1

8.2K 61 6
                                    

للأيام بيننا طابعٌ خاص و بريقٌ لامع ، كما أن لها خيوط حنانٍ تلف جانبينا
و أننا نعلمُ أننا مهما باعدت بيننا الأرض و تصاعدت الجبال عاليًا لتصد النظرات لبعضنا البعض ، فإننا نتصل و لو أبى العالم كله
لكننا ربما نخطئ ، و خطئ صغير و الصغير يكبر و يكبر ليمتد عُمره و كلما امتد العمر توسعت المسافة و تصاعدت الجبال عاليًا
الحياة هي الحياة ، و الزمان هو الزمان لكن النفوس تغيّرت ، و تغطرست و تجبّرت ، و رحِمت ، و حنّت ، و بكت و ضحكت ، تعاطفت و قست ، و دكت فيها معاول الزمن و فعلت ما فعلت

لم يكن يعرف للاشواق بابًا ، و لا للحنين سردابًا ، كان جبّارًا يُهاب و لا يَهاب كان مُهابًا كما يُدعى مُهيبًا ، ما زال يفتكر الليلة الباردة التي أودت بهِ ، منذ سنتين و هو يسمع نفس الصُراخ ، و نفس البكاء ، و الرجاء ذاته
- تكفى يا مُهاب لا الله يخليك لا تكسرني 
منذ سنتين و هو يشعر ب ارتعاشات يديها بين يديه ، و يشعر بحرارة الدمع فوق كتفه ، يختنق كلما تذكر الهمس الضعيف
-الله لا يسامحك و لا يبيحك يا مجرم الله لا يحللك يا ظالم
تعالت صرخات القهر من جوّفه بحرارة فما أقسى قهر الرجالِ على الرجال ، و تهاوت قطع الزجاج على الرخام كما تهاوت هي بين يديه قبل سنتين .

تركض العجوز حافية القدمان صاعدة للسلم بعدما سمعت قطع الزجاج يتناثر و الصرخات تتعالى فتحت الباب بفزع
- مهاب يا أمي وش فيك ؟ وش صايرلك ؟
اغمض عيناه و كأنه يُخبئ حسراته بداخلها و يطوي عليها أجفانه مُجيبًا والدته
- و لا شي ، بداوم بعد شوي و كلمي ياسمينا تجهز لي اكل باكل و اطلع
رمقته والدته بنظرات خوفٍ و قلق لتُجيب عليه
- مسوي هالفوضى كلها عشانك مداوم ؟ ليه اول مره تداوم يعني والا وش؟
يقبل رأسها قائلًا : العذر و السموحة منك يا أم عبدالله عصبت شوي بس
تُدير ظهرها خارجة و هي تهمس له بصوت حنون و رقيق : والله اني دارية انك منت بخالي من ذيك الليلة جيتني و سيارتك معدومه و دمك و دمعك مغطي وجهك ، و الله انك منت بخالي
- يمسك يدها ليميل قليلًا أمامها و يقول : ذيك الليلة باقي في بالك يا امي ؟ ما صدقتيني و انا اقولك حادث و خفت اموت و انا ما شفتك ؟
-لا ما صدقتك ، و لا راح اصدقك يا ولد بطني ، تالي عمري يجي بزر مثلك يلعب علي بكلمتين و يبيني أصدقه ؟ توكل و جهز أغراضك و انزل خذلك لقمتين و الحق دوامك

تقول ما قالت لتخرج بثُقلٍ متباطئة في سيرها و هي تعدل شالها و تمسح بأطرافه دمعةٌ متمردة بمحجر عينها ، و ها هي تتذكر ليلة ابنها المشؤومة تلك الليلة التي قلبت كل شيء رأسًا على عقب عندما جاء مُهابًا في هيئة لا تعرفها هيئة مُهيبة تُسارع نبضات القلب بفزعٍ و رهبة
دخل مُهابًا لباحة البيت بسيارته و قد اختفت ملامح السيارة من الأمام نورٌ واحد يُضيء و تسير السيارة بثلاث عجلات و عجلة رابعة مهترئة ، ليركنها في وسط البيت و ينزل منها راكضًا بدمعٍ و دمٍ في وجهه ، يدخل البيت متجهًا لوالدته ، لتستقبله بُصراخٍ يتعالى و نداءات لمن في البيت ، يسقط في أحضانها باكيًا هزيلًا و هو يُردد
-سامحيني يا امي ، و فكيني من دعاها ، ما سامحتني ، حلفت ما تسامحني ، انا بغيت اموت و ليتني مت انا ما كنت قد الثقة  ولا كنت قد الامانه
كان يهذي بما لا يدري لم يكن يسمع صرخات والدته و لم يشعر ب اجتماع اخوته من حوله ، أسنده همام على كتفه و ليخرج من البيت و هو مناديًّا : سيّاف جب مفاتيحي و الحقني بسرعه بوديه المستشفى
تُمسك والدته بيده لتقول بصوتٍ باكٍ : انتظرني ، ياسمينا جيبي عباتي بسرعه

كسرت جناحيّ اليمامة فكان الجرح سندًا مُهاب Unde poveștirile trăiesc. Descoperă acum