الفصل الثالث

1.4K 61 11
                                    


-قبل ان نبدأ .. تذكروا إن الحب هو الوحي الصادق النابع من القلب... وكل ما يهمس به عقلك هو إيحاء كاذب يعتمد على الملموس لا المحسوس...... آمنوا بوحي المشاعر لا بإيحاء المنطق.... فالمعجزة لا تدرك بالعقل.. بل بالقلب.....

...
...
الإيحاء الثالث: (يا رايح على يافا)*

*الأغنية لـ فدوى بلحة

-أنا لا أنتمي سوى الى القمة، وكل مكان غير القمة.. هو قاع !
-علي السعدون

-أريدك ان ترقصي..!
حالما سمعت هذه العبارة التفتت مايا لا ارادياً تنظر الى والدها وعمّيها.... أول ما لاحظته هو تحجر عينيّ والدها والجمود الذي كسا ملامحه..... أجل، هي ليست مخطئة إذن، فوالدها التقط مثلها النبرة الغريبة التي حملتها تلك العبارة البسيطة.... عبارة قد تبدو عادية الى درجة انها لا تثير أي شك في مقاصد أخرى لكنها قيلت بطريقة لم ترحها متلحفة بوتيرة صوتٍ هادئة وثابتة، وباردة ...! ...... عمّيها لم يكونا أقل تجهماً وبروداً من والدها .. وقد يبدو هذا طبيعياً لعمها كايل إذ انه يرتدي هذا الوجه مع كل شخص غريب... لكن ان يتجهم عمها ماتيو فهذا مخالف لطبيعية ملامحه المسترخية والساخرة مما يزيدها تأكيداً فوق تأكيد بأن شعورها في محله...........
أفكارها التي تدفقت بكثافة خلال ثواني معدودة تبخرت حين تقدم والدها ليقف الى جانبها محيطاً كتفها بذراعه بطريقة تبدو عفوية لكنها علمت كم تحمل من الحمائية كأنه يقف أمام خطرٍ ما يواجهها....
قال والدها بهدوء يناسب تعابير وجهه الشتائية:
-لربما تحتاج لتوضح عبارتك أيها السيد... أنت لا تريد مني ان أفهمها بنحو خاطئ .. أليس كذلك؟
الجميع فهم لهجة التهديد والتحذير التي قطرت من كلمات والدها ..... ثم فجأة بدا على الرجل كأنه أدرك أخيراً كم بدت عبارته غير مريحة .... فأخرج يده من جيبه رافعاً اياها بإشارة اعتراض، وتحولت ملامحه الخالية من التعبير الى الإعتذار وفاض الأسف من عينيه ثم اسرع يقول:
-اقدم خالص أسفي لم أكن اقصد ان تبدو عبارتي بهذا السوء....
تفاجئت مايا بالتغيير الذي حل في ملامحه، ولا ارادياً ربطت شبهاً بين هذا التحول والتحول الذي يطرأ على ملامح والدها بين برود تام ودفئ عارم
تقدم ومد يده نحو والدها وقال بلطف:
-مكسم هيمسوورث
للحظة شعرت ان والدها لن يصافحه لكنه بعد تردد بسيط أرخى يده عن كتفها والقاها في كف المدعو مكسم .. وصافحه ناظراً في وجهه دون أن يختفي البرود من ملامحه
-جوزيف ميلر
ابتسم الرجل بود:
-ومن لا يعرفك سيدي...
ثم التفت نحوها... عيناه الزرقاوان الحادتي اللمعة بشكل غريب نظرتا نحوها بإعتذار...
-أرجو ان تتلطفي بقبول اعتذاري آنستي إن كنت قليل اللباقة
خفّ توترها... وشعرت بأنها لربما هوّلت الأمر في داخلها... ماذا إن كانت قد صادفته من قبل وناداها بلقبها المهني... فهي بالنهاية راقصة باليه مشهورة ... أليس كذلك؟
ردت له ابتسامته التي لم تكن تدري الى أي مدى كانت مشوشة:
-لا عليك... يمكنك الآن أن توضح الأمر لو سمحت
اجاب بسرعة:
-في الحال آنستي لكن استميحك عذراً... سأحب جداً ان ألقي التحية على بقية رجال آل ميلر....
(رجال آل ميلر) !!..... بدت العبارة هجينة وسط جملته التي تقطر تهذبياً ... او لربما هي حساسة كثيراً.... من الطبيعي ان يكون مهتماً في القاء التحية على عمّيها اللذان لا يقلّان شهرة عن والدها
تخطاها هي ووالدها تحت نظرات الأخير المتفحصة.. ثم مد يده يصافح كِلا عميها تباعاً.... عمها كايل صافحه بتحفظه المعتاد بينما ظهرت ملامح السخرية المعتادة على وجه عمها ماتيو مما بعث قليلاً من الراحة في نفسها.....
قال اخيراً بعدما انهى بروتوكولات التعريف والمصافحة:
-تشرفت بمعرفتكم جميعاً....
ثم عاد اليها وقال بلطف:
-آنستي.. لدي أخ صغير يدعى رايموند.. لم يتجاوز الرابعة عشر ... وهو معجب كبير بكِ... لذلك أحببت أن أقدم له هدية مميزة في عيد ميلاده الرابع عشر بأن أرجو منكِ أن تشرفينا برقصة قصيرة في حفلة عيده
اعتذرت دون تفكير:
-آسفة سيد هيمسوورث... أنا لا أقدم أي عروضٍ خاصة... لكن يمكنني أن أمنح اخاك تذكرة في الصف الأول... وأسمح له بمرافقتي للكواليس لإلتقاط الصور...
لم تستطع مايا الا ان تلاحظ كيف تغيرت ابتسامته مع كل كلمة تنطقها... لربما ظاهرياً كانت شفتاه ما زالتا مرتفعتان بنفس الطريقة دون ان يزدادا اتساعاً .. لكن شيئاً ما في ابتسامته بدا أكثر استرخاءاً ورضا..... وجمال ...!
هز رأسه بتفهم:
-أتفهم موقفك تماماً وأحترمه.. يبدو أنني لن أستطيع ان افاجئه في حفل ميلاده لكن اعتقد أن مقعداً في الصفوف الأولى وصوراً في الكواليس مع راقصته المفضلة يبدو رائعاً.....
ثم أضفى على نبرته الكثير من الامتنان:
-شكراً لكِ آنستي على لطفكِ سيكون أخي سعيداً برؤيتك.... هل يمكنني أن آخذ رقم هاتفكِ لترتيب الأمر؟
بدا طلبه عادياً نسبة للظروف... من الطبيعي أن يطلب رقمها والا كيف سيعرف متى وأين يمكنه أن يحضر أخاه....
لكن والدها تدخل قائلاً:
-يمكنكَ أن تتصل بمساعدتها...
ثم وجه حديثه لها:
-أعطه رقم لوسي
ورغم استغرابها من تدخل والدها الغير معتاد في شؤون عملها لكنها فعلت... ولم يبدو على الرجل أي تأثر.. بل بالعكس شكرها بوفرة بأسلوب حديثه الفائض الأدب الذي يشبه أسلوب نبلاء القرن الماضي.... ثم القى تحية الوداع وهمّ بالخروج..... لكن أرورا في تلك الأثناء دخلت البهو وتقدمت وهي تقول بترحاب:
-مكسم.. كيف حالك؟
احنى رأسه قليلاً بحركة ترحيبية انيقة:
-عمتِ مساءاً سيدة أرورا... تبدين رائعة كما العادة... كيف حالك؟
اجابته:
-هذا لطف منك،، أنا بخير .. شكراً....
تدخل عمها كايل معلقاً:
-يبدو أنكِ تعرفين السيد هيمسوورث جيداً
أجاب الرجل عن أرورا قائلاً:
-بالتأكيد.. السيدة من أهم زبائننا.. وأنا أهتم بزبائني المميزين بنفسي... (ثم وجه حديثه نحو أرورا) .... كيف حال السيدة أنجل والسيدة كيرا والسيدة تينا
ارتفع حاجب عمها ماتيو بسخرية وقال هامساً في أذن جوزيف المقطب دونما سبب:
-يبدو انه يعرف جميع نساء العائلة
أجابت أرورا:
-بخير.... نحن ننتظر المجموعة الجديدة من مجوهراتكم لنقوم بزيارة جماعية
ضحك الرجل بعفوية تحت عيون مايا المراقبة:
-اهلاً بكن في أي وقت سيدتي.... (ثم نظر الى ساعته وقال) ... أعتقد أنني أخذت من وقتكم الكثير
شمل الجميع بنظره:
-اعتذر ان جئت دون موعد... (ثم وجه نظره نحو مايا) .. ممتن للطفكِ آنستي.... (ثم عاد يقول للجميع) ... عمتم مساءاً.....
تمتمت مايا:
-عمت مساءاً...
لكنه وقبل ان ينصرف، وجه اليها نظرة عميقة ثم انحدرت عيناه الى رقبتها فشعرت بخفقان غريب،
قال لها:
-القلادة تناسبكِ تماماً، لقد صنعتها بنفسي
تزايد خفقان قلبها، ولا أرادياً امتدت اصابعها تلمس الفراشة الصغيرة والمعلقة بسلسال من الذهب الأبيض والتي كانت هدية والدتها في اخر عيد ميلاد لها................ شعرت بالغرابة وهي تنظر الى عينيه اللامعتين بينما على رقبتها تلتف قلادة من صنع يديه ..
مع هذا تدبرت ان تقول:
-شكراً ، انها جميلة فعلاً
إبتسم لها برقة:
-يسعدني أن عملي المتواضع لاقى إعجابك......
ثم خرج بعد ان كرر تحية المساء وبقيت مايا واقفة في مكانها تغطي بأصابعها الفراشة وتراقبه يختفي خلف الباب المغلق.
.................
خرج مكسم من البيت ويده في جيبه ماشياً بهدوء نحو سيارته.. حالما استقلها سأله أخوه بلهفة:
-هل نجحت الخطة؟
ضحك:
-نجحت تماماً..... رغم انها لن تحضر عيد ميلادك..
رفع رايموند حاجبه متسائلاً:
-اذن؟
انطلق مكسم بسيارته ... وأخذ يحدث أخيه بالتفاصيل..... بينما عقله لا يفكر الا بشيء واحد حدث منذ زمن بعيد .... حيث كان هناك طفلة صغيرة تمسح العرق عن جبينه بمنديل ورقي بينما يجلس متكوراً على نفسه ، خائف ومرتعب.....وتسأله برفق
-هل أنت بخير؟
عاد من ذاكرته البعيدة الى لحظته الحالية وتمتم:
-سأكون بخير.... !


إيحاء الفضة(الجزء الثالث من سلسلة حـــ"ر"ــــب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن