الفصل الرابع (جراءة فاتن)

617 59 0
                                    

انتهت محاضرة فاتن وانتهى اليوم معها وخرجت فاتن وجدته مازالَ يجلس على المقهي ينظر لها، اقتربت له وبدأت بالتحدث
- مش معقولة، انت لسا قاعد هنا يا دكتور!
- أيوة
- طب وليه؟
- عشان اقولك سلام وخلي بالك من نفسك، وعشان اقولك رقمك بقي معايا من اخر مرة قفلتي السكة في وشي، هبقي ارن عليكي، بس مش هقفلها في وشك متقلقيش
ابتسمت فاتن واحمرَ وجهها ثم قالت
- كان غصب عني، كلامك أحرجني اخر مرة
صمتت ثواني تنظر له وهو مُبتسم لها حتى قالت
- عن اذنك
ثم ذهبت

عاودت فاتن من الجامعة والإبتسامة على وجهِها وأدخلت المفتاح في بابِ الشقة حتى وجدت كاميليا زوجة أبيها تجلس تبكي صارخة وتضع يدها على قدمِها، وضعت فاتن حقيبتها على الآريكة واقتربت بسرعة من كاميليا قائلة بصوتٍ جاف
- مالك يا كاميليا حصلك ايه؟
- وقعت على رجلى وانا واقفة على الكُرسي بجيب الساعة عشان انضفها
ابتسمت فاتن بمكرٍ وهي تقوم بخلع رابطة شعرها والقت بها على الآريكة وأخذت خطوات بقدمِها تقترب اكثر من وجهِ كاميليا ثم قالت
- ياااه .. ورجلك متكسرتش؟
رفعت كاميليا وجهها إليها وهي تمسك بـركبتِها وقالت
- كده يا فاتن؟ اهون عليكي؟ ده انا زي امك، روحي هاتيلي المرهم اللي في الرف الفوقاني
قالتها كاميليا بنبرة كاذبة حنونة، ضمت فاتن ذراعيها الاثنان إلى صدرها واصدرت ضحكة لا تتعدي الثواني صغيرة ساخرة وقالت
- أيوة اعمليلي بقي فيها كريمة مُختار
ثم تركت ذراعيها عن بعضهم البعض وقالت بنبرة حادة
- أنتِ عُمرك ما كنتِ امي يا كاميليا، أنتِ فاكرة بعد وفاة ماما بشهر لما كنت بلعب مع ابنك ابراهيم وهبدتيني على ازاز الساعة المكسور شايفة ولا عميتي؟ إن شاالله تعمي يا كاميليا
قالت اخر كلماتها وهي ترفع فستانها قليلًا لتُريها اثار الجروح القديمة بقدميها الاثنين، وضعت كاميليا وجهها بالأرض بخبثٍ وتحدثت
- مكنتش قاصدة اوقعك، وقعتي مني غصب عني
قالتها كاميليا وبدأت بالصراخ من التواء قدمها مرة أخري ثم أكملت قائلة
- يابت هاتيلي المرهم، لا يكون رجلي اتكسرت كمان
قامت فاتن بإصدار زغروطة قائلة بعدها
- ان شالله ياختي
لتُنادي جارتهم التي تسكن بجانبهم والشُرفة بجانب الشُرفة
- كاميليا، أنتِ يا ولية يا كاميليا أنتِ هتجوزي البت فاتن ولا ايه، ايه الزغاريط دي
نسيت فاتن ما كانت تفعل حتى صدرت منها ضحكة عفوية على كلمات تلك السيدة، اخذت خطوات ونظرت من الشُرفة تقول
- لاء مفيش حاجة يا ام فاطمة ده التليفزيون عالي بس
دخلت فاتن تضحك ثم أغلقت ستائر الشُرفة وعندما اتجهت إلى كاميليا تغير وجهها مرة أخرى ولكنها ذهبت لتُعطي لها المرهم بوجهٍ ملىء بالكُره ..يبدو أن فاتن بداخلِها شىءٍ ابيض وليس مثل كاميليا ..
- خلى بالك انا ممكن مدكيش كنت المرهم، أنتِ مش امي ولا هدخليني نار من معاملتي ليكي، بس عشان قدام ربنا وأنتِ ست كبيرة كده
ظهرَ الغضب على وجهِ كاميليا وقالت
- انا ست كبيرة؟ انا ست كبيرة يا معضمة ياللي عاملة زي ما يكون عندك مية سنة
اخذت فاتن خطوات وجلست على الآريكة وقامت بتعرية فستانها إلى ركبتيها وقالت
- ده انا مفيش عين في بورسعيد متتمننيش يا كاميليا، مسم بس هنقول ايه، طبيعي تكوني داخلة على الخمسين سنة وغيرانة اوي كده من فاتن بنت بورسعيد
- أنتِ مالك يابت جاية نافشة ريشك كده
قالتها كاميليا، ثم وجدت زوجها مدحت يفتح باب الشقة، نظرَ إليهم ثم قالَ بصوتٍ اجش
- خير إن شاالله، قاعدين في وشوش بعض كده ليه
- بقولك ايه، تعالى شوفلي صِرفة في بنتك قليلة الادب دي
استمع مدحت إلى كاميليا ثم أزاحَ نظره عنها ونظرَ الى فاتن وقال
- عملتي ايه يا بت لمرات ابوكي
- البت من ساعة ما جات عمالة تردلي الكلمة بعشرة، بت صحيح مشافتش رباية
- لاء يا كاميليا انا متربية كويس اوي وطالعة من ايد ماما مش من ايدك
- أنتِ يا بت يا فاتن، اخرسي وكلمي مرات ابوكي باحترام عن كده
نفخت فاتن في الهواء ثم سحبت حقيبتها ورابطة شعرها من على الآريكة ودخلت إلى غرفتِها، تُبدل ملابسها وترتدي قميص لها ناعم واشعلت المروحة وجلست أمام التلفاز، وبدأت تُفكر في نظرات دكتور شريف لها وكلماته المعسولة، اخذت الوسادة في عناقِها وظلت تُشاهد التلفاز

يأتي مدحت ويُدلك قدم كاميليا بالمرهم
- ابقي خلي بالك يا كاميليا
- بقولك ايه، سيب كاميليا في حالها وحط المرهم وانت ساكت، انا كاميليا بت مفعوصة زي دي ترد عليا
- أنتِ دايقتيها الاول؟
- انا؟ انا بدايقها؟ ده انا من يوم ما جيت هنا وانا شايفاها بنتي
قالتها وعينيها تتحرك يمينًا ويسارًا بنبرةٍ كاذبة، نهضَ مدحت وذهب إلى الثلاجة أخذ زجاجة ماء كبيرة ثم نزلَ ورشة الحدادة خاصته مرة أخرى ..

مضي اليوم وجاءَ الليل فاتن تسير إلى الأمام ثم تلتفت بوجهها إلى اليسار مرة أخري وتسير وهكذا ظلت وهي تنظر إلى الهاتف تريد سماعه يرن .. حتى رنَ، اخذت خطوات سريعة وحملت السماعة بـرزانة وهدوء تمثيلًا أنه ليس ببالِها لتقول  "الو" ولكن تُجيب سيدة كبيرة تقول
- مش ده رقم فتحي؟
نفخت فاتن في الهواء قائلة ان الرقم خطأ، و وضعت السماعة علي الهاتف بغضب وكادت ستجلس على السرير حتى رنَ الهاتف مرة أخري
- وبعدين معاكي ياستي قولنا الرقم غلط
- نعم؟
قالها دكتور شريف بينما عين فاتن اتسعت بشدة ولم تجد الكلمات لتقولها حتى بدأت تتلعثم قائلة
- دك..كتور شريف.. اسفة فكرتك حد تاني

فاتن أسفل بورسعيد |مُكتملة|حيث تعيش القصص. اكتشف الآن