الفصل العشرون

1.1K 55 6
                                    

الإيحاء العشرون: أحبيني بلا عقدِ*

*الأغنية لـ "كاظم الساهر"

-وليس لسواي لديكِ انتماء !
-مكسم هيمسوورث

"أحبكِ"..... هل قالها فعلاً؟ هل كل هذا حقيقة؟.... هل شفتاه الآن تقبلانها بهذا الشغف واليأس بينما تقف هي عاجزة عن الإتيان بحركة؟.....
لماذا الآن؟... لماذا في اللحظة التي تكون حياتها في مواجهة النهاية، يأتيها مراد بقمة أحلامها..... كل ما أرادته منذ ان عادت من يافا هو الحصول عليه حتى وان لم تعترف بذلك... باللاوعي عرفت دوماً أنها أحبته رغم ان وعيها رفض ذلك الحب الذي يعني ان يرتبط قلبها برجل لا يشبهها في شيء .... رجل قد يسرق انتمائها .. وحين يرحل سيمنحها المنفى في أكثر صوره تشرداً..... منفى الروح والقلب..... كما حدث مع والدها حين رحلت والدتها....
ارتفعت يده لتتسلل تحت طيات شعرها وتمسك خلف رأسها.... رأسها !..... ورم الدماغ.... العملية القريبة...... مراد.... الحب .... هي ..... الخوف !
الخوف !.......... سيطر عليها هذا الوحش البشع... مد مخالبه ليمسك بقلبها.... وصوته الشيطاني يهمس في عقلها:
"هل سيبقى ان علم بمرضك؟ هل سيكون حبه المزعوم قوياً بما يكفي ليقف بجانبكِ؟ هل ستكونين أنتِ ضعيفة بما يكفي لتسمحي له برؤيتكِ على سرير الموت؟"
كل تلك الأسئلة أجاب عنها خوفها بـ "لا"......
وجدت السبيل الى تحريك يديها... دفعته عنها... والقت بكفها فوق خده في صفعة مدوية أذهلت كل الموجودين قبل ان تذهله....
تراجع خطوة مشوش العينين... خصلته الفضية تدلت فوق جبينه إثر دفعها له مثل نصل خنجر يدخل قلبها
صاحت به وقد وجهت سبابتها نحوه في اشارة تحذير:
-أولاً لا يحق لك ان تقبلني... انا لست احدى رخيصاتك
لاحظت كيف زحفت الصدمة الى وجهه وكأنه لم يكن يتخيل ان تفسر تقربه اليها بهذا الشكل.....
لكنها أكملت:
-وثانياً... أنا لا..... أحبك
نطقت بها بصعوبة بالغة كأنها شهقة بكاء... ولم تستطع منع عينيها من الامتلاء بدموعٍ صلت ان لا يلاحظها... لكنه فعل... مما جعله يقطب.... رغم ان ذلك لم يمنع الغضب من الزحف فوق صفحة وجهه الذي ارتفع بغرور تعرفه جيداً.... قست عيناه اللتان كانتا منذ بضع دقائق تفيضان حباً....
رفع يده واعاد خصلته الفضية الى الخلف ومشطها مع باقي شعره في حركة تكبر تليق تماماً بحضوره الطاغي الذي حطم قلبها.....
انفرجت شفتاه عن ابتسامة تقطر سخرية وعلمت بأنه سيقول شيئاً لن تنساه أبداً...
وبالفعل.. بنبالٍ بنية اللون أطلقها من عينيه أصابت هدفها وصوّبت قلبها.... قال ببرود:
-بالفعل.. لستِ احدى "رخيصاتي"... (رفع حاجبه وهو يمسح منظرها باستهزاء) .. ففي العادة هنّ لا يحتجن لأنالهن .. قول أشياء "رخيصة"......
تجمد كل شيء فيها.. بدءاً من تسمّرها في وقفتها... انتهاءً بعينيها التي لم تعد ترمش......
هل يقول لها بأن "أحبكِ" تلك لم تكن سوى حيلة "رخيصة" لنيلها؟........... ورغم ان داخلها شيء يشبه اليقين بأنه قصد ما قاله .... لكن الاهانة التي تضمنتها جملته حُفرت بإزميل من الوجع في قلبها.....
تمتمت من بين أسنانها:
-وغد
ثم استدارت عنه دون ان ترى ملامح العذاب التي رُسمت على وجهه ..
*******************************************
-باعدي بين قدميك حبيبتي أكثر.. يجب أن تكون أكبر من عرض كتفيك...
فعلت مايا ما طلبه مكسم وباعدت أكثر بين قدميها بينما كانت يديها المرفوعتين مغطاة بقفازي الملاكمة الكبيري الحجم .... والجد يكسو ملامح وجهها وهي تركز نظرها نحو كيس الملاكمة متبعة ارشادات مكسم الذي عاد يقول:
-اثني ركبتيكِ قليلاً... أعيدي قدمكِ الى الخلف...
نظرت اليه متذمرة لكنها فعلت ما يريده....
رفع ذراعها اليسرى امام وجهها وعاد يقول:
-يجب ان تحمي بهذه الذراع وجهك... تثبتيها تحت عينيكِ بقليل... وتحمي بها ذقنك ..
أمسك بالذراع الأخرى:
-والآن الكمي الكيس بهذه الذراع... تذكري ان القوة تأتي من عضلات الكتف والظهر لا من الذراع
بحماس شديد هزت رأسها وحمت وجهها كما قال لها ثم وجهت قبضتها اليمنى نحو الكيس بكل قوتها...... لكن الكيس لم يهتز الا بمقدار شعرة... بينما صاحت هي من صلابته
ارتد وجه مكسم الى الوراء واخذ يضحك مليء فمه:
-هل هذه أقصى قوتكِ حبيبتي؟.... أخبرتكِ ان الملاكمة لا تناسبك
اسبلت ذراعيها ونظرت اليه بغضب:
-لماذا لا تناسبني؟ .... انت تلاكم فلماذا لا الاكم انا
استمر في الضحك:
-اعترفي ان الملاكمة اخر ما تفكرين فيه... قولي انكِ شعرتِ بالغيرة حين أخبرتكِ ان سوزي تتدرب في نفس الصالة
تجهمت ملامحها أكثر عند ذكر حبيبته السابقة التي استمرت علاقته بها لثلاث سنوات لكنها أبت ان تقر بالحقيقة وأنكرت قائلة:
-بالطبع لا !.... كنت أشاركك هواياتك لا أكثر
هز مكسم رأسه وكأنه صدقها مما أثار حنقها أكثر.. وتوعدته في سرها بأنها ستمنعه من دخول هذه الصالة ولتشبع سوزي بها
............................................
حين عاد مكسم من عمله في المساء وقف فاغر الفم أمام صالة الباليه التي خصصها لمايا اذ ان كيس ملاكمة كان مثبتاً في أحد زوايا الصالة مع رف موضوع عليه زوجين من قفازات الملاكمة....
سمع صوت مايا تقول من خلفه:
-ما رأيك حبيبي في مفاجئتي؟ الآن يمكننا ان نمارس هواياتنا معاً
استدار نحوها ولم يستطع ان يوقف الضحكة الرنانة التي خرجت من عمق قلبه .... تقدم اليها محتضناً اياها بين ذراعيه:
-ايتها الزوجة الغيورة
رفعت وجهها مستندة بذقنها على صدره.. ناظرة اليه من بين ذراعيه... محمية تماماً في حيز حضوره ...
-هل تلومني لأنني أريد أن نتشارك كل شيء؟
لاعبت اصابعه شعرها:
-لا ألومك يا سيدتي في محاولاتك المستميتة لإبعاد النساء من حولي
اعترضت:
-من جاء على ذكر النساء الان؟
مر بإبهامه على حاجبها يرسمه وهمس:
-لا تختجلي من غيرتكِ عليَّ مايا.... لأنني أغار كما المجانين عليكِ
ذاب اعتراضها وعلت وجهها تعابير الحب الصافي:
-أنا أعتذر... لكن يبدو بأنني أغار حقاً.. منذ اخبرتني عرضاً ان سوزي تتدرب هناك ومعرفتي بعلاقتكما السابقة وانا أتلوى من الغيرة
-في المرة القادمة أخبريني ببساطة مايا... أنا مستعد لأترك كل شيء يجلب لكِ عدم الراحة....
ابتسمت له.. ولامست لحيته الخفيفة في حركة رقيقة:
-العشاء جاهز سيد هيمسوورث
-دعيني أخذ حماماً سريعاً وأعود اليكِ في الحال سيدة هيمسوورث
طبع قبلة سريعة على أرنبة انفها قبل ان يتخطاها ماشياً نحو السلم
لكنه ما ان تسلق بضع درجات حتى رن هاتفه.. قطب حين عرف رقم المتصل:
-ما الأمر؟
صمت لدقيقة يستمع الى الطرف الآخر ثم قال:
-أنا قادم حالاً...
عاد يهبط درجات السلم ونادى على مايا التي ذهبت الى المطبخ:
-حبيبتي.. سأخرج في عمل مهم.. لن أتأخر.. ساعة وأعود
وقبل ان تأتيه سائلة ما هو هذا العمل كان قد خرج وسط دهشتها....
تمتمت متذمرة:
-مدمن عمل...
..................................................

إيحاء الفضة(الجزء الثالث من سلسلة حـــ"ر"ــــب)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن