الفصل الخامس عشر

1.2K 52 2
                                    

الإيحاء الخامس عشر: وحدي بلا رفيق*

الأغنية لـ (ميادة بسيليس)

-وما انتميت الى ما انتميت
-مراد السالم

إنك تقضي حياتك في بناء نفسك، ثم تأتي لحظة فاصلة في عمرك تشبه المطرقة الكبيرة، تضربك في النقطة المشروخة والضعيفة داخلك فتهدمك.......... هكذا كانت قبلتها... مطرقة كبيرة قسمت قلبه المشروخ الى نصفين .. وكان يعي تماماً أنه لا مجال لأن يجمع النصفين بعد ذلك.... ومع هذا لم يتوقف..... بل تمسك بها أكثر... حفر أصابعه على منحنيات وجهها وهو يثبتها لتستقبل شفتيه المأخوذتين بعمق الاحساس الذي زرعته قبلتها.......
تأوهت بصوت خافت أرجفه.... أجل لقد أمسك بالكثير من النساء بين يديه هكذا وقبلهن هكذا ... وأجل لقد سمع الكثير من النساء يتأوهن بين يديه هكذا... لكن الأمر لم يكن بالطريقة بل بالإحساس..... كان يمسكها بقلبه .. يقبلها بروحه ويسمع صوت تأوهها بمشاعره ..... وهذا ما أردى قلبه الى نصفين وأفقده عقله.....
شعر بها تحاول ان تنسحب... وعقله أخبره بأن عليه ان ينسحب.... لكنه لم يطع لا محاولاتها ولا صوت عقله..... بل همس وشفتيه تحصدان شفتيها برقة:
-لا تبتعدي
لم تناقشه ولم تعترض بل اطاعته على غير طبيعتها النارية...... ولكنه لم يكد يستمتع بطاعتها له حتى رن جرس الباب مقاطعاً..... هل عادت السيدة سارة من مشوارها بهذه السرعة؟..
شعر بالحنق لأنه لم يستطع ان يوقفها عندما حاولت الانسحاب من بين يديه فتركها تنسل عنه وهو يشعر بأن جزءاً منه ما زال عالقاَ بين شفتيها....... كان وجهها محمراً بقوة تناقض الشحوب الذي كساه طيلة الأيام الماضية ... مما جعله يبتسم قليلاً
لم يكن يدرك بأن الدماء التي كانت تجري حارة في عروقه قد انعكست على بشرته الساخنة وعينيه اللتين تطلعتا نحو أمل وكأنها المرأة الوحيدة في هذا العالم .... لم يدرك كذلك انفاسه المتسارعة بسبب ضربات قلبه المدوية ولا هالة الغرور التي سقطت عنه عندما تعرّت مشاعره بهذا الشكل أمام قبلتها....
أمام عينيه المتفحصتين لم تستطع ان تتكلم .. ارتبكت ملامحها مما أثار رغبته مناكفتها فقال ممازحاً
-الآن فقط عرفت ما كان عليّ أن أفعل لأسكت لسانك اللاذع في يافا
اتسعت عيناها ببراءة ثم تلونت بالنار الزرقاء التي يعرفها جيداً:
-كم أنت مغرور..
عدل ياقة قميصه بحركة تكبر ليغيظها وقد شعر بأنها عادت الى تلك الـ "أمل" التي قابلها في يافا.... فما كان منها الا ان استدارت عنه لتفتح الباب....
على الباب وقف رجل بني العينين والشعر لكنه لم يبدو عربياً لسبب ما ..... كان يبتسم بتهذيب وبدا شكله مألوفاً.....
قالت له:
-تفضل؟
سألها:
-الآنسة أمل الصالحي؟
عربيته رغم كونها جيدة جداً لكنها كانت تحمل لكنة ثقيلة قليلاً وكأن صاحبها لم يعتد التحدث بها ...
-أجل أنا.. من أنت؟
مد يده باسطاً إياها وكأنه يود أن يصافحها.... وقال معرفاً عن نفسه
-أنا آدم ميلر ابن جوزيف ميلر.... لقد جئت في زيارة للأردن وأبي طلب مني أن أزوركِ وأطمئن عليك
ابتسمت بشكل لا ارادي... واخذت يده تصافحها مرحبة:
-أهلاً بك .. هذا لطف شديد من العم جوزيف...
اشارت بيدها الى الداخل..
-تفضل... تفضل
حالما دخل.... وقف في مكانه ينظر الى مراد بينما كان مراد يبادله نظرات المفاجئة..
قال كلاهما بصوت في نفس الوقت
-مراد؟
-آدم؟
***************************************
وقفت مريم أمام البيت الذي كان يسكنه آدم والدموع تملأ عينيها... لم يخبرها بأنه مسافر... رحل هكذا فجأة وقد اكتشفت هي الأمر بالصدفة...
اتصلت عليه لأنها قررت بأن تحاول شرح الأمر له بطريقة أفضل... لم تكن تريد ان يتصورها جبانة او انها قد تخلت عنه... لكنها اصطدمت بإشارة صوتية تعلمها بأن هاتفه مغلق.... شكت بأنه ربما حظر رقمها عن هاتفه .. فجربت من هاتف المحل... لكن الاشارة الصوتية لم تتغير.... عندها فقط شعرت بالقلق لأن رسائلها هي الأخرى لم تكن تصل اليه....
بعد عدة أيام من المحاولة لم تجد بداً من الذهاب الى بيته... هناك أخبرها الجيران بأن آدم قد سافر منذ يومين ولا أحد يعلم متى سيعود.....
هل لتكسر القلب صوت؟ تساءلت وهي تنظر الى بيت آدم باكية بينما صوت تحطم قلبها الذي تعلق به ألغى كل صوتٍ آخر...... لم تكن تستطيع لومه او حتى الغضب لرحيله.. لقد دفعته ليفعل ذلك... رأت بأم عينها خيبته فيها.... ورغم معرفتها القصيرة به لكنها أدركت كم انه رجل مستقيم وشجاع... بالتأكيد لم يكن ليستطيع فهم دوافعها ولا حتى سبب تصرفها فلو كان مكانها لكان دافع عنها دون خوف...
حين عادت الى البيت كانت لا تزال غارقة في حزنها واكثر ما تمنت فعله هو ان تذهب الى غرفتها وتختفي تحت غطاء سريرها وتبكي حتى تستنفذ عينها مخزونها من الدموع .. لكن ذلك لم يحصل اذ وجدت والدها بانتظارها وعلامات السرور تغطي تجاعيد وجهه الحبيب
-مريم حبيبتي... لدي أخبار سارة لكِ....
استعدت نفسياً لخبر يفتت كسور قلبها الى قطع أصغر.... كانت تعلم أنه سيحدثها عن ابن عمها
-لقد أرسل لنا ابن عمكِ المبلغ كما طلب مني ان اشتري لكِ الخاتم الذي تريدين... وحالما ترتدينه سأسمح لكِ بالتحدث اليه...
اقترب منها محتضناً اياها بينما وقفت متسمرة في ارضها غير قادرة على الابتسام حتى.. وأكمل
-لن يطول الأمر ونذهب الى المانيا وتقابليه وتقضيان فترة خطوبتكما في التعرف على بعضكما أكثر.... لقد اتصلت بالمهرب وسيرتب لنا رحلة في أقرب فرصة
بدأ صوت والدها يختفي شيئاً فشيئاً مع كل كلمة وكأنه يضيع في زحام ضوضاء يخلقها رأسها المشوش....
وتوالت الأفكار سريعة في رأسها..... آدم، خطبتها، الهرب، سوريا وصوت القصف ورائحة الموت التي تشبه كثيراً الرائحة التي تهيأ لها انها تنبعث من شمال صدرها في هذه اللحظة........ عندها لم تستطع ان تجاري ألم التفكير في كل هذا ... فسقطت بين ذراعي والدها مغشياً عليها....
**********************************

إيحاء الفضة(الجزء الثالث من سلسلة حـــ"ر"ــــب)مكتملةWhere stories live. Discover now