمها حين نكرته تماماً أمام اخاها..... لربما تكون خافت... لكنه ظن أن امرأة مثلها تقف دائماً وراء ما تؤمن به... ولا تتهرب من المواجهة.... هو لم يكن شخصاً سيئاً لتستحي منه وتنكره بهذه الطريقة المهينة وأمام والديه .... لربما هذا أكثر ما آلمه.. أن يشهد والديه أهانته بهذه الطريقة وان يحتجز خلف قضبان السجن بتهمة بشعة كالتحرش.......
أين الخطأ؟... نخر السؤال أفكاره...... هل الخطأ في جنسيته؟ لكن جنسيته لم تمنعه من أن يرمي نفسه في هذا الخراب...... هل الخطأ فيه هو كشخص؟ لكنه ليس محتالاً أو سيء السمعة.... اذن اين الخطأ؟ .....
عندها اضطر ان يعترف لنفسه بأن الخطأ لربما في توقعاته الكبيرة..... لقد تخيل ان مريم تحبه... رغم انها لم تقلها لكنه استشعرها في كل حركة وكل موقف.... هل تراه أخطأ حين أجزم بحبها له؟ ..... لربما يكون أخطأ فعلاً..... قد تكون وجدت فيه رجلاً جذاباً... ولربما تشاركا لحظات انسانية ... ومن الممكن ان يكون الأمر بالنسبة لها لا يتعدى حدود ذلك والا لماذا لم تقل له انه تحبه حين صارحها بحبه.... لماذا لم تقلها بعد ذلك؟ والأهم لماذا نكرته امام اخاها حتى بعد ان تفاقم الأمر ليصل الى مركز الشرطة؟ .....
بعد نصف ساعة جاء الشرطي وفتح له باب الحجز وقال له:
-يمكنكَ ان تخرج.. أنت حر
استغرب... لا بد ان والده قد تدخل واقنع أخو مريم بالتنازل عن المحضر....
مشى نحو مكتب ضابط الشرطة ليفاجئ بمريم تجلس ضامة ساقيها وكفيها متقلصان في حجرها ويبدو عليها الاحراج...
حالما رأته نهضت وهي تسأل بلهفة:
-هل أنت بخير
نظر الى وجهها ووجده بريئاً كما دائماً... لكن قلبه كان ينزف... فأشاح عنها وهو يقول:
-نعم
تدخل ضابط الشرطة:
-لقد جاءت الآنسة مريم وشرحت لنا الأمر... وقد تفهمت موقفها.. يمكنك أن تغادر
قطب:
-ما الذي شرحته بالضبط
فأجاب الضابط:
-اخبرتني بأنها تعرفك وقد اضطرت لتنكر ذلك في حضرة اخيها خوفاً من ردة فعله....
هز رأسه.. ووقع على محضر اخلاء السبيل دون ان يلتفت نحو مريم... ثم أخذ متعلقاته ومشى خارجاً...
لحقته مريم وهتفت من خلفه:
-آدم
التفت نحوها وشعور بالمرارة يعتريه:
-ما الأمر؟
قالت بصدق وقد التمعت عيناها بالدموع:
-أنا آسفة.. لم أستطع ان أقول لأخي انني اعرفك... كان سيغضب كثيراً...
رفع حاجبه:
-فقررتِ ان تكذبي؟
انعكست الكلمة بشكل سيء على وجهها فاحمرت احراجاً وكأنها تشعر بالعار لفعلتها
-كنتُ مضطرة لذلك... أنت لا تفهم... لم يكن ليسامحني
عقد حاجبيه وكتف ذراعيه امام صدره ونظر اليها بتساؤل حانق:
-اذن لم يكن عليكِ أن تتحدثي الي من الأساس... إذا كنتِ تعاملينني معاملة الذنب والعار.... كان سيأتي يوم ويعرف... ألم تفكري بهذا؟ ....
نظر اليها بمرارة:
-لقد حدثتُ عنكِ اهلي.... وحضرتُ لكِ هذا الصباح مفاجأة لتتعرفي عليهم.... كنتُ فخوراً بمعرفتي بكِ مريم... وأود أن اهتف بأنني أحبك في وجه كل الناس الذين اعرفهم والذين لا اعرفهم..... بينما اكتشفت انكِ تنظرين الي مثل سر قذر او ذنب فادح لدرجة ان تنكري معرفتكِ بي امام أخيك.. وترتضين ان ينعتني بالمتحرش......
لم تتمالك نفسها... فنزلت دموعها وهي تنظر اليه بتوسل.... فتفطّر قلبه لمنظرها لكن ما فعلته به كان أكثر ألماً ووجعاً من أن يلين
همست له:
-أنا آسفة حقاً
هز رأسه:
-لا عليكِ.... لقد كنتُ احمقاً...... ليس ذنبكِ أن يُهدم المعبد فوق رأسي اذ انني انا من بنيته فوق السراب...
ثم استدار عنها ليواصل مشيه بعد ان قال:
-وداعاً مريم
لاحقه صوتها منادياً بإسمه المختلط بشهقة بكاء.. لكنه صارع نفسه بقسوة ولم يستدر
في نهاية الممر كانت والدته تجلس على المقعد البلاستيكي غير المريح وعلامات القلق على وجهها بينما كان والده يتحدث الى الهاتف بوجه متجهم.....
حالما رأته والدته يسير حراً... انفرجت اساريرها ونهضت راكضة نحوه ففتح ذراعيه لها وعانقها...
-شكراً للرب على سلامتك حبيبي.. هل انت بخير؟
ضحك وهو يضمها الى قلبه المكسور:
-لم اقضِ سوى بضع ساعات في الحجز يا أمي... أنا بخير تماماً... لماذا تنتظران هنا
-لقد جئنا بمحامي لكننا وجدنا مريم قد سبقتنا الى هنا فقال الضابط لا داعي للمحامي فانصرف
تقدم والده نحوه بعد ان أنهى الاتصال وعانقه..
-ابني... وفخري..
شعر بغصة وهو يسمع هذه الكلمة من والده وامتن له كثيراً لقولها وكأنه يثبت بأن ما حدث لم يغير أي شيء...
-سيد ميلر العظيم
بعد ان عانقه وقف أمامهما وقال بإحراج:
-أنا آسف لما حدث... اعتذر جداً
عانقته والدته من جديد وربت والده على كتفه
ابتسم والده:
-ماذا رأيت من الحب يا ولدي.. اسألني أنا.. لقد ذهبت الى الجحيم بسبب الحب
رفعت والدته حاجبها:
-هيا أخرج ما في قلبك وتذمر.. أنت لا تضيع فرصة
ضحك هو ووالده الذي رفع يده مستسلماً:
-غير أنني وصلت الى الجنة بعدها
ابتسمت والدته راضية...
لكن آدم لاحظ رغم روح والده المرحة بأن سحابة القلق لم تغب عن وجهه فسأله:
-لماذا تبدو قلقاً؟ هل حصل شيء؟
هز والده رأسه:
-أجل لقد قرأت لتوي خبر تعرض آدم الصالحي لحادث خطير.... واتصلت بابنته فأكدت الأمر..
-انه والد الفتاة التي علق معها مراد، اليس كذلك؟
أومأ والده ايجاباً... ثم التفت نحو والدته:
-أنا أفكر في السفر الى الأردن ما دمنا قريبين من هنا.... الفتاة وحيدة كما اعرف.. وآدم الصالحي أصبح صديقاً بطريقة ما...
هزت والدته رأسها موافقة:
-سأرافقك... هذه الفتاة تثير شفقتي.. ما ان خرجت من ازمة تهمتها حتى وقع حادث والدها... وفوق كل هذا لا أم لديها....
في السيارة قال آدم وقد فكر لبعض الوقت:
-لقد قررت ان أغادر تركيا لبعض الوقت... أعتقد أنني سألحق بكما الى الأردن .. ففي النهاية لدي معرض أنوي اقامته وعلي أن أعمل بهدوء عليه.....
ايدته والدته:
-فكرة جيدة.. لربما يمكنك حتى ان تقيمه في الأردن... فهي معروفة بمناسباتها الأدبية والفنية
وافقها والده:
-تحتاج الى اجازة فعلا... انت تبدو نحيلاً
اخذ نفساً عميقاً وتمتم بـ "حسناً".... داخله كان يعرف بأنه لم يكن يحتاج الى اجازة او الى العمل بهدوء في مكان اخر... كل ما كان يريده هو الخلاص.. وقد بدت الأردن مكاناً مثالياً لذلك.. فهي قريبة من تركيا ووضعها الأمني مستقر كما انه يحب طبيعتها الجبلية ومناطقها الأثرية... وهي فرصة ليزور "المغطس" وهو موقع عماد المسيح ... ورغم انهم لم يكونوا في شهر كانون الأول حيث يحج آلاف المسيحين الى المغطس في عيد الغطاس .. لكنه من أكثر الأماكن التي يحبها في الأردن... اذ انه يشعره بروحانية كبيرة............
عليه ان يهرب... لعله بذلك يجد طريقة ليتعامل فيها مع خيبة أمله.... بعد غد لديه مقابلة مع أحد اللاجئين ولولا أنه اخذ موعداً مسبقاً لا يريد ان يخلفه لكان سافر مع والديه هذا المساء... اخذ ينظر الى المدينة من خلف زجاج السيارة وتلاحقت أمام عينيه المناظر بسرعة... غير ان كل شيء داخله كان يسير ببطيء وكأن روحه ذبلت........ هل يفعل الحب بنا هذا؟..... ربما ..!
....................................
في ذات المساء كانت مريم تجلس امام والدها تشعر بتمزق رهيب في قلبها.... ورغم هدوئها الظاهر لكن كل شيء عدا مظهرها كان في حالة بكاء هستيري صامت....
سألها والدها:
-ها يا حبيبتي؟ ماذا نقول لابن عمكِ؟
خرجت الحروف من بين شفتيها ببطيء وهي تدرك بأن كلمتها قاتلتها:
-موافقة
*******************************

إيحاء الفضة(الجزء الثالث من سلسلة حـــ"ر"ــــب)مكتملةDonde viven las historias. Descúbrelo ahora