12- | قلائد الأحجار |

60 6 2
                                    

جاء المساء وجلست أسرة "نيثان" على طاولة الطعام الملكية الطويلة، برفقة زوجته "تالين" وابنه "فَارس" الذي وصل هذا الصباح من موقعه فالصحراء، كانوا بمفردهم تمامًا، ورُغم أن "چود" قالت أسباب مقنعة لعدم مشاركتها لهم إلا أنهم لم يصدقونها، فهم يعلمون جيدًا أنها لا تريد أن تتعرض لأي أسئلة والمقصود بِهم كل من "تالين ونيثان"..

الصمت كان رئيس العشاء، فقط أصوات شُعل الشموع، والقليل من احتكاك المعالق بالأطباق، ونظرات غير منتظمة يتعرض لها "نيثان" من قِبل زوجته..

أما "فارس" فكان يمضغ طعامه بشرود، يفكر بأن ما يحدث هنا ليس إلا بداية، ورُغم أن والداه يظناه لا يعلم شيء، إلا أنه كان على عِلم بكل صغيرة وكبيرة تحدث بالقصر، ترك الطعام الذي بيده وسَلط عيناه البندقية على مقعد خاله الفارغ، ثم أتجه إلى المقعد المجاور له، ذلك المعقد الخاص بها، مازالت أنفُه تشتم رائحتها التي تشبه رائحة تِرياق الحياة، يرىٰ طيف ابتسامتها وحُمرة خديها الخجولتان، ثم دَمعت عيناه على ظُلمة القصر الذي كانت سعادتهم تشق جدرانه ضوءًا وأملًا، وحُبًا!..

-" إلا يعجبك الطعام عزيزي؟، لقد صنعته لك خصيصًا!"

شق سؤال "تالين" البهو الصامت، وكذلك تفكيره، ليجيب عليها سريعًا قبل أن يلتف بعنقه إليها:
-" بلى أُمي، سَلُمت يداكِ."

تساءل والده بعد أن لاحظ شروده مجددًا:
-" إلا تُريد أن تسأل عن أي شيء، فَارس؟"

ابتسم "فَارس" ابتسامة ذات مغذى وهو يطالع بعيناه والديه وقال:
-" لا أبي، لا بأس ببعض الجهل أحيانًا!"

ثم أكمل وهو يقف:
-" سأخلد للنوم، أحتاج للراحة، أسف أمي لا علاقة للطعام بشرودي، سَلمت يداكِ ثانيةً، ليلة سعيدة."

طالعته "تالين" بمشاعر مطربة ثم عادت لزوجها الذي كون قبضتبن متشابكتين أمام فمه وهو يفكر، فيما يشعر به، فهو يعلم ذلك الشعور الذي يراوده حين يحدث شيء خارج عن طبيعة الأمر، لديه حدس غريب بأن ما هو قادم صعب، وعلى الجميع أن يشارك بعيشه، لم يكن لديه الشجاعة أيضًا بمصارحة "تالين" بكل ما يشعر به، ولكنها كانت دائمًا تقرأ عيناه جيدًا، وما إن اطالت النظر بهما، تنهدت بحرارة مكتومة تزامُنًا مع تساقط الدموع من عينيها، أما هو فأخذ بلمس يديها المرتعشتان وقبلهمها بكل هدوء، دون التفوه بحرفٍ واحد!!

بعد الانتهاء من النظر أعلى الدَرج الثمين، نراه وهو يدلف إلى غرفته وهو يتجه مباشرةً إلى الشرفة العملاقة الخاصة به، وبيده ورقة وريشة قام بإلتقاطهما من الطاولة العريقة التي بالزاوية، ثم أخذ يخدش عليها كلماته...

"عزيزتي قُوت، وصلت اليوم إلى المملكة والأمر إلى حدٍ ما تحت السيطرة، والدتك بخير ولكنها ليست كذلك بنفس الوقت، ورُغم ذلك فهي تكافح، أما بالنسبة لأبواي، فهم كانوا قبل عشاء الليلة يظنون أنني لا أعلم أي شيء بخصوص هربك وما يحدث بالمملكة، ولكن بعده أظن أنهم تيقنوا بأنني أعرف كل شيء، ولكن ما يجهلوه أنك من كنتِ تتولي أمر ذلك فلا تقلقي، قريبًا سأصل للكهف الذي نقلك إلى الوادي، وسأعثر عليك وأكون إلى جانبك، أتمنى أن تكوني بأفضل حال..
سأرسل الرسالة مع صقري "هيجن"، أنه قرمزي اللون ذو ذيل بني لامع، أتمنى أن تتعرفي عليه، أما بالنسبة له فسَأُشممه رائحة شالك وبالتأكيد لن يخطيء بالعثور عليكِ.

| چُــمَاڤـــيّ | °الجزء الثاني للعالم المعكوس° ✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن