23- | ابنًا لمَن؟|

21 6 0
                                    

حين يستولي البغض على القلوب تصبح بقساوة الجبال الوثيقة، لا شيء يغلبها سوى تدخلٌ إلاهي..
حين تتعمد الأعين اغلاق الجفون عن كل سيءٍ يدور حولها،
وحين تُطمس الأخلاق قصدًا في وحل الضغينة دون المثابرة على الاحتجاج أو حتى المقاومة..
الأسى على المتهاون في اخلاقه وألف أسى..
لا شيء يضاهي بشاعة الفقد وخصيصًا فقد المباديء..

كان يقف أمام جيش الهياكل -هاكوبا- بالساحة وهو يتعمق النظر فالأفق البعيد، وكأنه يرى انتصاره في القريب العاجل برفقة غِله الكبير، أصبح بحالة يرثى لها أثر وصوله لأقصى مراحل السحر وهي تقديم الضحية لأجل احياء مبتغاه..
تلك المراحل السوداوية التي وصل إليها ليست إلا بداية؛ بداية لنهاية كل شيء على هذه الأرض..
للأسف الوضع يختلف عن قبل بكثير، لأول مرة على هذا الكوكب يصل به الحال إلى هنا، شتات، موت، عذاب وقهر، الكره تغلل بالقلوب يصاحبه الكثير والكثير من الشر، لأول مرة يفقد اليافعون ثقة نجاحهم في التغلب على شيء.. لأول مرة يتغلغل شعور الفشل بأعماقهم..

فالوجع أصبح مضاعف الآن..
فقد مازن أولًا، وفَارس ثانيًا، وچود ثالثًا، وختامًا كانت البلورة الحانية التي ترشدهم إلى الطريق؛ قُوت..

"خُضير" بالقرب من زوجته على الضفة العالية التي خلف القصر مباشرةً، يحضنها بتشتت وقلق، بخوف وحزن تعمق داخل كلاهم..

"تَيم" بالقرب منهم على الناحية الأخرى كالقماشة الواهنة، ضعيف، هش، لأول مرة يسمح لدموعه الفائضة بالتمرد على جبينه هكذا، اصتحب هذا الشعور الذي يتملكه الآن الكثير والكثير من المرات الأولى لكل شيء..

ذهبت شقيقته كذهاب ابيه، دون الارتواء بتفاصيلها، دون الهناء بكل الاحلام التي كان يتمنى أن يحققانها سويًا برفقة بقية العائلة ووالدته التي لايتذكر حتى طيفها، اللعنة على "سلاف" الذي لم يسمح لصغار هذا الكون بالتمتع بأقل ما يتمنون..

"روز" تقف خلفه تحاول جاهدة التقدم ولكن تلك الدموع المؤلمة تمنعها كل ثانية، كم تتمنى أن تمتلك القدرة على اقتلاع ذلك الألم الذي ولجَ بقلبه ولكنها للأسف لا تهوى على فعل شيء سوى الجلوس هكذا مكتوفة الأيدي..

هنا "نور" برفقة "أنس" يراقبان الدمار والنيران التي نشبت بأعماق المملكة، الدخان المتصاعد كان كافيًا لإثبات الأرض لهم بأنها تحتضر، السماء اليوم تبدو حزينة، تبكي على حالها وحال شعبها وشبابها الذي يختفي من بقاع أرضها برمشة جفن، تغلغلت القلوب بأحاسيس الذنب، والبعض منهم كان ينقسم بين الحزن واليأس..

الأحوال أخذت المجرى المهلك والقاسي، لا حلول أمامهم الآن.. فقط والكثير من الندوب التي استوطنت على ذكرياتهم، حاضرهم ومستقبلهم..

-" ارجوكم لنفعل شيء، ما ذنب شعب المملكة بكل هذا؟"

قالتها "نور" بإنهيارٍ بعد سماعها لصراخ البعض بالأسفل، ولكن لم يجيبها أحد سواه:
-" لا شيء، لن نفعل شيء، لم يتبقى شيء لنحارب لأجله"

| چُــمَاڤـــيّ | °الجزء الثاني للعالم المعكوس° ✓Where stories live. Discover now