الفصل التالت(حديث صالح)

751 70 0
                                    

- شاطئ الـ ايه؟! انت بتهزر يا ممدوح؟
تنهدَ ممدوح ثم قالَ
- يا انور هو انت مصدق الخرافات دي، ده مجرد شط بس موجه اعلى من باقي الشواطئ
- انت بتهزر! لاء طبعا، الكل عارف أنه شاطئ الكوثر ده اللي راحو مرجعش
- يا انور انت هتعمل زي صالح، انا قولت انت عاقل وهتقول مصلحة ونصطاد عدد أكبر ونبيع اكتر
- ايوة بس .. بس شاطئ الكوثر اصلًا مقفول من زمان بسبب اللي كان بيحصل فيه
- وانا اياك مش عارف ياعم انور، مانا طبعًا كلمت حد حبيبي هيعرف يدخلنا في السر كده
حلَ الصمت بينهم لثواني ثم قال ممدوح
-ها قولت ايه
- طيب موافق
- هو ده الكلام ياعمنا، تصبح على خير

مساء اليوم التالي، تجلس فاتن فى غرفتِها وتتأرجح عينيها ما بين المنديل المكتوب عليه الرقم وما بين سماعة الهاتف .. اتضع الرقم وتتصل؟ استفعل ذلك؟
اخذت فاتن المنديل من على المنضدةِ ونظرت له بعد فتحه لتجد الرقم، تنهدت تنهيدة طويلة ثم بدأت بكتابةِ الرقم وأخذت السماعة على اذنِها ولكن لم يُجيب أحد في الاول وكانت ستُغلِق السماعة ولكنه اجابَ
- ألو
- ا ..اي
تتلعثم فاتن
- مين معايا؟
- ف..فاتن
اعتدل من على الكرسي الذي يجلس عليه وقالَ
- أيوة يا فاتن، عاملة ايه
- انا ..بخير
- متأكدة؟ مرات ابوكي دايقتك في حاجة النهاردة؟
تشعر أنها تحيا من جديد عندما تجد من يهتم باحوالِها هكذا
- لاء .. انا كويسة
صمتَ لثواني ثم قالَ
- صوتك كان واحشني
أغلقت السماعة فاتن بسرعة من خجلِها بينما يجلس يُنادي على الناحية الأخري باسمها عدة مرات حتى ابتسم ابتسامة خبيثة و وضع السماعة على الهاتف

صباح اليوم التالي استيقظ انور من نومهِ ونزلَ ليفتح محل السمك قبل والده النائم في غرفتهِ .. فتح المحل ليتحدث صالح صديقه وهو يقف في محلهِ أيضًا يقول
- صباح الخير يا سيدي اقولها انا مادام مش عايز تقولها
التفتَ انور بجانبهِ ليرى صالح ثم ابتسم ابتسامة صغيرة وقالَ
- صباح النور يا صالح، متأخذنيش ..
- ولا يهمك ياصاحبي، شوفت الواد ممدوح طلب مني ايه
قالها صالح وهو يضع صندوق الجمبري على منضدةِ الاسماك
- اه شوفت .. قالي امبارح، اتصل بيا وعرض عليا العرض
قالها انور حتى جاءت سيدة زبونة تريد الشراء
- والنبي يا انور اديني كيلو سمك تعابين
قالتها الزبونة وهي تفتح حقيبة يدها تُخرِج المال
- من عيني يا امي
قالها انور ثم أكمل صالح حديثه قائلًا
- ده باين عليه اتجنن ياعم، ازاي اصلًا تفكيره يوديه هناك
- اتفضلي يا امي السمك اهو
قالها انور وهو يمد يدهُ الى السيدة التي أمامه بـكيس السمك واعطت له المال، لينظر إلى صالح ويقول
- مش عارف، مجنون ممدوح مش كده؟
- أيوة اومال، طالاما فكر في فكرة زي دي ببقي مجنون
- طب ماكنت جربت تروح يا صالح
رفعَ صالح حاجبيه وقالَ باستغراب
- اروح فين ياعم انت كمان، انت باين عليك طايرة منك زيه
أصدر انور صوت ضحكته ثم نادي الزبائن بصوتٍ عالي
- قرب واشتري السمك، سمك طازة، سمك يا ست تعالى اشتري
بدأ الناس يلتفون حول محل صالح ومحل انور وبدأو بطلباتهم بينما كانَ صالح وأنور يبيعون للزبائن كانو يُكملون حديثهم
- هو انت كنت بتتكلم بجد ولا بتهزر يا انور؟
- على ايه؟
- يعني بجد شايف اني كنت ممكن اروح اجرب معاه مشوار زي ده؟
- لاء طبعًا بهزر
- اهو ده كلام الناس العاقلة
أصدر انور ضحكة عالية قائلًا
- عشان انا اللي اختارت مكانك وهروح اجرب معاه
ظهرت الصدمة على وجهِ صالح وقالَ
- انت بتقول ايه؟ هتروح شاطئ ال..
كان سيُكمل كلامه ولكنه اوقف لسانه عندما نظر إلى الزبائن ورأها تنظر له بينما اتعمد انور أن يُبحلق بعينهِ الى صالح مُشيرًا له الا يقول اسم الشاطئ، حتى اكمل انور
- انا مش مطمن بشكل كامل صدقني، بس مفيش مانع نتخلي عن خوفنا شوية، يمكن كل دي خرافات وكله كان صُدفة على راي ممدوح
نظرَ صالح إلى انور نظرة وكأنه يسخر منه ثم هزَ راسه يمينًا ويسارًا ثم وضع يدهُ علي التسجيل ليعلو صوت القرآن الكريم وبدأ بتعبئة السمك في الاكياس الى الزبائن.

مرَ يومين، وبدأت فاتن بالاستيقاظِ وارتدت فستان اسود قصير من الفساتينِ التي كانت تُرتدَى في زمنِهم، وجلست لدقائق أمام نافذة غرفتِها البسيطة التي تطلُ على شارع عمومي مليئ بالازدحام والناس ولكنه كان في الصباح فارغ وهاديئ ولا تسمع سوى صوت العصافير تُزقزق علي غصون الشجرة الكبيرة الخضراء التي أمام نافذتها مباشرةً، نظرت إلى عصفورة صغيرة بدأت تقترب منها حتى طارت وجاءت تقف أعلى نافذتها حتى ضحكت فاتن على منظر تلك العصفورة الصغيرة وقالت بين ضحكاتها
- خضيتيني يا صغيرة أنتِ
واثناء تلك الأجواء وقعت عصفورة صغيرة من أعلي الشجرة مما جعل فاتن تشهق و وضعت كف يدِها على فمِها وتباعدت عن النافذة.. رُبما تتساءل الآن عزيزي القارئ لماذا كل تلك الفزعة، دعني اقول لك أنه ربما ليس بشيئ بالنسبة لك ولكنه كانَ شيئًا بالنسبةِ الى فاتن ..
أغمضت فاتن عينيها وسرحت لتتذكر
منذُ ست سنوات عندما كانت طفلة تلعب هُنا وهُناك في المنزل وكانت تلعب لعبة التخفي التي تُسمي بـ "الاستُغماية" كانت تلعبها مع أخيها من زوجة أبيها الذي يُسمى ابراهيم ولكنه الآن يعمل بالخارج في بلدٍ عربية ولا يآتي مصر .. كانو يلعبون حتى وقعت الساعة الموضوعة أعلى المنضدة وآتت كاميليا حينها تصرُخ في وجه فاتن الصغيرة بينما كانت فاتن تنكمش على نفسِها من الخوف، مسكت كاميليا فاتن من عباءتِها الصغيرة قائلة لها كلماتٍ بذيئة بينما تبكي فاتن، حتى قامت برفعها وهبدتها على الارض على زُجاج الساعة المكسور وكانت تصرُخ فاتن بشدة حتى سالَ قدمِها دماء.
فتحت فاتن عينيها بعد أن تذكرت تلك الذكري المؤلمة ولذلك فُزِعت من وقعة العصفورة، نزلت وذهبت إلى جامعتها، كانَ لديها مُحاضرات اليوم ولكن ليس لدكتور شريف، ذهبت إلى الجامعة التى ليس لديها بها اصدقاء وجلست على مقهي الكلية وطلبت كوبًا من عصير الليمون المُفضل لديها وبدأت بتناوله حتى وجدت دكتور شريف خلفها مباشرة يُنادي بإسمِها ..
- فاتن..
وضعت العصير على المنضدة ونظرت له وهي تنهض قائلة
- دكتور شريف، اتفضل اقعد
جلسَ أمامها وبدأت نظراته تصعد وتنزل على جسدها قبل وجهها وقالَ
- باين عليكي بتحبي الليمون خالص
ابتسمت فاتن وقالت
- أيوة فعلًا، اكتر حاجة بشربها على طول
ابتسم لها ابتسامة خبيثة قائلًا
- وبتحبي تاكلي ايه؟
نظرت بعيدًا على يمينِها مُبتسمة ثم عاودت النظر له قائلة
- السمك والحمام
أصدر دكتور شريف ضحكته وقال كلماته بينها
- بس ده أنتِ سمبتيك خالص وميبنش عليكي انك بتاكلي حمام وكده
تغيرت ملامح وجهها عندما رأته بدأ ينظر على جسدِها ثم قالت بنبرة حادة
- هو انا ممكن اعرف ليه كل الاسألة دي؟
اعتدل وضم ذراعيهِ الاثنين الى صدره و رجعَ بظهرهِ على الكُرسي وقال
- حابب اعرفك اكتر
- أيوة ليه يعني؟
- عشان تستاهلي اي حد يكون عايز يعرفِك
- كده؟
- كده اوي بصراحة
خجلت فاتن ونهضت وسحبت حقيبتها قائلة
- طب عن اذنك عشان محاضرتي هتبدأ
ابتسم لها وظلَ يتأمل جسدها وهي تمشي قائلًا
- مسيرك هتُقعي

فاتن أسفل بورسعيد |مُكتملة|حيث تعيش القصص. اكتشف الآن