14- | أسرار |

48 5 0
                                    

قسوة الحياة لا تفرق بين صغيرٍ ومسن، لا تهتم حتى إن كانت قسوتها هذه ستدمر من يتعرض إليها أم لا..
لا يوقفها وقت ولا خبرة، ولا حتى تعلم مقدار الألم الذي يشعر به المرء حين يتحالف عليه كلًا من زمانه ومكانه سويًا!..

كم كان صغيرًا على أن يترجم عقله كل ما يحدث وكل ما يمر به، لم تُتيح له الفرصة حتى أن يعتاد المشهد، مشهد الأمان الذي يفتعلانه ابويه من حوله بكل سلاسة..

كان ينام على أرضية لذجة ورطبة يكسوها الغُبار وبعضُ الحشرات التي لم يشاهدها من قبل، أُفيق بخوفٍ من غفوته ثم تدحرج بهالته الصغيرة إلى ركن من أركان الغرفة المظلمة نسبيًا، كان وجهه شاحبًا وخائفًا يملأ خديه بقعة سوداء نتيجة ارتطام وجهه بالأرض أثناء نومه، وتوسط خديه خطٌ لامع افتعلته الدموع البريئة..

ولكن رُغم قساوة ما تشهده عيناه، ألا وأنه كان يتألم بصمت، يبكي بصمت، ويخاف بصمت أيضًا..

كانت عيناه تلمعان ببعض اليقين بأن كل شيء سيكون على ما يرام؛ كما كان يقول له والده دومًا..

وعلى حين غرة دلف رجلٌ ضخم الهيئة يلثم جسده بقطعة من القماش الثقيل، ووقف أمامه يتأمل حالته المزرية..

ولكن الطفل لم تهيبه تلك الهالة الواقفة أمامه ووقف بكل ثبات يحدق بمقلتاه الدامعتان به وقال:
-" من أنت وأين عائلتي؟"

ضحك الآخر بثغره ورد بصوت أجش:
-" يؤسفني قول أنك لن تراهم بعد اليوم."

-" كيف؟"

-" تسأل كثيرًا أيها الصغير!"

فأجابة سريعًا وهو يُجفف عيناه:
-" لستُ صغيرًا، أُدعى تَيم"

للحق.. راقت له تلك الشجاعة التي استطاع أن يلتقطها من عيناه، وأيضًا هذه الثقة التي تحتل نبرته الباكية كم كانت فريدة وجذابة بالنسبة له، وكم كانت قاسية بالوقت ذاته؛ هيئته الجامدة هذه تذكره بهيئة ابنه " إياس" كثيرًا..

ولكن ما إن شعر بتسلل ذلك الطيف اللعين الخاص بالماضي وذكرياته، قال بكل برودٍ:
-" لقد قتل أباك ورفاقه ابني وعزيز قلبي أيها الصغير، تُرى من رأيك كيف لي أن أرد له الجميل فيك؟، بفصل رأسك أم برميك للحيوانات المفترسة؟"

لم يخف "تَيم" لوهلة واحدة حتى ورد عليه بشجاعته المعتادة فالحديث من البداية:
-" أبي لا يفعل إلا الصواب ومن رأيي أنك شخص شرير وهالتك مقززة."

استعت حدقتي "سلاف" بينما أكمل "تَيم" حديثه:
-" إن كنتَ تظن أن موتي سيريحك من أبي فيمكنك أن تقتلني الآن، أبي شخص شجاع وقوي ولن يتركك أبدًا إلا بخلاصك لأنه يحبني."

ابتسم "سلاف" بإعجاب وهو يطالع هيئته الصغيرة من أعلى إلى أسفل، رقت عيناه ودمعت بعدما احتلها طيف صغيره وهو يتحرك بالأرجاء..

| چُــمَاڤـــيّ | °الجزء الثاني للعالم المعكوس° ✓Where stories live. Discover now