|الفصل السابع والعشرون|

4.6K 356 121
                                    

~التجاهل: صدقة جارية على فقراء الأدب~

|عَزَاءً مُؤبْد|

أضاق عينيه على تلك الفوهة الخضراء، يترقب شيئاً مثيراً قد يخرج منها، ولكنه لم يتلقَ سوى تحوُّل تلك الفوهة إلى اثنين ثم الرجوع إلى واحدة، تساءل في نفسه عن ماهية هذا الشيء الذي يرقص أمام عيناه، ليسقط عينيه ببطءٍ مشاهداً توسع اللون الأخضر في عينيه، حتى قطع تلك اللحظة الحاسمة صوتُ أحدهم:

"لمَ لمْ تخبرها عن حقيقتك؟"

لوهلةٍ قصيرة نسيَ فيها كل ما حوله والأسوأ نسي نفسه، لذا رفع رأسه إلى مصدر الصوت بنظراتٍ متغابية، وفي جزءٍ من الثانية كل ما كاد ينساه في لحظة عاد إليه سريعاً، تذكر ما حدث قبل ساعةٍ من الآن لتضيق نَفْسه مشفقاً على حاله، حوّل نظرته البلهاء إلى نظرةِ حزنٍ أشبه بملامح طفلٍ يهدد بالبكاء، وجاوب على السؤال بصوتٍ مهزوز:

"أنا أخطأتُ، لم يكن عليّ تقبيلها، أو حتى أكن لها المشاعر، الحب الحقيقي لا يعرف غنيٌّ أو فقير، هي لا تحبني أو أنها تخاف من أنها تحبني، ما الفرق الذي سيحدث إن اخبرتها أني ثريّ؟ فكلتا الحالتين سأكون كما أنا، ومن المفترض أن تحبني كما أنا، هذا إن كانت تحبني حقاً"

آبَ عينيه إلى الفوهة الخضراء ليكتشف أخيراً أنها القنينة التي تستقر بين كف يده وأصابعه، ألصقها بفمه يزلق ما بداخلها إلى داخله ومن ثم يبتلع سريعاً.

"وهل لأنها لم تبادلك المشاعر ذاتها يعني تبقى على فراشك حاملاً بيدك هذا الشراب المُميت؟"

كان صوت لوي أقرب إلى السخرية منها الشفقة. ابتسم زين فجأة، وألتقط بغطاء القنينة، وقذفها نحو رأس لوي، ليقلب لوي عينيه بضجرٍ من رمي الأشياء عليه منذ بدء شرب زين لتلك القنينة، أولاً كان القلم وثانياً جوارب زين والآن ذلك الغطاء.

ضحك زين ضحكةً لا فرق بينها وبين ضحكة مجنون، وقال:

"بل لأن الحياة لا تبادلني الشعور ذاته"

بعد اختفاء رنّات ضحكاته، وزيارة الصمت للغرفة ثواني، أستأنف زين قائلاً بشرود:

"الحياة سخيةً مع المخادعين، بينما تبخل على المخلصين مَن يطلبون العيش البسيط، كل ما أتمناه أشياءٌ تافهة، كعائلةٍ حقيقية وحياةٍ روتينية بسيطة"

شعر بيد لوي تربت على كتفه، ورآه يسحب القنينة من يده ببطءٍ وألقاها في سلة المهملات، لوهلةٍ رأى طيف والده ليشعر بقشعريرة خوفٍ تسري على جسده، وأدرك أنه لم يكن إلا لوي في الغرفة، ضغط على جانبي رأسه بكفيه، وشعر بدموعٍ تنزلق من عينه بصمتٍ. أمسك لوي زين يدفعه نحو السرير ليستلقي، وقال:

"نم الآن، سأخبر السيدة روزاليند أنك لست بخيرٍ لتمنحك اليوم إجازة، ما تفعله خطرٌ على حالتك النفسية والبدنية أيضاً، زين، لم تنم منذ البارحة، وتشرب الكحوليات ومعدتك فارغة، أخشى أن يحدث لك شيئاً"

عِقَاب خَادِم | Zayn Malikحيث تعيش القصص. اكتشف الآن